الجزء السابع عشر

4 0 0
                                    

مرّت أربعة أيام تحديداً لا شيء فيها يُذكر، عدا أن روز مستمرة بِزيارة والدها بِشكل يومي رغم أنها لا تجنِي سوى الشّك و الحيرة من إتهام والدها لِجدها و انقلابه المفاجىء على جميع العائلة بمحاولةٍ منه أن يشتت أفكارها و يضمّها إلى صفّه، إلا أن روز غير مرتاحة لما يحدث و قد مرّت عليها تلك الأيام بِضغط كبيرٍ أفقدها السيطرة على وضعها، نصحتها آن بِقطع زياراتها له و سماع أقوال الطرف الآخر من الأسرة حتى تكون على بيّنة و لا تظلم أحداً لكنها مُصممة على السعي وراء الحقيقة بنفسها، وفي هذا الوقت من الظهيرة كانت عائِدة من السجن إلى القصر فَتفاجأت بوجود مارك و فينيس و بدت متوترة أكثر لرؤية التعبير المنزعج على وجه فينيس الذي قال فور ما رآها: حللتِ أهلاً يا أنسة، كنا في إنتظارك .. أين كنتِ؟
أردف مارك حانقاً: تخرجِين بلا حرس و هاتفك مقفل ونحن منشغلون عليك، إنه عين الصواب يا بنت عمتي أحسنتِ فعلاً
أجابت روز متلعثمةً في كذبتها: كنتُ أزور إحدى الصديقات، ما بكم؟
أقبلت آن تلطفُ الجو بِنبرتها المرحة: روز هل أوصلتي سلامي إلى ساندي؟
تداركت روز الأمر و أجابت بإبتسامة امتنان لِصديقتها: أجل إنها مشتاقة لك كثيراً
و هكذا خفّت المشاحنة و تبادلوا الأحاديث حتى حان موعد الغذاء، ولج كل من آن و مارك للداخل و استقامت روز لتتبعهما إلا أن فينيس استوقفها قائلاً بنبرة متوجسة: لن تنطلي علي حيلتكِ يا روز؛ مكوثك في فورست لا يُريحني بتاتاً و أنت تتفسحين بدون حارس واحد على الأقل، حتماً تُعرضين حياتك للخطر!
قالت روز بإنزعاج و قلق: لماذا؟ ألا تحق لي الراحة؟
لم يسيطر فينيس على أعصابهِ و انفجر قائلاً: نعم لأنك فريسة سهلة، الخطف و الإبتزاز و القتل بأزهد الأثمان خصوصاً في فورست لدينا أعداء كُثر و أخطرهم أهل والدك ألا تفهمين!
ألجمت و شلّت حركتها فور سماعها جملتهُ الأخيرة و كأنها طعنةٌ أسفل المخيخ، صدى صوته يتكرر بين جدران رأسها و حالة من الضغط النفسي تلازمها منذ أن زارت والدها فهي في صراع بين تصديقه أم أنه يستغفلها، هل تستفسر من مارك أم أنه سيشك بها و يكتشف أنها تراسله، هل هي في المسار الصحيح أم أنها تجاوزت مبادئها، هل فينيس مهتم بها أم أنه مشفق على حالها، هل تتجرأ و تسأله أم دموع عارمة تصبُ من عينيها و شهقاتها تتعالى و صراخها الحاد دوى بالأنحاء
فزع فينيس و حاول تهدأتها عبثاً: إهدئي روز لم أقصد تضخيم المسألة، كل ما أرمي إليه هو أن تنتبهي على نفسك فقط
روز انهارت قواها و جثت على الأرض بضعف تلهثُ تساؤلاتها: لما كل اللوم يقع على أبي و عائلته أما أنتم الملائكة المسالمين دوماً؟، أنا لا أعرف عن أبي أي شيء سوى أنه انفصل عن أمي و أكمل عمره في الزنزانة، لما لا أحد منكم يخبرني عنه؟ تجحدونه بدون أي مراعاة لمشاعري، أتبغضونه لهذا الحد؟
جاء مارك و آن تعلوهُما علامة الإستفهام فأخبرهم فينيس جاثياً: يبدوا أني قسوتُ عليها بكلامي، دعوني معها من فضلكم!
صاحت آن بِعصبية مبطنة: مالذي قلته لها يا فينيس بِربك !
سحب مارك آن من ذراعها إلى الداخل مفسراً: ليس وقت إنفعالك يا آن دعيهما حتى تهدأ روز
لوت آن شفتيها قائلةً بعدم رضى: إن استمرت أكثر في البكاء أقسمُ أنني سألَقن ذاك الفينيس درساً لن ينساه
زفر مارك بإنزعاج: على رسلك يا آنسة!
كفكفت روز دمعها و طوّقها فينيس بذراعيه قائلاً بهدوء: منذ متى تتواصلين مع والدك؟
سرت قشعريرة بجسدها فأجابته و هي تمسحُ على وجنتيها المحمرّة: منذ وقت طويل
باغتها بِسؤاله: وكيف هي أحواله؟
أجابته بإستغراب و حزنٍ يتيم: ليست بخير
فينيس: لا بُد من الإطمئنان عليه إذاً، هل طلب منك زيارته؟
فوجئت روز للمرة الثانية رمقته بِريبة و قالت: من أخبرك؟
اقترب فينيس هامساً: علمت بنفسي منذ أن جئتُ للملكة و أنا أراقب تحركاتك
اتسعت زرقاويها بدهشة: ماذا !!
ألصق فينيس إبتسامة لزجة وهو يقول متحدياً: المماطلة لا تفلح معي، لذا من الأفضل أن تجيبِي
روز: طلب مني زيارته بادئ الأمر لكني تحجّجت ببعد المكان و استجاوب مارك المبالغ فيه بعدها بمدة فاجئته بزيارتي له أنا و آن، و هكذا لم انقطع عنه يوماً حتى أنني اضطررت للدفع إلى إدارة السجن بسبب زياراتي الدائمة
تنهد فينيس: روز؟
حدقت بِعينيه اللامعة و همست: اللعنة !
أضاف محدقاً بها: لمن نجى من سحر عينيك..

حــكــايـــا الجُـــدرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن