خلف قناع الانتقام نار تريد أن تخمد، حب يريد أن يطفو، خوف من القادم، حنين للماضي، عشق للذكريات، تملك للحاضر، لكن نصل اللسان وخطة العقل يتكفلا بالأمر ليردا وبقوة على من أذاقهما لوعة الفراق عمن أحبوهم. ..
..................
في منزل حمزة..
ظلام دامس يحيط بالمكان، تلتفت حول نفسها فزعة، علها تجد من يساعدها، غير قادرة على رفع صوتها، وكأن لعنة أصابتها حتى لا تهرب الحروف من بين شفتيها، لتجده يقف أمامها بكامل هيئته ونفس ملامحه، لكن هذا المرة تعبيرات وجهه مختلفة، غاضبة غامضة مبهمه بالنسبة لها، لا تعلم ما أصابها ولكن دق الرعب بقلبها، وعقلها ينبهها بوجود خطب ما به، عيون كالجمرات المشتعلة تريد حرقها، وبدون مقدمات كان يقبض على رقبتها، كيد من الفولاذ أحكمت الغلق، ليزرق وجهها لمنع الأكسجين من الدخول لرئتيها، تستجديه حتى يتركها لكنه كالصنم لم يتزحزح من مكانه، ليقول بصوت أجش"غلطاتك زادت" لتستيقظ فزعة، والعرق يتصبب من جبينها، غير قادرة على تفسير ما رأته، تتحسس رقبتها بأناملها المرتجفة، غير قادرة على التحكم بنبضاتها الهائجة، لتسبح ذكرياتها دون خجل لماض تحاول دفنه، ماض لا تريد له الظهور حتى لا تضعف فهي أقسمت على الانتقام، ولن يقفها أحد لتتذكر وبشراسة هذه المرة حياتها السابقة لتتذكر زوجها الراحل، كيف كانوا عائلة بسيطة متحابة، تحمل زوجها الكثير في حياته حتى يرفع مستوى معيشتهم لحال أفضل، أصبح من ءشهر المقاولين في الدقهلية، لتأتي ابنتهم تنير حياتهم وتكللها بالحب، لكن........
عند هذا الخاطر اظلمت عيناها كرهـًا لذلك الشخص، من كان سببًا في قلب حياتهم رأس على عقب، وكأن زلزال ما قد بطش بها في أحد احتفالاته، لتدمر السعادة، ويحتل الكره جنبات القلب بلا منازع، فهي تريد الانتقام لزوج كان سند في حياتها، لن يمنعها أحد عما انتوت فعله، ستدمر كل شيء كما تدمرت حياتها.
ليقطع شرودها آذان الفجر، لتستغفر الله ثم تذهب إلى الحمام لتتوضأ وتصلي، بعد أن أخمدت نيران الضمير وتعذيبه بعد ثورة هوجاء لإقناعها بالعدول عن قرارها، بعدما يئس التسامح عن فعل شيء...
.......................
في الصباح الباكر....
تتململ شمس في سريرها، عندما أزعجها ارتفاع رنين الهاتف لتستيقظ عنوة بعدما انتشلها من حلمها مع فارس أحلامها المجهول، لتجد رسالة منه، لتنفرج شفتاها عن ابتسامة حالمة حينما تقع عيناها على حروف الرسالة"كنتي لي الصباح، أتقبلين بأن تكوني آخر شخص تراه عيناي في المساء، وأول شخص تراه في الصباح؟؟!" هل هذه دعوة مباشرة للزواج بها، هل أحبها وليست اشتغالات كما أوهمها عقلها؟! عند هذا الحد بدأت التساؤلات تهاجم عقلها بشراسة تريد إفاقتها من هذا الكابوس، وسؤال واحد يتردد بذهنها، من هو؟! وماذا يريد منها؟! وهل حقـًا يحبها أم مجرد تسلية! وعند هذا الخاطر وضعت الغطاء عليها تريد الهروب من تلك التساؤلات لعالم الأحلام علها تجد إجابات لكل هذا الوضع، وفي داخلها قرار وتحد بأنها سوف تقص كل هذا على صديقتها، فمن المحتمل أن تجد لديها الحل للخروج من تلك الدوامة..
......................
في فيلا سليم...
وخصوصًا في الطابق العلوي، يجلس على طرف الفراش، يعطي أحدهم الدواء، نظرة امتنان عبرت مقلتيه ليترجمها سليم بسهولة، ليتحدث سليم برزانة: مفيش بينا شكر، بكرا لما تخف تقدر تشكرني براحتك.
ليتحدث الشخص المقابل له على الفراش: خايف ي سليم مفتكرش عائلتي، مفتكرش حياتي اللي فاتت
سليم بمزاح: حتى لو مفتكرتش عائلتك اعتبرني انا عائلتك، ولا ايه رأيك ي سيف؟!
سيف بابتسامة امتنان: انت فعلًا أعز صديق ليا ي سيف، كفاية إننا.......
سليم مقاطعًا: متكملش ي سيف، هتعرف كل حاجة في الوقت المناسب كل حاجة أهم حاجة دلوقتي قول لي ايه اللي انت فاكره؟!
سيف بهدوء: انا مش فاكر أي حاجة حتى اسمي معرفش اذا كان هو كدا ولا انت اللي سمتني سيف!! ليجيبه سليم بضحك: لا انت اسمك سيف، من البطاقة بتاعتك، وعرفت من خلالها كل حاجة عنك، بس انا مش هقدر أرجعك لهم وانت مش فاكر حاجة، مش عايزك تحس انك تقيل على حد، عايزك تفضل معايا لحد م تخف وترجع لك ذاكرتك، اتفقنا؟!
ليكتفي سيف بإيمائه من رأسه دليل على موافقته، ليكمل سليم بهدوء: كمل لي بقى ايه اللي بتفتكره دايمـــًا...
سيف بهدوء: في بنت دايمًا كانت بتحذرني من حاجة، وكانت بتحبني وقالت لي اني هندم بعد كدا لأني مسمعتش كلامها، نفسها كانت بتيجي لي سواء وانا في الغيبوبة أو بعد ما خرجت منها، حاسس اني ناقصني كتير مش مجرد عائلة وإخوات، لا حاجة أكبر انا مش فاهمها.
سليم لنفسه: دي أكيد ميرا، يبقى أكيد هي اللي عندها الحل وهي اللي تقدر تخليه يفتكر كل حاجة.
ليقطع شروده دخول أحد رجاله يعلمه عن وجود زائر في الأسفل، ضيف غير مرغوب به، لينظر سليم لحارسه نظرة أرعبته، ثم يتحدث قائلًا: دخله الصالون وشوفه يشرب ايه!! لحد م انزل لك، وحسابك بعدين..
لينصرف الحارس بصمت يفعل ما أمره به سيده، منتظر عقاب سيكون الأسوء في حياته، فيبدو انه نسي تعليمات سيده، لكن صدر الحكم وبقي التنفيذ...
ليستأذن من سيف وينزل إلى ضيفه الغير مرحب به، ليجده يقف أمام صورة تجمعه بوالده معطيـًا إياه ظهره، ليقول سليم لنفسه بسخرية: أخدت ايه من طلتك ي ممدوح بيه، لما هأخد من ضهرك؟?
ليكمل كلامه بصوت عال نسبيـًا: ايه الزيارة اللي مش لطيفة والغير مرحب بها دي ي ممدوح بيه؟!
ممدوح متحكمـًا في أعصابه: مقبولة منك ي سليم م انت بردوا......
سليم ببرود: المصالح بتتصالح ي ممدوح بيه، المهم ايه سر الزيارة؟!
ممدوح بعصبية طفيفة استشعرها سليم: بقالي فترة بآجي أزور سيادتك يقولوا لي مش موجود، لحد م أصريت النهاردة اني اشوفك.
سليم بنظرة تحدي ترجمها ممدوح بسهولة: م انا اللي عطيتهم أمر بإنهم لهم يقولوا لك كدا، ونفس الأمر اتلغى من فترة بسيطة خالص.
ممدوح بحقد: ليه مكنتش عايزني أقابلك؟!
سليم بثقة: كنت عايزك تفكر بهدوء من غير م شيطانك يأثر على قرارك، ندخل في المهم، شرطي اتحقق؟!
ممدوح بغرور: مش ممدوح بيه اللي يزعل ويتأثر على شوية فلوس وأسهم عنده منهم كتير...
سليم باستخفاف: اومال أخدت كل الوقت دا ليه في التفكير؟!
ممدوح بثقة: عادي كنت براجع حساباتي وكل خططي علشان مطلعش خسران..
سليم مادًا يده ناحية ممدوح ليأخذ الورق منه: الورق اللي فيه شروطي علشان المحامي يراجعه وبعد كدا تتوثق لأني مش ضامن.
ممدوح بغيظ: اتفضل.
ليأخذه سليم منه ويبدأ بقراءة كل كلمة به، حتى يعلم الثغرات الموجودة به، ثم التفت إلى ممدوح قائلًا: هبدأ في خطتك بعد م العقود تتوثق.
ممدوح بدهاء: وانا ايه يضمن لي انك تنفذ اتفاقنا؟!
سليم بهدوء: لأن سيادتك اللي عايزني، يعني أكيد مش هضحك عليك علشان شوية أسهم في شركتك، وانا لو عايز الشركة كلها ليا طرقي، بس بقول الطيب أحسن، بعد إذنك بقى ي ممدوح بيه البيت بيتك، عندي اجتماع ولازم اجهز.
ممدوح من بين أسنانه: اتفضل طبعـًا ي سليم انا ماشي أساسـًا طالما مهمتي انتهت.
ليفترقا ونفس كل منهما تحمل عكس المتوقع تمامًا، وابتسامة رسمت على محياهما؛ كأنهما يعاندان كل شيء في سبيل الانتقام.
.....................
في أحد الكافيهات البعيدة نسبيًا عن ضوضاء المدينة، تجلس بحزن كعادتها تفكر في كلام جاسر واستنتاجات كثيرة توصلت لها تريد شرح لكل شيء؛ لتفهم تلك الأحداث المتشابكة، تصدق أخاها، أجل لكن حنينها لأختها الكبرى يتضاعف في كل مرة، لو قالت لها لا لم أفعل أي من ذلك لا تصدقي ستصدقها، ف حب أختها موشوم بقلبها لن تستطع أن تنتزعه مهما حدث، لا تعلم سبب اختفائها فجأة، وهل لها علاقة بموت والدها؟! أم أن جاسر يظلمها بدون دليل، ومضة حنين عبرت مقلتيها عندما وجدتها تدخل الكافيه، لكن مهلًا، ما تلك الملابس التي ترتديها؟! وضحكاتها العالية مع الشاب المرافق لها!! صدمة شلت تفكيرها لبرهة، لا تستطيع تفسير أي مما تراه، هل أصبحت ترى أختها في كل شخص من كثرة الحنين؟! هل كلام جاسر صحيح؟! وقبل أن تنهش الظنون عقلها أكثر من ذلك قررت مواجهتها، لتقف قبالتها قائلة باشتياق ممزوج بالاستنكار: رانيا!!!
صدمة، غضب، كراهية، كان الجواب على كل أسئلتها لتسير الأخرى باتجاه الطاولة دون الرد حتى على تحيتها، مما جعل الدموع تنهمر بغزارة من بين جفنيها، وهي لا تصدق بأنها أصبحت هكذا، لكن قرار واحد سيطر عليها وهي يجب أن تعرف كل شيء من جاسر ووالدتها مهما كلفها الأمر، لتنصرف دون أن تنظر للخلف.......
....................
أنت تقرأ
وعـدي ووعيـدي"ج2 أزمة نسب"..أسماء رمضان
Romanceكل مايحدث في حياتك لا يشترط أن يكون سيء، بالعكس بعض الأزمات تحدث لكي تعرف من معك ويريد مصلحتك، ومن يعتبرك جسر لهدف معين، هكذا كان الحال مع الأبطال، مشاكل ومكائد، حزن، وحرب، وعلى جميع الأطراف أخذ ما يلزمهم، استعدادًا بتلك اللحظة، فلا يشترط أن من يبتس...