سار كافين بثقة خلف محاربي الليشت وجنوده يحيطون به وبهالاي التي لم يخفت اضطرابها قط.. للحظة، شعر أن بقاء الفتاة في هذه الأرض سيريحه من رؤية اضطرابها وقلقها الدائمين.. فقد كان هوانها وضعفها مما يشعره بالضيق، لكن كونها أميرة روسن فواجبٌ عليه معاملتها بالاحترام الذي تستحقه.. الآن، اكتفى من هذا الزيف والادعاء، وتملّكه شعورٌ أن فتاةً بتلك الصفات الخانعة لا يليق بها أن تكون أميرة روسن.. هذا الشعور قد تعاظم في نفسه ودفعه لمعاملتها بجفاء منذ وصلوا أرض السراب..أما هالاي، فقد كانت في حالٍ يرثى لها.. كل ما جرى ويجري يشعل الذعر في نفسها لكنها لا تملك من أمرها شيئاً كالعادة.. لطالما كرهت نفسها الضعيفة.. لطالما بغضت اعتمادها على ميسيتا.. لكن الآن، مع هذه الظروف الغريبة، وجدت أن اعتمادها على نفسها وتقوية شخصيتها أبعد ما يكون عن متناول يدها.. الآن، هي بحاجةٍ لدفعةٍ قوية لتتغير.. ولا تظن أن ذلك الأمر سيحدث حتى تلاقي مصيرها الذي تجهله..
لاحظ كافين أن الليشت اكتفوا بالسير بسرعةٍ متوسطة دون أن يستخدموا أي وسيلةٍ للنقل، ولا يدري إن كانوا يستخدمون شيئاً كهذا في أرضهم، لكن هذا الأمر دلّه أن الموقع الذي يتوجهون إليه قريب.. وبالفعل، بعد سيرٍ متواصل لا يعرف الكلل، وصلوا لموضعٍ ارتفعت فيه الصخور البيضاء بتشكيلاتٍ منحت الأرض حصانةً جزئيةً لمن يتمركز خلفها.. ولما اجتازوا تلك الصخور، رأوا مساحةً صخريةً منبسطة تمركز حولها عددٌ من الليشت لم يتمكن كافين من أن يحصيهم.. ساقه محاربو الليشت ليقف مع هالاي وجنوده وسط المكان، وأحدهم يقول "أنتم بحضرة المامان الآن.."
وسرعان ما تفرقوا من حولهم تاركيهم دون أي تفسير.. وقف كافين متفحصاً وجوه من حوله، حتى رأى رجلاً من الليشت يتقدم منهم يتبعه ثلاثةٌ آخرون.. بدا من تصرف البقية معه وحديثهم معه بصوتٍ خفيض أنه زعيمهم، أو من يدعى مامان سواء أكان ذلك اسماً أم لقباً، رغم أنه لا يختلف عنهم لا بالهيئة ولا بالملابس.. وقد اكتفى بكلماتٍ مقتضبة من أحد رجاله قبل أن يصرفه بإحدى يديه ويتقدم يتبعه من كانوا معه.. وقفت هالاي في مكانها تراقب ما يجري وتهمس لكافين "ما الذي سيفعلونه بي؟.."
غمغم كافين وهو يتراجع "هذا ما لا شأن لنا به.."
تراجع عدة خطوات تاركاً هالاي تقف وحيدةً وسط الساحة.. تنقل بصرها من جانبٍ لجانب بتوجسٍ كبير.. أليست الأميرة ابنةً للّيشت كما يدّعي كافين؟.. إذن لن يحاولوا إيذاءها على الإطلاق.. لمحت الرجال مع المامان يقتربون منها، فلم يقفوا حتى أحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم.. نظرت خلفها نحو كافين مستنجدة، فلم تجد منه أي نصرةٍ أو رغبةٍ بالدفاع عنها.. عادت ببصرها للآخرين لا تكاد تخفي التوجس من عينيها، فلمحت المامان يمد يده نحوها..