الجزء العاشر

2 2 0
                                    

و ما إن اقترب من الأرضيه حتى التقطته روز في فزع: ما بك آن؟
استمرت آن في نوبة الضحك و الدموع تُجر من عينيها، فَفتحت روز الهاتف تقرأُ المقال و الدمع يتسابق مع شهقاتها و هي تقول "تعرض الملك ليو لِحالة تسمم ألقت به إلى الموت"
فقدت آن توازنها و هبطت كَجثة هامدة على الأرضية لتُساق إلى عالم الاوعي بينما صدى صراخ روز يدوي بين جدران الغرفة تشاملت حطام صديقتها بحذرٍ شديد و نادت الخدم، أسرع جميعهم مُستفهمين عن سبب صراخها لتأمرهم بصوتٍ حاد يقاوم صوت شهقاتها المتقطع حزناً لأجل صديقتها: أحضروا الطبيب لعيادة القصر بسرعه
إمتثل من يخصهم الأمر لتلبية طلبها و تقدمت بعض الخادمات ليحملن آن و تخفيف الثقل عنها فقالت بِنبرة أشد من الصراخ: ابتعدوا أنا من يحملها، أنا و إن خانني جسدي فَبروحي أحملها، و إن لم تنصفها يداي فرموشي تُسعفها، ابتعدن !
ذهبت بجسدها المتثاقل محكمة الإمساك بصديقتها وضعتها على سرير العيادة و استلقت بجانبها، بدى الطبيب بإجراء الفحوصات و أردف يرش الماء على وجهها: معدل السكر منخفض، أهي من متلازمة داء السكري؟
نفت روز بِرأسها و قالت: لعلّه بسبب فاجعة اليوم فَالسيد ليو توفى!
فتحت آن عينيها العسليتين الغارقة بالدمع و ضغطت على يد روز بقوىً ضعيفه متهاونة، أسندتها روز على كتفها لتبقى جالسة و أشارت للطبيب بالخروج، مضت ساعات و هما على هذه الحالة لا يصدر منهما سوى تآوهات بكائهما حتى سُمع صوت طرقٍ متسارع على الباب يدُل على أن الطارق في لهفة للدخول فأجابت روز بلسانٍ مخدر تحت الصدمة: تفضل !
ألقى مارك التحيه متلعثماً في نطقه من كثرة تساؤلاته المداهمة فكرِه و تقدم بالتعزية: البقية في عمرك يا آن
بعد ثوانٍ من الصمت أجابت روز بصوتها الباهت: شكراً لك
تنحنح مارك ليقول بِأسى: حجزت لنا رحلةً مساء اليوم إلى مملكة فورست لحضور مراسم الدفن
أومأت روز إيجاباً بينما آن كتلةٌ حيه مزجت الصمت و الحزن و اليأس من الحياة، جمّعت أنواع الطاقه السلبيه لتحيط بها، كلما حاولت الهروب من الواقع تستعيد شريط الذكريات لوالدها التي من السهل أن تتحول لأمرّ ذكرى عند فقدان صاحبها، بدت أعصابها تتأرجح بين الوعي و الاوعي إنها تراه على السطح وهو يداعبها تلتف يميناً لترى طيفه يفتح الباب و يخبئ خلف ظهره الهاتف الحديث الذي وعدها به تتلفت يساراً ليلاحقها يغلق النافذة و ينصحها أن ترتدي ملابس أثقل لأن الجو أصبح بارداً و كأن عقلها و قلبها و جميع جوارحها تأبى فكرة أن والدها مات أو رحل، شعور أن تدفني الرجل الذي عاش طفولتك و مراهقتك بأدق تفاصيلها و جعلك مدللته تعِب هو لترتاحي أنت لتشربي و تأكلي أنت، سهر اليل و شقى في النهار ليوفر لك لقمة العيش و لِكي ترتدي ما يعجبك من الثياب، شعور أن تدفني الضلع الذي إتكئتي عليه و سندك الذي تعتمدي عليه أن يدفن والدك يعني يدفن معه صوت الرجوله الملحن بالحِن أن يدفن معه أصدق حضن أن يدفن معه العطاء البلا مقابل أن يدفن معه شعور الأمان لدى كل أنثى بعمق مبسّط أن يدفن معه رغبتك بالحياه، فكّرت لحظتها لو أن والدتها على قيد الحياة كيف سيكون رد فعلها؟ هل ستحزن على زوجها بقدر حزنها هي على والدها؟ ربما إن كانت حيّه لتقاسمت معها ألم فراقه و ساعدتها على إطفاء لهيب قلبها ربما تستشعر مدى حزنها، أغمضت عينيها لتلتصق أطراف جفونها ببعض و كأن أعيننا بحاجة ماسّه لحضن الجفون بعد كل دمعه تحجرت داخلها لتهدأ و تستسلم لرغباتنا في الهروب من الواقع إلى دنيا الأحلام حيث كل شيء من رسم مخيلتنا و بعد حوالي ثلاث ساعات و بصعوبة فائقة عادت إلى الواقع تنشطت حواسها للإصغاء لمن تخاطبها يبدو هذا الصوت الناعم قد إعتادت عليه مسامعها منذ الصغر ففتحت عينيها بِبطئ شديد مستوعبةً ما تقوله روز
روز: آن حبيبتي لا تسمحي للحزن بالتراكم داخل قلبك اصرخي و نادِه بأعلى صوتك، لا تترددي في القفز أبدا عبري عمّا تشعرين به و اطردي جميع الطاقة السلبية المحيطة بك
توقفت لثوان معدوده لكي تمسح أثار الدموع و أكملت: حان موعد إقلاع الطائرة أريد منك أن تكوني قوية أمام الكل، فما أكثر الشامتين و على النقيض من القلة هم الصادقين!
نهضت آن من فراشها متمايلة الخطوات أسندت يدها على كتف روز ليمضيا معاً
.
.
و في هذه الأوقات فُتح باب المزرعه المحتجز فيها كارل فانتفض ذعراً لسماع أصوات العصابة تقترب شيئاً فشيئاً، خطواتهم مترنحة و يهذون بكلماتٍ غير مفهومة أخيرا وصل أولهم تفوح منه رائحة كريهة أدرك كارل أنهم سكارى فور مجيئ البقيه ممسكين بِزجاجات النبيذ، شدّ أحدهم ياقة قميص كارل بعنف و تمتم: لما لازلت حي! مُت قبل أن نرتكب مزيداً من الجرائم بسببك
صفعهُ الآخر مرددًا بِبطئ: كل ما نحن عليه هو بسببك أنت و عائلتك القذرة هل هذا يرضيك؟
تنحنح كارل بحذر شديد: لما؟ ما الذي فعله أفراد عائلتي كي تنتقموا منهم بِتعذيبي !
تقدّم الرئيس بخطى واهنة و ضحك بسخرية ثم أردف متسائلاً: تتغابى! إذاً دعني أنشط ذاكرتك و أنفض الغبار المترسب على عقلك الضئيل هذا
ضربه بخفة على رأسه و أكمل حانقاً: عداوتكم مع فورست السابقة و الحرب التي شنّها جدك و جد الكونث نحن من ندفع ثمنها غالياً .. تشرّدنا في المقرات و أجبرنا على التواطئ معهم لحماية أنفسنا، تركنا عائلاتنا و أشغالنا ليُزج بنا بين قضبان المقر .. من يقتل أكبر عدد من الضحايا يُكافؤ بأجرٍ لائق لأهله، ومن يعارض لا يُقتل بل يظلُ تحت التعذيب الوحشي حتى يلقى أجله ..

حــكــايـــا الجُـــدرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن