ظلت ألونشيا صامتةً في الغرفة التي وجدت نفسها حبيسةً فيها.. لم تكن سجناً، بل كانت غرفةً ذات سريرٍ وثير وأثاثٍ يليق بابنة صاحب القصر.. ورغم ذلك لم يكن لها أن تهنأ في بقائها هنا، إذ أنها وجدتهم قد قيدوا يديها في سريرها الخشبي، كي لا تقاوم أو تحاول الهرب، وتركوها دون طعام لما تلاها من ساعات.. أهذه هي وسيلة المامان لترويضها؟.. هو قد استخدم ذات الطريقة سابقاً، ولم ينجح في كسر روحها أو تثبيط عزيمتها، ولا يبدو أنه سينجح هذه المرة أيضاً.. خاصةً أن الأمر هذه المرة متعلقٌ بابنتها، وهو أمرٌ ما كانت لتسمح به مهما تطلب منها ذلك من تضحية..فتح باب الغرفة، فرأت شخصاً تمنّت رؤيته بشدة، لكنها بغضته بالقوة ذاتها.. وقف لامباد أمامها يتأمل قيودها وهو يقول "كيف أنتِ الآن يا عزيزتي؟.. أليس قصر أبيك أجمل وأكثر راحةً من خيمتك المتواضعة؟.."
صرخت به "كيف تخونني يا لامباد؟.. كيف استطعت خيانتي رغم كل الشعارات التي ظللت ترددها أمامي وأمام الليشت؟.. أنت بالذات لم أصدق يوماً أن تكون خادماً للمامان.."
قال لامباد ملوحاً بيده "ما الغريب في خدمتي للمامان؟.. ألا يفترض بنا جميعاً أن نكون خدمه المخلصين؟.."
قالت ألونشيا بغضب "أنت تمزح!.. أنت أصبحت قائداً لليشت التيه بتفانيك وإخلاصك.. كيف خدعت الجميع؟.. كيف خدعتني؟.."
أجاب وهو يميل نحوها "فعلت ما فعلته لأنال رضى المامان.."
ظلت تنظر له باستنكار، وقالت بحدة "كيف أصدق ذلك؟.. أنت من ساعدني على الهرب من يانوت والوصول لليشت التيه.. لولاك، لربما عجزت عن ذلك واستسلمت لمصيري.. فكيف تريد إقناعي أنك نفذت ذلك بأمر المامان؟.."
قال لامباد "بعد عودتك من أرض روسن، رأى المامان عصيانك في عينيك قبل أن يخرج للعلن.. أدرك أنك لابد ستحاولين الهرب، وهو لم يرغب بأن يفقدك.. لذا عيّنني حارساً لك أكون معك كظلك.. أنفذ لكِ كل ما ترغبين به نظير إبقائك حية.. لا يهم ما تفعلينه، ولا لمن تنضمّين بعد هربك من يانوت، فالمامان كان واثقاً أنك ستعودين، وأنك ستتولّين هذا المنصب من بعده.."
نظرت له مبهوتةً وهمست "منذ البداية؟.. إذن، ماذا عن قرمك الرفايا؟.."
ابتسم لامباد معلقاً "هذا تم برضى المامان وبعلمه طبعاً.. رأى أن تدخله في ذلك الوقت ومنعك قد يدفعك لقتل القرمك فيفقد المامان الفرصة لاستعادته.. لذا قَبِل أن ننقله لأرضٍ يعرفها وهو من حدّدها لي، وأرسل رجاله بعد رحيلنا لتأمينها حتى وقت استعادتها.."
صاحت بثورة "كيف لك أن تفعل كل ذلك؟.."
أجاب لامباد وابتسامته تتسع "وكيف لا؟.. لقد وعدني المامان برفعي لأصبح قائداً أعلى للمحاربين.. بل إنه وعدني وقتها بالزواج بك لو نجحت في مهمتي حتى عودتك.. وللحق، فقد خشيتُ من غضبه عندما قمتِ بقتل الرفايا دون علمي، شاكّـاً أنني قد أخفيت الأمر عنه عامداً.. لكن الآن، بإعادتك له مع الرفايا الأخيرة، عادت الأمور لمجاريها بيني وبينه، وضمنت مكانتي الجديدة في يانوت، قائداً للمحاربين وزوجاً للمامان القادم.."