الـفصل الـأول | نيران لن تُطفئ

219 11 57
                                    

في أنحاء مدينة لندنْ بالمملكة البريطانية المُتحدة
السابع من  فبراير -  العاشرة و النصف صباحًا.

أقف أمام تابوت أبي و مقليتي موجهة صوب والدي وهو نائم في سُبات عميق أبدي، مُرتديًا بذلته السوداء ذات المِنديل الملون بماء الذهب - لطالما أحب تلك البذلة وكانت الفُضلي بالنسبةً له - أتذكر ذلك اليوم حينما اشتراها خصيصًا لحفلة تخرجي، في الواقع نحن أسرة لم تعاني من الفقر مطلقاً ولا حتي لون من ألوان الفقر العديدة، أبي السيد ( بِنجامينْ ويليام ) كان - وكم تجرحني تلكَ الحروف الثلاث - من أكبر المحامين في مدينة لندن، مكتبه لا يفرغ ابدًا من الملفات والأوراق وكأنه قارب صغير غارق بين الأمواج، لا يزال يضج من كثرة العاملين به وهم المحامين المبتدئين المتعلمين علي يد أبي، وهم بالكاد يُدركون تمامًا معني ذلك.

لهذا الكنيسة مُزدحِمة اليوم من الرِجال النُبلاء الذين يكنون بعض المشاعر لأبي وكذلك ممتلئة بالأوغاد الحقراء الذين فاضت قلوبهم بالرياء و عقولهم بالغش، لا أعلم حتي سبب مجيئهم إلى هنا لطالما تصنعوا الود والمحبة تجاه أبي عندما كان على قيد الحياة من أجل مصالحهم الشخصية الدنيئة، لماذا يصنعون الحزن و الألم الآن؟ تبًّا... لقد إنتهي كل شئ! لا يوجد أكثر من المشاعر المصطنعة إيذاءًا للناس.

أصوات صلوات الكاهن ملأت الكنيسة وأركانها، في الواقع انا لم أكن منصتة لكل هذا، ففي مثل تلك الأوقات لا عليك سوي التمعُن علي مُحِبك بشكل جيد بل ممتاز لم يسبق حدوثه من قبل، لأن تلك الدقائق المعدودة هي الأخيرة لرؤيته... كان أبي نائمًا والعبوس يغزو وجهه، أعلم ان هذا أمر طبيعي في تلك الحالات، ولكني فقط ... لستُ مُعتادة علي رؤيته في تلك الحالة... عابس، شاحب الوجه و بارِد كالثليج. ليته يطلب مني المساعدة.... أتمني لو بإمكاني المساعدة.

بعد مرور بضع دقائق انتهينا من الصلوات و توجهنا مباشرةً الي المقابر امام وجهة مبني الكنيسة، سِرنا متجهين إلى المقبرة - منزل والدي الجديد - وَسَطْ اللوح الفضية كل لوحة مُعلِنة عن إسم صديقها، بدأ المطر في الهطول رُويدًا رُويدًا حتي أخذ يشتد و بات سقيع أكثر فأكثر، التفتت ذراعيّ حول فستاني الأسود القصير ويُحيط خِصري حزام ذهبي لامع مُنسدل عليه شعري المُبتل الأصفر اللون ذات جذور بُنية... وبينما نحن سائرين وضع ( دينِس ) علي أكتافي الجاكيت الخاص ببذلته و إحتضني لتدفئتي.
وصلنا لمقبرة أبي ووضعوا الصندوق في الحفرة المُستطيلة و بدأوا في هدمه بكُتل الطين الناعمة، حتي بدأ التابوت فالإختفاء... حتي أنهوا دفنه.

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
Benjamin's Will (H.S) | وَصِية بِنجامينْ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن