ضلع أعوج

الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر
_______________
إغضبْ كما تشاءُ..
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..
كلُّ ما تقولهُ سواءُ..
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي
نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..
إغضبْ!
فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ
إغضب!
فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..
كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً..
فإنَّ قلبي دائماً غفورُ
إغضب!
فلنْ أجيبَ بالتحدّي
فأنتَ طفلٌ عابثٌ..
يملؤهُ الغرورُ..
وكيفَ من صغارها..
تنتقمُ الطيورُ؟
إذهبْ..
إذا يوماً مللتَ منّي..
واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمتُ كبرياءُ
والحزنُ كبرياءُ
إذهبْ..
إذا أتعبكَ البقاءُ..
فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ..
والأعين الخضراء والسوداء
وعندما تريد أن تراني
وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني..
فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..
فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..
وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ..
إغضبْ كما تشاءُ
واذهبْ كما تشاءُ
واذهبْ.. متى تشاءُ
لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ
وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ...
_نزار قباني
__________________
"ودارت الأيام
ومرت الأيام
ما بين بعاد وخصام
وقابلته ....نسيت إني خاصمته
ونسيت الليل اللي سهرته
وسامحت عذاب قلبي وحيرته
ما اعرفش ازاي ازاي ازاي أنا كلمته
ما أقدرش على بعد حبيبي
أنا ليا مين أنا ليا مين إلا حبيبي"
أنغام ساحرة وصوت أم كلثوم يشدو في الصباح مع رائحة القهوة العطرة وفتاة صغيرة ذهبية الشعر تجري في حديقة المنزل تلهو مع قطتها وهو يمسك كوبه من القهوة يرتشفه بإبتسامة ويحتضن بذراعه الآخر زوجته ، كاثرين تلك الفاتنة الإنجليزية التي وقع في غرامها من أول نظرة تشابكت فيها عيناهما ومن وقتها لم يفارقها يومًا حتي تزوجا وأنجب منها زهرته الصغيرة تلك الجميلة اللامعة من تنير حياته بإبتسامة وقبلة صغيرة علي وجنته كل صباح منها ، حرص علي تعليم زوجته العربية حتي لو لم تتقنها لكنه أراد تعليمها ليُنشأ ابنته علي لغته الأم ولم تعترض كاثرين أبدًا فعشقها له لم يكن هينًا أبدًا ، مرّ علي بقائه في تلك البلاد الغريبة سبعة أعوام ، كان يقضي شهرًا من كل سنة إجازة في بلاده مع عائلته ثم يعود مرة أخري .
ذلك الألم الذي يغزو صدره من فترة لأخري ، سره الدفين لا تعلمه زوجته بالطبع وهو يخشي ردة فعلها إن علمت ، بداخله هاجس يخبره أنها ستتركه لا محالة وحينها سيفقد حياته بالتأكيد فهي أنفاسه وزهرته الصغيرة نبضات قلبه وإن حدث وفقد أيًا منهن ... فمرحبًا بالعذاب ..!
"قابلني والأشواق في عنيه سلم
سلم وخد إيدي في إيديه
وهمس لي قالي الحق عليه
نسيت ساعتها بعدنا ليه
فين دموعي للي ما نامت ليالي
بإبتسامة من عيونو نسهالي
أمر عذاب.... وأحلي عذاب
عذاب الحب..عذاب الحب للأحباب
مقدرتش أصبر يوم على بعده
ده الصبر عايز عايز صبر لوحده"

يجلس في غرفة مكتبه بالمنزل تتجول حوله أنغام الموسيقي يصاحبها صوت " الست " ، يمسك بألبوم صور كان آخر ذكري يأخذها قبل رحيله وإختفاء كلتاهما من حياته ، مازال وقع كلماتها يرن في أذنه ، يهبط علي قلبه بلا رحمة يجعله ينزف أكثر وأكثر
يتذكر جيدًا هذا اليوم الذي حُفر في عقله بكل تفاصيله ، كان عائدًا من عمله بيده باقة ورد من الأوركيد الأبيض نوعها المفضل وبيده الأخري شوكولا لصغيرته وهو يبتسم بحب ما أن وجد صغيرته تتعلق بساقه فور دخوله المنزل ليرفعها ويقبلها ثم يعطيها الشوكولا ويسألها بحب : يولا حبيبتي ماما فين
أجابته بإنجيليزية :
she's in the room a whole day .. dad
_ هي في غرفتها طوال  اليوم .. أبي
ابتسم لها وهو يطمئنها أنه سيجعل والدتها تبتسم وتلعب معها أيضًا لتهديه قبلة علي وجنته رغم قلقه من حديث الصغيرة إلا أنه رفض أن يظهر قلقه لها ، أنزلها لتسرع هي نحو قطتها تطعمها قطعة من الحلوي ليضحك علي المشهد المتكرر يوميًا أمامه والصغيرة تطعم القطة من أي شيء تأكله هي ، تركها وصعد نحو غرفته ليجد زوجته تجلس علي فراشهما تضم ركبتيها إلي صدرها وتبكي بخفوت ، أقلقته هيئتها تلك ليقترب منها مسرعًا وما أن اقترب ووضع يده على كتفها حتي انتفضت من مكانها مبتعدة وهي تغمغم بكلام لم يفهمه ليسألها بقلق : كاتي حبيبتي  مالك .. انتي كويسة
رغم لغتها الضعيفة في العربية إلا أن كلماتها اخترقت قلبه مباشرة : انت كذاب عز ... وأنا كرهتك
ابتلع ريقه بقلق ليقترب منها مرة أخري يحاول أن يهدأها ليفهم لكنها صرخت فيه أن يبتعد قبل أن يلمسها ليبتعد عنها قليلًا لتعاود هي حديثها بنبرة متألمة : أنا عملت ايه عشان تخون كاتي عز ... أنا حبيتك بس انت كذاب وخنتني ، خنت ثقتي فيك عز
دارت بداخله الكثير من الحكايات والشكوك فأردف بهدوء : حبيبتي أنا مش فاهم حاجة ومش عارف قصدك ايه أرجوكي اهدي وفهميني
نظرت له بألم لترد عليه بنبرة ساخرة :
your wife has called you today, and guess what your son also missing you
_ لقد اتصلت بك زوجتك اليوم ، واحزر ماذا ابنك يشتاق إليك أيضًا