-3-

30K 1.1K 285
                                    

ليس لنا في الحنين يدّ،
وفي البُعد كان لنا ألف يدّ!
سلام عليك .. افتقدتك جدًا
وعليَّ السلام فيما افتقد!

-محمود درويش-
•¤•¤•¤•

(ضع بصمتك هنا وتفاعل ⭐)


   
    إيطاليا .. ميلانو

   
    على طاولة فضية عالية في تلك القاعة الفاخرة المغلقة، وقفت فريدة بثوبها الأنيق تبتسم بلباقة بينما تتحدث:
    - أشكرك لدعمك لي اليوم سيدة 'سمر' .. كنت أعلم أنكِ لن ترفضي دعوتي!!
   
    ابتسامة زجاجية ارتسمت على شفتي سمر وهي تجيبها:
    - لا داعي للشكر أرجوكِ .. أنتِ لا تعرفين ما يمثله لي 'أدهم' .. فهو ليس فقط ابن زوجي، بل طفلي الذي لم أنجبه.
    جارتها فريدة مجاملة بابتسامه، لتستطرد سمر بعد أن ضيقت عينها بنظره شمولية للأخرى:
    - شكلك قد تغيّر كثيرا عن آخر مرة رأيتك بها على ذلك المقعد المتحرك .. أعذريني، لم استطع إخفاء تعجبي؛ فهيئتك حينها كانت مختلفه تماما عن تلك المرأة الواثقة بنفسها التي زارتني بالقصر منذ ثلاثة سنوات!!
  
     إبتلعت فريدة كلماتها بملامح متجمده، وهي تتذكر تلك المرة التي رأتها بها لأول مرة مع مصطفى الشاذلي -والد أدهم- حينما زارها بنفسه في المسشفى بكاليفورنيا قبيل عودتها لمصر، وكل ما حدث حينها، اتهامه لها بإصطناع فقدان الذاكرة، وأنها السبب وراء اختفاء إبنه .. كل ذلك بقى عالقا بذهنها لفترة طويلة، قبل أن تحث لسانها على التحدث وتسألها:
    - والآن؟؟
    رفعت سمر كأسها في تحية لها قبل أن تقول بنبرة ذات مغزي:
    - الآن أظننا سنتفق جيدا!!
   
    أومأت لها فريدة موافقة ثم ارتشفت من كأسها:
    - لم أكن أتوقع أن يوافق السيد مصطفي على مساهمتك اليوم، خاصة وقد أوقف حملة البحث عن أدهم دون إعلان أية نتائج!!
    وضحت سمر:
    - كان من الضروري أن يوقف مصطفى الحملة بعد أن أصبح الأمر يؤثر على سمعتنا في السوق، ويضر بمصالحنا .. لكن انا لي رأيا آخر بهذا الشأن، ما فعلناه اليوم وظهورك المفاجئ للإعلام سيربك صفوف مَن هم وراء اختفاء أدهم، وسيجعلهم يرتكبون خطأ ما عما قريب!! .. لذلك انا لم أتردد لحظة بدعمك اليوم.
   
    برقت عينها لثواني، فهذا كل ما تتمناه .. أن يخطؤا ويرتكبوا حماقة تؤدي بها إلى أي دليل عما حدث، عن أدهم .. أصرت فريدة للوصول لشئ بعينه:
    - وهو؟؟ .. أقصد سيد مصطفى، ما موقفه؟؟
    ارتفع جانب فم سمر بابتسامه لم تصل لعينها، وكأن وراء الحديث حديث:
    - اتركِ أمر مصطفى لي .. فليقم كل ذي دور بدوره!!
   
    إماءة بسيطة صدرت عن فريدة كرد على ما قالته، لكن عينيها كانت تقول الكثير في لقاء تحدي الأعين المضرم بينهما .. هذه المرأة غير مريحة، شيئًا بها يخبرك أن هناك ما يحدث خلف الكواليس .. شيئًا يربكك ويشوش ذهنك .. شيئًا لن تهدئ حتى تفهمه!!
   
    قطع تلك اللحظات المشحونة اقتراب كمال منها ليسألها بلطفة:
    - اسمحي لي أن أحظى بهذه الرقصة؟؟
    تنفست فريدة براحة قبل أن تومئ له بود مرحبة ..  تركت كأسها لتترك من بعده يدها لكمال ساحبا إياها لساحة الرقصة .. لا تعرف الكثير عن قواعد الرقص وتتمنى عدم التسبب في إحراجه وإحراج نفسها معه .. هذا ما رددته بنفسها.
   
    - أبدعتي في خطبتك اليوم .. عليكِ أن تكوني فخورة بنفسك!!
    هنئها كمال وهو يضغط اصابعه بخفه على ظهرها لينتشلها من شرودها .. ابتسامتها المشرقة لم تتوقف بل اتسعت له، وكأنها كانت في آمسّ الحاجة لسماع ما قاله الآن .. بالفعل، فقد كان الخوف والتردد يعتريها لحظة وقوفها على المنصة لإملاء كلماتها الخاصة .. تلبكت من ذلك الجمع الحاضر والكاميرات والأضواء المحاصرة لها من كل صوب .. خاصة بعد أن عانت لسنتان الإنحصار على التفاعلات مع البشر خارج حدود عائلتها الصغيرة .. الأمر كان يحتاج منها طاقة كبيرة ومستوى عالي من ضبط النفس حتى ينجح، كما حدث!!
   
    الأسئلة المجحفة، والمتطرقة لأدق تفاصيل حياتها خصوصية، وحتى التشكيك بحالتها المرضية، كل هذا كان ضغط مهول واختبار عظيم وعملي لقواها الانفعالية بعد كل ما عانته .. اليوم كان انتصارها الصغير .. انتصارها الأول!!
   
    - تحبينه؟؟
    باغتها كمال بهذا السؤال فقطبت حاجبيها بغير فهم:
    - مَن هو؟؟
    - أدهم!!
   
    رعشة سريعة عبرت بخفوت جسدها، ولا تدري لها سببا!! .. رفعت إحدى كتفيها باستنكار:
    - أنا لا أتذكره حتى أحبه!!
    تعنّت كمال في سؤالها بحثا عن السبب الذي يسعى خلفه الجميع:
    - ولماذا تبحثين خلفه إذًا؟؟
  
    مررت فريدة عينها بين الحضور ثم تنهدت قائله وكأن الأمر بديهي:
    - وكيف لي أن أمضي قدما اذا لم أعرف ماذا حدث لي بالماضي؟؟
    وجد شيئًا من المنطق في حديثها لذلك إستمال لتصديقها، وقد حان صوته مغمغما لها وكأنما يحدث نفسه:
    - يبدو أنكِ عنيدة مثلما أخبرني عنكِ مراد!!
   
    ارتفعت شفتيها وكأن ما قاله قد مدحها:
    - حكىّ لك عني؟؟
    - هو لم يحكِ سوى عنكِ!!
   
    صحح لها مراد ليزداد زهوها باقتناء رجلا مثله .. ولم يخف ذلك عن عين كمال .. تلك اللمعة .. كان يعرفها، تتعدى كونها اعجاب انثى .. سألها بترقب للإجابه:
    - تحبينه .. أقصد مراد هذه المرة؟؟
    بدى الدهشة جليه على ملامح فريدة من إلحاحه في هذه السؤال .. لتنبسط ملامحها في لحظة بعدها:
    - تريد الحقيقة؟؟
    - أرجوكِ!!
   
   دنت منه بلفت حميمة إلى حد ما وهي تؤكد على كل حرفٍ تلفظه:
    - أعشقه!!
    إبتلع غصة زاغت بحلقه بعد أن كان قد وجد الانجذاب السحري في كل شئ يخصها .. تمتلك هالة مشعة وراقية تجذبك بقوة نحوها .. لا يعرف، ولكن هذا ما شعر به منذ لقاءهما الأول .. لذلك لم يستطع مقاومة إجراء محاولة في الظفر بها بعد أن مضى وقت طويل قبل أن يميل قلبه لأنثى مرة ثانية .. ويالها من محاولة فاشلة، بل سريعة الفشل!!
   
    إحترم على الفور صراحتها وتراجع كرجل نبيل مكتفيا بعبارة واحدة نفثت بها عما هو مكنون بداخله:
    - ياله من محظوظا بكِ!!

After Burn بعد الاحتراقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن