-لقد انفقنا الكثير لنجعله مريحا للسكن. لقد بعنا قطعة ارض جاهزة للاستصلاح ( هكذا يسمونها، اليس كذلك؟)، وكانت بعيدة عن المنزل في الجانب الاخر من الحديقة لحسن الحظ. لقد كانت في الحقيقة قطعة ارض لا تسر الناظر، ولكننا حصلنا على ثمن جيد لها مكننا من اجراء كل التحسينات الممكنة في المنزل.
-وماذا بشأن الخدمة يا سيدتى؟
-اه، هذا اسهل مما تتوقع، لا يمكننا ان نتوقع الخدمة والرعاية التي كانت في السابق بالطبع، ولكن لدينا بعض الاشخاص الذين ياتون من القرية، اذ تاتى امرأتان صباحا لتحضير الغداء وغسل الاواني، وتاتي اخريات للخدمه مساء. توجد الكثيرات ممن يرغبن في القدوم للعمل بضع ساعات كل يوم. اما عيد الميلاد فمن حسن حظنا ان عزيزتي السيدة روس تاتي في كل عيد ميلاد، وهي طباخة رائعة من الدرجة الاولى تقاعدت قبل عشر سنوات ولكنها تاتي للمساعدة في المناسبات. كما يوجد عندنا العزيز بيفريل ايضا.
-النادل؟
-نعم؛ لقد تقاعد ايضا، وهو يسكن في المنزل الصغير قرب الكوخ، ولكنه متعلق بنا ويصر على الحضور لخدمتنا في اعياد الميلاد. انني اخاف فعلا يا سيد بوارو ان يصيبه مكروه؛ فهو طاعن في السن وضعيف الى حد اشعر معه بانه لو حمل حملا ثقيلا فسيوقعه، ولذلك فمن المؤلم مراقبته، خاصه وان قلبه ليس على ما يرام واخشى عليه من الاجهاد. ولكننى ساجرح نشاعره بعنف لو منعته من ان ياتي لخدمتنا. انه يتنحنح ويتافف مدمدنا عندما يرى حال اواني الشرب الفضية، وما ان يقضي ثلاثة ايام هنا حتى ترى تلك الاواني وقد عادت رائعة من جديد. انه صديق مخلص و عزيز.
ابتسمت في وجه بوارو وقالت: عيد ميلاد ابيض ايضا! انظر، لقد بدأ الثلج بالتصاقط، وها هم الأطفال قادمون. ينبغي ان اعرفك بهم يا سيد بوارو.
قدمت السيدة ليسى السيد بوارو الى الغلامين، اولا: كولين حفيدها التلميذ وصديقه مايكل، وهما فتيات لطيفان مؤدبان في الخامسة عشرة من عمرهما، احدهما اسمر والثاني اشقر. ثم قدمته لابنه عمهما بريجيت ذات الشعر الاسود والعمر المماثل والحيوية المتدفقة.
ثم قالت السيدة ليسى: وهذه حفيدتي سارة.
نظر بوارو الى سارة بشئ من الاهتمام. بدت فتاة جزابة الى حد ما، وبدا طبعها جسورا ميالا الى التحدى، ولكنها كانت تظهر حبا حقيقيا لجدتها.
-وهذا السيد ورتلى.
كان ديزموند لى ورتلى يرتدي سترة كتلك التى يرتديها صيادو السمك وبنطالا ضيقا من الجينز الاسود، وكان شعره طويلا ولا يمكن الجزم اذا كان قد حلق ذقنه ذلك الصباح، وعلى العكس منه كان الشاب الذي قدمته السيدة ليسى بعده، ديفيد ديلواين، جادا وهادئا بابتسامته العذبة، ومدمنا - كما هو واضح - على الماء والصابون. وكان في المجموعه عضو اخر، فتاة جذابة ذات نظرات عميقة قدمت على انها ديانا ميلتون.
بعد التعارف قدم لهم الشاي مع وجبه ضخمه من الكعكةوالخلوى والشطائر، وقد تمتع الصغار بخفله الشاي تلك. اما الكولونيل ليسى فقد انضم في نهاية معلقا بنبرة غير ذات معنى: الشاى... نعم؛ اريد شايا.
استلم كوبه من يد زوجته وتناول قطعتي معك، ثم القى نظرة مقت على ديزموند لى ورتلى قبل ان يجلس في ابعد مقعد عنه.
كان الكولونيل رجلا ضخما كث الحاجبين ذا وجه احمر لوحته الشمس، وكان يمكن لمن يراه ان يخطئ فهمه فيحسبه مزارعا لا مالكا لهذا المكان كله.
قال الكولونيل: لقد بدا الثلج بالهطول؛ سيكون عيد ميلاد ابيض.
وانفض الجميع بعد جلسة الشاى.
قالت السيدة ليسى لبوارو: اظن انهم زهبو للعب بمسجلاتهم الان؛ انهم مغرومون بالالعاب التقنية، وهم فخورون بامتلاكها.
ثم نظرت بدلال الي حفيدها وهو يغادر الغرفة. ولكن الغلامين وبريجيت اختاروا الذهاب الى البحيرة ليروا ان كان الثلج هناك قد تجمع بما يسمح بالتزلج.
قال كولين: اعتقد انه كان بامكاننا التزلج هذا الصباح، ولكن هودغينز العجوز لم يسمح لنا، هو شديد الحذر كعادته دائما.
وقالت ديانا ميلتون برقة: لنتمشَّ قليلا يا ديفيد.
تردد ديفيد ديلواين للحظات وهو ينظر الى سارة ذات الشعر الاحمر وهي تقف مع ديزموند لى ورتلى ويدها على زراعه وعيناها معلقتان بوجهه، ثم قال اخيرا: حسنا، لنتمشَّ.
وسرعان ما وضعت ديانا يديها حول ذراعه ودارا نحو باب الحديقة. ثم قالت سارة بدورها: هل نخرج نحن ايضا يا ديزموند؟ فالجو خانق جدا قي المنزل.
اجاب ديزموند: مالى وللمشى؟ ساحض سيارتى لنذعب الى مقهى سبيكلربور.
ترددت سارة قبل ان تقول: لنذهب الى مقهى وايت هارت في سوق ليدبورى؛ فذلك افضل.
كان في نفس سارة اشمئزاز غريزي من ارتياد مقهى سبيكلربور المحلى مع ديزموند، وان لم تكن لتقول مهما كلف الامور؛ فلم يكن ارتياد تلك الحانة من تقاليد كينغزليسى، ولم يحدث لنساء العزبة ان ذهبن اليها قط. وقد راود سارة شعور غامض بان ذهابهما اليها سيكون بمثابة خذلان للكولونيل العجوز وزوجته ( ولقد كان من شان ديزموند - لو عرف ذلك - ان يقول: ولم لا؟).
وفي لحظه سخط شعرت سارة ان تخبره باسباب رفضها ازعاج العجوزين؛ فلا يمكن للمرء ان يزعج عجوزين غاليين كجدها وجدتها العزيزة " ايم" ما لم يكن ذلك ضروريا، فقد كانا غاية اللطف حقا اذ سمحا لها بممارسة حياتها الخاصة وقبلا لها ان تعيش في تشيلسى كما تريد، حتى دون ان يفهما دوافعها. وقد كان هذا الموقف بتاثير من "ايم" اذ كان من شان الجد ان يقيم الدنيا ويقعدها لو ترك الانر اليه.
لم تكن عند سارة اي اوهام فيما يخص موقف جدها. كانت دعوة ديزموند الى كينغزليسى من عمل ايم لا من عمله، لقد كانت ايم عزيزة غالية دائما.
وبينما كان ديزموند يحضر سيارته اطلت سارة ثانية على غرفة الجلوس وقالت: نحن ذاهبان الى سوق ليدبورى، الى مقهى وايت هارت.
كان في صوتها اثر قليل من التحدى، ولكن لم يبد ان السيدة انتبهت اليها عندما اجابت: حسنا يا عزيزتى؛ هذا رائع. وها هما ديفيد و ديانا قد خرجا معا يتمشيان. كما يسعدنى ذلك! لقد كانت دعوه ديانا الى هنا فكرة يارعة مني في الواقع، فمن المحزن ان تترمل وهي شابة لم تتجاوز الثانية والعشرين، واني ارجو ان تتزوج ثانية وبسرعة!
نظرت سارة اليها بحدة وقالت: ما الذي تخططين له يا جدتى؟
اجابت السيدة ليسى بمرح: انها خطتى الصغيرة، فانا اعتقد ان ديانا مناسبة تماما لديفيد. اننى ادرك - بالطبع - انه كان متعلقا بك انت عزيزتي، ولكنك لم تعودى بحاجة اليه. لا اريده ان يبقى حزينا، واعتقد ان ديانا تناسبه تماما.
قالت سارة: يا لك من خاطبة!
فاجابتها: اعلم ذلك، العجائز كلهن هكذا، وارى ان ديانا قد اصبحت متحمسة له بالفعل. الا تشعرين انها ستكون مناسبة له؟
قالت سارة: لا اظن، فانا اشعر ان ديانا انفعالية تماما وجادة كثيرا، واظن ان ديفيد سيجدها ممله جدا بعد الزواج.
قالت ليسى: حسنا، سنرى. ولكن لا تريدينه انت، اليس كذلك يا عزيزتى؟
اجابت سارة بسرعة: "بالتاكيد" ثم اضافت فجاه: انت تحبين ديزموند يا جدتي.. اليس كذلك؟
-انا متاكدة انه لطيف جدا.
-لكن جدي لا يحبه.
-لا يمكنك انتظار ذلك منه، ولكن يمكننى القول انه سيغير رايه بمرور الزمن. ارجو ان لا تضغطى عليه يا عزيزتي؛ فكبار السن بطيئون جدا في تغيير قناعاتهم وجدك رجل عنيد.
-لا يهمني ما يقوله جدى او ما يفكر فيه، وساتزوج ديزموند وقتما اشاء!
-اعرف ذلك عزيزتى. ولكن حاولى معالجة الامر بواقعية؛ فبوسع جدك ان يثير كثيرا من الصعاب كما تعلمين، وانت ما تزالين دون سن الرشد. بعد عام واحد تستطيعين التصرف كما يحلو لك، واتوقع ان يغير هوارس موقفه قبل مرور هذا الوقت.
القت سارة ذراعيها حول عنق جدتها وقبلتها بشغف وهي تقول: انك تقفين معى يا حبيبتي، اليس كذلك؟
-انا اريدك ان تكونى سعيدة، ها هو فتاك قد احضر سيارته. اتدرين؟ اننى احب هذه البناطيل الضيقة التي يلبسها الشباب هذه الايام فهى تظهرهم انيقين للغاية، ولو تنها تضخم الحنف طبعا!
فكرت سارة بان ديزموند احنف فعلا وان ساقيه ملتويتان الى الداخل. انها لم تنتبه الى ذلك من قبل!
ودعتها السيدة قائلة: اذهبى وتمتعى بوقتك يا عزيزتى.
راقبتها وهى تتوجه الى السيارة، ثم تذكرت ضيفها الاجنبى فذهبت الى المكتبة بحثا عنه. وهناك وجدت هيركيول بوارو مستمتعا باغفاءة قصيرة، فابتسمت ومضت عبر الصالة الى المطبخ للتداول مع السيدة روس.
أنت تقرأ
القاتل العاشق
Mystery / Thrillerروايه ل اجاثا كريستي طبعا كل رواياتها بوليسيه وتدور احداثها حول جريمه كل مره اقراء من رواياتها تزهلني اتمنى تعجبكم💛