3

22K 775 98
                                    


تنويه * الرواية امتزَجت ما بين الواقِع والخيال ،
وليس كل ما هو مكتوب عن عنترة وعبلة ، من الواقِع *

كانَ قد عادَ مِن عِندِ احدى التجار , ذاهِبا نحو والده , الذي كان جالسا بجانب زوجته بتناولا الطعام سوِيا , نظر شداد نحو عبده عنترهِ , يستفسره عمَّا حدث بنبرة  غليظة حادَّة , ليجيبه عنترة وهو جامِد يدعي القوة :

-لقد ناولته البِضاعة كما قلت , وناولني هو الثَّمن الذي طلبته حضرتكَ سيدي .

تلمَّس والده شارِبهِ بنظرات قاسِية , ليقول :

-جيِّد  , أعطِني المال , واذهب لجلْبِ المياه مِن البئر .

ليقول عنترة محاوِلا استعطافه :

-هل أذهب فورا ؟ ألا أستطيع أن أستريح قليلا ؟

ليصرخ عليهِ والده :

-ولِماذا أنتَ عبد اذا ؟ لتلبي حاجاتي دونَ تفكير , فأنا أولى مِنك بجسدِك .

ومِن ثمَّ صرخ عليهِ قائلا :

-اذهب بسرعة .

-حاضِر سيدي .

وها هو يمشي في الصحراء الحارة , الجو مشمِس اليوم , لدرجة تحرِق الابدان , الحياة معه لم تعد تطاق , كلِمات في قلبهِ لا يستطيع نطقِها الاَّ على الحجَر , كانَ يشعر بالحزنِ كأي يوم عادي , ولكِن قد ملَّ مِن فرطِ وجعهِ , هذا والده الذي يستعبده , ذلِك الوالد التي تجري جيناتهِ في بدنِه , وتِلك الدماء التي تشهد قرابتِه , هل حذَفتها نيران العنصرية التي لا تطاق , هل كانَ السواد عيبا ذاتَ يوم ؟ , هَل قبيلة والدته الحبشية , تجلِب العار بنظرِهِم ؟ , سخيف والده وجاهِل , أمَّا هو فحياته لم تعد تطاق , لقد كانَ صادِقا والده معه , هو عبد مملوك , جسده , رغباته , احتياجاته , قراراته , لم تكن يوما مِلكه , كانَت لوالده وحده , ولكِنه لماذا يرضخ أمام الامر الواقِع بكونهِ عبد ؟ هو كانَ يجِب أن يكونَ حرا , كتِلك النسور والعصافير التي تُحلِّق بالسماء , تنهد بأسى وهو يدخِل الدلو في داخِل البئر , رفعَ عيناه فجأة حينما استَمع الى صوتِ صهيلِ حصان  , يأتي بطريقة مسرعة  , نَظر الى راكِبهِ , ليدق قلبه بدقَّات سريعة لا تهدأ , انها حبيبته عبلة , انها ابنة عمِّه التي وقع في حبّها , وحب أخلاقها وحسنِها معه , ها هي تنزِل من على حصانها , تنظر اليهِ متقدمة وعلى شفتيها ابتسامة تنير الحياة الحالِكة في داخلِه , نظرت اليهِ عبلة وهي تقول ِبِلطف :

-مرحبا أيا بن عمي , عساكَ بِخير ؟

لا يعلم هل يسخر من كلِمة " ابن عمي " , أم عساكَ بخير ؟ , أو يبتسِم اليها مجامِلا لكونِها هي المحبوبة , ليتنهد مستسِلما :

-لو تعلمين يا عبلة , ولكنني لا أودَّ أن أعلمكِ , وأعلم غيركِ .

مسكَت عبلة كفة يدهِ , لتقول محاولة أن تَضع كلمات عطِرة تهدأ من فرط أوجاعه وحرمانِهِ :

ساسندراحيث تعيش القصص. اكتشف الآن