الفصل الثالث

83 9 2
                                    

إنه الليل على متن أيسون في عرض البحر ، الليلة الأولى .. عندما تتقاذفك الأمواج  ، عندما تكون محاطاً من كل جانب بالمياه ولا تسطيع أن تعرف أين اليمين و أين اليسار بدون البوصلة الصغيرة التي تمتلكها ، بدون ذلك العقرب الصغير داخلها .. أدرك كم نحن ضئيلين بالنسبة لهذا العالم ، نحن لا نمتلكه بل هو يمتلكنا
إذا كنا بتلك الضآلة بالنسبة للعالم ، فنحن بالنسبة للخالق أصغر حتى من أقدام النمل .
ثم رأيت ذلك الشاب الصغير المهترئ الملابس والذي ينظف السفينة ، كان يبدو أنه لم يتخطى الخامسة عشر حتى ، لم أقابله حينما تعرفت على أفراد طاقم الأيسون و كأنهم تجاهلوه كما لو لم يكن ذا قيمة
ناديته " يا فتى أقبل " باللغة العربية الفصحى و سألته عن اسمه ، فأجابني " أيوب يا سيدي "
فان هارلم " لماذا لم يخبروني عنك مع الطاقم "
أيوب " كنت أقوم بالتنظيف سيدي ، بالإضافة أنني لستُ ذا قيمة "
فان هارلم " أيوب هل أنت في الخامسة عشر ؟"
أيوب " في الرابعة عشر سيدي "
فان هارلم " أنت مهم يا أيوب ، لقد عرفتُ فتى كان يشبهك تماماً و صار قبطاناً و أدميرالاً و قرصاناً أيضاً حقق الكثير من الأشياء ، ياللهول ، حقاً لقد حقق الكثير من الأشياء " كنت أتكلم عن نفسي بكل تأكيد
كان الليل و كان الجميع نائمون ، ليس الجميع ولكن أغلب الطاقم ، كم أن النوم متسلط و بالغ القوة
جبابرة لا يستطيعون مقاومة هذا الأمر
ثم سأل أيوب " سيدي هل أنت مسلم ؟ "
فان هارلم " لماذا تسأل يا أيوب "
أيوب " مجرد فضول ، لأن الطاقم كله مسلمين كما تعلم سيدي "
فان هارلم " حتى الآنسة فيونا ؟ "
أيوب " نعم حتى هى ، لا أعرف أصولها لكنني أعرف أنها مسلمة .. ليس بسبب الحجاب بل سمعتها تقرأ القرآن و تصلي "
فان هارلم " أنت تتجسس على البحارة !"
أيوب " لا يا سيدي حدث ذلك بالصدفة " كان فزعاً و مرعوباً .. فابتسمت له
فان هارلم " لا تخف يا فتى أمزح معك ، و إجابة عن سؤالك أنا مسلم أيضاً ... لقد أسلمت و تزوجت أميرة تركية ، أيبك .. أتعلم ، أيبك يعني الحرير باللغة التركية
في وقت من الأوقات كنت أعيش الحياة التي حلمت بها ،  لكن كل شيء إختفى و كأنها لم تكن الحياة التي قدر الخالق أن أعيشها حتى الموت .. "
أيوب " سمعتُ شخصاً يقول أن البؤساء يعيشون و يموتون في البؤس "
فان هارلم " ربما يكون محق ، لكن أتعلم تكون هناك لحظات في تلك الحياة ، تلك اللحظات التي تشعر فيها أن العالم ابتسم لك أو أنك تحكم العالم ، أشياء من هذا القبيل " صمتُ لبرهة ، تنسمتُ تلك الرياح الفتية التي تحرك كل شيء معها
فان هارلم " يا فتى إنك تبدو أفضل مني بكثير مما كنتُ بسنك ، هل سمعت عن قصص  القراصنة "
أيوب " سمعتُ عن قصص السندباد "
فان هارلم " إنه شخصية خيالية يا رجل ، عليك أن تسمع القصص الحقيقية فقط ، صدقني إنها أحياناً تكون أغرب من تلك الأساطير التي نسمعها "
أيوب " هل يمكنك أن تخبرني عن شيء تعرفه عن القراصنة سيدي "
فان هارلم " أتعلم عندما يسطو القراصنة على بعض السفن أحياناً ينضم إليهم أفراد الطاقم .. في الحقيقة أفراد الطاقم المطهدين غالباً ، إذا كان القراصنة جيدون "
أيوب " هل القراصنة جيدون أم سيئون يا سيدي "
فان هارلم " إنهم سيئون ، لكن أتعلم أحياناً يبدون .. الأمر معقد قليلاً ... ما هو خطأ و سيء بالنسبة لبعض الناس هو صحيح و جيد بالنسبة لأشخاص آخرين
إنه عالم متأرجح كتلك السفينة يا أيوب ، هناك قراصنة مسلمون ينهبون السفن البريطانية باسم الدولة العثمانية و هناك قراصنة مسلمون يجاهدون و يسطون فقط على السفن الحربية و هناك قراصنة يحاولون استنزاف الأسبان الذين سرقوا الأندلس و طردوا المسلمين منها
و هناك قراصنة مسيحيون يجاهدون باسم الصليب بسطوهم على السفن التركية العثمانية ، إنها شبكة معقدة .. إذا أردت أن تفعل أمر و كان خطأ في مكان سيكون صحيح في مكان آخر كيف هذا "
أيوب " حتى إن  كانت الأمور كما تقول أظن أن المبادئ ثابتة في كل مكان و زمان "
فان هارلم " أنت شاب صالح يا أيوب ، أتعلم ستكون يوماً ما رجلاً صلباً ..." ثم صمتُ لبرهة أخرى و نظرت حولي و تكلمتُ لأيوب دون الإلتفات إليه
فان هارلم " أيوب أريد منك خدمة سرية ، هل ستكون رجلاً لأنني أظنك كذلك بالفعل "
أيوب " ثق بي يا سيدي "
فان هارلم " أريدك أن تلاحظ القبطان بيراك ، لأنني أظنه  يعاني مشكلة ولا يخبرنا بها .."
ثم نظرت له مباشرة " دون أن يلاحظ ، هل يمكنك ذلك يا أيوب "
أيوب " يمكنني ذلك يا سيدي ، يمكنك أن تثق فيّ "

الأحجار العائمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن