إيسور فالدين (١)

15 2 0
                                    

وصلت إلى قرابة منتصف سجلي الأول في كاديري . رغم أن سيفرين قد مر بالكثير من التقلبات خاصة في مرحلة الفراعنة إلا أنه لا يقترب قط مما مر به همداريا إبان حرب الهمج . ربما كان علي أن أبدأ بسجلات همداريا القديمة عوضا عن تلك السجلات . لكن لا بأس , بعدما أنتهي من سيفرين سأرسل ليبان كي يحضر لي مجموعة من سجلات همداريا . أمسكت بسجل سيفرين و تابعت القراءة فيه . ما كان تاليا هو وصف بسيط مختصر للغاية لجنس يُدعى ترناح . ما مكتوب أمامه عبارة عن سطر صغير يصف أنه جنس نادر لم يقابله إلا القليلين و آخر مرة ذُكر في تقارير الدوزونات كان منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت . أمسكت ببقية أوراق السجل أقرؤه في عجالة لكن لم أجد أدنى ذكر لترناح من جديد . عدت بجسدي مستريحا على مقعدي أنظر نحو سقف الرقعة التي أجلس فيها . بدا الأمر لي مريبا خاصة أن فقر المعلومات الواضح تجاه هذا الجنس يجعلني أشك في كونه حقيقة . و إن كانت المعلومات المتعلقة به مجرد إشاعات و ليست حقائق فلماذا مذكورة في سجل مكتوب باللون القرمزي و عليه إشارة رأس الدوتين ؟ بدأ رأسي يعتمل بكثير من الشكوك و الأفكار . ربما أخطأ أحدهم و وضع معلومة مشكوك في صحتها في هذا السجل ؟ إن فعل أحدهم ذلك فعليه أن يُعاقب فورا , فجريمة تدليس المعلومات في دونارما من أخطر الجرائم . علي أن أبلغ عن تلك المعلومة , فلا يمكن أن تظل في هذا السجل بعد الآن .
حزمت أمري و أمسكت بالسجل في قوة و تحركت بخطوات مسرعة عابرا عددا من الرقعات المجاورة لي . عبرت كذلك على البحيرة التي قابلتها أثناء مجيئي إلى رقعتي لكن لم يستهواني النظر إلى الزهور المرقودية , فمزاجي لم يسمح لي بذلك . كلما خطوت خطوة نحو الأمام كلما شعرت بنافورة من الغضب تثور داخلي . تحركت دون أن أدري كم من الرقعات و النفيرات اجتزت حتى وصلت إلى رقعة ضخمة بها مناضد خشبية كبيرة و يجلس فوقها عدد من الإيسور الأكبر مني سنا و الأعلى من مقاما . توقفت في مكاني في منتصف مدخل الرقعة الواسع و تفحصت وجوه من يجلس أمامي حتى وجدت وجها مألوفا لدي . أشرت برأسي نحو فالدين الذي تولى استقبالي في كواديري و توجيهي منذ لحظاتي الأولى هنا . نظر لي فالدين نظرة تحمل إندهاشا واضحا ثم تحرك نحو منضدة بعيدة تخلو من الجالسين . تبعته و جلست إلى جواره مباشرة بطريقة تبدلت معها ملامحه , فمن عاداتنا ألا نجلس جنبا إلى جنب بتلك الطريقة التي نعتبرها فظة . لكن في هذه اللحظة لم أكترث بأي إيتيكيت فما أحمله معي جريمة يجب أن نسارع في إصلاحها فورا .
-ماذا هناك إيسور آفارو ؟
بدت نبرته جافة حادة باردة بعض الشيء , لكن لم أهتم بذلك حيث وضعت السجل على المنضدة أمامه و أنا أقول :
-لقد اكتشفت جريمة إيسور فالدين .
نظر فالدين نحوي ثم نظر نحو السجل بتمعن . لم تمر لحظات حتى ومض بريق خافت في عينيه لاحظته على الفور . على ما يبدو أنه يعرف بشأن تلك الجريمة , هل يعني هذا أنه مضطلع فيها هو الآخر ؟ لو صح ذلك فأنا جئت للشخص الخطأ لاريب .
-دعني أخمن , أنت تشير إلى جنس ترناح .. أليس كذلك ؟
بدأ التوتر يعتمل داخلي بشكل متزايد . بالفعل أنا أعني ذلك , لكن هل علي أن أخبره بشكوكي ؟ كونه يعرف بتلك الجريمة يشير بإتهام صريح أنه مشارك فيها إن لم يكن هو من قام بها . هل أرتجل شكا مغايرا ؟ لكنه يعرف ما هو موجود بهذا السجل , فلو قلت أي شيء فهذا يساوي أيضا أن أعترف بما أشك فيه . التزمت الصمت محدقا بثبات نحوه . لم يبدُ عليه أي ذرة خوف أو قلق حتى في نظرات عينيه . يا له من ممثل بارع !
-تظن أنك قد وجدت خطئا في سجلاتنا يا إيسور آفارو , و تظن أيضا أنني مشارك في جريمة تزوير سجلاتنا و أنت الآن تقارن بين إخباري بما تشك فيه و بين أن تبتكر أي شك بعيدا عما جئت من أجله .
مال نحوي و نظر في عيني بثبات من يؤمن بصحة قضيته متابعا :
-أنت مخطيء في ذلك يا إيسور آفارو , و خطؤك بدأ في شكك نفسه .
أنا مخطيء و خطئي يكمن في شكي بتزوير معلومة ترناح ؟ قبل أن أتمادي في التفكير بما قاله وجدته مستعدا للنهوض كي يتركني . هذا الملعون من يظن نفسه ؟ هل يرى أنه بما قاله سيجعلني أصمت ؟! جززت على أسناني من الغيظ و أنا أقول له بنبرة حاولت أن أجعلها هادئة خافتة قدر الإمكان :
-ما قلته إيسور فالدين لا يشبع فضولي . أعدك أنني لن أصمت و سأتحدث إلى الجميع حتى لو وصل الأمر إلى مخاطبتي لأحد من المينج .

AvaRo آفاروحيث تعيش القصص. اكتشف الآن