#سلسلة_حكايات_وبنعيشها
#الحكاية_الثانية
#الجميلة_والشهم {الفصل الخامس}
*دلفت دره غاضبة وهي تبكي إلى داخل المنزل وَخلفها والدها.....فقد ظلت طوال طريق العودة تنحب وتبكي بقوة وهي تمسد خدها المدموغ بأصابعه الطويلة.....ظلت على هذا الحال تصرخ
ببكاء.....ولكن رأفت كان يحاول بقدر الممكن كبح غضبه منها حتي يصلان الي المنزل ويبدأ وقت الحساب لقد تعدت ابنته حدود الأدب وهو لا يلوم محمد علي هذا الكف المبرح......
*وفور دخولهم وقفت امامه وبنبره صوت عالية صاحت:
_شفت يادادي الا حضرتك عايزني اتجوز منه....انا مستحيل اتجوز الهمجي المتخلف ده علي جثتي ده عبارة عن شخص جاهل وهما ناس بيئة.
*أوقفها والدها عندما صرخ بوجهها المحقن لأول مرة بهذه القوة:
_أخرسي مش عايز اسمع صوتك ده ابدا....انتي فاهمه خلاص طفح الكيل منك ومن اسلوبك وطريقتك الحقيره في التعامل.
*خرجت سناء من غرفتها مفجوعة متوترة وقالت بقلق وهي تقترب من الأخرى التي وقفت في مكانها.....كتمثال من الحجر:
_خير يارافت بيه....دره بنتي حصل ايه.
*قبل أن تتحرك دره وتتجه إليها....كان رأفت يؤشر لسناء بقنوط لم تعرفه من قبل أن تصمت وصرخ في ابنته:
_استنى عندك انا لسه مخلصتيش كلامي يابنت....مادموزيل سناء من فضلك متدخليش.
*هزت سناء رأسها تصمت....بينما وقفت دره في مكانها ترتعب من صوت والدها الذي صاح فيها
بكل قوته:
_انتي اللي مش محترمة ولا عمرك عرفتي معنى الاحترام والأدب......الهمجي اللي بتقولي عليه ده ضفره برقبة واحدة مدلعه مستهترة زيك متعرفش حاجه غير التعالي وقلة الأدب.
*سناء اتسعت عيناها وتساءلت في سرها:
_ماذا فعلت درة حتى يثور ابيها عليه لأول مره بتلك القسوة....الفتاه تمسد خدها....خدها الذي ينضح بالاحمرار....شهقت تهمس:
_مش ممكن رأفت بيه يكون ضربها.
*أخذت ترمش بعينيها عدة مرات وصدرها يخفق بعنف حينما اقترب منها والدها....وامسك بذراعها
يعتصره عصر ويهزها بقسوة:
_المتخلف الجاهل ده معاه شهادة توزنك...متربي بيخاف ربنا وبيصلي الوقت بوقته بني نفسه بنفسه ابوه العطار عرف يربيه ويطالعه راجل....بس
انا معرفتش اربي دلعتك وكانت ديه النتيجة بس
خلاص اقسم بالله يا دره لتشوفي مني وش تاني
بعد قلة الأدب الا صدرت منك النهارده.
*اتسعت عين درة من ثورة والدها....لماذا يدافع عنه بهذا الشكل وهو لا يمت له باي صلة سواء انه ابن صديقه فقط.....تمتمت وهي تتلعثم ودموعها تنساب:
_بس ده قليل الادب وكلمني بقله ذوق....وكان عايز
كان عايز يبوسني.
*اقترب منها والدها بحدة جعلها تتراجع بعض خطوات للخلف.....حتي اصطدمت بسناء التي تقف بجانبها مصدومة.....لتستدير تحتمي بها وتتشبث بملابسها وهي مازالت تسمعه يهتف بنفس النبرة الساخطة الغاضبة..... والتي جعلت كل من بالفيلا يستيقظ:
_هو بردوا اللي قليل الادب....وانتي اللي قولتيه وعملتيه كان يتسمى ايه يامحترمه....
*حاولت مودمازيل سناء مره اخري....امتصاص بعض من غضبه وتهدئته قليلا وتمتمت:
_اهدي يارافت بيه مينفعش العصبية دي......غلط عشانك وعشان صحتك....وانتي يا دره اعتذري لباباكي.
*ارتمي علي احدي المقاعد يحل ربطة عنقه التي تخنقه....ثم القي بها علي الأريكة بجانبه ليسمعها تقل مرة اخري وهي تقترب تجلس بجانبه:
*و درة مازالت تقف ترتجف بإحدى الزوايا البعيدة تختفي عن عينيه التي تشتعل بالنيران كلما نظر لها:
_رأفت بيه ارجوك اهدي.....ممكن افهم حصل ايه بس ووصل حضرتك للحالة دي.....ان شاء الله كل حاجه تتحل.
*هز رأفت راسه وضرب كفيه ببعضهم وهو يؤشر على ابنته التي تحني رأسها أمامه:
_اسالي الهانم حصل ايه خليها تقولك عن قلة ادبها وسفالتها......ولا بلاش انا اللي اقولك حصل ايه الهانم عيرت بشمهندس قد الدنيا....اي بنت تحلم بيه....قالتله يامشحم يابن العطار.
*وضعت سناء يدها فوق فمها وشهقت وهي ترمق دره
وتهز رأسها.....اكمل رأفت بنفاذ صبر:
_انا زهقت من البنت ديه.....تخيلي بتقوله انها بدخن وكمان حشيش شوفتي التربية الا ترفع الراس.
_بس بقا كفايه....كفايه يا دادي انا معملتيش حاجه لكل ده....انت عندك الإنسان الحقير ده أغلى من كرامة بنتك لدرجه الغضب ده كله.....انا اسف مش
هقدر أعقد في البلد ديه تاني....لازم اسافر بلدي
مش هعقد هنا ولا لحظة.
*هتفت بصراخ ودموعها تنساب منها بغزارة.....و ركضت فوق درج لتصعد إلى غرفتها لكن اوقفها صوت والدها مرة أخرى.....وهي تقف في منتصف
الدرج:
_انسي آنسة درة مفيش سفر خلاص وقت الدلع انتهى وفات أوانه.......شغلي نقلته مصر خلاص يعني من النهارده هتعيشي هنا في البلد ديه.....
*تمتمت بذهول:
_يعني ايه؟هفضل عايشه هنا داد.
*وقف رافت يضع كفيه في جيوب سرواله وتمتم بصوت لا رجوع فيه:
_يعني زي مسامعتي يبادره.
************************
*عاد إلى المنزل بعد وقت طويل.... الوقت تعدي منتصف الليل بساعه ونصف تقريبا....توقع من هدوء المنزل الواسع بأن الجميع خلدوا إلى النوم
ولكنه تفاجي بوالده يجلس بمنتصف الصالة ينتظره وحينما اقترب أشعل والده الأباجورة بجانبه ودون أي مقدمات هتف بحدة:
_محمد عايز اتكلم معاك.
*جلس محمد أمام والده وهو متكئ علي ساقيه منحني راس يستمع لتوبيخ والده له وهو صامت
عاجز عن الحديث:
_انت ايه الا عملته ده....اكيد حصل لمخك حاجه النهارده بقى ده.....محمد ابني اللي بقول عليه راجل عاقل مخه يوزن بلد يعمل كده.....وصلت بيك الجرأة انك انه تمد ايدك علي واحدة.....ده انت معملتهاش مع صحابك الرجالة تعملها مع بنت.....وبنت مين صحبي.
*ظل محمد منحني الرأس يعض شفتيه بغيظ كم يود الان ان يشرح لوالده عن أخلاق تلك الحقيرة تربية العز واكل الوز ولكنه كبح لجام غضبه....امام والده الغاضب فرغم ما فعلته تلك الصغيرة ومعايرتها له ولأهله وتكبرها عليه الا انه لم يستوعب كيف فعل ذلك الأمر:
*شعر بان الغرفة هادئه من حوله رغم صراخ والده ونحيب أمه التي تسللت وجلست بجانبه.... وتذكر ترقرق الدموع بعين تلك الصغيرة المدللة التي جعلته ولأول مرة بحياته يتهور بفعله ويصفعها.
*فتح كف يده ونظر لها ليغمض عينه بألم وهو يتمم لحاله:
_اكيد انت حصلك حاجه من وقت ما شفتها.....حتي لو حصل ايه مكنش ينفع تمد ايدك يامحمد.
*صوت ابيه علي امه هو ماجعله يستفيق مره اخري مما هو به وهو يستمع إلى توبيخ والده لأمه:
_كله منك انتي ياهدي....قولتلك سبيه على راحته متدخليش في حياته ملناش دعوة يتجوز ولاء ياستي.....يمكن لسه نصيبه مجاش بس مفيش فايده الا دماغك لازم يمشي وادي النتيجة.
*هتفت هدى من بين نحيبها:
_يعني ايه اسيبه ياحاج ده ابني وخايفه علي مصلحته والعمر بيجري نفسي افرح بيه واشوف ولاده وانت اكتر واحد نفسك في كده ياصالح.
*لم يعيرها اي اهميه والتفت لابنه الذي لم يجرا علي فتح فمه امام والده رغم انه يعلم الان بغضبه الشديد الذي يحاول اخفاءه:
*هتف الحاج صالح لابنه وهو يشير بأصبعه امام وجه:
_وانت يابشمهندس يامحترم بكره الصبح ان شاء الله قبل أي حاجه..... تروح وتعتذر لعمك رافت انا مش مستعد اخسر صاحب عمري واخويا عشان غلطه متهورة من ابني العاقل....فاهم ولا لاه.
*هز محمد راسه بهدوء قائلا:
_حاضر يا حاج.
*التفت الحاج صالح وخرج من الغرفة وهو يردد الاستغفار:
_استغفر الله العلي العظيم ...استغفر الله العلي العظيم.
*بعد ان تتأكد بان ابيه دلف لغرفته اخرج من جيب سترته علبه سجائره واشعل سيجارة وهو الآخر يخرج إلى الشرفه المطلة علي البحر.....وبعد عدة لحظات شعر بيد والدته تربت علي ظهره وصوتها الحنون يقل من خلفه:
_انا مش حسالك حصل ايه ياحبيبي عشان يوصل غضبك انك تعمل كدة في البنت بس حقولك حاجه واحدة بس.....دي لسه صغيرة ومتعرفيش اي حاجه عننا يابني ولا عن عيشتنا انت بقا تربيها على ايدك وتعدل المايل.....ربنا يهديك يابني يارب ويهدي بالك.
*لتخرج هي الآخري وتدلف لغرفتها حتى تحاول امتصاص غضب زوجها الغاضب وتحاول ارضائه.
أما حنين والتي كانت تراقب الموقف من بعيد بصمت....قلبها كان يئن وجعاً على شقيقها الحزين والتي تشعر به الآن يلوم حاله ويوبخها..... كان مقطب الحاجبين غاضب لذلك تحاشت الحديث
معه الان حتى يهدأ ويستقر:
*قبل اذان الفجر بساعه استيقظت حنين لتشرب الماء..... لكنها تفجئت بباب الشرفه مازال مفتوح علي مصراعيه ومحمد مازال على حاله جالس يدخن بشراهة......لتتقدم وتجلس امامه هي تهمس له بعينان ناعسة:
_اعقد كدة ليه يامحمد مش تدخل تنام حبيبي وترتاح شويه.
*لم يتفوه باي حرف وظل صامت حتي همست له مرة أخرى وهي تضرب صدره بخفة بمرح:
_من اولها كده هتعمل نفسك حمش على المزة...قلم
مره واحده يامفتري.
*زم شفتيه وهتف:
_حنين من فضلك مش وقت هزار.
_عارفه انك مخنوق ومش قادر تتكلم مع حد بس زي ما اخويا بيقف جنبي في وقت غضبي وحزني انا كمان لازم اعمل كدة معاه وغصب عنه على فكره....
_محمد انا مش حقولك انك غلطان في انك تعمل حاجه انت طول عمرك بتنتقدها وتقول ازاي راجل بيمد ايده علي ست....فاكر الست اللي جوزها ضربها وسط الشارع وانت عملت ايه معاه.
*بدء محمد يتململ بمقعده ويزفر بغضب ليجدها تكمل.
_انا مش حفتح الكلام في الموضوع ده......بس حبيت اقولك حاجه غير اني لاحظت حاجه غريبه اول
مره اشوفها فيك..
*استند بظهره للخلف وقال بسخرية:
_لاحظتي ايه ياست حنين.
*همست وهي تبتسم برقه....وتربت على كفه المرتاح فوق ساقه:
_لاحظت لمعة إعجاب ويمكن حب في عيون اخويا حبيبي.....و درة كمان وحياة بنتي شوفت عيونها ازاي كانت عليك وازاي كان فيهم لمعة إعجاب من بنت للشاب زي الورد.
*ابتلع ريقه والتوت شفتيه بابتسامة عابثة وهو يردد:
_حنين ربنا يكرمك بلاش كلام الروايات الا بتقريها تطلع عليا.
_انت حبيتها يامحمد....
*هتفت بثقة دون تردد....ولكن سريعاً ما قطعها
وهو يقف منتفض يحاول الهروب لكنها علي الفور امسكت بذراعه وجذبته نحوها قائلة بتصميم:
_متهربش يامحمد كالعادة....لو كلمه حبيتها زعلتك قوي نخليها اعجبت بيها والله احساسي صح ومش كلام روايات على فكرة.....
_إياك تعاند المردي وخليك واثق ان هي كمان بتبدلك نفس الشعور.
*اتكئ بذراعيه علي سور الشرفه ينظر بتجاه البحر ودمدم:
_ادخلي نامي ياحنين شكلك لسه نايمه وبتخرفي بالكلام حب ايه وإعجاب ايه....دي عيله صغيرة مش متربية.
*ابتسمت شقيقته له.... واقتربت تقف بجانبه هي الأخرى والهواء يعبث بخصلاتها الناعمة:
_بلاش الحجه اللي دايما تقولها لماما دي انا حنين يامحمد البنت مش صغيرة دي كلها كام شهر وتكمل العشرين....هي صحيح مدلعة ويمكن نقول حياتها غير حياتنا بس مش ذنبها هي اتخلقت واتربت على كده ولو حد له ذنب في دلعها الزايد هيكون هو عمي رأفت.
_محمد انا لاحظت نظراتها ليك لما دخلت من باب البيت النهارده رغم اني ولأول مرة اشوفك بلبس الشغل اللي ديما كنت بتفضل تغير في ورشتك اشمعني النهارده يامحمد وانت عارف ان في ضيوف عندنا.....كانت قاصد صح.
*زفر هذه المرة انفاسه بغضب والتفت لشقيقته بحدة يقل:
_ايوه كنت قاصد يا حنين....الا هتكون مراتي لازم تعرف انا بشتغل ايه وشكلي هيكون ازاي لو صادف و رجعت البيت مره كده....لو صادف وقبلتها مره هي و أصحابها من بتوع الطبقة الراقية.....لازم تقبلني وانا كده...
_بس للأسف دي بنت قليله الادب محتاجه تربيه من اول وجديد.....ده غير انها شايفه نفسها جدا ومغرورة.
*ضحكات حنين جعلته يلتفت بجسده مرة اخري ويرمقها بحدة قاسية....لم تهتم بنظراته وقالت:
_اديك قولت محتاجه تربيه....هي اتربت تربيه الاجانب مش زي بنات بلدك افهم يامحمد البنت اعجبت بيك نظراتها ليك كانت مفهومه اول ما دخلت وشافتك حتي بلبس شغلك....بس صغيره.... لسه مش فاهمه.
*صاح بنفاذ صبر:
_يووووو انتي تقوليلي صغيره وماما تقولي ربيها ايه هتجوز عيلة صغيره انا واعقد اربي فيها من اول وجديد....وبعدين مانتي اتجوزتي في سنها أو أصغر و روحتي عيشتي مع ناس غريبه....في بلد تانيه بعيد عننا اي الفرق بقا.
*هزت رأسها تقل:
_انا حاجه وهي حاجه....وبعدين انا كنت بحب طارق الله يرحمه وصممت عليه وبابا وافق لما لاقاه مناسب برغم اعتراضه هو ماما على جوازي في السن ده وقتها....بس انا كنت موافقة ومصممة.
_بس دره لسه متعرفش حاجه عنك ولا انت عشان كده كل واحد حاسس بفطور وحساسية ناحية التاني.
*غرزت أصبعها بصدره وحدقت فيه بقوة وهي تقل:
_ده مش بيحب غير مرة واحدة ويمكن مرتين بس البشمهندس محمد صالح قلبه من النوع النادر في الحب وأعتقد أنه عرف الحب مع الحلوة ام عيون
زرقة....بلاش تعاند نفسك كتير عشان عيونك فضحتك يا حمودي حبيبي.
_يلا روح أتوضأ وصلى ركعتين قبل الفجر وفكر في كلام اختك بتاع الروايات.
*خرجت من الشرفة وتركته يقبض على الجدار بقوة وهو يهدر بقوة:
_وبعدين بقا....وبعدين.
*********************
*لم يغفو له جفن ظل مستيقظ حتى الصباح تحمم بالماء البارد لعله يهدأ من التفكير.....ارتداء ملابسه الأنيقة كعادته سروال جينز فاتح وقميص قطني ابيض يبرز عضلاته برغم وسعه وحذاء رياضي ابيض....مشط خصلات شعره القصيرة ووضع عطره النفاذ وخرج من غرفته وهو يثبت حول معصمه ساعة يده الأنيقة....وجد والدته تقف أمامه مبتسمة
وهي تردد آيات القرآن المحصنات وقالت:
_يسعد صباح الحلو....الله أكبر عليك ياروح امك طول بعرض بجمال اقول ايه بس خايفة احسدك يقولوا هدى اتجننت.
*ابتسامته الواثقة إنارة وجهه واقترب ينحني أمامها بطوله الفارع يقبل جبهتها ثم يدها وهمس:
_القرد في عين امه بس يا حاجه...
*شهقت هدى تضربه فوق صدرها:
_ياختي قرد بعد الشر عنك يا حبيبي.
*هتفت على كلثوم التي أتت من المطبخ تهرول:
_نعم يا حاجه....
_حضري الفطار بسرعه يا ثومة عشان البشمهندس يفطر.
*قالت هدى وهي تجلس بالقرب من النافذة في مكانها المعتاد....اوقفها بإشارة من يده يقل:
_لا يا كلثوم مش عايز انا لازم انزل بسرعه....امال فين الحاج.
*إجابته أمه بنزق:
_نزل يا خويا راح يقابل المحامي عشان أرض الساحل ديه وضارب بوز من ليلة امبارح بس انا قولتله اصبر وهتشوف....امشي يابت اعملي الا بقولك عليه.
*شهقت في الفتاه التي كادت أن تهرول لولا امسك محمد في ذراعها وقال بمرح:
_قوليلي يا ثومة ايه رائيك في العروسة بتاعت امبارح.
*خجلت الفتاه صاحبت الخامسة عشر عاما وهمست مبتسمة:
_جميلة اوي ايووووه على جمالها ولا عيونها ولبسها وكمان ضحكت معايا كتير طيبة اوي اوي والنبي اجوزها يابشمهندس ده حلوه زيك.
*هزت هدى رأسها بسعادة وفخر وقالت لكلثوم:
_تربيتي بنتي حبييتي رأيها من رأى خالتها والنبي ياثومة يوم فرحه لا اجبلك كل إلا نفسك فيه وكمان الموبيل الا وعدتك بيه.
*رفع محمد حاجبيه وقال بسخرية:
_والله ده كل الستات في البيت ده اتفقوا عليا بقا.
*ركضت كلثوم وهي تضحك وخلفها مريم التي استيقظت بشعرها المشعت تجري خلفها كالأطفال
وهمهم وهو يقترب من أمه:
_لما حنين تصحى قوللها عايز جوز صحبتها ماجي
يشوف الشقة فوق ناقصه ايه....بما انه مهندس ديكور يعني.
*قفزت هدى بعينان متسعة لا تصدق ما تسمعه وقالت:
_والنبي صحيح انت عايز تضبط الشقة الف نهار ابيض.
*وقبل أن تطلق زغروطة الفرحة كان محمد يضع يده فوق ثغرها ويقبل فوقها:
_امي حبيبتي انا بقول يشتغل فيها مقولتش هتجوز بكره....يلا سلام عليكم بقا اتخرت ع الورشة....
*خرج محمد من باب المنزل وبعدها بثواني كانت الحاجه هدى تقف فوق رأس حنين النائمة في ثابت
عميق وتهتف فيها:
_اصحى ياحنين....اخوكي وافق يتجوز درة.
***************************
وبداخل ورشته وبعد ان تعدت الساعة الحادية عشر صباحا وقف والتقط هاتفه ومفتاح سيارته تحت نظرات العاملين لديه الذين اندهشوا من ملامح رب عملهم القاتمة اليوم ظل واقفا للحظات خلف مكتبه شارد....وبعدها نادا على صبيه المفضل:
_دقدق....دقدق.
*ليأتي إليه أحد العاملين يقل:
_دقدق مجاش النهارده يا هندسة انت اديته اجازه امتحانات..
*ضرب فوق رأسه يضحك وأكمل حديثه مع الأسطى نسيم:
_والله ناسيت يا نسيم المهم انا رايح مشوار ومش حطول....خد بالك انت وعادل وجمال من الورشة
عندنا شغل كتير النهارده يارجاله.
*أشار الأسطى نسيم إلى عينيه يقل :
_في عيونا يابشمهندس بسلامه انت.
**********************
*بعد أن انتهى رأفت بمناقشة بعد الأمور الهامة التي تخص العمل وامضاء بعد العقود مع مازن في مكتبه بداخل الفيلا.....انصرف مازن وخرج رأفت من مكتبه ينظر حوله حتى وجد سناء تدخل وبين يدها تحمل باقة من الزهور تضعها بالمزهرية:
*همست سناء وهي تنظر له وتبتسم:
_رأفت بيه خلصت اجتماعك مع استاذ مازن،.
*اشار برأسه وهتف:
_لسه حبسه نفسها في الاوضه.... طلعتي شوفتيها يا سناء.
*أجابت سناء بحزن:
_ايوه مش عايزه تاكل ولا تشرب وكل الا بتفكر فيه ازاي ترجع روما.
*صرخ رأفت بجهور:
_بتحلم خلاص مفيش سفر هتفضل هنا وانشاء الله عنها ما كلت ولا اتنيلت....زمن الدلع انتهى.
في بنت محترمه تعمل اللي عملته ده بس ياربي
والآخر عامله نفسها زعلانه.
*تسمرت سناء في مكانها من غضب رأفت العظيم لأول مره تراه قاسي على دره بهذا الشكل ولكنها تلتمس له العذر....درة زدتها هذه المرة....اما الأخرى كانت تخرج رأسها من باب الغرفة تستمع إلى صياح والدها وغضبه....يبدو أن امتناعها هذه المره عن الطعام والشراب لن يفيدها بل سيضرها.....مسدت بطنها الخاوية تهمس:
_اوووف جعانه جدا نفسي في سندوتش طعمية.
*طرق بذراعيه فوق جانبي جسده ثم جلس علي احدي المقاعد.....جلست سناء مقابله وهمست وهي تشد على ذراعه:
_ارجوك اهدي وبلاش عصبيه انت عقبتها بما فيه الكفاية.....الا حصل منها كان غلطه وهي ندمت عليها يا رأفت بيه....ديه درتك.
*نظرات سناء القلقة جعلته يلتفت ينظر لعينيها للحظات ثم ابعدهم يتمتم بتلعثم:
_ارجوكي ياسناء اطلعي شوفيها وحاولي تكلمي معاها....عشان تهدأ وتأكل وتبطل عنادها ده والا اقسم بالله هجوزها لعامل في الشركة عندي مش للمهندس محترم.
*قفزت عينان درة من مكانها وشهقت قائله بهمس:
_وت داد اتجوز عامل نو واي.....مهندس ميكانيكي احسن طبعا
بس عامل لا....ايه الا حصلك يا درة.
*انفرجت شفتيها حينما سمعت صوت احلام وهي تقل لوالدها الغاضب:
_رافت بيه في واحد علي الباب طالب يشوف حضرتك.....بيقول اسمه محمد صالح.
*توقفت سناء وخلفها رافت اللذان اتسعت عينيهم من المفاجئة ليتقدم رافت يتمتم لأحلام:
_وانتي سيباه واقف علي باب يااحلام خليه يتفضل بسرعه.
*************************
*ضحكت سناء بخفة وهي تراها ترتدي ثوب ازرق ناعم ينزلق فوق جسدها وتمشط شعرها وهي تمضغ بشراهة شطيرة من الطعمية الحارة وتقفز فوق أصابع قدميها المطلية بطلاء وردي جميل:
_نفسي افهم ايه سر الانقلاب ده....وبعدين تعالى هنا انتي كنتي بتسمعي كلامي انا وباباكي مش عيب.
*ضحكة درة بخفة وهزت اكتافها العارية بدلال:
_مش قولتلك يا مودامزيل بيحبني انا شوفت نظراته ليا....ههه مفيش حد يقدر يقاومني ابدا.
_انتي مغرورة...
*صاحت سناء بثقة....فالتفتت لها دره ترمقها بعيناها المشتعلة.....لتكمل سناء وهي تعقد ذراعيها أمامها:
_الشاب الا انا شوفته أعقد مع باباكي دلوقتي مش سهل جدا ممكن يكون حبك أو أعجب بيكي زي ما بتقولي....بس مش لدرجه انه ممكن يضعف قصادك
يا درة.....محمد ده راجل واضح من هيبته وطلته وفعلا رأفت بيه كان عنده حق....خليكي هنا في
اوضتك وإياك تتحركي منها وتعملي اي حاجه غبية
والا رأفت بيه فعلا هينفذ تهديده المردي.
*خرجت سناء من الغرفة وبقت هي واقفه في مكانها متجمدة....نظرت لنفسها في المرأة واهتزت ابتسامتها قليلا.....وعقلها يعود لما حدث وتلك الصفعة فوق وجهها ملست فوق خدها وهدرت بغل وتوعد:
_انا وانت والزمن طويل يا ميكانيكي يابن العطار.
************************
*بعد أن استقبل اسلام عميله الجديد الرجل الفاضل الحاج صالح بمكتبه وتناقش معاه بأمر القضية واطلع على ملفها.....جلس يتحدث معه بشأن إقامة دعوة تعدي ووضع يد على أرضه التي
يمتلكها وظل الحديث قائم بينهم.....حتى توقف اسلام عن الحديث عندما تلقى الحاج صالح اتصال
وأجاب بهدوء:
_ايوه ياحنين.
*ترك اسلام الملف من يده ورفع عينه يتبع الحاج صالح بفضول.....يهمس لحاله:
_هو مفيش حنين غيرها....وبعدين انت يخصك ايه
هي ولا غيرها.
*سمع صوت الحاج صالح يقل بنبرة عميقة:
_بقا كده يعني أمك عندها حق....طالما طلب منك كده
اما نشوف اخرتها ايه ع العموم انا في مكتب المحامي الا هيمسك قضية الأرض ارجع ونتكلم.
*ضحك الحاج صالح وجلس في المقعد أمام مكتب اسلام الشارد وقال:
_حاضر هجيب خلاص ياستي حفظت بسبوسة بالقشطة و لقمة القاضي "الزلابية" حاضر ياحنين
عيوني ياقلب ابوكي..
*أغلق الحاج صالح الهاتف والتفت إلى اسلام يعتذر:
_اسف يابني....احنا وصلنا لفين؟استاذ اسلام انت معايا.
*همس اسلام بتردد:
_هه اه يا حاج كنا بنقول نبتدئ في رفع الدعوى من بكره ان شاء الله ونبدأ في الإجراءات.
************************
*طال الصمت بينهم حتى وضع محمد فنجان القهوة فوق طبقه الصغير وقال بتحفظ شديد:
_عمي رأفت اولا انا حبيت اجي واتسف لحضرتك عن الا حصل مني انا عارف ان حضرتك زعلان مني.....مش عارف ازاي عملت كده بس كان......
*ابتسم رأفت فجأه....ابتسمت جعلت محمد يتوقف عن الحديث وقال له بصوت خشن قوي وهي يضرب فوق ساقه بخفة:
_مين الا قالك اني زعلان....بالعكس انا مبسوط منك جدا....في الفترة الأخيرة الا قبلتك فيها كنت بكون عنك كل يوم فكره لحد ما اكتملت الصورة
بشكل واضح جدا يا محمد...
*اضجع رأفت للخلف وأكمل:
_صوره مبهرة عن شخص متدين محافظ....متعلم و مثقف شخص يمزج بين التحضر و رجولة ابن البلد
الا اي اب ممكن يحط بين ايده بنته وهو مطمئن عليها....ده بخلاف انك ابن اخويا واختي عشان كده يابشمهندس انا إلا لازم اعتذر لك مش انت.
*احني رأفت راسه وأكمل بحزن بعد أن أطلق تنهيدة خرجت من عمق قلبه العليل:
_انا راجل كبرت يابني ومريض بقلبي الا مبقاش متحمل الخوف على بنت صغيره لسه مكملتش العشرين.......وزي مانت شايف بنتي مدلعة جدا استغلت دلعي وحبي ليها أسوء استغلال انت الشخص الوحيد الا قدرت اشوفه مناسب لدره
انت الشخص الوحيد الا حسيت انه ممكن يسيطر على درة وعلى غرورها.....بس هقول ايه النصيب
بتهورها وغبائها وطول لسانها ضيعة مني ومنها
فرصة وجود راجل زيك في حياتنا.
*رفع محمد راسه قليلا ينظر له بذهول وما إن لبث واستعاد ثقته من حديث رأفت إليه.....حديث رأفت الذي جعله يتشجع ويقدم على ماهو أتى إليه:
*قطب رأفت حاجبيه قائلا له:
_اتكلم يا محمد قول إلا عندك.....حاسس ان عندك كلام كتير جدا.
*انتظر قليلا قبل أن يقول بصوته العميق:
_فعلا يا عمي عندي كلام بس مش كتير.....كلمتين
اقدر أقولهم دلوقتي وانا مرتاح ومطمن انك واثق فيا لدرجة الكبيرة ديه.
*اخذ نفساً عميق وهو يفرك كفيه ببعضهم وهمس يقل:
_عمي رأفت.....انا عايز اتجوز بنتك.....انا بتقدم رسمي لك دلوقتي وبطلب منك ايد درة.
*لاحت على ملامح رأفت علامات من الذهول والفرحة وقال بارتياح بعد أن زفر أنفاسه:
_قبل ما اقولك اني اسعد اب وعم دلوقتي لازم اقولك ان بنتي......
*أشار له محمد بحترم يوقفه وهو يكمل عنه:
_انا عارف كل حاجه من غير ما تقول ياعمي وراي مش هغيره ابدا.....انا هتجوز درة......وبعد اذنك بكره اجي مع الحاج والحاجه ونتقدم لها رسمي ونقرأ الفاتحة....
*ابتسم رأفت وهي يزيح دمعة كادت أن تفلت من بين اهدابه وقال ببشاشة :
_البيت بيتكم تشرفوا في أي وقت يا جوز بنتي.
**********************
*بعد انتهاء الجالسة الاعتيادية لطفلين مالك و مريم والذي حضرها اسلام ولم يتغيب عنها......والذي كان يقف من بعيد يراقبها بفضول يثور بداخله هل يذهب إليها ويسالها عن الحاج صالح ام يصمت منعناً للأحراج لعلها تشابه أسماء ليس الا....
وعندما هرول مالك ومريم معاً وكل منهم يهتفون بسعادة وصغيره الذي يقف ملتصق بمريم لا يتركها
جعله يتقدم من حنين ويتنحنح قليلا قبل أن يقل:
_مدام حنين تسمحي اعزمك انتي ومريم على الغدا
اقصد عشان مالك مش هياكل غير مع مريم....
*تلجلجت وهمت أن ترفض ولكن تمسك الصغير بها
وبطفلتها جعلها تهز رأسها موافقا على طلبه.
وبعد قليل في إحدى المطاعم الشهيرة.........
*كانت تلتفت حولها بارتباك وخجل تبعد خصلات شعرها عن وجهها وهي تشعر بالخجل....نظر لها
اسلام ثم نظر إلى الطفلين اللذان يأكلون ويضحكون بمرح جميل وقال لها بصوت خافت:
_مالك كان مصمم أن مريم تيجي معانا تتغذى لولا كده مكنش فكر في الأكل نهائي.
*حاول أن يفسر موقفه في دعوة حنين ومريم على الغداء....نظرت لطفلين تبتسم برقة ولأول مرة
يلاحظ تلك الغمازات التي تزين خديها بجمال ابتلع
ريقه وحول نظره إلى عيناها التي انخفضت وهمست:
_مريم كمان ماصدقت تصور ملهاش أصحاب في المدرسة لأول مرة تصاحب وتتكلم مع حد كان مالك.
*ضحكت وأكملت بعفوية:
_ديه حتى دايما تتكلم مع محمد....وتحكي عن مالك.
*نظر إليها بندافع غريب وسألها بنبرة تحقيق اجفلت حنين التي ظلت تناظره بغرابة:
_محمد مين؟ انتي مش قولتي انك مش متجوزه.
*هزت رأسها وهي مازالت تستوعب هل كان ذلك سؤال ام تحقيق:
_محمد اخويا....هو إلا دايما مريم تتكلم معاه عن مالك هو كمان صديقها اكتر من خالها....بس الكلام ده طبعا قبل ما مالك حبيبي يظهر.
*رفع الصغير رأسه لها وهتف بعفوية:
_ماما حنين تعالى معانا البيت انتي ومريم.
_مالك وبعدين.
*صاح اسلام بتحذير إلى ابنه الذي احني وجهه وصمت....وبدورها بعثرت حنين شعره الناعم الكثيف بعد أن شعرت بكسرة الصغير وهمست له:
_ايه رائيك لو تيجي انت تلعب مع مريم في البيت
عندها العب كتير جدا هتعجبك.
*ابتسم مالك ولكن والده خشن الطباع أجاب بقسوة:
_مينفعش....وبعدين مريم بنت وهو ولد اكيد العبهم هتكون مختلفة.
*قاطعته حنين بقوة وهي تبتعد بوجهها عن الطفل الذي كاد أن يشرع في البكاء:
_الولد هيعيط ده طفل ياريت تتعامل معاه على كده..
*جز فوق أسنانه وصاح بخفوت وهو يقرب وجهه من وجهها الناعم وكأنه يحث نفسه على أن يظل
جاداً قاسي:
_من فضلك مبحبش حد مهما كان يدخل في تربيتي لابني.
*استقامت حنين من مكانها وهي تحمل حقيبتها وهدرت فيه بنفس الخفوت:
_احب اقولك انها تربية غلط....وانت اب قاسي لو كانت أمه عايشه مكنتش هتسمحلك انك تتعامل
مع طفل مريض بشكل ده....يلا مريم اتخرنا.
*ظل ينظر لها بغضب خاصة بعد تمسك طفله بمريم وبكى....وبحنان انحنت تقبل الصغير وتعانقه
وهي تهمس له:
_حبيبي متعيطيش الاولاد الحلوين لازم يكونوا شجعان..
_زي بابا..
*قال مالك وهو يبتسم بين دموعه....مسحتها حنين بكفيها ورمت الآخر بنظرة مبهمة وقالت:
_ايوه حبيبي زي بابا.
************* ********* *
*غادر محمد بعد أن أتم مهمته على أكمل وجه وهو
يشعر بلذة الانتقام من هذه اللعينة المغرورة.... وبعدها بنصف ساعة تقريبا قرر رأفت الحديث مع ابنته واقناعها بشتى الطرق حتى لو استخدم اسلوب التعنيف والتهديد لأقناعها......طلب من مودمازيل سناء أن تأتي بدرة إلى غرفة مكتبه الذي مازال يجلس بها يفكر:
*لم تقصر سناء والتي أبدت إعجابها العميق بهذا الشاب القوي الوسيم.....وعلي الفور صعدت إلى غرفة درة لاستدعائها.....والغريب بالأمر لم تعترض درة أو تتشنج كعادتها الجامحة بل خضعت وترجلت من فوق الدرج خلف سناء.....وهي تحاول بقدر المستطاع اخفاء ابتسامتها البلهاء من فوق شفتيها:
*لقد استمعت إلى حديث محمد مع والدها.....بعد أن اقتربت من غرفة مكتب والدها وهي تمشي ببطء على أطراف أصابعها و لله الحمد مودامزيل
سناء لم تكمشها.....واطرق سماعها صوته الاجش
القوى وهو يتقدم لوالدها ويطلب يدها لزواج:
*شعور غريب داهمها وخز ناعم بقلبها اختراقه
ورجفة قويه قشعرت جسدها الصغير......لتشعرها
بالبرودة تسري بعروقها.....تذكرت صورته وهيبته
وهو يقترب من سيارته الاسبور السوداء وفجاءة
تلبكت حينما رفع رأسه لأعلى.....وكانه يستشعر وجودها وبالفعل كانت تقف في شرفة غرفتها بهذا الثوب الأزرق العاري وذيل فرسها الناعم يترجح خلفها بفعل الهواء.....كانت تعقد ذراعيها حول صدرها ونظرات الغرور تلمع بمقلتيها وهي تتمتم لحالها...بغيظ شديد:
_والله لندمك يابن العطار علي اللي عملته فيا
واعرفك مين هي درة رأفت....ياميكانيكي.
*في نفس الوقت هو الآخر كان يلهث أنفاسه من شدة جمالها ونعومتها....ولكنه تذكر لسانها الزالق والذي سيحرص على تنظيفه بطريقته الخاصة ليستفيق من سحرها البديع ويهدر هو ايضا:
_اما كسرت غرورك وتربيتك من جديد....يا ام عيون جريئه وجميلة مبقاش محمد صالح.
* وقبل ان يدلف لداخل سيارته القي عليها غمزة قوية واضحة.....وهو يملس بيده فوق وجنته ثم اعتلت شفتاه ابتسامة ساخرة متكبرة.....لتضع يدها تلقائيا فوق وجهها وتتذكر....ولكنها سريعاً تراجعت عن ضعفها وظلت تنظر له بتحدي وهي تخرج له لسانها بطفولية مرحة:
*ابتسم أجمل ابتسامته ودلف لداخل سيارته وهو يردد:
_شكلها مش مغرورة وقليلة ادب وبس......ديه هبله
كمان ربنا يصبرني.
_نعم....
*همست بتردد حينما هتفت عليها سناء وهي تؤشر أمام وجهها
_درة.....درة حبيبتي وقفه كده ليه.....ادخلي باباكي مستني.
*وقفت أمام والدها هادئة مستكينة وبجانبها مودمازيل سناء....ابعد رأفت نظره عنها بعد أن رمقها مستغرباً.....ثم حول نظره إلى سناء ليسالها بحركة من راسه في حوار صامت بما يعني:
_مالها هاديه ليه.
*حدقت به سناء ورفعت اكتافها وكأنها تقل بصمت:
_مش عارفه.
*حاول رأفت إظهار ملامح الجمود فوق وجهه ولأونه اشتاق إليها والي قبلتها الجميله.....ولكن يتوجب عليه أن يكون أكثر قسوة من ذي قبل:
_اعقدي يا درة محتاج اتكلم معاكي في موضوع وانتي كمان يا سناء.....اتفضلي عشان يهمني رائيك في الموضوع الا هتكلم فيه.
*تنحنح قليلا وقبل ان ينظر لها القي نظرة سريعة علي سناء التي وجدها تبادله ابتسامه تشجيع لما سيقوله....فقال مطمئن:
_اسمعي يادرة رغم تصرفك الغير محترم مع شاب وراجل زي محمد.....
*صمت قليلا ورمقها بطرف عينيه في نظرة سريعة ليجدها تنحني رأسها وتستمع له بإنصات تام فاكمل بارتياح:
_محمد كان هنا.....واتقدملك يادرة.....طلل ايدك مني يابنتي....ومنتظر مني الرد علشان يجي مع
عائلته يتقدملك رسمي.
*رغم انها وعدت نفسها بانها يجب ان تلقن ذلك الميكانيكي درس يعرفه جيدا لكن شيء ما بدء يزحف بداخل قلبها جعلها تشعر بخفقات قلبها السريعة وبدون شعور اجابته:
_انا موفقه علي اي شيء يادادي.....بس المهم حضرتك متزعلش مني.
*اتسعت عينان رأفت.....بينما تحركت رأس سناء قليلا ناحيتها.....وهي تنظر لها بذهول قوي.
**********************
*مر خمسه ايام.....ثلاثه ايام منهم لا يعلم عنها اي شيء حتي انه بدء تركيزه بالعمل يتشتت وهذا ما بدء يغضبه بشدة ويثير حنقه:
*وبداخل غرفه مكتبه بينما كان جالساً يلقي نظرة علي اوراق الملكية الخاصه بالحاج صالح.....زفر انفاسه بحدة وهو يغلق ملف تلك الأوراق بقوة وقال بخفوت وهو يتكئ بذراعيه فوق طاولة
مكتبه:
_وبعدين بقى...فيها ايه يعني لم تغيب ثلاثة أيام ولا عشرة.....وحتى متجيش خالص وانت مالك؟
خليك في شغلك أحسن.
_بابا....حبيبي.
*انتفض برباك حينما شعر بمالك ابنه و والده يدلفا الي مكتبه سوياً.....ليل والده.
_جري ايه يااسلام يابني......انت نسينا النهارده من ساعه ماجيت من المحكمة..... وانت في مكتب قافل على نفسك مخرجتيش مالك ياحبيبي شيفك مش علي بعضك بقالك كام يوم....في حاجه عايز
تقولها؟
*وقف مقابل والده باحترام شديد.....يمط شفتاه بابتسامة مبهمة لا حياة فيها واقترب وانحنى علي ابنه يقبله فوق جبينه.....ليلقي طفله بجسده فوق صدره و يحتضنه باشتياق:
_مفيش حاجه يابابا....انا تمام والحمد لله بس في قضيه في أيدي شغلاني شويه وبحاول ادورلها علي ثغرات في قانونية.
* ابتسم والده له بوجهه الكريم ثم حرك يده ليربت علي وجهه بحنان....والتزم الصمت ابنه يخفي شيء ما عنه يشغله.....ويرق باله بشدة.... وما يقوله ليس صحيحا بالمرة ولكنه سينتظر لعله يأتي إليه ويتحدث كما كان قبل سابق:
_عموما يابني انا حبيت اطمن عليك..... الحمد لله رب العالمين انك بخير ياحبيبي........وحاول تركز مع القضية طالما هي مهمة كده وشغلك بشكل ده
يمكن القضية ديه تخليك تخرج من الا انت فيه.
*نظر اسلام لوالده بشك وهمس:
_هي ايه الا شغلاني يابابا؟
*رفع والده حاجبه وهمهم بمكر وهي يبعثر شعر حفيده:
_القضية....هيكون ايه غيرها.
_ااااااه....عندك حق يا بابا....عندك حق.
*هز راسه ولم يتحدث لم..... ولكن ما فاجئه صوت مالك الذي همس من خلفه وهو مازال يحتضنه:
_بابا....مريم وحشاني....هتيجي امتى.
*شعر اسلام بانه يريد ان يردد ما يقوله ابنه ويهتف به هو الآخر.....متي ستأتي ويراها:
*زفر انفاسه وربت علي ابنه وهو يبعده عنه قليلا:
_مالك حبيبي شكل مريم مش حتيجي تاني.....عند دكتورة ابتسام....خلاص حبيبي متزعلش.
*ارتمي الصغير بأحضان جده وكأنه يعاقبه على حديثه الجاف معاها......وهو يغمغم من بين شهقات بكائه:
_جدو....انا عاوز اشوف مريم.....قول لبابا يوديني عندها هي وماما حنين.
*ابتلع الجد ريقه ورفع عيناه إلى ابنه الشاحب وهمس يردد:
_ماما حنين...اسلام ابنك بقاله يومين على الحال ده حتى الاكل بيقولي مع مريم.....الولد بقا متعلق
بيها جدا......لو تعرف مكان البنت فين روح بيه يشوفها.
*هز راسه ونظر لصغيره الباكي وهتف:
_مش عارف يابابا حاجه عنهم....وبعدين 3 جلسات هما ثلاث جلسات لحد النهارده.....مش بيحضروا.
*غمغم ابيه بحيرة....وسأله:
_هما مين؟ مش بقولك في حاجه يا اسلام.....انت مش على بعضك اليومين دول انت كمان زي ابنك.
*التفت إلى والده وقبل أن ينفي....كان جرس الباب
يتعالى.....فذهب ليفتح هو بخطوات واسعة بينما
غمغم الجد وهو يحضن رأس حفيده المتشنج:
_خير يارب.
*فتح الباب بغضب وقبل أن يصرخ على الطارق المزعج بهذا الشكل....انقلبت ملامحه وتنغصت حينما رأي طليقته تقف أمامه وتصرخ:
_فين ابني يا اسلام....
***********************
انتهى الفصل
إلى اللقاء مع الفصل السادس الخميس القادم ان شاء الله......10:30 بتوقيت مصر.
#قراءة_ممتعة