7 |تستمر الحكاية (4)|

2.2K 300 47
                                    

الصورة لكافيه نيرو في بلفاست.☝🏻

(4)

الاثنين 2/3/2020

كان ملفتاً للنظر إلى حدٍ كبير وهو جالسٌ في تلك الغرفة الفارغة بالمستشفى، لا يُسمَع سوى صوت جهاز ضربات القلب برتمٍ مستمر، بينما يمسك كفها بيده، وباليد الأخرى يمسك مصحفاً ويقرأ سورة يس، بتجويدٍ متقن وصوتٍ شجي دافئ.

توقف عن القراءة عند "سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم." توقف تماماً ورفع عينيه إليها، أراد أن يسمعها تعيد هذه الآية كما تفعل دوماً، كانت عادةً تقوم بها بإعادتها ثلاث مرات،  ولكنها لم تفعل، بقيت صامتةً تماماً، ساكنةً وهادئة، هالة الصمت المخيف مازالت محيطةً بها، شعرها الأسود المجعد الطويل منسدلٌ أسفل ظهرها، لم تكن تبدي أي حركة، ولم تكن هذه المرة الأولى بالنسبة له، هي هكذا من زمنٍ بعيد، ولكنه لا يريد أن يفقد الأمل، يدفع عمره كله حتى يراها ترمش وحسب، تحرك يدها لتلامس أصابعه فقط، ولكن هذا كله لم يحصل، وهو لا يريد أن يفقد الأمل.

أعاد نظره لمصحفه وهو يشد على كفها بين يديه وهو يكمل "سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم" ويعيدها ثلاث مرات، كأنه يناجي الله أن تبقى بسلام، ثم أكمل القراءة، كان يعلم أنها بالتأكيد تسمعه، لذا هو يستمر بإخبارها أنه يشتاق لها، ويحبها، ويرديها أن تستيقظ، يعلم أنها على الأغلب ضجرت من صوت الأجهزة المحيطة بها، ولذلك هو يقرأ القرآن عليها باستمرار، هذا يجعله يرتاح وتستوطن السكينة قلبه، لذا يريدها أن تشعر بالمثل، في البداية كان يفعلها وكأنه يقرأ كتابٍ عادي، ولكنه أدرك أن الله يحب أن يتلى القرآن كما أنزل، لذا بدأ يتعلم التجويد، هو الآن يقرأ تماماً كما يفعل الغامدي، ينهي السورة، ثم ينحني عليها مقبلاً وجنتها ويخبرها أنه سيأخذها لزيارة الكعبة حين تستيقظ حتماً..

وضع المصحف في الدرج بالطاولة الصغيرة بجانب السرير ثم التفت لها لينظر لوجهها، يسأل نفسه إلى متى؟ ولا يعرف الجواب، هو يريدها أن تستيقظ، اثنتي عشرة سنة وهو عالقٌ بشعور الانتظار المخيف.

"علي المغادرة الآن، لدي عمل، ولكني سأعود قريباً، أحبكِ.."

همس وهو ينهض ممسكاً بيدها ليقبلها، أعادها لجانبها ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ومشى مبتعداً وقد ترك قلبه هناك، تماماً كما يفعل في كل مرة، استوقفه صوت أحد الأطباء منادياً إياه "أنتَ الكابتن ملهم صحيح؟"

التفت له وأومأ إيجاباً ليشير لبطاقته ويقول "أنا المسؤول عن المرضى هنا، هل يمكنني أن أتحدث معكَ قليلاً؟"

"أجل.. ما الأمر؟" أجاب وهو يستدير ليواجهه، تنهد الطبيب وهو ينظر للأوراق بيده ويسأل "إنها في غيبوبةٍ منذ اثنتي عشرة سنة، ألم تقرر أن تستسلم؟"

"هل ماتت؟ هل توقف قلبها؟!" سأله بجمود وتعابير وجهه أصبحت حادة ليحرك الطبيب رأسه نفياً، زفر بضيق ممراً يديه بخصلات شعره وهو يقول "إذاً لا تفكر أن تقترب منها أبداً، طالما أنا أدفع ما تريدونه فهي ستبقى هنا، ولو كان جسدها موصولاً بالأجهزة."

Two stars in the galaxy | نجمتان في المجرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن