الفصل الثاني

111 11 1
                                    

استيقظت في اليوم التالي و قمت بحلاقة لحيتي و استعرت بعض ملابس كيماني و كانت طويلة لأن كيماني كان طويل جداً لكنني تدبرت الأمر ، كان من المفترض أن أكون مهندماً قليلاً أكثر من ذلك
وصلت إلى المرسى و تعرفت على سفينة أيسون كما وصفها لي بيراك .. إن ايسون هو اسم تركي للإناث و يعني القمر ، قابلت الطاقم و عرفني بيراك عليهم و قدمني لهم .. في الواقع لم أنتبه جيداً لاسمائهم لأنني تفاجأت بأمر لم أكن أتوقع حدوثه ، امرأة على السفينة
فيونا ، هكذا عرفت عن نفسها ، فقط فيونا .. كانت ترتدي ثياب كدوقة بريطانية لكنها كانت تتكلم بالعربية الفصحى مثل باقي طاقم السفينة و الذين كانو جميعاً أتراك
فان هارلم " ماذا تفعل آنسة موقرة على سفينة كتلك ، حياة البحارة و البحار لا تناسب الفتيات ، إنها ليست سفينة سفر ونزهات كما أعلم و كما أخبرني بيراك أنها سفينة نقل بحري "
فيونا " في البداية أنا لستُ فتاة صغيرة حضرة الكابتن ، أنا في الخامسة و العشرين ، أنا هنا لأن حجر الجامشت الذي تقوم السفينة على شرائه من البرازيل و نقله ، تلك الأحجار الكريمة الباهظة و التي تجعل بينسيرلي يمتلك المال الكثير لشراء سفينة كهذه ، وهذا الحجر يحتاج خبير و أنا هذا الشخص الذي يتأكد من أنه لن يتم خداعكم "
كانت تجيب و تتكلم بغضب و كأنني قد أثرت غضبها بكلامي ، لقد كانت فتاة غاية الجمال ، بدا أنها تغطي شعرها مما وضع في دماغي أن تكون مسلمة ، لكن هذا الاسم الغريب ، إنه اسم غربي و أعتقد أنه ذا أصل هولندي .. كانت بملامح غربية ، كانت كما لو أنها يمكنها أن تضيء ..بعينين خضراوتين ساحرتين كأنهما حجرين كريمين ..
اجتمعت ببيراك لأتناقش معه عن وجود فتاة على السفينة
فان هارلم " لا تعجبني فكرة وجوة فتاة على تلك الأيسون "
بيراك " ولا تعجبني فكرة أن تناقشني كثيراً .. عليك أن تدرك أمراً أيها الكابتن السابق. أنت لست قبطان السفينة الآن ، أنت دليلنا ، مرشدنا لكن لست القبطان "
فان هارلم " تمام حضرة القبطان الموقر " أجبته و أنا أبتسم إبتسامتى المصطنعة التي افتقدتها كثيراً
لم تكن أيسون مجرد سفينة شراعية مثل باقي السفن العادية ، كانت مميزة كانت مزودة بشيء لم أسمع عنه إلا في السفن الحربية ، إنه محرك بخاري يجعلها أسرع من أي سفينة أخرى بجانب الأشرعة ، و أقصد بأي سفينة أخرى سفن القراصنة ، لكنها لن تكون في مأمن من مدافعهم .. بينما نحن بلا مدافع
إنطلقت السفينة و بدأنا الحركة
ذهبت إلى فيونا
فان هارلم " أيتها الآنسة البحارة ، فيونا  أريد أن أسألك عن أمر "  إستدارت لي وهي ترمقني بتلك النظرة وكأنها تقول في داخلها ياله من فظ ، من أين أتو إلينا بهذا الكائن ..
" هل تدركين أننا لسنا عائدين إلى تركيا ، نحن في رحلة عبر الأطلنطي لننقل بعض العبيد " لم تكن تعرف كما توقعت ، بمجرد إخباري لها أيقنت أنها كانت بمثابة التائهة على تلك السفينة .. لم يخبروها و كأنهم يعتقدون أنها جزء من ممتلكات السفينة ، إنه أمر يحفز اللغضب .. تركتني و تحركت مسرعة إلى بيراك ، و سمعتُ صوتها تصرخ فيه .. لم أتطفل لأقترب و أسمع النقاش لأنني لا أحتاج إلى ذلك ولا يهمني الأمر .. لكنني لاحظت أمراً على القبطان صاحب اليدين الناعمتين ، كان في حالة حرجة .. وكأنه شرب الكثير من النبيذ .. أو أن هذا هو دوار البحر
نزلت لأتفقد التخزين و أتفقد أحوال العبيد ، إنه أمر مخزي للبشر ما يفعلوه في بعضهم منذ قرون .. الاستعباد إنه أمر مقذذ
إنها أسوأ أيام حياتي ، لو كنت أمتلك المال لما كنت وافقت أبداً على هذا
الفقر يستعبدنا أيضاً .. لا كرامة أو أخلاق يبقون مع الفقر المدقع ، تظل تتمسك بها و بمبادئك حتى لا تستطيع أن تسمع صوت ضميرك بسبب صوت أحشاءك الجائعة ... لكنني لست شيئاً يمنع هذا ، كانوا سيجدون شخصاً آخر و كانوا سيكملون رحلتهم بكل الأحوال
عندما نزلت لأتفقد التخزين ، كانت السفينة تحوي أربع غرف بالإضافة إلى المطبخ .. وجدت الغرفة التي يخزنون فيها العبيد .. كانوا يحفظونهم كما يحفظون الحيوانات .. مقيديين من أقدامهم بتلك القيود والأصفاد و السلاسل المعدنية الغليظة
تفاجأت أكثر لأنني وجدت فيونا في الأسفل ، كانت تبكي و تحاول أن تعرف ماذا يريدون .. كانوا يتكلمون مثل كيماني تلك اللغة الفرنسية المدموجة بلغتهم الأفريقية الأصلية ، اقتربت من أحدهم و سألته عن عمره بالفرنسية فأخبرني أنه في السادسة عشر
كانوا أطفال أولاد و بنات ،ربما أكبرهم كان بعمر التاسعة عشر ..
سألتني كيماني ماذا يقولون ، لماذا هم يبكون
كانوا يطالبون بالمياه ، كانوا خائفين و يريدون أن نعود أدراجنا إلى أهلهم ..
" إنهم عطشى يا فيونا " هكذا أخبرتها ، تركتني و تحركت نحو المطبخ .. و سمعتها تصيح في الطباخ
كان الأطفال أكثر من الخمسين بكثير ، كانوا يقاربون المائة طفل
ثم رأيت تلك الفتاة الصغيرة في الزاوية البعيدة  ، كانوا موجودين في قفص معدني كبير داخل تلك الغرفة
كانت الفتاة التى أثارت إنتباهي تجلس بعيداً ، كانت تشبه إلى حد كبير أماليا ابنتي ، إنها بالتأكيد لم تكن تشبهها لكنني كنت أتوهم ، لقد كانت فتاة سوداء إفريقية مثل البقية لكنها ذكرتني بأماليا
أنا لا أنسى أبداً أماليا ، هي تحيا داخلي ، مع كل نفس أتنفسه أفكر فيها .. لكن رؤيتي لتلك الفتاة الخائفة الجالسة في زاوية القفص الحديدي الصلب
رؤيتي لها تعاني هكذا جعلتني أتوهم أنني أرى أماليا مقيدة مكانها
غادرت إلى الغرفة التي يجلس فيها بيراك
فان هارلم " لقد أخبرتني أنهم فقط خمسون عبداً .. إنهم أكثر بكثير و هم أطفال "
بيراك " هل تعترض على عددهم أم كونهم أطفال "
فان هارلم " لقد اتفقت معي على نقل خمسين عبداً "
بيراك " إنهم مائة عبد "
فان هارلم " مائة طفل ، و بينهم فتيات "
بيراك " هل تريدني أن أنقل شيوخاً ، لابد أن يكونوا بهذا العمر .. يجب أن ينشأوا في الرق .. ليتعلموا كيف يخضعون للأوامر .. البالغين الأحرار لن يتقبلوا الأمر و سيناضلون ، حينما يستسلمون للأمر سيصبحون بلا قيمة لأنهم سيفقدون قوتهم في الأمر "
" تظل تقاوم و تقاوم حتى تنطفئ و تستسلم في النهاية  ، الجميع يستسلم و يخضع في النهاية .. أريد أطفالاً ليخضعوا بسهولة ، ليتناسوا الأمر و يتعاملوا معه
حتى ينسون معنى كلمة حر أو حرية أو أي من تلك الأمور .. سيقضون عمراً في العبودية و الرق حتى إذا أطلق سراحهم يعودون من جديد كالكلاب "
كان بيراك هذا يمثل الشر المطلق ، و كأنني عقدتُ صفقتي مع الشيطان بنفسه ، لم أعرف ماذا أقول فكنت أغلي غيظاً و غضباً من كلماته
بيراك " سأجعلهم عشرين ألف قطعة ذهبية ، لكنني سأخبرك أمراً .. أنا لم أحضر طعام غير ما يكفي لخمسين عبداً فقط .. لن تغرق السفينة بالوزن الزائد إذا كنت تخشى الأمر ، و لن يبطئوا سرعتها .. "
فان هارلم " عشرين ألف قطعة ذهبية "
بيراك " أقسم لك ، عشرين ألف ... أنا سأجني ثروة طائلة من هذا الأمر ، لقد اشتريت العبد الواحد بأقل من أربعة آلاف دولار ، و سأبيع الأمريكان أقل عبد بأربعة عشر ألف دولار ..وهذا فقط لنقلهم بحراً ، و سأعود بأموالي بالإضافة إلى أموالي من الأحجار الكريمة ، و سأصبح غنياً جداً يا رجل "
رغم سعادة بيراك إلا أنه كان يبدو عليه الإعياء و التعب ، كان يحاول إخفاء الأمر طوال حديثه معي ، كان يحاول إخفاءه بضحكاته الكثيرة و حركاته التمثيلية
لكنه لم يعد يستطيع خداعي ، لا يمكنك أن تخفي مثل هذا الأمر ، إنه دوار البحر أنا أعلم هذا .. إنه مخادع كبير
عدت إلى موقعي على السفينة ، أمسك بالعجلة الخشبية الكبيرة التي تتحكم في توجيه السفينة و أطلق الأوامر إلى البحارة لتعديل الأشرعة و أنظر إلى بوصلتي و أتابع التقدم .. إلى منطقة المثلث تلك

الأحجار العائمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن