١٠. سليل الملوك

344 16 10
                                    




جلست ميسيتا خارج خيمة أمها صامتةً تنظر للسماء.. بعد وجبةٍ مشبعة منحهم إياها الليشت، والعناية بجراح ميراك السابقة وجرح كتفها الحديث، وبعد تعب اليوم الطويل الذي مروا به، عجزت ميسيتا عن الركون للراحة في هذا الوقت.. فاكتفت بالجلوس خارجاً ترمق السماء الحمراء التي اشتعل لونها مع مغيب الشمس.. رغم كرهها للون السماء الدامي، لكن بغضها لليل يانوت الأدهم أكبر.. ليلٌ لا رفق فيه ولا شاعريةٍ كما هو ليل الأرض التي تعرفها.. بدون القمر، تغدو السماء مظلمةً موحشة، وبدون النجوم تصبح مجرد غطاءٍ سميكٍ يكتم الأنفاس..

نظرت ميسيتا ليديها الرماديتين بصمت.. هل ستظل تراهما بهذه الحالة لما بقي لها من عمر؟.. هل لو عادت لروسن مع الآخرين ستعود لهيئتها البشرية؟.. لكنها لن تعود.. هذا ما عزمت عليه، ما لم تجد دافعاً يدفعها لاتخاذ قرارٍ غيره حتى الآن..

لم تنتبه لجلوس ألونشيا قريبةً حتى سمعتها تقول "ما بال الحيرة تبدو في عينيك بعد كل ما سمعتِه مني؟.."

تساءلت ميسيتا وهي تشير لملامح وجهها "لو كنت أملك دماء الرفايا، لمَ بدوت بهيئة الليشت فور اجتيازي الثغرة من روسن لأرض السراب؟.. لمَ لمْ أبدُ كهيئة ذلك الشعب؟.."

أجابت ألونشيا "في روسن، أنتِ تظهرين بطبيعتك البشرية، فدماء البشر تسري في عروقك مع دماء الرفايا ودماء الليشت.. أما في أرض السراب، فأنتِ تكتسبين هيئتك الحقيقية الغالبة.. وفي جسدك، دماء الليشت هي الغالبة بين الأجناس الثلاثة.. لذا ظهرتِ بهيئتهم فور اجتيازك تلك الثغرة.."

ثم ابتسمت بلطفٍ معلقة "أتكرهين هيئة الليشت؟.."

أجابت ميسيتا بكل صراحة "بلى.. أنا أبغضها.."

تنهدت ألونشيا معلقة "لا ألومك.. أحسدك على امتلاكك لهيئةٍ مشابهةٍ للبشر.. في روسن، كنت غريبةً بهيئةٍ لم يعتدْ البشر عليها، أرى الاستهجان في أعين كل من يراني.. وقتها، شعرتُ ببغضٍ لهيئتي تلك.. لم يكن بغضاً لها لأنني أراه في أعين من حولي، بل لأنني كنت أنفر من حقيقتي كإحدى فتيات الليشت.. أنفر من عالمي الذي يكتسي بلون سمائه الحمراء.. ولما رأيت روسن، ورأيت سماءها الزرقاء الزاهية، ورأيت عيون شعبها البيضاء اللامعة، شعرت برغبةٍ عارمةٍ في البقاء في تلك الأرض.. في التشبّه بذلك الشعب.. لكني كنت أدرك أن كل ذلك سينقضي فور أن ألد الطفل الذي ينتظره الملك والليشت مني.. لهذا السبب، امتنعت عن الحمل بكافة الوسائل.. حاولت إطالة عهدي بتلك الأرض، حتى مرت السنوات الأربع الأولى وحلّت الأيام التي تفتح فيها الثغرة بين الأرضين.."

تساءلت ميسيتا "أتعلمين لمَ لا يمكن للثغرة أن تفتح إلا في أيامٍ معدودة كل أربع سنوات؟.."

أرض السرابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن