4 |تستمر الحكاية (3)|

3.7K 392 93
                                    

الصورة لجامعة الملكة في بلفاست.☝🏻

ملاحظة: التواريخ الموضوعة في بداية كل فصل هي من ضمن القصة وليس الكتابة أو النشر.

(3)

الخميس 20/2/2020

قبل بداية أي شيءٍ لهفةٌ تفسدها اللحظات التي تلي اللحظة الأولى، أما أول لحظة من أي تجربةٍ جديدة فهي شعورٌ لذيذ من الصعب وصفه، يشبه شعوركَ حين تستمع لأغنيةٍ جميلةٍ لأول مرة، حين ركضتَ تحت المطر ليبلل جسدكَ بأكمله أول ليلة، حين حصلتَ على نجاحكَ الأول، للحظات الأولى شعورٌ لذيذ، كالوقوع في الحب من نظرةٍ واحدة!

أثناء قيادته لسيارته ساورته لهفةٌ عميقةٌ للمرحلة الجديدة التي سيتقدم إليها بحياته كطالب في الدكتوراه تم اختياره مع تسع أشخاص من بين المئات، لحظة دخل للجامعة واجتمع ببقية زملاء دراسته ومنهم لوسيان راودته سعادة المرة الأولى التي شعر بها حين دخل للمدرسة طفلاً، وحين دخل للجامعة شاباً، وحين سافر إلى المملكة المتحدة ليدرس، ولكن ما إن بدأت المحاضرة حتى فسد شعور اللحظة الأولى، لأن اللحظة الثانية ليست مثل الأولى أبداً.

كانت جامعة "الملكة" مكاناً أشبه بالصرح أو القلعة، تبدو من الخارج كمعلمٍ أثري ضخم، ممتدةٌ على مسافاتٍ كبيرة ويتوسطها برجٌ عالٍ بدا وكأنه عرش الملكة، بينما يحيط بها حديقةٌ كبيرةٌ مغطاةٌ بالعشب الأخضر، مع الكثير من الأشجار التي كانت مكاناً جيداً للطلاب للاستراحة تحتها، وفي الحديقة الخلفية تُركت مساحةٌ واسعة لطلاب منحة الدكتوراه لتكون مكاناً للتدريب على إقلاع طائراتهم.

الكلمة الوحيدة التي يمكنها أن تصف الجامعة بأنها جامعة!! جامعةٌ لكل شيء، ولأي نمطٍ من البشر، الجيد والسيء، الوقح والمؤدب، المتنمر والمسالم، الهادئ والصاخب، وبالنسبة له كانت الجامعة التي سيأخذ دروسه بها تجمع بين طلابٍ صغار في التاسعة عشر من أعمارهم يخطون خطواتهم الأولى لهذا العالم الكبير، وبينه هو ابن بضعٍ ثلاثين عاماً مع مجموعته الصغيرة لدراسة الدكتوراه.

قضى خمس ساعات هناك ضمت محاضرتين كاملتين، حالما انتهت المحاضرة الثانية أغلق الجهاز اللوحي الموضوع أمامه والذي يسجل عليه ملاحظاته وأطلق تنهيدة ملل، من العجيب كيف يكون البشر متحمسين لشيءٍ ما بشدة، ثم يصابون بالملل ما إن يصبح بين يديهم، وحتى لساعاتٍ قليلة!

"كانت هذه خمس ساعات من الجحيم!" قالها لوسيان الذي كان يجلس بجانبه وهو يمدد جسده بتعب ليبتسم بسخرية ويرد "ألم تكن تحتفل البارحة لأنه تم قبولك؟"

"ظننتُ أن الأمور ستكون مثيرة للاهتمام أكثر، ولكن انظر إلى هذا الصف المقيت، نحن ثمان شبان وفتاتين وحسب! كما أن كل شخصٍ منشغلٌ بنفسه ولا أحد يتحدث مع الآخر."

تذمر بملل وهو ينقل نظره بين البقية الذين لم يغادروا بعد ليفعل ملهم المثل وهو يجيبه "أظن أنكَ محق، ولكن المنحة كانت لعددٍ محدود، ونحن محظوظان جداً أننا نلناها، ومن الطبيعي ألا يتكلم البقية مع بعضهم لأننا أتينا من أماكن وأعمال مختلفة!"

Two stars in the galaxy | نجمتان في المجرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن