الفصل الثاني عشر

516 15 1
                                    

الفصل الثاني عشر
_________________
أمِيلُ بقَلْبي عَنْكِ ثُمّ أرُدُّهُ ،وأعْذِرُ نَفْسِي فيكِ ثُمّ ألُومُها
_ البحتري

أُبلغ سلامي إليكَ وبعد ..!
حان وقت العودة إلى أسرتي ، نسخة جديدة مني أحاول فيها التماسك كي لا تجرفني السيول إليك مرة أخري ، وبجواري أحدهم قد تكون معرفتي به قصيرة لكنه يمثل لي أمانًا لم أعرفه في وجودك
لا أعرف سر شعوري هذا نحوه لكنه أعجبني..!
أتمني أن تجد أنثي تشبهك ، تكمل لك النقص داخلك
حتي لا تري غيرها في حياتك أبدًا ، تعطيك مالم أعطِك أنا إياه ، لذا كن حريصًا في إختيارك هذه المرة حتي تجد مسكنك ،لن أُطيل عليك الحديث فآخر ما أريده هو اضطراري لرؤياك مجددًا
التوقيع : فاتنة
اللقب أنثي كنيتها مطلقة تاريخ صلاحيتها انتهي منذ مدة وحان وقت النهاية بالنسبة لك أما أنا فمازلت أتعلم المشي وأولي خطواتي كانت اقتلاعِك من روحي وإلقاء ذاك اللقب وتلك الكنية في وجهك
____
الكسور مختلفة ومهما كانت أشكالها تكون النتيجة واحدة فهي في النهاية تسبب الألم ، كسر ذراعك أو ساقك لا يختلف كثيرًا عن كسرة القلب فالروح تميل لمن يُهديها بلسمًا يُطيب جراحها ، يخرج علقم الألم من جوفها ، أن تستند برأسها علي كتف من اختارته سندًا فلا تجده سرابًا ، الروح تميل لمن يحنو عليها ، لمن يخبرها أنها ستصبح أفضل رغم عاداتها السيئة ، لمن يخبرها أنها الأجمل رغم كل ندباتها ، لمن ينظر لها نظرة تكفيها وتشبعها كأنه يخبرها أنها أعظم إنجازاته.

أراد كسر الصمت بينهما فـ الطريق طويل من الواحة للقاهرة لكنه سعيد بالسفر معها رغم التعب ورغم الجهد هو مسرور بـ كونه جوارها ، أدار المذياع في السيارة ليجد أغنية أعجبته كثيرًا فقام برفع الصوت أكثر ليجذب إنتباهها

"يا فاتنة يا اللي إنتى شيئ مش من هنا
يادنيا فى الدنيا وربيع يشبه لجنة ربنا

يا فاتِنَة يا اللَيّ إنتى شَيْئ مِشّ مَن هُنا
يادنيا فِي الدُنْيا وَرَبِيع يُشْبِه لَجَنَّة رَبّنا

إنتى الوحيدة اللي الزمن واقف لوحده في بعدها
مستنى تضحكلى يعيش
انتى اللي فى وجودك آمان خلاني عايش من مفيش
لانك ناسي وحكايتي

وكل كلامي في قصايدي
وكل الدنيا دي بتمشي
لإنك جنبي يا هايدي

إنتي الأمل والمحتمل والمستحيلة الممكنة
أنا إنتي وإنت كمان أنا

أنا بس عايزك تفرحي
دا اليوم دا يوم ب 200 سنة
يا فاتنة

إنتي الأَمَل وَالمُحْتَمَل وَالمُسْتَحِيلَة المُمْكِنَة
أَنّا إنتي وإنت كَمان أَنّا

أَنّا بَسَّ عايِزكَ تُفْرِحِي
دا اليَوْم دا يَوْم ب 200 سُنَّة

يا فاتِنَة "

بينما هي كانت تائهة في تخمين ردود أفعال عمتها ما أن تراها أمامها حتي وصل لها صوت المطرب وهي يغني يا فاتنة بصوته العالِ فانتفضت تنظر سريعًا نحو شهاب لتجده ينظر لها ويبتسم وهو يدندن بكلمات الأغنية مع المطرب ويغمز لها بمرح ما أن يصل إلي اسمها المذكور في الأغنية لتضحك هي علي أفعاله الصبيانية ليشاركها الضحك وكأي أنثي أصيلة
"مصرية" جذبها اسم " هايدي " في الأغنية لتقدح عيناها شرارًا وهي تنظر له بغيظ تسأله : هو المطرب دا بيغني لإتنين ...!!
تعالي صوت قهقهته أكثر بينما هي غيظها يزداد فالأغنية أعجبتها كثيرًا لبدايتها بإسمها لكنها الآن أصبحت تكرهها لـ وجود اسم فتاة غيرها بينما هو مستمتع للغاية وهو يري غيظها من مجرد أغنية
ليسمع صوتها الغاضب : ممكن تبطل ضحك
هدأ قليلًا ثم برر لها وجود اسم الفتاة في الأغنية قاصداً إثارة حنقها أكثر : هايدي دا اسم حبيبته بس هو بيغنيلها وبيقولها يا فاتنة يعني مش بنتين هو وصفها بإنها فاتنة من حبه ليها وبيتغزل فيها بأنها أجمل بنت شافها في حياته
أنهي حديثه بهمسه بإسمها ولم تسمعه لكن تدرج وجنتيها بالأحمر أعجبه للغاية فهي شعرت بالحرج قليلًا لكن غضبها ما زال موجودًا لتصمت لحظات
حتي أتاها صوته ضاحكًا : علي فكرة هايدي دي تبقي اخته مش حبيبته
صمتت قليلًا ثم ما لبثت أن شاركته الضحك ليصمت هو وينظر لها بهدوء يراقب خلجاتها ، صوتها ، إبتسامتها ، ضحكتها ، خجلها ، نظرة عينيها وهي تهرب بعيدًا عن مرمي عينيه المُربكة لها وهو يبتسم لتلاحظ هي توقفه عن الضحك فتنظر له تجده يتفحصها لتتلاقي العيون في حديث أبلغ من أي حروف بلغة خاصة وإشارات خفية وتقارب وتجاذب وإختلافات يتوقف عندها الزمن ، كتلك الموجات بين قطبي مغناطيس وما بين جذب وطرد سقطت الفاتنة في فخ العابث دون أن تدري وهو لا يعلم هل وجد أخيرًا قهوته الخاصة أم أنها عابرة سبيل مرت علي قلبه دون أن تترك به أثرًا سوي عبق القهوة العربية ورائحة القرفة الممزوجة بالزنجبيل والحبهان مع البن لتعطيه نشوة خاصة بقهوة خاصة ، شعرت بالخجل فأخفضت عيناها وأبعدتهم عن مرماه وبإرتباك واضح أرادت أن تخلق حديثًا : تفتكر يولاندا وقيس هيعملو مع بعض ايه
صمت ثوانٍ ثم زادت قهقهته أكثر وهو يردف : هيموتو بعض باين ، مش قادر أنسي اللي حصل الصبح وهي بتقوله " شيل إيدك من علي كتفي أحسن أخليها توحشك " مش أجنبية خالص دي واحدة عايشة حياتها كلها في مصر القديمة
أجابته بعفوية دون أن تنتبه لحديثها : محدش قاله يحط ايده علي كتفها يستحمل اللي هيجراله دا غير ان يولاندا نزلت مصر أكتر من مرة وبتتكلم مصري كويس جدًا
اتسعت عيناه من الصدمة وظل عقله يردد تلك الجملة التي سمعها توًا " نزلت مصر أكتر من مرة "
وهو يسأل نفسه مرارًا : طب ازاي وليه تنزل مصر وكانت بتعمل ايه بالظبط ..؟؟
يعلم بداخله أن صديقتها لن تبوح له بالمزيد لذا آثر الصمت في الوقت الحالي ، وهو يقسم ألا تنتهي تلك الرحلة إلا وهو يعلم كل أسرارها المخبئة داخلها
بينما هي لم تنتبه لما تفوهت به وأكملا تذكر ما حدث بين قيس ويولاندا في الصباح وهما يضحكان ،
ففي أثناء خروجهما من الفندق لتوديع فاتنة وشهاب توقفا قليلًا وتعانقت الفتيات ليفعل الشباب المثل
ثم تحدث شهاب بأمل داخله من وجود صديقه جوارها إلا أنه كان ظاهرًا جليًا علي وجهه وهو يعلم أن صديقه أكثر من يأتمنه عليها : خلي بالك من يولاندا يا قيس
وما فاجأهم هو وضع قيس يده علي كتفها وهو يربت بخفة ويردف : متقلقش دي في عيني
حينها نظرت له يولاندا بغضب وهي ترفع إحدي حاجبيها وهي تقول : شيل إيدك من علي كتفي أحسن أخليها توحشك
نظر لها قيس بدهشة ثم أبعد يده سريعًا بينما شهاب وفاتنة غارقان في الضحك ، ظلا هكذا طيلة الطريق يتحدثون ويتذكرون مواقف مضحكة لطفولتهم أو شبابهم حتي وصلوا أخيرًا ، نظر لها يحاول فهم ما يدور داخلها لكن كل ما وجده هو بعض من الحنين والإشتياق ممزوج بالخوف من القادم ليمسك كفها بين أصابعه وهو ينظر له بعينيه يطمئنها أنه جوارها مهما حدث .
_________
كنتُ الظلام فأهديتني بريقًا
كنتُ الغمام فأعطيتني سبيلًا
كنتُ أنا الماضي وكنتِ أنتي حاضري ..
فأضحينا مستقبلاً منيرًا..
صنعنا لأنفسنا عالمًا من الزهور ، يضيئه القمر والنجوم ، فأضحينا في ليلة قلائد وعطور
أعطيني يداكِ وأنصتي للموسيقي ، دعينا نتحرك مغمضينَ ، بلا أسئلة وجدال ، بلا أي نزاع يفرقنا
اتركينا لسحر اللحظة ودعي عيناي تخبركِ ألف قصيدة
قد لا تجذبكي منها سوي واحدة تكفيني لأري الخجل عليكي منيرًا

ضلع أعوج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن