التاسع
مر الأسبوع واجتمع رجال النجع مرة أخرى في منزل هيبة حيث سيكشف اليوم عن الخائن الذى يحمل اخبار النجع للمطاريد فكان منهم ما كان من انتهاك للحقوق والأموال .
جلس الجميع يترقب دخول هيبة .الكل ينتظر التعرف على هذا الخائن ، الكل ينتظر أن يقتص منه .
دخل هيبة بخطوات مهيبة لتتعلق به الأعين جلس بنفس شموخه المعتاد ،يرى التساؤل فى جميع الأعين ؛ عدا عينيه ...
وحده حجاج ينظر له بتحد ساخر ليبادله بسمة ساخرة .
حمحم هيبة لينتبه الجميع فيقول : طبعا كلاتكم چايين الليلة تشوفوا مين الخاين زى ما وعدتكم . وانى عند كلمتى .
تحولت بعض الملامح للترقب والبعض للتعجب ، لحظات ودخل ضاحى يقتاد شخص احكم قيده بحبل غليظ لتتعالى الهمهمات .
دهشان !!!!
ومن يكون دهشان ؟ ليس سوى واحد من هؤلاء المهمشين الذين لا يلتفت لوجودهم أحد .
لا يمكن لأحدهم أن يقتص منه . فلا قصاص من ضعيف . إنها مبادئهم الراسخة .
يقف دهشان مرتعدا تحت النظرات الناقمة التى يرمقه بها حجاج والنظرات الثاقبة التى يرمقه بها الجميع .
تحدث أحدهم بصوت منفعل : كيف ده !! بجا انت يا لمامة النچع السبب في الخراب ده كلاته .
ابتلع دهشان ريقه بصعوبة وتحدث بتلعثم عرف عنه مسبقا : أ .. أن ..أنى ما..ماعملتش .ح..حاچة . هم سأ ..سألونى وجلت لهم .
انتفض أحدهم يسبه بكلمة نابية لينهره هيبة ثم يقول : دهشان مالوش عيش وسطينا من النهاردة .. هو اختار طريجه . لكنه فى حمايتى لحد ما يهمل النچع . اللى هيتعرض له بكلمة يبجى اتعرض لى انى .
تساءل أحدهم بغلظة : كيف يعنى ؟؟ ومالنا اللى اتنهب .
هيبة : مالكم فى رجبتى
نظر ل حجاج بظفر : واد عمى حچاچ اطوع جبل سابج يطلع الچبل وانى بأذن له يطلع الچبل وجت ما بده .
إحتقن وجه حجاج غضبا فها هي لعبته تنقلب ضده .
علت الأصوات منهم من يؤيد حجاج ومنهم من يعارضه . تمكن هيبة من تهدئة النفوس اخيرا لينفض الجمع والكل ينتظر ما ستسفر عنه تلك المخاطرة الغير محسوبة .
لم يغادر رفيع وزناتى ليجلس هيبة بين أخويه و ولدى عمه
ساد صمت مهيب لدقائق قبل أن يتحدث رفيع : هيبة مش دهشان اللى بينجل الاخبار .
نظر له هيبة قائلا بثقة : خابر
نظر له الجميع بدهشة وتساءل راجى : وأما انت خابر ظلمته ليه ؟
هيبة : هو ظلم حاله وشال شيلة مش شيلته . هو كان حيا الله مرسال بينه وبينهم . بس چبان . خاف منيه .
ضاحى : امال مين الخاين يا هيبة ؟
ابتسم هيبة بسخرية ، هو رغم ثقته لا يملك بينة عليه .
زناتى : يعنى ايه ؟؟ إكده حچاچ فى خطر !!!
هنا انفجر هيبة ضاحكا لينظر له زناتى بطيبة شديدة حتى هدأت ضحكاته ليقول : ماتخافش يا زناتى . خوك هيطلع الچبل ويعاود سليم .
شعر زناتى بالراحة ليتابع هيبة : لأن هو ذاته اللى بيبلغ المطاريد ومش بعيد يكون بيجسم معاهم . حچاچ خلاص بجى كيه الحنش الچعان وماهيشبعش إلا بالنچع كلاته .
ظهر الألم على وجه رفيع والصدمة على وجوه الجميع . لقد حاول هيبة دفع دهشان للشهادة ضد حجاج ووعده بالحماية .لكنه ضعيف النفس هش العزيمة لم يكن ليخاطر بمعاداة حجاج .
بكى وتوسل ليقرر هيبة إخراجه من النجع لحمايته ليس إلا . وكم يتمنى أن ينجح في ذلك .
__________
حين عرضت روان فكرة مركز المساعدة على ليليان وطايع بدءا فورا بتفقد المركز . توجها فى زيارة له ليفخرا بما يقدمه .
إنه مركز جديد أنشأته سيدة فاضلة لم يسبق لها الإنجاب لتتمكن من تعويض ما تشعر به من فقدان بأصحاب القلوب البريئة .
شعرت ليليان بالراحة فما عثرت عليه عبر وسائل التواصل مجموعة من المراكز التى تقدم المساعدة بالفعل لكنها تحمل أسماء تقوض كل عزيمة وتنحر كل محاولة للتقدم .
الملائكة الصغار ...
ياله من اسم مميز لمركز يساعد اطفال أكثر تميزا .
بعد المسافة بين منزلهم الحالى وبين المركز جعل فكرة الانتقال بالسكن فكرة ملحة بالفعل .
لذا بدأ طايع بالفعل يبحث عما يرضيه للانتقال .لم يكن الأمر سهلا مطلقا فقد كابد المشقة أياما طويلة.
اخيرا وجد ما يناسبه ويقدم له الخصوصية التى يحتاجها لنفسه وأطفاله . حقا سيتكلف الأمر الكثير من المال لكن لا بأس فصغاره يستحقون .
________
دخل مهران لمنزله الهادئ لتقابله روان التى تنتظر عودته : اتأخرت ليه يا مهران ؟ وقافل موبايلك ليه ؟
تلمع عينيها بغيرتها لكنه سيتظاهر بالتغافل .اخرج هاتفه : المخروب ده لازم اغيره علطول مفيش شبكة .
وضعه على الطاولة ليسمح لعينيها بإستراق النظر لتتأكد أن الهاتف ليس مغلقا . جلس بإنهاك فوق المقعد : كنت مع طايع بيشوف بيت جديد جرب المركز اللى جولتى لهم عليه .
اختفى كل شئ وظلت الحماسة لتجلس أمامه متسائلة : عن چد ؟؟
ضحك مهران فهى لن تتغير مطلقا .هز رأسه مؤكدا : عن چد . وهنكتب العجد بكرة وينجلوا جبل ليليان ما تولد .
خبت سعادتها دفعة واحدة وهي تقول بحزن : بس هيبعدوا عننا اوى .
ابتسمت بشحوب : المهم ربنا يسعدهم
امسك كفها ليرفعه لشفتيه دون مقدمات يقبل باطنه برقة ، اتسعت ابتسامتها وتخللتها الحياة ليقول : هنشترى البيت شرك . دورين طايع فوج واحنا الدور الاول .
نظرت له بصدمة !! أحقا ما سمعته أم تتخيل !!!
ابتلعت ريقها لتتساءل : انت قلت ايه دلوقتي ؟ قول تانى كدة؟؟
جذبها لتتحرك بلا إرادة فتستقر فوق ساقيه وهو يعيد عليها ما قال ، ومع كل كلمة لمسة حانية . رأى سعادتها بهذا الصغير أحبته بقلبها قبل أن تراه عيناها وهو لن يقوض تلك السعادة مهما كانت الأسباب .
إن كانت رعايتها لإبن أخيه تسعدها ، فلتفعل . يكفيها ألما عدم الإنجاب مرة أخرى .
إنه يذكر ذلك اليوم حين عادا من منزل طايع وتساءل ولده ببراءة : ماما انت ليه معندكيش نونو زى عمتو ؟ وانا ليه معنديش اخوات ؟
رأى الألم يصرخ بعينيها . ألم نفذ لقلبه فورا وطعنه بقسوة . إن كان هذا الألم الساحق شعوره هو فكيف يكون شعورها هى !!!
_________
لم يكن صعود الجبل موفقا هذه المرة أيضا فرغم أنهم لم يتعرضوا للأذى لكنهم ايضا لم يجدوا المطاريد ولا المسروقات . كان الجبل خاويا تماما من أى مظهر للحياة .ليعود حجاج بخفى حنين ويبدأ ذلك التجمع الذى كونه فى خطر ساحق .بدأت أفكاره تزداد سوداوية وعزم على إجلاء هيبة عن الزعامة وعن النجع بأكمله دون لحظة تردد.
جلس هيبة بصحبة والدته التى تحمل حفيدها الغالى ذات صباح ينتظر تجهيز الفطور . هبط ضاحى يتحدث إلى نفسه كما يفعل عادة ليعلم الجميع أن زوجته المجنونة قد اغضبته كعادتها ، وكالعادة لم يهتم احد فهى أيضا من سيراضيه كالعادة .. لا يجب التدخل في العادات اليومية مادامت تصل إلى بر الأمان ويعود كل منهما ليرسو بقلبه فى حمى الآخر .
جلس ينفض جلبابه ليبتسم هيبة . لحظات وكان راجى يهبط الدرج بملامحه المستكينة دائما . جلس يلقى عليهم تحية الصباح ليبدأ فورا في مناقشة بعض الأمور مع هيبة .
لم يكن باب المنزل مغلقا بكل حال لكن علت طرقات مزعجة لتلتفت الأعين نحو الباب بتلقائية ؛ دخل ضابط شرطة يتساءل بحدة : مين فيكم هيبة صالح ؟؟
انتفض الجميع وقوفا ليقول هيبة بثقة : انى يا حضرة الضابط
أشار له الضابط بإحترام فمن هيئته لا يبدو كمجرم ولن يقاومه وهو يقول : حضرتك متهم في جناية قتل . اتفضل معايا .
جحظت الأعين وهمهمت الألسنة : قتل .. جناية .. متهم ..
تماسك هيبة وهو يتساءل : جتل مين يا حضرة الضابط ؟
الضابط : هتعرف كل حاجة فى المركز . اتفضل .
رفع هامته بشموخ ناظرا لأخويه نظرة تسكنها الثقة بينما اقبلت سما تعدو من المطبخ لتراه بنفس شموخه لم ولن يهتز لكن رغم شموخه زلزلت رؤيته قلبها الذى ارتعد .
تحرك للأمام بصمت لترفع كفيها لفمها تكمم صرخة ستشق صدرها لتفر منه ،لكنه لم يغادر بل اقترب منها قائلا بثقة : مش هغيب عليكم
أغمضت عينيها ترفض رؤيته مغادرا بتلك الطريقة ، ارتمت زبيدة فوق مقعدها بإنهزام واسرعت إليها هناء بينما اتجهت ريتاچ لابنة عمها تضمها وتشد ازرها فى مصيبتها التى لم يظن أحدهم أن تنزل بهم يوماً .
_________
انتشر الخبر في النجع بسرعة البرق ، بدأت القصص تنسج فورا عن كبير النجع الذى استفرد بهذا المسكين بعد أن أسفرت الجهود على لا شئ فى ساعة واحدة كان هيبة قد أصبح مجرما فى نظر البسطاء الذين ينتمى لهم القتيل من الأساس .
لقد أخرجه من النجع ليبعد عنه الشبهات ، هو الوحيد القادر على فعلها ، لن يتجرأ أحد على المجاهرة بإتهامه .كما لن يتجرأ أحد على اختراق الحماية التى كفل بها دهشان
دهشان الذى أخرجه من النجع فى حمايته فقط لإبعاد أصابع الاتهام عنه لاحقا . البعض يرى دهشان يستحق تلك النهاية والبعض يراه مجرد مسكين تلاعبت به أقداره لتصل به إلى نهايته المأساوية .
وصل الخبر ل رفيع خارج المنزل ليفقد صوابه ويتجه فورا إلى منزل عمه . دخل من الباب الذى لم ولن يغلق .
لم يجد غير زبيدة قابعة بقلب الدار تنتظر عودة رجاله الذين غادروه ، لقد لحق ضاحى بأخيه بينما اسرع راجى للبحث عمن يتولى الدفاع عن أخيه الذى يثق ببراءته .
دخل رفيع بفزع : فى ايه يا مرت عمى ؟ صوح الحديت الداير فى النچع ؟ هيبة جتل دهشان !!! لاه واد عمى مايعملهاش .
رفعت زبيدة رأسها تنظر إليه بقوة ظاهرة : وأما انت خابر إنه مايعملهاش بتسأل ليه ؟
ابتلع رفيع ريقه بصعوبة وهو يحاول التحكم في غضبه : ماتخافيش يا مرت عمى . هيبة هيبات فى فرشته الليلة . انى خابر الندل اللى عملها .
واندفع خارجا فى لحظة بنفس الغضب .
توجه من فوره لمنزل حجاج الذى كان يجلس بغرفته المنعزلة ينتظر أن يلتف حوله أهل النجع ليتزعمهم فى تلك الفترة العصيبة .
دخل رفيع بغضب ليبتسم حجاج بخبث : اهلا بالغالى .
إحتقن وجه رفيع : من ميته عنديك غالى يا حچاچ ؟ مين اللي جتل دهشان ؟
هز حجاج رأسه بأسف مزعوم : الله يرحمك يا دهشان . كان غلبان وراح فى الرچلين .
انقض عليه رفيع ممسكا بتلابيبه : ماتعملش عليا المسخرة دى ؟ انطج يا حچاچ وإلا ورحمة بوى وبوك لأكون مبلغ عنك الحكومة تريحنا من چرسك وغباوتك .
نفض حجاج كفى رفيع عن ملابسه وهو يصيح بغضب : الزم حدك يا ولد ابوى انى دلوك كبير النچع وباجى على دم بوى اللى بيچرى فى چتتك .
لم يزل غضب رفيع : وصلت للدم يا حچاچ !! يكون فى معلومك إذا واد عمى بيت ليلة واحدة في المركز انى اللى هچمع الخلج واجولهم الحجيجة كلاتها .
استهزأ حجاج به : وانت بجا خابر الحجيجة كلاتها ؟؟
رفيع : كلاتنا خابرين عفاشتك وندالتك . خابرين إن انت اللى كنت بتجول للمطاريد على اخبار النچع . وإن دهشان كان مرسال لا اكتر ولا أجل . وان انت اللى خبرتهم جبل ما تطلع الچبل لاچل يلبدو فى بطن الچبل والرچالة كيه ما يطلعوا كيه ما ينزلوا
شحب وجه حجاج ورفيع يتابع : شوف انت بجا إذا حديتى ده وصل للحكومة مين اللي هيبجى ليه مصلحة فى جتل دهشان ؟
تلعثم حجاج : انت بتخرف بتجول ايه ؟ كل ده كلام فاضى .
نظر له رفيع بثقة مبتلعا غضبه : العيار اللى مايصبش يدوش يا واد ابوى واهو تروح زى هيبة ما راح ونبجى نشوف مين منيكم هيعاود .
رجفة سرت بأطراف حجاج ؛ أكان الجميع على علم بكل ما كان منه !!
تابع رفيع بنفس القوة : معاك من دلوك للمسا .
وغادر المنزل كما دخل لكنه لم يترك حجاج على نفس الحالة التي وجده عليها .تركه يغلى غضبا وحقدا ستطال نيرانه من الجميع .
ارتمى فوق مقعده محدثا نفسه : بالراحة يا حچاچ ..جاتل بلا بينة سلطان ..أعلى ما فى خيله يركبه .
انتفض واقفا : واذا جدر يطلع منيها ..هيبة مش هين بردك مادام خابر كل حاچة يبجى عنديه تصريفة
عاد يجلس بهدوء ظاهرى : أما اشوف يا واد صالح حتى لو خرچت منيها ليك عندى اوعر منيها . أنى وانت والزمن طويل.
____
أشار ضابط الشرطة إلى هيبة : اتفضل اقعد .
جلس هيبة أمامه ليتساءل الضابط : التحريات بتقول إن كان فى عداوة بينك وبين القتيل وانك طردته من النجع .
زفر هيبة بضيق : يا حضرة الضابط انى كبير ناسى ودهشان الله يرحمه كان بينجل اخبار النچع للمطاريد لاچل يغيروا على الخلج ويسرجوا البهايم والمحاصيل . انى خرچته من النچع حماية ليه لو كان فضل كان الف من يأذيه .
الضابط : كنت فين امبارح من الساعة عشرة لحداشر بالليل ؟
هيبة : كنت في دارى . فى المندرة كان في تنين متعاركين بحكم بينهم خرچوا من عندى الساعة اتناشر تجريبا .
الضابط : مين الاتنين دول ؟
أخبره هيبة عن شخصين من عائلة واحدة تعاركا لإختلافهما لتقسيم ارث والد الاول والذى يكون والد زوجة الثانى . الاول يرفض منح شقيقته حقها كاملا فى إرث ابيها والآخر يريد أن يحصل على حق زوجته كاملا .
دخل راجى إلى المركز برفقة هذا المحامى الكبير الذى أحضره من منزله مباشرة لحضور التحقيق والتأكد من موقف أخيه .
وقف راجى بجوار ضاحى الذى يستند إلى الجدار بعيدا إلى حد ما عن مكتب الضابط بينما تقدم المحامى ليستقبله الضابط بإحترام : اهلا استاذ عرفان .
رحب به عرفان ببسمة متكلفة : أنا جاى احضر التحقيق مع هيبة صالح .ومن فضلك عاوز اقعد معاه شوية قبل التحقيق .
ابتسم الضابط : حقك طبعا عموما هو استشهد بإتنين لحد ما نجيبهم تقدر تقعد معاه براحتك .
أشار عرفان ل هيبة الذى نهض معه ليجلسا بأحد الأركان لحظة اندفاع رفيع نحو هيبة : واد عمى !!
التفت له هيبة : ماتجلجش يا رفيع . بسيطة إن شاء الله
قلب رفعان نظراته بينهما بينما اقبل راجى وضاحى ليتساءل عرفان : أنا عاوزك تحكى لى كل اللى حصل من لحظة القبض عليك .أخبره هيبة بكافة التفاصيل ليتساءل : والاتنين دول هيشهدوا لصالحك فعلاولا فى سبب يخليهم يغيروا شهادتهم ؟
ضاحى : مايجدروش يغيروا شهادتهم طبعا
أشار له هيبة ليصمت وهو يقول : هم هيشهدوا باللى چرى لا اكتر ولا أجل
عرفان : عموما اذا ده حصل فعلا هعمل كل جهدى انك تتعرض على النيابة المسائية النهاردة وطبعا بالوضع ده هيتم الإفراج عنك من سراى النيابة .
كان حديثه مطمئنا كما سريان الاحداث وحين حل المساء كان هيبة يدخل للمنزل بصحبة شقيقيه وابنى عمه بنفس الشموخ الذى غادر به في الصباح لكن نظرة واحدة لعينيه كافية لتظهر الانكسار الذى يشعر به داخليا
____
إلتزمت حجرتها منذ ساعات ، تركت رعاية طفليها لابنة عمها وقبعت بغرفتها تنتظر عودته ، أخبرها أنه لن يتأخر وهو لم يكذبها قولا مطلقا .
نقلت لها ابنة عمها بشرى عودته سالما ، لكن بالطبع كان في انتظاره جمع من أهل النجع .منهم من هو سعيد بعودته ومنهم من جاء يتحقق براءته المزعومة . ومنهم من جاء شامتا يريد رؤية كسرته ؛ ولم يكن هذا سوى حجاج .
مرت ساعتين قبل أن ينفض عنه الجميع ويتجه لقلب المنزل حيث تجلس زبيدة تنتظر أن تتكحل برؤيته .
تهلل وجهها لطلته المهيبة الشامخة ، اقترب وقبل رأسها بحنان لتهمس : الحمدلله يا ولدى غمة وانزاحت .
همهم بالحمد لله لتربت فوق صدره : إطلع يا ولدى ارتاح فى فرشتك .
لم يعترض فهو بالفعل بحاجة إلى الراحة .كل الراحة..
ارتقى الدرجات بثبات ليصل لغرفة طفليه اولا . تفقدها أثناء نومهما ليخرج من الغرفة نحو غرفته مباشرة .
فتح الباب لتسرع نحوه : حمد الله على سلامتك.
ابتسم هيبة وكأنه يؤكد لنفسه أنه بخير : الله يسلمك يا غالية .
رفعت عباءته عن كتفيه متسائلة : هتنام ؟؟
هز رأسه نفيا : هتسبح الاول .
تحركت خطوة للأمام لتتوقف وتنظر له بتوتر ، رأت ألمه بعينيه ورأى فزعها بعينيها ، لم يفكر لحظة وجذبها إليه مطمئنا : انى اهه ماتخافيش .
هزت رأسها وهى تتنفس بصعوبة لدرجة آلمت صدرها وهي تقول : معلش يا حبيبي .معلش
ربت كفها فوق كتفه بدفء وهى تقبل وجهه قبلات متتالية وتعتذر له عن تحمله الألم ..للحظات شعر بها تمتص الوجع الذى كان يأن به صدره رويداً رويداً .اجلسته فوق اريكته ورفعت رأسه لتنظر لعينيه وتمنحه بسمة تربت فوق جرح كبرياءه .
انطلقت الى المرحاض لتملاء المغطس وتعود لتأخذ بيده : تعالى معايا علشان جسمك يرتاح .
لم يبد اى اعتراض على رفقتها ، شعر بالماء الدافئ يتخلل مسامه ويزيل تيبس عضلاته التى كان التوتر سببها .
بعد ساعة كاملة وصلت به للفراش ليتوسد صدرها واناملها تداعب شعيراته الرطبة ، شعرت بإنتظام أنفاسه لتتساءل : هيبة !!
همهم بخفوت : بردااان يا سما .
هذه الجملة تخترق قلبها حرفيا فهو لا يتفوه لها إلا في أشد أوقاته صعوبة .ورد فعلها المعتاد أن تشده إليها وتخفيه عن الدنيا اجمع .