5

17.9K 749 143
                                    

( ملاحظة : حِكاية عنترة وعبلة ، هنالِك من أحداثها واقِعية وهنالِك من هي خيالية )

كانَت تقِف فِي خارِجْ الخَيمة , حيث يجلِسون بِداخلها أهل القبيلة , يتناقشون حول أمور مُهِمة عَن القبيلة , أمَّأ هِي فيجِب أن ترافِقه وتكون معه , حيث يكون , ووقتما يشاء , كانَت جامِدة , نظراتها بارِدة , وكأَن لا روح فِيها , مغروسَة على تِلك الِرمال دونَ أي حرَكة , حاولو عَبيد أهل القبيلة المرافقين لأسيادهم , أن يلفتو انتباهها , أو حتَّى يتغزلو بِها , ولكِن قلبها كانَ جامِد , وقاسٍ , لم يخفِق , ولم يبالي , حتَّى بكونها لم تنظر لهم ولو نَظرة واحِدة , كانَت عيناها مصوَّبة فقط الى أمامها , الحركة الخارِجية الوحيدة التي كانَت تمارسها , هو رمشِها لعيناها , بطريقة لا ارادِية منها , نّضجت ساسندرا , باتَت كالفاكِهة التي بدأَت بِفقدان جمالِها , لوجود أماكِن فاسِدة بداخِلها , لقد كانَت محطمة , كأَن لا روح فيها , باتَت بِجسد أنثى , وتصرفات رجل , قتلوها , وقتلو الحيوية التي كانَت يجِب أن تكون في طِفلة من جيلها , طالَ شعرها باتَ مجعَّد بطريقة لا تطاق , حتَّى هي بِحد ذاتها لا تطيقه , وبشرتها الصافِية السمراء , باتت من احدى مشاكِلها اليومية , لا بِسبب كرهها لبشرة لونِها , بل لكونها مختلِفة عنهم , باختلافِها قد حارَبتهم دونَ قصد مِنها , هم يظنون بكونِها تشعِل الحرب , ما بينَ أبيض وأسود , ولكِنَّها صامِتة , كَصَمت الجثَّة تحت التراب , خائِرة , كخور الضعيف مِن القوي , وهَكذا كانَت يجِب أن تكون , ذليلة , خرساء , لا تَسمع , ولا ترى , ليهينوها هُم أمَّا إياها هِي , فَــ ايَّاها أن تفعَل المثل , فابْنَ بلَدها , قَد باعَها بِثمن خسيس , باعَها , وباعَ الوطَن , والدم , والروح , لأجلِ كمِّية من الأسلِحة , ظنُّو هم بكونها ستزرَع في نفوسهم , القوَّة , والعِزَّة , ولكِنها زرَعت في داخِلهم , الخور , والذِلة .

خرَج أشهب مِن داخلِ الخيمة, وخرحو أهل ألقبيلة معهُ , ها هوُ الاجتِماع قد انتَهى , ذلِك الاجتِماع الذي طال , لِمدَّة ساعتين ونِصف , دونَ أن تجلِس هِي , دونَ أن تشرَب المِياه , أو تتَناول الطعَام , تستشعر بالذل يوما مَا بعدَ يوم , مرَض والدها بِمرض مزمِن , مِمَّا جعله طريح الفِراش, مِمَّا جعلها لا تنجِز فقط أعمالها مع أشهَب , بل أيضا تقوم بِبضع الاعْمال التي كانَ يفعَلها والِدها , نَظر اليها أشهَب نَظرة جمود , ليقول بصوت خشِن :

-أنتِ عودي الى المنزِل , أنا راحِل .

ابتسمت في سخرية , حينما أعطاها ظهره , هي تعلَم الى أينَ هو راحِل , الى تِلك من وضعت إشارة عندَ باب منزِلها , بكونِها تتاجِر بجسدها ,كانُو كوْمة مِن الرِجال يندفِعون نحوها , ينتظرون أمام بابِ منزلها , وانْ حمَلت , فعلى الابْ أن يتزوجها , نِسبة للعادات والتقاليد , توَجَّهت ساسندرا نحو المنزِل , بقلبٍ مكسور مكسو بالجمود , بعينان تذرِف الدمعُ , التي كانَت تخفيها عن الجميع , باتَت كتومة ساسندرا , بالكاد الكلِمات تخرج من فمِها , تِلك الجلدة التي جلدها إياها أشهَب لم تنساهَا , ولن تفعَل , ألَمها الذل ألاف المرات , مِن ألم الجسد , ألمها الضعف , وإنعدام الحرية , أكثَر مِن تلك اللسعات التي كانَت تجلِد جِلد ظهرِها . وها هِي تقِف أمام الباب الخشبي للمنزِل , تنظر اليه بنظرة مليئة بالكره , تودُّ أن تُشعِل النيران بداخلهِ وتهرب , نظرت الى كميِّة النخلات التي تحاصِر المنزِل كنوع من الخصوصية , لتبتسِم بسخرية , الشيئ الوحيد الذي أحبته هي تِلك النخلات , وأولئِكَ الخيول , أما أصحاب المنزِل , فهم بغيضين بطريقة لا تطاق , مسَحت عيناها , وهِي تحاول التوقف عن التَفكير , فكلما فكّرت زادَ حقدها , وكرهها , والنيران التي تشتعِل في داخِلها , ليصمت عقلها ولو لِيوم , ليدعها وشأنها , وليدَّعي التجاهل , ستكون بِخير , نعم هِي ستفعل , فقط ستنجِز أعمالها الكثيرة , التي لن تتوقف , حتَّى موتِها , ومِن ثمَّ ستخلِد الى النوم , هكذا فكَّرت والابتِسامة احتلَّت ثغرتها , نَعم النوم , انّه الجنَّة بِحد ذاته , حيث ستكون هِي بهِ حرَّة , نقية , تختار ما تشاء , وتفعل ما تريد , ستطير فيهِ كالفراشات , مستِقلة , سعيدة , تحوم هُنا وهناك , دونَ عِقاب , أه يا طَعم ألحرية ومِن ثم أه !

ساسندراحيث تعيش القصص. اكتشف الآن