كلما كنا نبتعد عن أفريقيا كان الجو يزداد صقيعاً و برودة و ريحاً شديدة
كنت على سطح الأيسون أتابع حركتها و تقدمنا كما يجب .. و كنت أيضاً أتابع ذلك الحديث مع إبراهيم
فان هارلم " لم نكمل حديثنا يا إبراهيم عن ما حدث للكابتن إيهاب "
إبراهيم " أخبرنا الكابتن بيراك أن الكابتن إيهاب أصيب بمرض معدي شديد ، إعتقد أنه الطاعون تقريباً ، تم إحتجازه في المشفى في البرازيل و تركنا لديه حجر كريم .. قطعة كبيرة من الجامشت تكفيه ليجد طريقه في العودة إلى تركيا بعد علاجه .. "
فان هارلم " من الخطر أن تحضر شخصاً مصاباً بالطاعون على متن سفينة بالتأكيد سيصيب الآخرين بالعدوى "
إبراهيم " كان الكابتن بيراك محقاً في ذلك "
فان هارلم " هل رأيت الكابتن إيهاب و هو في المشفى"
إبراهيم " لا يا سيدي ولكني أعتقد أن الآنسة فيونا رأته"
فان هارلم"و بالتأكيد لم ترى الكابتن بيراك يعطي الحجر الكريم للكابتن إيهاب "
أشار برأسه بلا ، دون أن يتكلم و كأنه يستشعر أمراً خاطئاً
تابعت حديثي " الكابتن بيراك كان على متن هذه السفينة منذ خرجت من سواحل تركيا أليس كذلك "
إبراهيم " نعم يا سيدي "
فان هارلم " أليس من الغريب أن تكون تلك السفينة مملوكة ليهودي و كل بحارتها مسلمون .. أقصد أن بينسيرلي لم يجعل عليها يهودياً واحداً حتى ، أي أحد من أقاربه اليهود ليأمنه على بضاعته "
إبراهيم " أنت تعلم يا سيدي أن البحر الأبيض المتوسط يسيطر عليه القراصة المسلمون و أغلبهم الجزائريون و المغاربة .. و هم مدعومون من الدولة العثمانية .. إذا حدث و هاجموا السفينة أيسون و وجدوا عليها شخص مسيحي أو يهودي سينهبونها و يقتلوا البحارة "
فأكملت " و إن وجدوا كل من عليها ضباط و بحارة أتراك عثمانيين سيتركونها لحالها " فان هارلم
إبراهيم " بالإضافة إلى ، أنت تعلم ، لا يوجد بحارة يهود يا سيدي". قال ذلك وهو يبتسم
نظرت حولي أحاول إيجاد ذلك الثقب الذي أحدثه مسدس بيراك في سطح السفينة ..
فان هارلم " ربما أرسل بينسيرلي يهودياً ، يهودياً متنكراً في هيئة ضابط بحري تركي .. بيدين ناعمتين "
لم يسمعني إبراهيم جيداً " ماذا قلت سيدي "
فان هارلم " قلت أن اليهود قد تغيروا ، صاروا الآن يثقون بالمسلمين على غير العادة ... يجب أن تستعد لنهاية العالم يا إبراهيم "
عندما ذكرت نهاية العالم أدركت أن الرياح أصبحت شديدة .. تحركت و بحثت عن المنظار الذي يحتفظون به على تلك السفينة .. ناديت أيوب و طلبت منه أن يحضر لي المنظار و أخبره إبراهيم أن الكابتن بيراك ربما يحمله
بعد دقائق لم أكن حقاً أحتاج المنظار الذي أحضره لي أيوب لأنني .. بدا واضحاً أننا سنتعرض لعاصفة شديدة ..
أخذت المنظار الصغير و طلبت من الجميع إخفاض الأشرعة و النزول إلى حجرات السفينة للإحتماء من العاصفة
استغرقنا الأمر ولم نتمكن من إنزال كل الأشرعة حتى أمسكت بنا العاصفة .. صرختُ بشدة في البحارة الذين كانوا يحاولون خفض ذلك الشراع ، طالبتهم بالنزول و تركه .. بينما كنا كذلك كسرت الرياح ذلك الصاري ، كانوا ثلاثة بحارة و فقدنا واحدا منهم للأسف الشديد
كان البحر غاضباً لقد كان عذابنا بسبب ذنب العبيد الصغار .. استغرقتنا العاصفة الليل بطوله .. كانت السفينة تعمل بمحرك بخاري يعمل بالفحم ، إضطررنا لرمي بعض من الفحم لنخفف من وزن السفينة ..
و هذا المحرك البخاري هو ما أنقذنا عندما خفضنا الأشرعة .. أفلت بنا من قبضة العاصفة بأعجوبة
نجت الأيسون و نجونا معها و لم نفقد سوى بحاراً واحداً .. أقمنا عليه الحداد بعد أن هدأ كل شيء
مع ظهور الشمس كنا نصلي صلاة الجنازة على البحار الراحل ، لم أعرفه .. كان يدعى سليم ، انتهت حياته و لم تتعطل السفينة من فقدانه و كأنه كان لاشيء
إنه أمر يدعو للحزن أن تكون لا شيء ، ألا يلاحظ الناس إختفاءك من وجودك ..
بدأ الجميع يشارك في إعادة ترتيب و إصلاح أيسون
توقعت أن يتأذى الأطفال ، لكنهم لم يُصابوا بأي شيء و كأن الخالق كان يعاقبنا نحن فقط .. لقد أزهلني الأمر للغاية .. حينما أتت العاصفة تمسكوا ببعضهم و بالقفص الحديدي المثبت جيداً في السفينة ، ولم يتأذوا مثلما تأذينا و تخبطنا نحن
بينما كنت أقوم بالمساعدة و بإلتقاط الأشياء من الأرض و البحث عن أماكنها الصحيحة لإعادتها
وجدتُ دفتراً صغيراً بغلاف جلدي أسود .. فتحته و كانت بداخله كتابة باللغة العربية الفصحى بخط اليد ثم لاحظت فيونا تبحث عن هذا الدفتر
أدركت أنه مذكرات فيونا فاحتفظت به و أخبرتها عندما سألتني أنني لم أجد شيئاً
أستغرقنا الأمر يوماً و ليلة كاملين لمحاولة إصلاح أيسون و ما فعته بها العاصفة
في نهاية تلك الليلة أخبرنا الطباخ أن كمية كبيرة من الطعام الذي نحتفظ به على متن السفينة كالخبز .. قد تلف معظم الطعام و فقدنا نصف مخزون المياهو بالتأكيد كان قرار بيراك بتخفيض الخبز و الماء الممنوحين للعبيد للنصف ، هذا الخبز الذي هو في الأساس كان ليكفي خمسين عبداً فقط ، الآن عليهم أن يموتوا من الجوع أيضاً
لقد كان ما حدث بالأكل إختباراً لنفوس الرجال على السفينة .. قررت فيونا أن تجمع نصف طعامها و ماءها و طعام و ماء من غيرها غيرها أو أي شيء تستطيع جمعه لتأخذه للعبيد
جاءت إليّ وقت الأكل و أخبرتني بالأمر ، بما تفعله
فيونا " أنا أجمع طعام للعبيد .. هل يمكنك التخلي عن بعض طعامك يا كابتن فان هارلم "
فان هارلم " بكم تخليتي من طعامك يا فيونا "
فيونا " بنصفه "
أعطيتها نصف طعامي و نظرت لها " ماذا كنتي تفعلين لو كان لديكي فقط نصف طعامك " صدمها سؤالي ، لم تجب و فكرت بالأمر و غادرت
لم أتفاجأ أن لا أحد أعطى من طعامه لفيونا غير أيوب لأنه علم منها أنني أعطيتها نصف طعامي
باقي البحارة الذين لم يعطوا من طعامهم لفيونا لم يأكلوا طعامهم كله و لكنهم احتفظوا بالنصف .. بالخبز تحديداً .. لأنهم لا يتوقعون هل تأتي عاصفة أخرى أم لا
لكن ماذا كنت لأفعل أو ماذا كانت فيونا البريئة لتفعل لو كان معها فقط نصف طعامها و ماءها .. هل كانت لتتناوله كله ولا تعطي منه أحد ، كانت لتفعل ما تمليه عليها غريزة بقائها لتعيش .. هل كانت لتفقد تلك البراءة
كنتُ أعلم أننا إقتربنا من منطقة اللقاء ، ربما هذا ما جعلني أضحي بنصف طعامي ولا أفعل مثل باقي البحارة .. لم أكن أختلف عنهم كثيراً كنت فقط أعلم أننا نقترب و هم لم يكونوا يعلمون
كنا جميعاً عبارة عن أحجار عائمة على تلك السفينة
أنت تقرأ
الأحجار العائمة
Mystery / Thrillerتدور أحداث الرواية في القرن الثامن عشر سفينة تركية تحمل أحجار كريمة من البرازيل إلى تركيا و لكن قبطان السفينة يقرر عقد صفقة أخرى لنقل مجموعة من العبيد من أفريقيا إلى أمريكا و يحتاجون القرصان و الأدميرال السابق فان هارم الهولندي ليبحر بهم عبر الأطلن...