في بقعة من بقاع الأرض حيث تعبق رائحة الأدويه بالمكان و طنين الأجهزة الطبيه في تناغم تام مع دوريات الأطباء من حجرة لأخرى، تشهد على إجتهادهم الشمس المشرقه في الصباح حتى النجوم المتسلل ضوئها عبر النوافذ ليلا، هناً حيث أبرع طاقم طبي متواجد في إقليم ديسكورد "إقليم الشفاء" يخرج الدكتور ماريوس من حجرة المريض ليُجيب على إتصال هاتفي مهم من صديق الملك مارك
خاطبه المتصل المدعو فينيس: حسنا يا دكتور أردت تذكيرك بموعد المراجعة فحسب
أجابه الدكتور ماريوس بهدوء يضفي على شخصيته جانب من الحكمه: شكرا لإهتمامك أنا متجه للمطار فور إنهاء عملي، سأصل في الخامسة عصراً
أغلق الدكتور سماعة هاتفه فَقال السيد وليام في إضطراب: خذني معك هذه المرة بالي منشغل على السيد مارك لقد أطال في غيبوبته
عارضه الدكتور ماريوس بحزم: لا يمكن يا وليام وإلا جميع خططنا للإيقاع بِذاك الماكر داي ستفشل! عليك بالإحتجاب عن أنظارهم مؤقتا
زمّ شفتيه متداركاً الأمر: معك حق فلا ندري كم من الخونه يتربصون حول القصر! و إن رغبتي الملحّه في الذهاب نابعة من قلقي على مارك
صافحه الدكتور ماريوس بِحراره قائلا: أعرف هذا و سأذهب وحدي إلى المملكه
ودّعه وليام ثم أكمل أعمال التنظيف في المشفى متحسرا على الظروف التي آلت به إلى عامل نظافه في مشفى الإقليم بعد أن كان رجل مخابرات مهم في مملكة ايجل
.
.
بين ذرات الرمال الذهبيه التي تكسو الصحراء تحديداً في منزل بسيط له حديقه جرداء استقر فيه الأمير كارل مخبئاً حقيقة كونه ابن الملك سيلار الراحل و برفقته طفل ابن عمه الذي توفت والدته فور انجابه فلجأ به إلى هذا البيت كي ترضعه سيدة المنزل و بقي هو يعمل لديهم لِكسب لقمة العيش بعيدا عن الحياة الملكيه المترفه
يركض كارل مسرعاً يلاحق فتاةَ السابعة عشر مرتدياً ملابس رثيئه ملطخة ببقع من القهوة وتبدو ملامح الغضب جليّة على تقسيمات وجهه
جوليا تتهرّب منه بين زوايا المطبخ وتُردد بصوت منقطع محاولة إلتقاط أنفاسها: لم أقصد..صدقني
شدّ كارل كِم قميصها وقال يرص على أسنانه بقوه: إنتبهي أكثر في المرات القادمة
وقفت ترتجف أمامه خوفا ليُحدق بها مستغرباً ثم ابتعد فور دخول أم جوليا لتراهم بهذه الحال وقالت في حده مُتجهة نحو صنبور المياه: ألن تتوقفى عن الأفعال الصبيانيه؟
أجابت جوليا بنبرة هادئه على غير المعتاد: بلى كبرت ،هو من يتّخذ بأتفه الأسباب للشجار
تجاهل كارل قولها و صبّ جُلّ إهتمامه نحو أم جوليا و التعب قد أخذ نصيبه من ملامحها فَأردف متوترا: ان لم تتحسن حالته فسأضطر إلى السفر به للإقليم
تنهدت ام جوليا بلا حيله: الدواء الذي وصفه الحكيم لا يجدي نفعا لا يزال يسعل بشده
إستاء كارل و قال بعد لحظات من الصمت حازماً أمره: إذا سأذهب في الغد
أخفضت أم جوليا رأسها و قالت بإحراج منعها من مباشرة النظر في عينيه: لكن يا عزيزي نحن لا نملك ثمن التذاكر ناهيك عن المسكن والعلاج هناك
تقدم كارل نحوها مُقبلا رأسها بِحنان: لا ترهقي نفسك يا أمي، سأجد الحل و لو كان في الصين، فَكريس أمانتي و إني لا أقوى على رؤيته يتألم هكذا
قالت وهي تناظره بفخر: هذا الطفل الصغير يحبه الله كثيرا للحد الذي رزقه إياك بدلا من والده الحقيقي
ابتسم لها كارل بإمتنان و خرجت ممسكة بإناء الفوط لصنع كمادات كريس
توجهت جوليا صوب قدر الأكل لتطفئ الموقد بعد أن تأكدت من نضجه و قالت متحاشية نظرات كارل: فلتغير ملابسك بينما حضرت العشاء
قال كارل مُمازحا: ألا تدينين لي بإعتذار، على كلٍ سأسافر غدا
قهقهت جوليا: لا أذكر اوه ربما أنا آسفة لأنك لم تمسك فنجان قهوتك جيدا و تلطّخت ثيابك بسبب حماقتك
ضحك كارل بِخفه و خرج قائلا: لم أقبل اعتذارك
.
.
في مملكة ايجل يرقُد الملك مارك في قصره مستسلما تحت الأجهزة الطيبه مغمى عليه منذ أشهر أثر الصدمات المتتاليه التي صعقته و من حوله أكثر الأطباء شهرة متوترين حيال مرضه لم يستطع أحد تشخيصه بدقه فقط يبدو كالجثة التي تقاوم مصيرها المحتوم، دخلت روز بخطوات متثاقله إلى غرفة مارك و جسلت بالكرسي إلى جانب سريره ونطقت بصوت يملؤه الآسى والحزن ينافس صوت ضجيج الأجهزة الموجودة مناجدتاً إياه: انهض يا مارك لما أنت ضعيف لهذا الحد ! لم يبقى لي سواك هل تريد اللحاق بأمي و جميع الأموات؟ هل ستكون مثلهم تستسلم للموت بسهوله؟ آهٍ يا أمي ليتك تعودي أفتقد وجودك بجانبي،لما لم ترجعي لي بعد؟ ألم تشتاقي لنا؟ لما تركتيني لماذا؟ من سيجيب على أسألتي و يضيء عتمة حيرتي؟ أجيبي يا أمي إن كنت تسمعين مناجاتي!
امتلئت عيناها المنتفختان دموعا و أكملت: أولاً أبي ثم أنتِ و يارا
*ملاحظه : يارا هي زوجة السيد مارك الراحله.
بعدها كارل أتعلمين ماذا حدث لقد هرب ،تركني وحدي وهاهو مارك يتبعه
سقطت دمعتها الحارقة من عينيها فَدارتها بكِم قميصها و تابعت تُحفز ذاتها على الصمود: أمي أنا لن أضعف أعدك سأكون قوية مثلك سأسترجع أبي و أبرئُه من التهم الملقية عليه و لن أفقد الأمل في شفاء مارك وعندها سنتعاون معا لإيجاد كارل سنعيده للقصر شاء أم أبى
أحكمت الإمساك بيد مارك مقاومةً ذرف الدموع من عينيها و قالت في رجاءٍ منها: صحيح يا مارك أليس كذلك؟
عندها ضغط مارك على يدها ببطئ فشرعت عيناها و هتفت بدهشة: مارك !
أسرع الدكتور ماريوس بالدخول يُلقي نظرة على الأجهزة إذ به تلقى إشارة استجابة من جسده
قالت روز بفرح غمر محياها: لقد حرك أنامله يا دكتور شعرت به يضغط على يدي
قال الدكتور ماريوس مبتسماً بسرور: الحمد لله لدينا أمل كبير في شفائه
اندفعت روز تبحث عن صديقَه فينيس لِتُبشره بما حدث، تراجعت خطواتها قليلا و تبدّلت مشاعر الفرح إلى الإنكسار عندما سمعته يتحدث مع مخطوبته على الهاتف بإنفعال قائلا لها: أنا آسف لا أستطيع ..إن كان همُك في التفاخر بالهدايا سأرسل هديتك عبر البريد ..كيف ذلك وصديقي يصارع الموت في فراشه !
ثم قال بنبرة غضب حاده: يوم ميلادك يعوّض لكن صديقي ان حدث له اي مكروه لن اسامح نفسي على كل لحظه خلّفته ورائي و مضيت، أغلق هاتفه وأخذ شهيقا طويلا و زفر بِضيق ثم التفت خلفه مُتفاجئاً: روز !!
أنت تقرأ
حــكــايـــا الجُـــدران
Random"مُقْعَدَةٌ بَيْنَ سَلَاسَةِ الّصَفَحَاتِ حَتَّى نَكَثْتُ مَا تَكَتَّمْتُهُ عَلَى سَطْرٍ مِنَ الْإِرْهَاقِ أَبْلَيْتُهُ بِمَشَاعِرِي لِأَمْضِي إِلَى الْأَمَامْ " . نبذة عن الرواية ؛ بطلنا شابٌٍّ صقله الزمن و ردمَ ملامحه ، ترك أهله و عرشه فاراً إلى ق...