في طريق السفر تعالت أصوات البكاء في سيارة الأجرة، احتضنت جوليا كريس محاولةً تهدئتِه و إلهائه بشتّى الألاعيب لكنها لم تُفلح فاشتدّ السعال و تفاقم الوجع لِيبكي الصغير معبرا عمّا يشعر، فقال كارل للسائق بِتذمر: زِد من سرعتك في القياده، نحن مستعجَلون
ظهر عدم الرضى على السائق عندما قال: سنصل فجر الغد، تريّث يا رجل !
زفر بضيق ثم أردف يُدير ناظريه إلى المقعد الخلفي صوب كريسً: لعلّه جائع أنا أيضا أشعر بالجوع !
رمقته جوليا بِقسوه و قالت آمرةً إياه: ناولني دوائه من الحقيبة بجانبك
فتّش كارل عن الدواء الذي وصفه الحكيم لِكريس فيما سبق من ثم ناوله لجوليا التي أخرجت من حقيبة الظهر خاصتها تفاحتان و أعطته واحدة: خذ هذه
سألها وفي نظراته الشك: من أين أتيتي بها؟
أجابته ساخرةً: لا تخف ليست تفاحة سندريلا حتى تُسممَك
ظلّت تقهقه حتى استوقفها كارل بِصوت حاد: جوليا فَلتنصتي أريد أن أحادثك بشأن كريس
جوليا: أسمعك
إلتصق كارل بِمسند المقعد و همس في تردد: عندما نصل للإقليم لن أستطيع مُرافقتك للمشفى لذا عليك ألا تتعاملي مع الدكتور ماريوس فهو حتماً إن كشف على كريس سَيميزه من شامته هذه الموجودة على عنقه
رمقته جوليا بِشعورٍ بالخوف سيطر على ملامحها المُتصلّبه و تشابُك يديها بعشوائيه ،خوفها من ألا تكون كفؤاً ،سألته أخيرا: لما؟
أجابها كارل و في همسِه تحذير: لأنه على معرفة وثيقة بِوالد كريس و سيُسلمه لعزرائيل موته
شهقت بذعر: لكن ما ذنب هذا الطفل الملائكي !
كارل: قصه طويله المهم الآن أن تمتثلي لما قلته
أمالت برأسها تُحدق في كريس بِحزن و تمتمت: حسناً أنا هنا لأجلك أخي الصغير
.
.
داخل القصر الملكي بينما يجلس الدكتور ماريوس مع فينيس و روز مُقابل الشرفة المجاورة لغرفة مارك، يراقبون غروب الشمس و يتحدثون حول وضع مارك الصحي ،أمطرهم الدكتور بكلمات الأمل التي تبث الطمأنينة في نفوسهم بينما في غرفة مارك فتح الملك عينيه بتثاقل يستفيق من غيبوبته الطويله، غير مُدرك كم من الوقت أمضاهُ نائماً فأخذ يلتفِت يمينا و شمالا يتمعن في الأجهزة المتصلة بجسده و تابع سريان الدم من الأنبوب مُتدفقاً إلى وريده من قارورة معلقة قربه ،تسائلً بين نفسه: لم أذكر أنني قد مرضت في يوم الأمس أم تُراه أثر الإجهاد بعدما دخلت يارا لغرفة العمليات فقد بالغتُ في التفكير ليلتها ! تُرى هل أنجبت يارا طِفلنا أم إنها لاتزال تحت العمليه!، ثم قال في إستغراب: لكن لما تحاوطني هذه الأجهزة الطنانة؟
تقاعد على السرير و بدا في نوبة نداءٍ على زوجته المتوفاة منذ ما يقارب الستة أشهر و عندما سمعه من في القصر انطلقوا لِغرفته مسرعين و ملامحهم من سرعة اللحظه لا تُفسر، فتح الدكتور ماريوس باب الغرفه قائلا: سيدي حمداً لله على سلامتك
أجابه مارك ولا يزال الإستغراب يستحوذ عليه: ماريوس هل أتممت العمليه؟
عقد الدكتور حاجبيه ليُجيب: سيد مارك هل انت بخير؟ أي عمليه تقصد!
مارك: أجل بخير و أريد نزع هذه الأنابيب عنّي
قاطع حديثه تلك الإبتسامه العريضه التي داهمته عندما لمح فينيس على الباب و قال في لهفه: أهلا بك فينيس طال غيابك و مدّده الإشتياق، متى عدت من سفرك؟
إقترب فينيس و الفرح يغمر ملامحه: منذ مدة و قد كنت أنتظر شفائك بفارغ الصبر
أردف مارك متسائلاً: شفائي !! مالذي حصل في هذا القصر أخبروني؟ و كيف هو حال يارا بالأمس كانت متعبه و أريد الإطمئنان عن طفلنا هلاّ أزحت هذه الأنابيب يا ماريوس !
تبادل كل من الدكتور ماريوس و فينيس نظرات القلق و الاستغراب اما روز فانخرطت في بكاء مرير و تراجعت للخلف تكتم شهقاتها قبل أن تدخل للغرفة
قال مارك بنفاذ صبر: ماهذه النظرات المُخيفه يا ماريوس؟
أجاب الدكتور ماريوس مُتهرباً من حيرة مارك: سيدي عليك أن ترتاح في فراشك لبعض الوقت لأجل صحتك سنتركك لترتاح "أشار لفينيس بأن يتبعه وسبقه بالخروج"
انسحب فينيس قائلا: أستأذن منك الآن أراك في وقت لاحق
شعر مارك بصداع شديد فجأه و همس لنفسه محتاراً: هل كنت مغيباً عن الوعي و لِفترة طويله؟ لما يتصرّفان بِغرابه !
خارج الغرفه قال الدكتور ماريوس في حزن بليغ: اتّضح أنه يعاني من فقد جزئي للذاكرة..
أنصت له فينيس بإهتمام لِتنفيذ تعليماته ثم قال الدكتور ماريوس في نهاية حديثه: أنا عليّ العودة للإقليم و سَأبعث الطبيبة التي تابعت معه بالسابق إن ساءت حالته النفسيه أما ذاكرته من الأرجح أنه سيسترجعها تدريجياً بتذكر المواقف اللطيفة التي تجمعكما ولكن إحذر ذكر السيدة يارا رحمها الله لأن وفاتها السبب الرئيسي لتعرضه للصدمه
أومأ فينيس: حسناً سأحاول و لابد أن يستفق من أوهامه
ربّت الدكتور ماريوس على كتف فينيس قائلا: أجل أنا ذاهب الآن ،لا داعي لِتوصيتي بِشأنه
ابتسم فينيس وهو يقول بِثقه: بالطبع لا تُوصى الأم بمولولدها و كذلك أنا لا توصني بِوليد قلبي
.
.
في قسم الشرطة حيث يجلس العم أنطوني و سام في إنتظار إستدعائِهما وتحديد مصيرَيهما من قِبل داي، اندفع المحقق يقول في حدة: أنطوني و سام آل ريت البطاقة الشخصية
إرتعبا خوفاً عند سماع إسميهما ألا وهو ما كانا ينتظرانه منذ المجيء، أعطاه سام البطاقتين فأردف المحقق: جئت لطرح بعض الأسئلة و أريد أجوبة واضحه، أولاً من هو سام؟
وقف سام مُجيباً إياه بِإرتباك: أنا سيدي الشرطي
قال المحقق وفي نظراته إستحقار: أنت مُتهم بمحاولة إغتيال رئيس الوزراء!
أكمل بإبتسامة ساخره: لا يدل مظهرك على رجل يُقبل على حمل سكين حتى !
صُعق العم أنطوني وسام من كلامه فأندفع سام قائلا بِإرتجاف بينما نبضات قلبه فاقت المعدل: لا مستحيل أنا ماذا؟ إغتيال وقتل لا لا أجرؤ مستحيل مالذي تهذي به؟
أردف العم أنطوني بهدوءٍ ينفي إستيعابه: أعِد ما قلته لو سمحت لابد أن هناك خطأ ما تشابه في الأسماء مثلا !
المحقق: لست هنا لأستمع إلى مرواغاتكم هذه التهمة موجهة من رئيس الوزراء ذاته
إرتجف جسد سام تلبيةً لِإرتجاف قلبِه، حتى ساقيه لم تعد تحمِلانه فَجثى على ركبتيه وانهمرت الدموع من مقلتيه، حتماً إنها نهايته لا مفر سيُجر لِحبل المشنقة ظلماً لا محالة سيُعدم بلا أي ذنب اقترفه و تُسلب منه الروح في ربيع حياته، كيف يُطاوع هذا المحقق و ذاك القاضي قلبه على فعل هذا أما رئيس الوزراء فَقد تحجّر قلبه قطعاً !
أنت تقرأ
حــكــايـــا الجُـــدران
Random"مُقْعَدَةٌ بَيْنَ سَلَاسَةِ الّصَفَحَاتِ حَتَّى نَكَثْتُ مَا تَكَتَّمْتُهُ عَلَى سَطْرٍ مِنَ الْإِرْهَاقِ أَبْلَيْتُهُ بِمَشَاعِرِي لِأَمْضِي إِلَى الْأَمَامْ " . نبذة عن الرواية ؛ بطلنا شابٌٍّ صقله الزمن و ردمَ ملامحه ، ترك أهله و عرشه فاراً إلى ق...