[ "كلُ شيءٍ يتعوض إلا الرّوح" ]

204 14 2
                                    


منذُ ذلك اليوم ..
و جونيل يمارسُ حياته الطبيعية بين التنقل والبحث عن الأعمال المناسبة والمذاكرة لإمتحانات القبول فمستواه التعليمي ليس بقوي كونه أتى من قرية إلى المدينة ، و يقضي يومه بين المواصلات والوجبات السريعة فهو يعيش وحيداً في شقة صغيرة يكاد يأمن إيجارها تاركاً والدته ووالده في القرية ينتظران أخباره بين الحين والآخر قلقين عليه ، و لكن قلبهُ رقيقٌ جداً وتهمه مشاعرهما فيحاول أن يكون صادقاً مع والديه مع عدم ذكر أي شيء يجعلهما قلقين أو حزينين فهو دائماً يصور لهم أنه بخير ويعيش حياة جيدة و ذلك يحزنهُ أكثر ،
ولكنهُ يقطع لنفسه وعداً دائماً أنه سيحقق كل ما يتأمَله والداه وسيريهما ذلك بنفسه فوالداه كبيران في السن فقد أنجباه على كِبر وهو فلذة كبدهما الوحيدة ..

وفي يومٍ رجع جونيل إلى المنزل خائباً جداً فقد طُرِدَ من عملهِ بسبب تأخره المتكرر فقد كان عمله يبعد كثيراً عن منزله وإذا صادف ورأى أحد يحتاج المساعدة لا يتردد في مساعدته أو كان يقف منتظراً الحافلة هو وشخص كبير بالسن أو شخص مستعجل وكان آخر مقعد بالحافلة يؤثِرهم على نفسه فيتسبب ذلك في تأخرهِ عن العمل مما يؤدي إلى طرده هذا ليس إن صادف مسكيناً يعطيه نقوده للحافلة فيغيب يوماً كاملاً بسبب ذلك ، ولكنهُ دائماً ما يفكر أن هذا الخير الذي يفعله سيعود بالنفع عليه يوماً ما فيتخطى بذلك يوماً عصيباً ويردد: "كل شيء يتعوض إلا الروح".

وفي أثناء عودته للمنزل ماراً بجانب أحد المقاهي رأى أصدقائه الذين أعتاد أن يمرح معهم عندما وصل للمدينة وتذكر كم أنه أحبهم كثيراً عندما تعرف عليهم وكان سعيداً جداً معهم ، و لكنه أفترق عنهم و السبب أن لديه جوانب كثير لا تتناسب معهم أحدها المال! فهو ليس لديه مالٌ كثير يكفيه لينفقه بالمرح معهم فهم شبان يحبون اللعب واللهو وخصوصاً مع الفتيات وذلك لا يناسب شخصية جونيل فهو لا يحب اللعب وإضاعة وقته في أمورٍ من المبكر جداً التفكير فيها إلى جانب أنه كان كثير النصح لهم و يمنعهم من أن يستمتعوا في الإسراف والتبختر ويحثهم على فعل الخير و هذا ما كان يغضبهم! فبدأوا بالسخرية منه ومن أفعاله الخيرية التي لا تتناسب مع عمرهم الطائش والإستمتاع بحياة الشباب وقضائِها في ما لا يرضي أهاليهم ولا يكفون عن التذمر منه كونه شابٌ ممل! ولا يعجبهم ، فإبتعدوا عنه شيئاً فشيئاً حتى صاروا يجتمعون دون منادته ففهِمَ جونيل أنهم لم يعودوا يحبونه وبدوره إبتعد عنهم بصمت دون أن يعاتبهم حتى! ، وكان حين يتذكرهم يقول: صدق من قال "أردت لهم الخير فأرادوا لي الشر!".
فعَلّت نظرة متعبة بوجه جونيل لأنه حقاً يشتاق لهم ولم ينسى أنهم كانوا في يومٍ ما أصدقائه ، و مع ذلك هو لا يشعر بالندم على فِراقهم لأن ذلك هو نهج الحياة الصحيح الذي يُصِرُ عليه ،
فلمِحهُ واحد من هؤلاء الأربعة وخرج من المقهى إليه ودعا أصدقائه ليسلموا على جونيل فهذا الفتى بقي على إتصال بسيط مع جونيل و لكن قلبه وحبه للمرح معهم منعه من أن يمشي مع جونيل ومثاليته فأحتضن الفتى جونيل ثم قال: كيف حالك يا رجل؟ وما الجديد في حياتك؟.
أجابه جونيل باسماً: في أحسن حال ماذا عنك؟ وماذا عنهم؟.
يشير إليهم ، فقال له الفتى: إننا بأحسن حالٍ كذلك سوف يأتون ليسلموا عليك.
فأتى الأولاد وسلموا عليه بحرارة ووجوههم الباسمة ترحب به بينهم فقال أحدهم: جون أهلاً بك صديقنا!.
وقال الآخر: أننا نتعشى الأن تعال وشاركنا!.
فقال جونيل: شكراً لكم جميعاً أعتقد أن رقمي مازال معكم أدعوني في وقتٍ لاحقاً فأنا مشغولاً الأن في فعل أعمالي المملة!.
وابتسم لهم ثم قال: وداعاً!.
وحياهم ومشى في طريقه وحين إبتعد عنهم أحسوا جميعهم بالذنب إتجاهه وروؤسهم مطئطة للأسفل فقال صديق جونيل الذي سلّم عليه أولاً: كل ذلك بسببكم!!.
فقال له آخر: لما لا تتبعه إذن! أنت جزءاً مما حدث أيضاً!! لا تلعب دور الطيب معه ومعنا.
فغضب صديق جونيل وتركهم ومشى ..

عندما تركهم جونيل كان متضايق جداً ومهموم البال ورأى محل يبيع الدراجات الهوائية ففكر قائلاً: هل أستطيع شراء واحدة بالمال الذي أعطاني رئيس العمل عندما طردني؟.
فدخل إليه وطلب من صاحب المحل: لو سمحت هل لديك دراجة هوائية سعرها رخيص أستطيع شرائها؟.
فقال له صاحب المحل: جميع الدراجات التي هنا غالية يا بُني ولكنني سأوصيك لورشة تصليح دراجات مستعملة وهناك لربما ستلاقي ما تريد.
رد جونيل باسماً: شكراً لك يا عم(^ ︶ ^). وأعطاه العنوان وذهب إليه وأستطاع شراء دراجة تبدو مستعملة ولكنها جميلة وسرَّ بها كثيراً ،
وسار بها إلى شقته ثم إستلقى على سريره ، وتنهدَ تنهيدةً عميقة أخرج بها جميع الهموم المعلقة بصدره وارتاح ،
ثم بلا قوة منه سقط نائماً ..

ملاكي الطيب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن