٨. التَـيْـه

363 20 2
                                    




انكبّ الجنود الثلاثة على مياه النهر الصغير يجرعون منه بنهمٍ بعد العطشٍ شديد الذي جفّت له حلوقهم، بينما نظرت إيدلا لمياه النهر التي صبغت بلونٍ ورديٍّ شاحب مغمغمة "أهي صالحةٌ للشرب؟.."

أجابت ميسيتا وهي تجثو قرب المياه "هي كذلك.. لقد شربت منها عند وصولي لهذا المكان ولم يجرِ لي شيء.."

علقت إيدلا ساخرة "ربما لا تضرّك لأنك من الليشت.."

لم تعلق ميسيتا على سخريتها وهي تنشغل بغسل يديها من دماء الليشت، بينما قال ميراك "كفي عن هذا يا إيدلا.. لا نريد أن ننشغل بشجارٍ بيننا.."

هزت إيدلا كتفيها مجيبة "أنا أمزح فقط.. لمَ هذه التحسس القوي من كل ما أقوله؟.."

لم يرد ميراك عليها وهو يرفع بعض المياه بيده ويرشف منها بحذر.. رغم السخرية التي تبدو في ملامح إيدلا وتعليقاتها الهازئة التي تصرّ على أنها مزاحٌ ليس إلا، لكن نظراتها المصوّبة نحو ميسيتا تحمل كرهاً واضحاً لا يستطيع ميراك أن يغفل عنه.. لا يبدو أن إيدلا قد تغفر لميسيتا كذبها بشأن هويتها، وعدم استسلامها لمخططات المجلس بتقديمها كعربون سلامٍ بينهم وبين الليشت.. وقد تكون تحمّلها ذنب وقوعهم في الأسر وتعسّر عودتهم لروسن، رغم ألا يد لميسيتا في الأمر على الإطلاق..

لكن هل كون التصرف الذي انتواه المجلس وفيه مصلحة الكل، يسوّغ لهم التضحية بشخصٍ لا ذنب له؟.. لا يستطيع ميراك الاقتناع بذلك المنطق، رغم أن إيدلا ونبلاء والمجلس وسكان روسن جميعهم يؤمنون بحقهم في ذلك.. وما ذنبها؟.. ليست هي من اختار انتماءه للّيشت.. ليست هي من اختار أن يكون ابناً لجيسك.. ليست هي من قرّر الهرب من روسن.. وليست هي من أشعل فتيل الحرب..

انتبه لوقوف ميسيتا بعد أن شربت بعض الماء، ودققت النظر فيما حولهم قبل أن تشير للأفق قائلة "ها هي الجبال التي أشار إليها الليشت.. هذا النهر ينحدر منها.. لذا يمكننا أن نتبعه لنصل لهدفنا فالأرض منبسطة في هذا الاتجاه ولن يعترضنا عارض.."

تساءل ميراك وهو يقف بدوره "ألا تظنين أنه قد خدعك وأخبرك بوجهةٍ خاطئة؟.."

قالت ميسيتا "ذلك وارد.. لن نعرف قبل أن نصل إلى الجبال.."

وبدأت سيرها، فتبعها الآخرون دون اعتراض وأحد الجنود يقول "ألا نجد ما يمكننا أن نأكله؟.. لا يمكننا أن نعيش على الماء فقط.."

علق ميراك مشيراً لأشجارٍ كثيفةٍ بدت من مبعدة "ربما نجد ما نأكله هناك.. بعض الفاكهة ستفي بالغرض في الوقت الحالي.. لا نملك وقتاً نضيّعه في الصيد وإشعال النيران، ليس قبل أن يحلّ الليل على الأقل.."

أرض السرابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن