رسائل نجمٍ تائهٍ في المجرة!
الخميس 5/4/2020
عزيزتي..
رغم أن لوسيان لم يبدِ أي تعليقٍ سلبي حولي، ولكني أشعر قليلاً بالعار من نفسي، ربما لو كنتُ في أي مكانٍ لما راودني هذا الشعور، ولكني الشاب العربي الوحيد الذي يعرفه لوسيان، والشاب المسلم الوحيد الذي يعرفه أيضاً، أنا واثق أنه أخذ فكرةً سيئة!
بعد التفكير الطويل بالأمور، والأرق الذي لازمني خلال الليلة الماضية، شعرتُ بالشفقة على نفسي، هل تصدقين أن الشاب الذي أحببتِه ذات يوم قد كبر ليصبح هذا الرجل التعيس، المثير للشفقة؟!
لقد عشتُ حياتي كلها جباناً، حتى وإن حاولتُ أن أبدو العكس، ها أنا أعترف أنني لم أكن أملك الشجاعة لفعل أي شيء، في الحقيقة، لم تكن لدي الشجاعة لأعيش حياةً طبيعيةً مثل أي شخصٍ في العالم، عشتُها كلها أدعي أني الرجل القوي، القائد المثالي، الطالب المتفوق، الكابتن الشجاع الذي لا تخيفه أي رحلة مهما بلغت مقدار صعوبتها، ولكن كل ذلك لم يكن صحيحاً، في كل مرةٍ أمسكت بها مقود الطائرة ارتجفت كل خليةٍ من خلايا جسدي، دعوت الله بكل دعاءٍ تذكرتُه حتى يمنحني القوة.
كنتُ كاذباً، لطالما كنتُ كذلك، كذبتُ على عائلتي حين أخبرتهم أنكِ غادرتِ الحياة، كذبتُ على كل شخصٍ سألني عن سر خاتم الزواج الذي أضعه بيدي وادعيتُ أنني غير متزوج، كذبتُ على كل شخصٍ أخبرتُه أني بخير في اللحظات التي كنتُ بها مدمراً نفسياً، كذبتُ حتى على نفسي وأنا أواصل إخبارها بلا توقف أن الأمور بخير، أنكِ ستكونين بخير، ستعودين للحياة مجدداً.
هل ستعودين؟ أم أن عليَّ الاستسلام وحسب؟ عليَّ أن آخذ بنصيحة الطبيب وأتوقف عن منح نفسي الكثير من الأمل، وأتوقع الأسوأ، حتى لا يصدمني قدومه حين يأتي..
الطبيب كان واضحاً جداً حيال كل شيءٍ قاله، ولكني رفضتُ بكل بساطة أن أستمع له، إلا أنني عميقاً بداخلي أعلم تماماً أنكِ لستِ هنا، وعلى الأغلب لن تكوني هنا مجدداً، ها أنا ذا بعد أن أسقطتُ كل أقنعة الكذب والخوف عني أعترف بكل ذلك، أنا لا أملك مثقال ذرةٍ من أمل حتى أراكِ مستيقظةً مرةً ثانية، ولكني أعلل نفسي بالآمال، وأصبرها، وأدعو الله بلا توقف لأن هذا كل ما أملكه.
عزيزتي..
هل أبدو لكِ شاباً سيئاً؟ أو أنني لا أريدكِ بجانبي؟ هل كتابة هذه الصفحة التي أعترف بها أن استيقاظكِ بات ضرباً من المستحيل يبدو قاسياً أمام اثنتي عشرة مفكرة كتبتُها من قبل وأنا أحلم باللحظات التي ستقرأينها بها ريثما أعبث بخصلات شعركِ بين أصابعي!
أريدكِ بجانبي، ولكنني أريد بالقدر نفسه أن أتوقف عن الشفقة على نفسي حتى لا تؤول حياتي إلى جحيم، هذا كل ما في الأمر، كل ما أريده في هذه الحياة ألا أشفق على نفسي، لو فعلت فلن يكون بوسعي النجاة مطلقاً، ولكن كلما فكرتُ بالأمر، بالرجل البائس الذي أنا عليه يجتاحني هذا الشعور مجدداً.. أنا حقاً مثيرٌ للشفقة!!
أعطيتُ لوسيان صورةً سيئةً عنا، لو ظن أن كل العرب ضعفاء فأنا لن ألومه، لو ظن أن معظم المسلمين كاذبين فأنا لن ألومه أيضاً، أرجو فقط ألا يجعل شخصاً أحمقاً مثلي نموذجاً يحكم به على جميع العرب المسلمين، أنا لا أصلح لأكون صورةً نمطيةً لأي شيء، سأبقى دوماً شاذاً عن القاعدة!
عزيزتي..
لا يمكنني أن أصحح الصورة التي أخذها لوسيان، ولا يمكنني أن أتوقف عن الشعور بالشفقة اتجاه الكائن الوحيد الذي يقبع بداخلي إن لم أكن صادقاً مع نفسي، صادقاً كثيراً جداً، وأصارحها بالأمور التي ظللتُ أصمت عنها لسنواتٍ طويلة، لذا أنا سأكون صادقاً هذه المرة، شفافاً تماماً أمامكِ، وسأخبركِ بكل الأفكار السوداء التي تثير هذا الألم بداخلي.
أنتظر عودتكِ، كحلمٍ لا يمكنه ألا يروادني كل ليلة، كفكرةٍ لا يمكن إلا أن تكون آخر ما يتبادر لذهني قبل النوم، أدعو لذلك.. في كل صلاة، في كل سجود، في رمضان قبل أن آكل أول لقمةٍ من الإفطار عند آذان المغرب، وفي الأسحار، لا يمكنني فقط التوقف عن هذا..
وبنفس القدر الذي أنتظر به عودتكِ أنا أنتظر ذهابكِ، في تلك الرحلة الواحدة والطويلة نحو اللاعودة!!
أتمنى لو كنتِ قريبةً مني مجدداً، أو لو تبتعدي للأبد، أتمنى ذلك بكل ما للمتناقضات من حق التمني، أنتِ فقط عالقةٌ في منتصف كل فكرة، كل شعور، كل حزن، وكل سعادة وكل لحظة، أنتِ هناك، في الوسط تماماً، حيث لا يمكنكِ أن تكوني بجانبي لألمسكِ، ولا يمكنكِ أن تكوني أبعد من مستوى نظري، هناك.. تماماً كتلك الشوكة التي تقف وسط الطريق، لا يمكن دفعها للأمام، ولا إعادتها للوراء، وتجرح كل من يحاول تحريكها..
هذا هو باختصار الشعور الذي يراودني ناحيتكِ، وإلى هذا الحد فقدتُ الأمل بكل شيءٍ تماماً، أنا بخير الآن لأنني أقول هذا بصراحة ودون خوفٍ أو كذب، أنا بخير لأنني أخبركِ أن استيقاظكِ سيعيد لي الحياة، وموتكِ سيجعل الأمور تسير على الأقل بطبيعية!!
كنتُ ومازلتُ وسأبقى خائفاً من أن تختفي تلك الأنفاس بصدركِ لأنها تساعدني دوماً على الصمود، ولكن لو أنكِ لم تعودي هنا، سأقرأ لكِ سورة الفاتحة كل يوم، سأزور قبركِ، سأعلم أنكِ في مكانٍ أفضل، سأعلم أنكِ لا تتألمين، وأن روحكِ لم تعد نجماً تائهاً بعد الآن..
أنا أريد الراحة لكلينا، ولكنني أناني للحد الذي يجعل دموعي تتساقط بكل هذه الغزارة لمجرد التفكير أنكِ ستغيبين، أن انتظاري لاستيقاظكِ سيصبح لا إرادياً دعوةً لانتهاء حياتي حتى أكون معكِ .. على الجانب الآخر..
كم هي مؤلمةٌ الحقيقة يا حبيبتي، وكم أنا مشتتٌ ومبعثرٌ وتائهٌ الآن لأنني فكرتُ لأول مرة أن أكون صادقاً مع نفسي، أن أقول الأشياء التي ظننتُ أنني دفنتُها بعيداً، أن أعترف بما أخجل بنطقه أمام المرآة.
فقط اعفيني من ورطة المنتصف، فقط كوني قريبةً مجدداً، كوني بجانبي مرةً أخرى، افتحي عينيكِ، انطقي باسمي، قولي أنكِ تحبيني، أو كوني بعيدةً ليتوقف هذا الانتظار إلى الأبد، ولأحلم أننا سنكون معاً في الجنة، بدون آلام، في الجنة يا حبيبتي..
"هيا ننام إلى الأبد ونعيش الحلم الجميل في الجنة."
"مصطفى هدوان"To be continued
R.M
أنت تقرأ
Two stars in the galaxy | نجمتان في المجرة
Romanceكان يؤمن أنَّ كل شيءٍ في هذه الحياة يدور حول قدرته على التحمل! "أحبكِ حتى نهاية الزمان والمكان، إن كان ثمة شيءٌ بعد ذلك فسأظل أحبكِ بكل ذرة شعورٍ أملكها.." نجمتان في المجرة "ملهم القادري" R.M