الجــزء الرابع

20 3 2
                                    

بكى سام بكاءاً لا قوةَ له و لا حيله، بكى حتى استنزف آخر قطرة ماء في جوفه ، سَتنتهي حياته و يضيع حُلمه و يترك ثقباً من الفراغ وسط مجتمعه ، جلس العم أنطوني على مقربةٍ منه و أخد يُربت على كتفه لِإبداء تماسُكه إلا أن دموعه قد خانته وشقّت طريقها نهراً عبر وجنتيه فَصاح بأعلى صوتٍ أطلقته حنجرته، صاح و بين حروفه تغلغل ِالدمع ، في قهر و ظلم و إنكسار: إلى الجحيم يا ظلمه ، ظالمين
تركهُم المحقق حتى يهدئَا و ذهب لِمقابلة رئيس الوزراء داي، بادر بِالتحية ثم أخبره بِإنكار سام لِلتهمه التي ألقاها عليه فَأسترسل داي في إستخفاف: بالتأكيد سينكر و يتظاهر بالبراءة أمام العدالة، هذه أول وسيله يمارسها المجرمون عند القبض عليهم
لم يقتنع المحقق و قال في احتجاج: سيدي نحن بحاجة إلى دليل كَسلاح مثلا أو أي شيء يثير الشبهات
تلوّى داي بِحديثه قائلا: لم يشهر سلاحه أمامي لكنه حاول قتلي عندما تظاهر بالإصطدام بي سهواً و دفعي على الأرض، لقد استغل فرصة خروجي من مبنى تصميم الأزياء لِوحدي ففِي ذاك الوقت كنت مستعجلاً و يبعد بيني و بين الحراس خطوات
أردف المحقق يهزّ رأسه بِإقناع: هكذا إذا سأعيد إستجوابهما!
رفع داي كيساً من المال يؤرجحه في الهواء مثل حركة البندول أو كَوسيله أخرى لِلتنويم المغناطيسي: متلهفٌ لرؤيتهم على حبل المشنقة كاللهفة التي تطل من عينيكَ الآن
التقط منه المحقق كيس المال و قال له مؤكداً: ما رأيك بالغد أو بعد الغد و يتِم كل شيء، دائما ما أتلهف لِمهامك أنا
إبتسم داي بِنصر: جيد، اجلب لي تقرير العجوز لا أريد أن اظلِمه هو الآخر
أعطى له المحقق ما طلب من معلومات و هو يقلّب كيس المال بين كفّيه فَتصنّع داي الضحكات المزيفة و غادر مع أوراق العم أنطوني تاركاً قلوبا ترتجف و يتغير حال أصحابها عشرون مرة في الثانية من مصيرهم الشرس، لما كل هذه القسوة يا داي؟ إنه لَنموذج شنيع من أفعاله !
.
.
على أبواب فجر يوم جديد قُرب حدود إقليم ديسكورد ، لا يفصلهم عنه إلا بضعة أمتار ، يحتمي كارل و جوليا و كريس بِحاوية مظلمة و مهترئه تملئها الحشرات و شِباك العنكبوت ، قال كارل بِنبرةٍ خافته و هو يْرقب محطة التفتيش المُصادرة لهم على الحدود: هناك خمسة من رجال الأمن
أردفت جوليا تلقي نظراتها عن كثب من التشققات على جدار الحاويه: أنظر ، إثنان منهم يبدو أنهم نيام
أتى كارل بِجانبها لِينظر بِدقه أكثر و هو يقول: أجل ، هؤلاء الثلاثه إما أن نُغافلهم أو نعبر الحواجز الشائكة
ازدردتَ ريقها و تمكّن منها الهلع و هي تقول: كارل أنا خائفة جدا
أجابها كارل يُخفي توتُره: اطمئني أنتِ خارج دائرة الخطر
جوليا: أنت و كريس !
أخذ كارل يروح إلى آخر الحاوية و يجيء لإلقاء نظرة على المحطة و التوتر مسيطر عليه: المشكلة في كريس أرجوا أن يتفهّموا الأمر وإلا سنتورط في مشكلة أكبر من تهريبه معنا، بوابة الإقليم مشدّدة و لا تسمح بِمرور المشتبه بهم في إثارة الشغب عندها من المحتمل أن ندخل السجن بدل المشفى !
أخذت جوليا تضمُ كريس إلى حضنها وتتأمل ملامحه، تُحكِم إحتضانه و كَأنه آخر لقاء بينهما
.
.
مع بزوغ الفجر نطوي صفحة الأمس بِما فيها من موت أو ولاده، و فرح أو حزن ، و في صفحة هذا اليوم يُسجّل إعدام سام في أول الأسطُر ، جرّوه إلى تنفيذ الحكم في مملكة ايجل و بذيهيّاً أول الحاضرين هو رئيس الوزراء داي لِيسمِّ بدن سام بِكلامه الخبيث: قبل موتك أودّ أن أعلمُك بِإمتناني لِكونك عبرة لغيرك من المتهورين
سام رفع زاوية فمه اليمنى كَنصف إبتسامة خالية من أي مشاعر و قال في ضعف: أين عمي أيها الوغد
ابتسم داي بِمكر حين أجابهًُ: ستلحقه بعد ثوان
شرع سام عينيه و أردف منفعلاً: ألن يصدر قرار العفوِ عنه !يالك من سفاحٍ خبيث !
ضحك داي ضحكته الخبيثه: انتم مجرد وسيله افرض بها نفسي في المملكه، يذيع خبر موتك بسبب محاولتك إلحاق الضرر بي، يخشاني الشعب و تزداد شهرتي، ولن أكتفي بِكما بل يزال هناك الكثير والكثير أولهم الملك كارل
علامات الدهشة تتسلل ملامح وجه سام عندما قال: السيد كارل !
ردّ عليه داي ساخراً: أجل ألا تعرف أنه يُقيم في منزل العجوز الخرف ذاك ، كلّه في سبيل السُلطه
قالَ سام بِحُرقه: لهذا استدعيته بالأمس لِتصل إلى هدفك الأساسي وهو السيد كارل وتظاهرت بالعفو عنه لكنك غدرت به و قمت بإغتياله !
قال داي في برودٍ: ذكي، لو لم تكن معلقاً على حبل مشنقتك لعيّنتك محققاً خاص
قابَله سام بلامبالاه و برود يخفى قهره و حرقة فؤاده: على كلٍ لن تتمكن من سفك دم الملك كارل بهذه السهولة أنا على يقين بأن الحقيقة لن تُخفى أكثر
انصرف داي قائلاً: لا تنسى أن تسلم لي على عمك
كأنّ كلمات داي صرّحتً لدموع سام بالإنجراف، مات عمه الذي بِمثابة والده المرحوم وهاهو سيلحقه، و لم يكترِث لِحرقته سوى حبل المشنقة الذي يضيق على رقبتهِ أكثر فأكثر حتى منعه من إختلاس الأكسجين، فأستعدّ لِلقاء بإبتسامه زيّنت ثغره و بين عينيه طيف والده و والدته و العم أنطوني يناديه بوجهٍ مشرق
.
.
" عوده لِما حدث ليلة الأمس "
:(( عندما اطّلع داي على تقرير المحقق حول العم أنطوني علٍم أنه من سكان الصحراء فَأخذ يستجوبه بِبعض الأسئلة كَطبيعة عمله و عائلته و غيرها عن صلة قرابته بِالشاب سام ، و ما لفت انتباهه معيشَة شابٍ غريب معهم ، و من ضمن ما قاله العم أنطوني و هو في حالة حادة من الذعر: انضم لِعائلتناّ الشاب و معه طفل صغير يقول أنه ابن عمه على ما أظن
سأله داي بنبرة حاده: كم يبلغ من العمر تقريبا؟
ابتلع ريقه و أجابه متوترا: كان صغيرا ربما من مواليد هذا العام ، و لم أداعبه إلا مرات محدودة فَكما تعلم أرتاح في منزلي لأسبوع واحد ثم أعود بقية الشهر للعمل هنا
صمت داي لِوهلة ينسج حبل أفكاره ثم سأله في شك: هل يُدعى ذاك الشاب كارل؟
أومأ العم إيجاباً ثم أضاف في تردد: هل تعرفه سيدي؟
__________________________
_________________

نعرف أن هذا الجزء بِرعاية داي و سام ، بس صوتوا لطفاً ♥♥:)

حــكــايـــا الجُـــدرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن