1.يومًا قد تكون السعادةُ من حقّه.

212 38 35
                                    

قراءة ممتعة ⁦💞

***

بعمر يناهز التاسعة، لم يكن هيّنًا على الفتى الصغير «جيمين» بطبعهِ الحسّاس تقبّل قسوة الظروفِ بصدرٍ رحبٍ ونفسٍ عزيزةٍ لا تهزل.

فكان يسيرُ في أروقةِ مدرستهِ الكبيرةِ مطرقًا رأسهُ بانكسارٍ، وعيناهُ تخفقُ يمنةً ويسرةً بقلقٍ جليّ، يقضمُ شفتيهِ بين حينٍ وآخر ويشدّ من قبضتيه الصغريتين على حمّالاتِ حقيبةِ ظهره، ثمّ يتعجّل بخطواتهِ ناحية الفصل الواقع في آخر الممرّ.

يتنهّد بارتياحٍ ما إن يبلغ مكانه، ومجدّدًا وبعد أن يضع حقيبتهُ جانبًا تتفقّد عيناهُ طاولته الخشبيّة التي نُقشَت عليها كلماتٌ مهينة فيعيدُ قرائتها، ثمّ يبسطُ شفتيهِ بحسرةٍ حين يدركُ أنّ جديدًا قد حُفر بالأقلامِ الحاقدة، وتلك العباراتُ التي بات يحفظها تزدادُ قسوةً يومًا بيوم، أبرزها يخاطبهُ أن ارجع.. عُد!

فيخرج دفاترهُ والكتب ليغطّي بها سطح الطّاولةِ وقد أضحى النظر لهُ يخيفه، ثمّ يضع فوقها ذراعيهِ فيغور رأسه بينهما وتختفي تقاسيم وجههِ التي لطالما ظنّها السّبب في معاناتهِ.

كان من السّهلِ تمييزهُ عن البقيّة من زملائهِ بمجرّد النظر إليه، فعيناه الغائرة وطيّة جفنهِ البارزة خلافًا عن سائر سكّان الولايات المتّحدةِ حيث يعيش تسوّمهُ كغريبٍ، لترمي به تحت وطأة النّظراتِ الحقودة والغامطة.

وبات يرجو لو أنّهُ ولد بملامح أخرى، وأحيانًا يودّ لو يكون ذلك ممكنًا لوالدهِ حين يسمعهُ يتحدّث عمّا يعانيهِ في عمله بنبرة عجزٍ وحسرة، وأحيانًا أخرى يتمنّى تلك الأمنية لأختهِ حين يراها عائدةً من المدرسةِ باكية.

ثمّ يمرّ اليوم الدّراسيّ كسائر الأيام، يقضيهِ جيمين ملازمًا مقعدهُ في آخر الفصل دون انخراطٍ بالزملاء. مكتفٍ -لطالما كان- بحفظِ وجوههم وأسمائهم دونما خطاب، وحين يثني المعلّم على أحدهم تجدهُ يبتسمُ بأملِ أن يكون مكانهُ يومًا ما فيلقى القدر ذاتهُ من التقدير.

وإذا رنّ جرسُ الدّرس الأخير، يسحبُ نفسهُ بهدوءٍ مغادرًا الفصل. وكعادتها أختهُ تكون بانتظارهِ أمام المدرسةِ لتصطحبه، وإن تأخّرت فسيضطر للوقوفِ مطرقَ الرأس في زاويةٍ بعيدةٍ عن محطّ الأنظار، ملتزمًا بشخصيةٍ خنوعةٍ تفرضها عليهِ غربته ووحدته.

 فترى وجههُ يستهلّ فرحًا حين تقبلُ إليه بهيئتها المعهودة، يمسك بيدِها ليبدأ بالثرثرة عمّا يذكرُ من أحداثِ يومه القصير. يحدّثها متذمّرًا عن واجباته العديدة تارةً، وعن المعلّمين الذين يحبّهم تارةً أخرى. وكثيرًا ما يكذبُ حول قضاءهِ اليوم بين الأصدقاء، أو يدّعي بأنّه حاز التصفيق من طلّاب الفصل والثناء من الأستاذ لإنجاز الواجب.

أزِف الرّحيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن