الفَصْلُ الرَّابعُ-التَّحذيرُ

534 30 17
                                    

و هكذا و بدون سابق إنذارٍ تعالت ضحكاتها ، و كأنّ تلك هي ردة فعلها الطبيعية ضدَّ الرواية الكئيبة التي قصَّتها ... لم يكن الوكايد متفاجأً ، كونه طبيبها النَّفسيّ ، فهو مدركٌ أنَّ ذلك طبيعيٌّ جدًّا و شائعٌ بين مرضاه، لكن ما أثار تعجُّبه هو أنَّ شينزو لم تُبْدِ ردَّ فعل كهذا أبدًا منذُ بدءِ العلاج ...

لم تتوقَّف عن الضحك لعدَّة دقائق ، و راح ألوكايد يفكِّر في نفسه :
"هيَّا الوكايد ! مالذي حلَّ بسنوات دراستك ؟! أيُّها الأبله ! ألا تستطيعُ أنْ تُسكتَ مريضًا؟!.... ما العمل ؟!"
و لم يمرَّ وقتٌ طويلٌ حتى .....
لعن الوكايد بصوتٍ يائس منخفض تعلوه أصوات ضحكات مريضته:" سحقًا...".

شيءٌ لم يتوقَّعهُ الوكايد من نفسِهِ أبدًا ، و كأنَّه كان في بُعدٍ آخر .. بلمحِ البَصَر أطبق شفاهَه على شفاهِها، حلَّ الصَّمت ...

لم تظهر الفتاة أيَّةَ ردَّة فعل ، لكن بدا ما فعله الوكايد أنَّه كان كفيلًا بإسكاتها ...
تراجعَ قليلًا ، ببطءٍ شديدٍ ليعود الى وعيه ، أخفضَ عينيهِ و بدا عليه الاحراج .. كان يتمنى لو أنَّ الأرْض تحترق بما فيها ليتخلَّص من هذا الموقف.

همسَ بخوفٍ و ندمٍ :"ش..شينزو انا آسف ... ".
لكنها لم تحرِّك طَرفًا من أطرافها ، جلسَ الوكايد لبضعة ثوانٍ ثم غادر بهدوء ...
لقد أقلقه ما وجده من الفتاة بعد تلك القُبلة ، لكن ما يقلقه أكثر ، هو مصدر تلك القبلة ...
من أين جاءت ! أيُّ الأفكار كنت أحملُ عندما قبَّلتُها ؟!

مشى ألوكايد تحت قطرات المطر الثقيلة ، و الأفكار تتخبَّط يمينًا و يسارًا في جوفه ...

في اليوم التّالي استيقظتْ شينزو ...
تلك القبضة المحكمة على عقلها مجدّدًا ، لا تشعر بشيء و لا تتذكر شيئًا من الليلة الماضية .
"من أنت ؟!!!".
صرخت بصوتها الذي يناجي اليقظة ، و أجفانها المخمورة ...
-"من الغريب أن تنسي اسمي بهذه السُّرعةِ شينزو..".
-"ز...زاك..".
-"يسعدني أنَّكِ تذكرتني..".
-"ما.... مالذي .... كيف دخلتَ الى هنا ؟؟".
-"أنتِ من أدخلتني شينزو ...".
-"م... مالذي تتحدَّثُ عنه ؟..".

لم يجب سؤالها ... بل اقترب منها ببطء ، كان يرتدي معطفًا أسودًا طويلا... كانت تجلس على طرف الأريكةِ التي تركها الوكايد عليها الليلة السابقة ، انحنى بهدوء تام ، و هو يحدِّقُ بعمقٍ الى عينيها .. ضوء الشَّمس يغطسُ في أعماق عينيْه الزَّرقاوتينِ ..
هكذا و ببساطة و بدون أيِّ مشادَّاتٍ ، كبَّل شفاهه على شفاهها، كان عدوانيًّا ، شيءٌ يشبه التَّحذير ، كادت الدماء تخالط تلك القبلة الشَّرِسة...
حتى اكتفى من ذلك ، استقامَ، شدَّ معطفه باعتدال ..
قال باسترخاء: " أنتِ ملكٌ لي وحدي..".
ثم غادر...

60 days in the darkness - ستّون يومًا في الظَّلام (completed)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن