الفصل الاول

14.1K 200 4
                                    

كان الامطار تنزل بغزارة من السماء لتجعل الناس الذين يتمشون في الشارع يسرعون الي بيوتهم لهرولة المنظر. فمنهم من كان يتمشي فغطي رأسه بمعطفه وهو يركض الي بيانته بينما كان في الناحية الاخري تزيح الام معطفها عنها حتي تغطي راس ابنتها الصغيرة التي لم تري من الدنيا بعد. كان المتاجر تُغلق في مثل هذا الوقت، فمنه من يعرف انه لن يكسب قرشاً بعد هذا الجو ونه من يعرف ان الوقت يمضي سريعاً لطلوع النهار ليكسب ثانيةَ حتي لو لم يكسب اليوم شيئاً.

ولكن بالنسبة لرجل طويل القامة بيضوي الوجه، عينيه بنتين ورموشه طويلتين بينما يدع خصلات شعره الاسود تتطاير مع الهواء وتتبلل هيئته. كان مراد يمشي وهو يتمالك نفسه بصعوبة مُنكسر الأجنح. فقد خسر شيئاً لم يتوقع في يوماً خسارته. وعينيه كانت تحبس الدموع لا تريد نزولها فكان قد وعد انه لن يبكي وسيصبح صامداً. وقف علي كوبري النيل يتأمل فيه. ماذا ان قفذ من هُنا الآن؟ هل سيحدث شئ؟ ام سيكون جحيم لمن يحبونه فهناك الكثير ينتظره ولكنه كان فاقد الأمل تماماً. ابتسم بحرقة من شدة الالم الذي طعن جسده ولا يريد ان يشفي. نظر حوله ليجد القليل من الناس والهدوء يعم وسط هذا الشتاء المُزدحم. وضع يديه علي قضبان الدرابزين حتي يتسلقه ويقف عليه، وها هو الآن بين ان يقع ويخسر حياته للابد او ان يرجع للوراء ويعيش العذاب طوال عمره.

شد علي عينيه بقسوة وربت علي يديه بقوة. نظر الي تلك القماشة التي كانت تلف رقبته والتي دائماً كان يسخر منها. ولكن الآن بعد ان خسر كل شئ، لن يدع نفسه ان يتفوه بكلمة سيئة حتي. قبل الفراشة التي كانت مرسومة عليها ثم استعد للهبوط، ولكن صوتاً عذباً اوقفه.

"انتَ بتعمل ايه؟"

فتح عينيه بصعوبة التي كانت شديدة الحرقان ونظر الي ذراعه التي كانت تمسكها هذه الفتاة باحكام.

"وأنتِ مالك؟" قال مراد بتافف.

"يعني ايه وانا مالي؟ لا طبعاً مالي ونص! اكيد مش هسيبك تنط!" قالت هذه الفتاة بتحدياً.

نظر مراد الي النيل "وانتِ ايه بقي؟ ملاك علي الارض!!"

سخر منها لتقول هي بعند "لا! بس انت انزل بقي!"

"وهيفرق معاكي في ايه!! انتِ حتي متعرفنيش!!"

"لا عارفاك هتنزل ولا اجي انط معاك!!!"

"لا خلاص انا ناقص!" امسك مراد يديها باحكام ليقفز اليها.

لم يري وجهها جيداً من الذي كانت تضعه علي راسها.

"هاه! مش هتقولي عرفتيني منين؟"

ابتسمت لتظهر غمازتها "هسيبك تفتكر لوحدك!"

جارتي العنيدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن