الفصل الخامس

4.8K 149 0
                                    

لـا تنخـدع بكـل مـا تـراه، فالصـورة بالرغـم من نقـاء الوجـوه بهـا، إلـا أنَّ النفـوس تحمـل الكثيـر، لذلـك لـا تـری بعينيـك، ولـا تحكـم بعقلـك، ووجـود الأدلـة فقـط، دع لقلبـك الفرصـة ليحلـل الأمـور مـن كـل الاتجاهـات، قبـل أنْ تأخـذ أي خطـوة تنـدم عليهـا فيمـا بعـد.
.................
فـي منـزل شمـس
وخصوصـًا فـي غرفتهـا، كانـت تخطـط لشـيء مـا، نعـم، فهـي تريـد تدميـر تلـك الهنـد ومحمـد، لا تنكـر بأنهـا تأثـرت، ولكـن هـي لا تتخلـى عـن أحـد كـان لهـا يومـًا مـا، تعتـرف بأنهـا لـم تحـب محمـد قـط، أحبـتْ حبـه لهـا، حنانـه واهتمامـه، بعـد مافعلتـه هنـد، لـن تجـد الاهتمـام،تريـد ذلـك الاهتمـام، ولكنهـا كانـت تطمـح للثـروة، هـل تستطيـع أن تفعـل ذلـك بصديقتهـا؟! نعـم تستطيـع فعندمـا يمـلأ الكـره القلـب فإنـه يتحـول إلـى قطعـة سـوداء مِـن الإسفنـج، تضـخ المـرارة وتدمـر كـل ماحولهـا، لذلـك هـي ستفعـل أي شـيء لتثـأر منهـا، والأيـام خيـر حكـم بينهـم، لكـن هـل ستفلـح شمـس بذلـك، أم هنـاك مـن يستطيـع تحويـل ذلـك السـواد، إلـى زهـرة الياسميـن برائحتهـا المبهجـة!!
قطـع شرودهـا صـوت الهاتـف معلنـًا عـن وصـول رسالـة جديـدة، نفـس الرقـم، ولكـن المحتـوى هـذه المـرة مختلـف، كيـف!! هـل يراقبهـا؟ هـل هـو داخـل عقلهـا؟ قرأت فَحـوى الرسالـة أكثـر مِـن مـرة
"لا يعــرف الشوق إلا من يكابده   ولا الصبابة إلا من يعانيها"
هـل هنـاك مَـن يهتـم لأمـرها؟! قطـع تساؤلاتـها مـرة أخـرى رسالـة جديـدة مـن نفـس الرقـم ..
"لا تـدع القلـب يمـلأه السـواد، فمحـو السـواد أصعـب.."
مَـن ذلـك الشخـص؟ هـل يـود أن يصيبنـي  بالجنـون؟! لقـد سئمـت، حقـًا، سئمـت مِـن كـل هـذا، سـوف أعـرف مَـن هـو يومـًا مـا، وقتهـا أعـدك أنـي لـن أرحمـك.
........................
فـي أحـد الكافيهـات المطلـة علـى النيـل...
كـان إبراهيـم يجلـس منتظـرًا أحدهـم، سـوف يتوصـل إلـى حـل اليـوم لـا غيـر، هـو يريـد الاستقـرار، ولكـن تلـك الفتـاة معذبـة قلبـه لاتـود القـرب، فهـي تـود المـزيد والمـزيد مـن الوقـت، هـل سيقنعهـا أم ستظـل هكـذا..
قطـع شـروده صوت هاشـم، عندمـا وضـع يـده علـى كتفـه وألقـى عليـه تحيـة السـلام.
هاشـم باستفهـام: اتأخـرت عليـك!
إبراهيـم: لـأ مـش كتيـر، أنـا لسـه جـاي مـن شويـة.
هاشـم باستفسـار: هـا بقـي ايـه الموضـوع المهـم اللـي لـازم حالـًا ومينفعـش يتأجـل!!
إبراهيـم: سـؤال واحـد وعايـز إجابتـه!!
هاشـم: لـو الإجابـة عنـدي هقـول لـك مـن غيـر مقدمـات
إبراهيـم بهـدوء: انـت بتثـق فيـا!؟؟
هاشـم: انـت عـارف كويـس الإجابـة ومـع ذلـك هجاوبـك، ايـون بثـق فيـك أكتـر مـا بتتخيـل، وكمـان أقـدر أسيـب مكانـي فـي أي وقـت، وعـارف إنـك هتبقـى موجـود كأنـي أنـا الموجـود.
إبراهيـم بعصبيـة: طيـب ليـه أختـك معطتنيـش جـواب علـى سـؤال بقالـه أكتـر مـن شهريـن!؟
هاشـم بعـد أن أطلـق العنـان لضحكـاته: يــ ابنـي انـا قولـت أن فـي مصيبـة وعايزنـي أداري عليـك، بـس متقلقـش انـا هتكلـم معاهـا، واللـي فيـه الخيـر يقدمـه ربنـا.
إبراهيـم: انـا مـش بقـول لـك علشـان تقـول لهـا.
هاشـم باستفسـار: اومــــال؟!
إبراهيـم بتهديـد: انـا بقـول لـك علشـان لمـا أخطفهـا ميبقـاش حـد يزعـل منـي
هاشـم ضاحكـًا: علـى أسـاس انـي هسمـح لـك!؟
إبراهيـم متجاهلًا الـرد: شـوف المعـاد علشـان نيجـي نزوركـم فـي البيـت.
هاشـم بخبـث: انتـم هتيجـوا بـس مـش لزينـه.
إبراهيـم بتعجـب: اومـال لميـن!!
هاشـم بابتسامـة: هتعـرف بعديـن مـش دلوقـت، همشـي دلوقـت عنـدي اجتمـاع مهـم، صحيـح قبـل م أنسـى انـا هسافـر تقريبـًا بعـد أسبوعيـن، علشـان تبقـى عامـل حسابـك.
إبراهيـم: طالمـا انـت هتسـافر فــ أنـا لـن أقبـل بأقـل مـن كتـب الكتـاب.
هاشـم: انـت تحمـد ربنـا لـو جيـت أصـلًا قبـل مـا اسافـر.
تركـه وغـادر دون إضافـة كلمـة واحـدة، فـي حيـن أن إبراهيـم جلـس يفكـر ويفكـر بكـلام هاشـم، ولـم يستطـع التوصـل إلـى أي إجابـة، لذلـك قـرر الاستسـلام المؤقـت، حتـى يعـرف نوايـا ومخططـات هاشـم.
...................
فـي محافظـة الدقهليـة..
كانـت تجلـس الحاجـه صفيـه بشـرود كعادتهـا، حينمـا أتـت إليهـا ابنتهـا تخبرهـا بوجـود ضيـف مـا فـي الخـارج، أمرتهـا الحاجـه صفيـه بالسمـاح لـه بالدخـول..
دخـل عثمـان بعـد أن ألقـى السـلام، قبَّـل يـد الحاجـه صفيـه،
عثمـان بهـدوء: عاملـة ايـه ي سـت الكـل؟!
صفيـه بشـرود: كالعـادة يــ ابنـي، نفـس الحـال
عثمـان: لأ انـا عايـز الحـزن دا يختفـي، والشـرود دا يتنسـى، اومـال ميـن اللـي هيربـي العيـال.
قـال كلمتـه الأخيـرة ثـم نظـر إلـى محبوبتـه مايسـه، غامـزًا لهـا بطـرف عينـه، فـي حيـن أن مايسـه تحـول وجههـا إلـى قنبلـة علـى وشـك الانفجـار مـن الكسـوف.
صفيـه بهـدوء: إنـت اللـي هتربـي ولادك يــ ابنـي مـش حـد غيـرك.
عثمـان بهـدوء: ربنـا يعطيكـي طولـة العمـر وتفضلـي دايمـًا معانـا.
صفيـه: اللهـم آميـن يــ حبيبـي، المهـم انـت عملـت ايـه فــ اللـي قولـت لـك عليـه؟!
عثمـان بهـدوء: عملـت كـل اللـي طلبتيـه منـي، وجبـت كـل المعلومـات اللـي طلبتيهـا، بـس فـي حاجـة غريبـة عرفتهـا.
صفيـه بانتبـاه: حاجـة ايـه!؟!
قـص عليهـا عثمـان كـل ماعرفـه مـن معلومـات، وقـد اندهشـت كثيـرًا عندمـا علمـت تلـك الأخبـار.
صفيـه بابتسامـة ساخـرة: الظاهـر أن وقـت الجـد بـدأ، وأنـا منتظـره الوقـت دا مـن زمـان، واهـو جـه لوحـده.
عثمـان بتوتـر: انـس يــ أمـي الانتقـام دا، وخلينـا نعيـش حياتنـا.
صفيـه بعصبيـة: مـش هنسـى، ولا يهـدى لـي بـال غيـر لمـا ادمـره واعرفـه إن الله حـق، لازم يـدوق مـن نفـس الكـأس، العيـن بالعيـن والسـن بالسـن والـبادي أظلـم.
عثمـان: بـس هـي ملهـاش ذنـب!!
صفيـه بعصبيـة أكبـر: ذنبهـا إنهـا منهـم يــ ابنـي، يـلا روح ارتـاح كـدا، ومستنيـاك انـت واخواتـك تتعشـوا معانـا.
عثمـان بهـدوء: حاضـر يــ أمـي، مـش محتاجـة حاجـة اجيبهـا وانـا جـاي؟؟
صفيـه بهـدوء: تسلـم يــ حبيبـي، أهـم حاجـه متتأخـروش.
وبالفعـل انصـرف عثمـان بعـد أن ودع الحاجـه صفيـه، وزوجتـه المستقبليـة، علـى أمـل باللقـاء قريبـًا.
...................
فـي منـزل ميـرا..
كانـت تجلـس ميـرا بشـرود، تفكـر فـي ذكرياتهـا مـع مـراد، مـاذا فعـل كـي يراضيهـا؟؟ بعـد تصرفـه الأخيـر، وطـال اللقـاء بينهـم، قـررت المكـوث عنـد والدهـا، كـم تشتاقـه الآن، هـي بحاجـة إليـه أكثـر مـن أي وقـت مضـى، قارنـت بيـن فـاروق الـذي أعطـاها كـل مايملـك، وفهمـي الـذي سلـب منهـا كـل ماتملـك، عنـد هـذا الخاطـر، انخرطـت فـي البكـاء، لـم تستطـع زينـه أو حتـى هاشـم مـن تهدئتهـا، لذلـك قـرر هاشـم الاتصـال بـ مـراد حتـى يأتـي، فهـي أختـه ولـن يجلـس هكـذا مكتـوف الأيـدي، ويـراها تنهـار بتلـك الطريقـة، وبالفعـل أخبـر مـراد ومـا أن عَلِـم حتـى هـب واقفـًا، وذهـب ليكـون بجـوار حبيبتـه، فهـو يعلـم أن حزنهـا، سيؤثـر عليهـا وعلـى طفلهمـا، بعـد مـرور بعـض الوقـت، كـان مـراد بجـوار مِيرَاتـه، يواسيهـا ويخفـف عنهـا، انفـرط قلبـه لوجودهـا بتلـك الحالـة، كـم كـان قاسيـًا، يعتـرف بذلـك، ولكنـه أراد أن يجعلهـا تفهـم بأنهـم شخـص واحـد، جمعهمـا الحـب، وسيفرقهمـا المـوت.
مـراد بحـزن بعـد أن جلـس بجـوار ميـرا: ميرتـي، مالـك يــ حبيبـي؟؟
وكـأن ميـرا كانـت فـي عالـم لا تعـرف عنـه شـيء، فاقـت منـه علـى صـوت مرادهـا،
ميـرا ببكـاء بعـد أن ألقـت بنفسهـا فـي حضـن مـراد، لـم يمانـع هـو بوجودهـا فـي مكانهـا الطبيعـي بجـوار قلبـه، أخـذ يربـت علـى شعـرها، لعلهـا تهـدأ، لكنهـا كانـت تـزداد فـي البكـاء.
ميـرا ببكـاء: بـابـا فـاروق وحشنـي يــ مـراد، كـان نفسـي يكـون جنبـي دلوقـتِ، نفسـي أشوفـه واحكـي لـه علـی كـل اللـي مزعلني، وهـو يقـول لـي اعملـي اللـي عقلـك يقـول لـك عليـه، بـس بعـد مـا تشـاوري قلبـك علشـان متكونيـش محتـارة أو مجبـورة، بـس انـا معملتـش بالنصيحـة المـرة دي يــ مـراد، انـا كنـت مجبـورة يــ مـراد، مجبـورة اسمـع لعقلـي، واسكـت قلبـي، كنـت خايفـة عليـك ومنـك، خايفـة عليـك تتـأذى، وخوفـت منـك انـك بعـد ماتعـرف تسيبنـي، وتأخـد ابنـي بعيـد عنـي، تعمـل زي ماهمـا عملـوا فينـا، انـا بقيـت أخـاف مـن الفـراق يــ مـراد، بخـاف اصحـى الصبـح ملقيـش حـد معايـا، بـس انـا مخبتـش عـدم ثقـة، انـت عـارف انـي عنـدي استعـداد  امشـي معـاك وأنـا مغمضـة عيونـي، انـت حكمـت عليـا ومشيـت، مسمعتـش مبرراتـي، مَقَدرتـش الضغـط اللـي كنـت فيـه، كنـت بحـاول اتماسـك علشـان أكمـل حياتـي، بـس مـن بعـد اللـي حصـل، وأنـا حياتـي واقفـة نهائـي٬ مبقتـش عارفـة أخـذ أي خطـوة لقـدام، مبقتـش مطمنـة مـن أي حاجـة، انـت عطتنـي ضهـرك فـي اكتـر وقـت كنـت محتاجـاك فيـه، امشـي يــ مـراد معنتـش عايـزة أشوفـك تانـي، روح كمـل حياتـك براحتـك وسيبنـي لوحـدي، امشـي يــ مـراد، قالـت كلمتهـا الأخيـرة ثـم غفـت، كأنهـا هربـت مـن ذلـك الواقـع الـي عالـم الأحـلام.
يـالله، ألهـذا الحـد تعانـي زوجتهـ، كيـف لـه أن يعـرف، وهـو ابتعـد، دون أن يستمـع، كان الحاكـم والجـلاد، تذكـر كلماـت عمـه فـاروق عندمـا أخبـره بـألا يـحُزنهـا " لـو عرفـت أنـك زعلتهـا تانـي، انـا هشـد ودانـك وأخـدها بعيـد عنـك، لحـد مـا هـي اللـي تصالحـك، دي أغلـى حاجـة فـي حياتـي، وانـت أخدتهـا، يبقـى تحافـظ عليهـا".
بعـد مـرور بعـض الوقـت كانـت ميـرا، تغـط فـي سبـات عميـق، أخـذ يتأمـل ملامحهـا، يُشبـع اشتيـاقه لهـا، يعتـذر فـي قـرارة نفسـه فــ ميـرا لـا تصـل لتلـك الحالـة مـن فـراغ، يحبهـا، لـا والله بـل يعشقهـا، غـارق فـي عشقهـا حـد النخـاع، روحـه تـود الاستقـرار بجـوار روحهـا، قلبـه ثائـر بيـن أضلعـه يحاربـه حتـى ينفـذ لـه مطالبـه بالتواجـد بجوارهـا، كـم يـود القـرب لا البعـد، يجـب عليـه أن يأخـذ قـراره حتـى تستقـر حياتـه، حَمَـل ميـرا ووضعهـا علـی الفـراش، تأمـل ملامحهـا للمـرة الأخيـرة ثـم غـادر المنـزل، يفكـر فـي قـراره هـل سيتمكـن مـن السيـر قدمـًا، أم لـا؟؟.
..................

وعـدي ووعيـدي"ج2 أزمة نسب"..أسماء رمضان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن