الفَصْلُ الثَّالثُ- دميةٌ لِسَيِّدِها

592 33 2
                                    

بدأ نبض قلبيهما يتسارع ... و كأنَّهما انعزلا في فضائهما الخاصّ.... ليست كل الكلمات تُنطق، و ليست كل القواعد تُكْتَب ، و ذلك كان الشيء الذي أعادهما للواقع، خطوةٌ واحدةٌ منها كانت كفيلةً أنْ تجعله يدرك أنها نهاية لحظته ...
كُسِرَ الصَّمْتُ عندما بدأت الأمطار تتساقطُ مجدّدًا بغزارة... و كأنَّها أتت لتنهي الموقف بهدوء ...
الوكايد:"احم... أحب رائحة الأرض بعد المطر، ماذا عنك؟ ...".
قالها راجيًا أن يقطع حبل الصَّمت الصَّاخب على العقول ...
-"لابَّد و أنَّها من الرَّوائح التي خصصها الرَّبُّ لأرواحنا ...".
-"من المدهش كم لهذه التفاصيل أن تسعد الأشخاص رغم بساطتها..".
-"صحيح، اذًا الوكايد ... لم تخبرني ، م.. مالذي جاء بك الى هنا ؟".
-"في الواقع.. أردتُ أن أسألكِ عن شيءٍ ما..".
-"حقًّا ؟ هل هو بهذه الأهميَّة التي جعلتكَ تأتي في ليلة ماطرةٍ الى هنا؟".. ردت بلطف وهي ترشده الى الأريكة..
-"هه، عندما تجلسين بالقرب من النافذة في وقت متأخر و الأمطار تتهاطل لتظهِر منظر الزجاج المشوَّش، تراودكِ الكثير من الأسئلة.. و أنا لم أكن صبورًا كفاية لمقابلتنا التالية..".
-"لا بأس .. صحيح ، اذًا ماذا أردت أن تسألني..." وهي تمسك بكوبٍ من القهوة لكي تطرد شبح النوم الذي لا زال يحتضنها..
-"عن ماضيكِ..".

بدأَ الاضطراب يهيمن على ملامح وجهها ، و احتلَّ التوتُّر جسدها، و بدا عدم الارتياح واضحًا عليها...

-"شينزو، هل أنت بخيرٍ؟..".
-"نن.. نعم .. ل.. لا بأس..".
-"اذًا هل يمكنك رجاءً أن تخبريني ؟ أنا أعالجكِ منذ ٣ سنوات، لكن لم أستطع أبدًا سؤالك عن ذلك..".
-" عندما كنتُ في سنوات مراهقتي .. كانت عائلتنا تعاني الفقر الشَّديد ، عملت أمِّي بعدَّة وظائف ... لكنَّ أبي اقترَض مبالغ طائلة من رجل عصاباتٍ كان شهيرًا آنذاك، تراكمت الدُّيون و لم يستطع أبي تسديدها.. ذات ليلة، خرَج أبي من المنزل و كان رجال العصابة ينتظرونه .. و لم يعد أبدًا ، مرَّت عدَّةُ أشهرٍ بعدها ، و أمِّي تكافح في سبيل أن نحيا... حتى قُرِع بابُ منزلنا ذات يومٍ ، ضربةٌ وراء ضربةٍ وراء ضربة ، سحقًا لا يزال الصَّوت يتردد في أذنيَّ حتى توِّ اللحظة... كاد الباب أن يتحطَّم ... علمت أمِّي أنَّ شيئًا سيِّئًا كان على وشك الحدوث، همست لي بصوت دافىء.."عزيزتي، اختبئي و لا تخرجي أبدًا حتى أطلب منكِ ذلك ،أبدًا !.. "، و كما طلبتني فإنني اختبأتُ في مكان يُستحالُ على أحدهم ملاحظته.. أو هذا ما اعتقَدْتُه ... فتَحَت أمِّي الباب حتى تجد ٤ رجالٍ من أتباع تلك العصابة ... دفعوها للدّاخل و أغلقوا الباب ...".

-"شينزو...".
-"قتلوها بدون رحمة... ".
-"أنا آسفٌ لسماع ذلك... حقًّا ..".
-"لا بأس ...  بعد ذلك كانوا على وشك المغادرة ، لكن أحد الرِّجال  بدأ بالتَّجوُّل في أرجاء المنزل الصغير ... يبدو أنَّ ذلك اليوم لم يكن يوم حظي، بطريقة أو بأخرى استطاع أن يراني..".
-"ماذا حصل بعدها ؟؟".
-"صرخ بغضب مستدعيًا الآخرين، كانت تلك آخر لحظة ابصرت بها الضوء.. فقد داهمني بضربةٍ شديدةٍ على رأسي أفقدتني الوعْيَ ..".
-"ماذا حدث بعدها ؟ الى أين ذهبتِ ؟".
-"استيقظتُ في مكانٍ شبيهٍ بالمستودع ... كانت الأرض باردةً مبتلَّة ، تمامًا كبردِ العالم المتبقي ... كانت أقدامي لا تزال مترنِّحةً لم تطِق حَملي... لكن عينيَّ الضبابيَّتين استطاعتا أن تريا رجلًا ضخْم البنية ... لا أزال أتذكر تلك الوشوم و العلامات التي كانت تملأ يديه العملاقتينِ ، قام بحملي و رفعي على كتفه، حتى وصلنا الى مكان يشبه القاعة الكبيرة، في آخر القاعة كان يوجد مكتبٌ يجلس وراءه شاب.. بدا و كأنه في الثلاثين من العمر، أمر بصوتٍ بارد خشن "أنزلها."، فرماني الرجل على الأرض .. و بدأت اتقلَّب و أهمهم بأسئلةٍ عن مكاني ، و ماذا يريدون مني، لكن كل ما سمعته كان حوارًا بين الشاب و الرجل الواقف مع اتباعه ..
-(الشاب: قوموا بتجهيزها ، ثم أحضروها الي ...).
-(الرجل: حسنًا ، ماذا اذا حاولت الهرب ؟).
-(اقتلوها.).
علمتُ حينها أن الأمر قد انتهى....".
-"ماذا حصل ؟؟".
-"جعلوني أستحمّ ، أجبروني على ارتداء ملابس ... لم تكن ملابس عاديّة ، ملابسَ أخبرتني أنني لم أعد ملك نفسي مرَّةً أخرى..".

بعد صمتٍ دام لعدَّة لحظات أكملت حديثها .....

-" لقد أصبَحْتُ دميَةً لذلك الشَّاب .. كان يستمتع بذلك..".
-"تبًّا ...".
-"حتى أتى يومٌ استدعاني فيه الى غرفته الخاصَّة... جَلَسْتُ على الأرض كما يأمرني دائمًا ... لم أستطع أبدًا مخالفة أوامره لأنني علمت أنه كان سيسلبني حياتي".
-"...؟". بدأت نظرات التساؤل تعلو وجه الوكايد ...
-" أنا أعلم ما سؤالك.... لقد فعل ما يفعله عادةً بي، دائمًا كان يكرر عبارةً واحدةً ، (أنتِ خادمتي المطيعة)... لم أكن خادمةً بل كنت عبدةً لشهواته، لكن تلك كانت آخر ليلة رأيته فيها ... فقد أفقدني الوعي بشرابٍ ما و استيقظتُ على قارعة الرَّصيفِ في هذه المدينة كما وجدْتني أنت بحالةٍ يرثى لها ...".

و كما يعلم هو ما حصل ردَّ قائِلًا ...
-"ثمَّ ساعدتكِ و نقلتكِ الى المشفى و بعد ذلك بعامين بدأتِ العلاجِ بمساعدتي ..".
-"صحيح...".

كانت الصَّدمَةُ جليَّةً على وجه الوكايد .... لكنّها ازدادت عندما تفاجأ بما قامت به مريضته في تلك اللَّحظة....!

60 days in the darkness - ستّون يومًا في الظَّلام (completed)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن