الفصل العاشر ج3

2.3K 86 2
                                    

وراء حاجز الصمت دموع ترغب بالانهمار، لسان يود الدعاء والغفران، قلب يريد الحب والاستقرار، عقل يرفع راية الاستمتاع، وما بين قلب وعقل شخص يرغب بالهدوء والاسترخاء.
......................
في منزل مراد وميرا...
تجلس بتوتر كعادتها، فبعد سفر هاشم وهي هكذا، شديدة التوتر، قليلة الكلام، كثيرة الدموع، وهاهو يدخل من باب المنزل ويراها في تلك الحالة التي اعتاد عليها، ليضمها، فقط يضمها لصدره دون حديث، كأنه يمنحها تصريح بأنه موجود بجانبها في أي وقت، لتنظر له بعيون مغيبة مليئة بالدموع، ليشدد مراد من احتضانها، لتبكي بدون صوت، دموع تهبط من عينيها تمحي حزنه علها تخفف من توترها، بعد فترة ليست بالقليلة يخرجها مراد من أحضانه، ليمسح دموعها، لتنظر له بعيون شاكرة لوجوده بجوارها، وقبل أن تهم بالوقوف، أمسك يدها؛ ليجلسها مرة أخرى، ثم تحدث بهدوء عكس الصخب بداخله: مش هتقولي مالك ي ميرتي؟ !
ميرا بصوت متحشرج: تعبانه ي مراد، تعبانه لدرجة اني مش فاهمه ايه السبب.
مراد بهدوء بعدما ربت على كتفها: ملاحظ انك متغيرة من بعد سفر هاشم، ايه السبب لكل دا؟!
ميرا بتهرب: ممكن منتكلمش في الموضوع دا تاني، لأني فعلًا مش قادرة.......
ليقاطعها مراد باستفزاز: خليكي فاكرة انك اللي بتبعديني عنك برضاكي، علشان لما أسيبك واتجوز واحدة تانيه متبقيش تعيطي.
لتتنبه كافة حواسها عند ذكر أخرى، لتتحول لقطة شرسة تخدش كل من يفكر بالقرب من صغارها، لتنظر له بغضب والشرر يتطاير من عينيها: ابقى فكر اتجوز كدا واحدة تانيه، انا مش هعمل حاجة غير اني هقتلها بسم فئران........
ليقاطعها مراد مازحًا: عارف ان قلبك الرهيف مش هيقدر يإذيني.
لتجيبه ميرا بثقة: مين ضحك عليك وقال النكتة دي، سيبني أكمل، وبعدين هخطفك بعيد عن كل الناس لحد م تعقل وتفكيرك يظبط، ابقى أرجعك بينا تاني.
مراد بتصفيق: ي شرس انت... لتضحك ميرا على حديثه ثم يستأنف مراد قائلًا: احكي سامعك! !
ميرا ببكاء: هاشم من وقت م سافر متصلش ي مراد انا قلقانة عليه جدًا.
مراد بهدوء: بس هاشم مش صغير، هاشم أكبر منك وأكيد مشغول.....
ميرا مقاطعة بعصبية: الكلام دا لو هو مسافر وبيرد على اتصالاتي، إنما هو قافل تليفونه من وقت م سافر
مراد محاولـًا تهدئتها: أكيد مشغول ي بنتي، ويتصل بس لما يلاقي وقت.
ميرا بحدة: الكلام دا لو هو مسافر في شغل، إنما هو مسافر علشان يفتش في ماضي ممدوح.
مراد بإقرار: بس أكيد ممدوح مش هيقدر يإذيه لأنه حفيده الكبير وأكيد. ....
لتقاطعه ميرا بحزن: ممدوح ملهوش عزيز، طالما حد بيحاول يخسره كل حاجة يبقى يتخلص منه أفضل حل، ممدوح بمعنى أصح كدا عايز يبقى هو الملك، هو كل حاجة محدش يقدر يعارضه، حتى لو هو غلط والباقي صح، وطالما هاشم بيحاول يدور وراه يبقى يتخلص منه بكل برود أسلم حل، يعني بالظبط زي ما بيتخلص من الصداع بحبوب مسكنة، فهمتني ي مراد؟!
مراد بهدوء عكس العاصفة الناشبة بداخله: فهمتك ي ميرتي، ان شاء الله ي حبي نقدر نوصل له، وهنطمن عليه كلنا، أهم حاجة شيلي كل الوساوس دي لانها من الشيطان، بيحاول يقلقك بكل الطرق علشان ثقتك تتزعزع، متشليش هم وادعي وربنا ييسر الأمور.
.......................
أحيانــًا لا تفهم حديث أحدهم عن شخص ما، لسبب بسيط وهو انك لم تتعامل معه، لم تعرف مدى حقارته إذا كان الكلام صحيح، تود التأكد بشتى الطرق لكن حينما توضع في موقف مع ذلك الشخص فإنك تعلم بأن هذا الكلام لم يكن إلا نقطة في بحر أخطائه، بأن الكلمات لا تأتي من فراغ، والكره لا يأتي إلا بعد عذاب.
هذه كانت كلمات سليم في مذكراته، بعد لقائه مع ممدوح الراوي، يعلم من حديث والده الروحي بأنه ليس بالسهل، لا يتخل عن شيء إلا إذا تأكد من أنه رابح فيما بعد، تخلى عن أربعين بالمائة من أسهمه لسليم حتى ينتقم من عائلته، ألهذا الحد هو شخص ضعيف النفس أمام المال، المال سيده، ألا يخاف الله، لكن كيف سيخاف وهو محمل بكل تلك الذنوب، تخلى عن حفيداته بسبب ذنب ليس ذنبهن، فقط من أجل المال، والسلطة.
ليتذكر بأنه أيضًا فرد من عائلة الراوي، أجل فهو حفيدة، توأم سيف، كنيته"سليم حسن الراوي" يتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي ترك فيه القصر، وذهب إلى أبيه الروحي، من اعتنى به، ليتذكر عنوة أحداث ذلك اليوم ووالده الروحي على فراش الموت مستلقيا على فراش بارد في إحدى الدول الأوروبية.....
يجلس أمام الرواق منتظرًا خروج أحد ليطمئنه عن والده، وقد بلغ منه القلق مبلغه، ليخرج أحد الأطباء يعلمه برغبة والده في الحديث معه، دون أن يطيل، ليدخل إلى الغرفة ودموعه تقف حاجزا لرؤيته بشكل جيد، ليستمع الي صوته الرخيم قائلًا بتعب: قرب ي سليم عايز اتكلم معاك، لأني معرفش هقوم على رجلي ولا.....
ليقاطعه سليم بحزن: متقولش كدا أبدًا ان شاء الله أنت هتبقى بخير وتشيل ولادي بين إيديك.
ليبتسم بوهن ثم يقول له: كنت خايف انك تسيبني لما تكبر بس كنت متأكد في تربيتك، اسمع ومتعارضنيش، لما اموت ادفني في مصر، مش عايز ادفن هنا، وارجع لأهلك ي سليم.
سليم بسخرية: انت عارف اني مليش أهل غيرك بعد م هما اتخلوا عني......
ليقاطعه بحزن: مفيش حد أتخلى عنك، ممدوح اللي عمل كل دا، كان هيخسر كل حاجة وطلب مني اساعده بس انا رفضت، ولما لقيته مصر وكان بيساومني على عائلته وافقت اساعده علشان محدش فيهم يتأذى، ولما ساعدته وخرج من محنته هددني اني لو مقبلتش اربيك بعيد عن عائلته هيدمرني في السوق، مكنتش فاهم ليه، وافقت وانا حاسس بأبوك وهما بيقولوا له انك مت في حادثة، ممدوح كان مخطط لكل حاجة، بس مع الوقت عرفت ان ممدوح عمل كدا لأنه عارف اني مش هتجوز بعد مراتي ما ماتت، فكان عايز بجيب لي وريث اللي هو انت علشان تورثني، وهو يلعب في دماغك ويرجعك تحت سيطرته، اوعى في يوم تسمع كلامه، لما يعرف اني مت هيقول لك كتير، وهيحاول يأخدك سلاح علشان يدمر عائلته وخصوصـًا بعد اللي حصل، ممدوح كلب فلوس وسلطة أول ما بيحس بالخطر بيبقى عايز ينتقم من كله، اوعى ي سليم تسمح له يأخدك خادم له تنفذ أي حاجة يطلبها، لأنه هيتخلص منك بعدها، محدش فاهمه أدي، هيبان مش فاهم بس هو شبه الحية بتقرص في الوقت المناسب، وقرصتها بتموت.
ليفيق من شروده على صوت طرقات على الباب، صاحبها أحد الحراس يعلمه بوجود الطبيب المعالج لأخيه، ليطلب منه إرشاده للغرفة حتى يلحق به.
.....................
في منزل جاسر..
تجلس على أحد الكراسي بالصالون، مغلقة كافة الأضواء بالمنزل، منتظره قدومهم بفارغ الصبر، لتستمع إلى صوت الباب يغلق، تضيء مصباح الأباجورة المجاورة لها، ثم تتحدث بهدوء عكس الأفكار التي عصفت بها: كنت منتظراكي ي أمي وأبيه جاسر من فترة، وكان لازم نتكلم سوا علشان بمعنى أصح نحط النقط على الحروف.
جاسر بحدة: نقط ايه وحروف ايه!! انتي بتتكلمي عن ايه بالظبط.
ملك بثبات دون أن يرف لها جفن: انا شوفت رانيا النهاردة.
صمت رهيب سيطر على الجميع، عكس الصخب الناشب بداخلهم، مشاعر جما سيطرت عليهم، كره، غضب، حزن، ألم، انتقام، لتغلب عاطفة الأم كل شيء، ف مازالت تشتاق بالرغم من الألم، الدمار، الفراق الذي حل بالجميع، تظل الأم مهما حدث لها على يد أبنائها تسامح، تغفر كل شيء؛ لتسمع كلمة ماما من بين شفتي أبنائها، يغفر قلبها كل شيء فمهما حدث حنينها يغلب غضبها، على عكس جاسر، التى اظلمت عيناه غضبـًا، ليحترق داخله بنار الخزي، لتكوي خارجه بالعار، فآخر حساباته أن تطفو تلك المشكلات في حياته مرة أخرى بعدما دفنها في ظلمات تفكيره، ليتحدث بعضب: متجبيش سيرتها تاني، فاهمه!! قال كلمته الأخيرة بزعيق، لتنكمش الأخرى على نفسها، لكنها عقدت العزم على معرفة كل شيء، لتقول له ببرود عكس مايدور بخلدها: ليه بس ي أبيه دي مهما كان اختي، واتغيرت كمان واتخلت عن حجابها وبقت من رواد الكافيهات، وداخلة بشاب وهدوم كاشفة لجسمها اكتر ما بتخفي، دا في بلاوي وانت مش حاسس.
وقبل أن تصل يده لوجهها كانت تمسكها لتقول بابتسامة باردة: ميصحش ي أبيه، كانت مرة وانتهينا، بهدوء كدا تراجع كل الأفكار وكل الكلام اللي عايز تقوله وانا سامعه.
لكن عكس المتوقع اتجه إلى خارج المنزل، وقبل أن يغلق الباب رجع مرة اخرى ليقف أمامها، متحدثـًا بصوت متألم: صدقيني جهلك بالحقيقة أفضل بكتير من انك تعرفيها، هتدمري من جوا لو عرفتي، خليكي جاهلة بها احسن على الأقل هتعيشي مرتاحة النفس، مش هتبقي شايلة كره في قلبك تجاه حد أيـًا كان مين، مش هتفكري تبرري لأي حد عن أي حاجة، أو لما يجي اسمها قدامك متبقيش مكسوفة، أو حاسة بالعار لأنك كنتي جزء من عائلتها، ليختفي خلف الباب، وتختفي هي أيضًا خلف باب حجرتها، تأخذ جدرانها ملاذ لها، علها تفكر بحديث أخيها، هي تعلم مدى صدقه، فبعد معرفتها بجزء قليل من الحقيقة، أصبح الكره رفيق دربها، أحست بأن جدران المنزل تخنقها، غير قادرة على الصراخ، لذلك وجب عليها الاختفاء داخل غرفتها حتى إشعار آخر.
.....................

وعـدي ووعيـدي"ج2 أزمة نسب"..أسماء رمضان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن