٤. أرضٌ أخرى

402 18 14
                                    


مع مغيب شمس ذلك اليوم، كان توتر هالاي قد بلغ أشده مع اختفاء ميسيتا وهي تدور في الجناح تعتصر قلادتها بأصابعها وتدمدم لنفسها وتزداد قلقاً مع كل لحظةٍ تمضي.. تنظر عبر النافذة بحثاً عن أثرٍ منها، ثم تنصت من خلف الباب المغلق أملاً في سماع صوتها أو اقتراب خطواتها من الجناح.. لكن حلول الظلام قد أشعل القلق في نفسها أضعافاً مضاعفة.. مما دفعها لتفتح باب الجناح وتغادره علّها تجد أثراً من ميسيتا أو يخبرها أحد بمكانها..

سارت باتجاه غرفة كبير النبلاء، وهي المكان الوحيد الذي تذكر موقعه بالإضافة لقاعة الطعام الفخمة في الطابق الأرضي.. عدا ذلك، فهي لا تكاد تعرف أي جزءٍ آخر من هذا القصر الذي يفترض به أن يكون مأوى طفولتها..

توقفت عن سيرها عندما رأت كافين قادماً إليها، فارتسمت ابتسامةٌ متسعةٌ على وجهه قائلاً "مساء الخير يا أميرة روسن.. الآن حانت لحظة الاختبار التي كنا ننتظرها.."

فوجئت بما قاله، فاعترضت قائلة "لا أستطيع ذلك.. ميسيتا قد اختفت منذ الظهيرة، وأنا أبحث عنها.."

قال كافين بأسف "لا يمكننا تأجيل هذا الاختبار لأجل شخصٍ لا أهمية له.. تلك الحارسة فشلت في القيام بالعمل الوحيد الموكل لها، وهو حمايتك وملازمتك.."

اضطربت هالاي بشدة وهي تقول "لكن لا يمكنني الذهاب الآن.. أريد العثور عليها قبل ذلك.."

أدرك أن هالاي مضطربةٌ لاضطرارها القيام بالأمر وحيدةً دون وجود الحارسة التي تلازمها كالعادة.. فلم يبدُ عليها طوال وجودها في روسن أنها قادرةٌ على الاعتماد على نفسها، أو اتخاذ أي قرارٍ وحيدة.. فاقترب منها كافين ولمس كتفها قائلاً "سنجدها لكِ دون شك يا مولاتي.. لكن، لا يجدر بنا أن نتأخر ونترك النبلاء ينتظرون.. ألا تثقين بي؟.."

لم يبدُ عليها الاقتناع بما قاله، فأمسك يدها بين راحتيه مضيفاً بصوتٍ خفيض "ثم إنني سأكون إلى جوارك.. وسأشد من أزرك بكل ما أستطيع.. حتى تستعيدي نسبك، ومكانتك في روسن.."

اضطربت هالاي أكثر، لكن لم يكن ذلك بسبب قلقها وتوترها.. اشتعل وجهها بحمرةٍ قانية وهي لا تدري أين تداريه من عيني كافين.. فابتسم الأخير برضىً لما بدا عليها من انفعالٍ للمسته وكلماته.. فشدّ على يدها مضيفاً "إذن.. هل ننطلق؟.."

غمغمت هالاي باعتراضٍ ضعيف "وميسيتا...؟"

قال كافين بسرعة "سأرسل من يبحث عنها ويحضرها إلينا بأسرع وقت.. لا تقلقي.."

وأشار بيده خلفاً، فلم تجد هالاي سبباً للاعتراض.. سارت قرب كافين وهي تشدّ كمّ ثوبها بأصابعها بعصبية، فلاحظت بعد سيرٍ قصير أنهم غادروا القصر من بوابته الرئيسية، ورأت عربةً ملكيةً تقف متأهبةً أسفل السلالم الرخامية.. صعدت للعربة باستسلام وكافين يمسك يدها ليعينها، مولياً أقصى اهتمامه لها بصورةٍ لم تشهدها منه منذ التقاها.. أصابها هذا بحيرةٍ شديدة وهي ترمقه بنظراتٍ خاطفة عندما يدير رأسه بعيداً، لكنها لا تنكر أن خفقات قلبها تضطرب كلما عاد ببصره نحوها ونظر إليها بابتسامةٍ لطيفة..

أرض السرابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن