الآداب المعنوية للصلاة
الدرس الثامن ٠٠
قال الإمام الصادق عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: "ليبلوكم أيكم أحسن عملا؛ ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية الله، والنية الصادقة الحسنة، ثم قال: الإبقاء على العمل حتى يخلُص أشد من العمل، والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّ وجلّ، والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل، ثم تلا قوله عزّ وجلّ: قل كلٌ يعمل على شاكلته؛ يعني على نيته".
قوله عليه السلام: "ألا وإن النية هي العمل" النية هي ميل وحالة قلبية مبتنية على مجموعة من الأفكار يمضيها الإنسان لتتوزع على أعضائه بشكل تفصيلي، أحياناً تكون الأفكار والنية نورانية وأحياناً ظلمانية، وعلى إثر ذلك إما أن يتنور القلب أو يتكدر.
"النية هي العمل" يعني أن النية شيء واحد ولكن لها جهتين؛ جهة في باطن الإنسان والتي تتمثل في القلب، والجهة الثانية هي الحواس الخمس التي لها ارتباط مباشر بالقلب، فالأفكار تؤثر في الحواس والحواس تؤثر في القلب حيث أن لكل فعل ونظرة وحركة وقول أثر ينطبع في القلب، فإما أن يكون الأثر نور أو ظلمة، فلأجل تقويم القلب يجب على الإنسان أن يبدأ من طريق حواسه وأعضاء بدنه.
مثلاً؛ الشخص الذي لا يهتم بترتيب بيته أو غرفته أو حتى نفسه؛ هذا الإنسان لا يكون ملتزماً بواجباته لأنه يفقد عنصر الترتيب في حياته فكيف يلتزم بواجباته وهو لا يلتزم بترتيب نفسه؟ فالترتيب والتنظيم له نور أيضاً، وهذا النور يضفي حالة من التوازن والنظام في باطن النفس يمكّن الإنسان من ضبط مشاعره وقواه الباطنية.
لأجل ذلك جعل الله الصلاة عماد الدين، فالله عز وجل فرض للصلاة كيفية خاصة لعلمه بأثرها في النفس، فالصلاة من شأنها فرض حالة نظم في الوجود الباطني للإنسان، حيث أن لكل حدّ من حدود الصلاة أثر خاص في تقويم النفس لا يتواجد في غيره من الحدود كما سيتضح في الفصول القادمة.
النور الحاصل من إقامة حدود الصلاة وملازمة المستحبات من شأنه أن يقيد القوى والخيالات المشتتة في أنحاء القلب ليصل الإنسان للإستقرار الباطني فتنغلق الأبواب أمام إبليس وأعوانه ليصل بذلك للسر المكنون في الصلاة.
قوله عليه السلام: "الإبقاء على العمل حتى يخلُص أشد من العمل" يشير إلى أهمية تكرار المستحبات فعندما يداوم الإنسان العمل الصالح يتعاظم النور في القلب ليصبح هذا النور مانعاً عن المعصية وداعياً إلى الطاعات لذلك كانت قراءة عشر آيات كل ليلة من موجبات كسر الغفلة عن ذكر الله.
قوله عليه السلام: "والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّ وجلّ" علامة خلوص العمل هي أن لا يُسّر الإنسان بمدح الناس لطاعاته.