سالت الدماء تغرق الأرض الترابية التي توسطت سور روسن الداخلي.. تكوّمت الجثث بسرعةٍ لا تصدق.. وسالت دماءٌ صفراء من أجساد القرامك الذين تمكن جنود روسن من الخلاص منها.. ورغم كل ذلك، ظلت المعركة دائرةً على أشدّها في المكان، وصليل السيوف يعلو على أي صوتٍ آخر..وقفت ميسيتا مع هالاي المذعورة قرب بوابة السور تراقب المعركة الطاحنة أمامها.. سقط من الليشت الكثير، لكن الخسائر البشرية لم تكن قليلةً أبداً خاصةً بوجود القرمك بقوتهم العاتية.. رأت من بعيد محاولات ميراك ترويض أحدها، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً بعد أن استعادت يداه هيئتهما السابقة، وكاد يفقد عنقه بضربة مخلبٍ من القرمك الثائر لولا أن دفع سيفه نحو عنقه بطعنةٍ عنيفة رغماً عنه.. لا يمكن لميراك ألا يجزع لاضطراره قتل القرمك مع حقيقتهم البشرية، لكنه لن يملك التغاضي عنها مع كل الخسائر التي تتسبب بها بين الجنود..
ظلت عينا ميسيتا تترددان نحو الثغرة طوال وقوفها قرب البوابة.. هم مقضيٌّ عليهم لا محالة.. ورغم تخلصهم من المامان، لكن لا يبدو أن ذلك سيثبط عزيمة الليشت بأي صورة.. وبعد وقوفها لبعض الوقت بتوترٍ لا تملكه، لاحظت أن الليشت قد توقفوا عن الخروج من الثغرة، ومضت عدة دقائق دون أن ترى المزيد منهم يتجاوزونها.. أهذا هو جيش الليشت الذي سيهاجم روسن؟.. هذا يعني أن الطريق عبر الثغرة سالكٌ الآن..
التمعت عيناها وقد وجدتها فرصةً يجب استغلالها، فالتفتت إلى الجنود القريبين صائحة "إياكم أن تصاب الفتاة بمكروه.. أتسمعونني؟.. افدوها بحياتكم.."
وركضت مبتعدةً متجاهلةً نداء هالاي المذعور، بينما قال أحد الجنود باستنكار "ما الذي يجبرنا على تنفيذ هذا الأمر؟.."
لكن ميسيتا اندفعت تركض قريبةً من السور محاولةً تفادي العراك بأي صورة.. يمكنها أن تغلق هذه الثغرة، وبذا على الأقل لن يجد الليشت أي إمداداتٍ من رفاقهم، وسيبقى على جنود روسن القضاء عليهم هنا.. دارت حتى وصلت لأقرب نقطةٍ من المنصة، عندها تفحصت الطريق أمامها، ثم خفضت جسدها وبدأت تتسلل بين الشجيرات النامية، متفاديةً المتعاركين، ومحاذرةً من السهام المتطايرة، حتى استطاعت أن تصل إلى المنصة.. تمهلت وهي تبحث في الأرض القريبة عن حجر السراب الذي سقط سابقاً حتى عثرت عليه، عندها حملته وصعدت فوق المنصة واقتربت من القاعدة الحجرية فوضعت الحجر فوقها.. وخلال لحظات، بدأ الحجر بالدوران والارتفاع حتى عاد لسالف عهده منذ عدة قرون..
لم تتردد ميسيتا عندها بسكب بعض دمائها من جرحها السابق فوق الحجر.. ورغم توهجه المتزايد، لكن لم يحدث أي شيءٍ للشق القريب، وظل يضيء المنطقة بثبات.. لم تتوقع ميسيتا أن ترى شيئاً بل بادرت لاختراق الثغرة دون خوف، حتى وجدت نفسها في أرض السراب، ووجدت الصخرة تحت قدميها.. بنظرةٍ سريعةٍ حولها، تأكدت أن المكان خالٍ من الليشت تماماً، ولا تدري إن كانت الثغرة التي فتحتها سابقاً من أرض يانوت موجودةً أم أنها أغلقت بالفعل..