الفصل الخامس عشر

1.2K 16 7
                                    

الفصل الخامس عشر
_________________

الوطن هو المكان الذي نحبه ، فهو المكان الذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل فيه.
- أوليفر وندل هولمز

الحكاية لم تكن يومًا مجرد " فضفضة " بل هي أكبر من هذا ، تلك الدولة كانت منذ قديم الأزل ملاذًا للجميع أو بالأحرى هي مستنقع لكل غريب ، يبحثون عن المدخل عن البدايات ثم مرحبًا بالإستعمار ، لها تاريخ عميق حتي ما لم يُذكر في كتب التاريخ أو كتب عنه الماضي فهناك بين حبات ترابها ستجد حكايات كثيرة وأقدامًا وطأت أرضها أكثر ، مهما سرد العالم عنها فلا بد من وجود بعض الحكايا والقصص المخفية ، إن بحثت عنها وتعمقت في تراثها ستجد تلك الأسرار الغارقة في قاع النهر ، المشكلة ليست في البحث عن تلك الأسرار بل في كتمانها رغم أنه يبقي الحل الأفضل أحيانًا هو الكتمان ، ليست كل الأسرار قابلة للبوح وذكريات تلك البلاد منحتني كثيرًا من عطاياها وأهدتني عطورًا تعلّق بها قلبي ، ربما لم أمكث فيها الكثير إلا أنه العبق المختزن داخل خلايا الناس والمتغلغل في تراب الأرض هو من يدفعني ربما للبقاء ، حتي وإن ابتعدت وعدت حيث أتيت فإن الحب سيبقي والذكري ستظل خالدة للأبد .
تبقي قلوبنا معلقة بكلمة وطن ندور ونبحر ونطير جوًا إلا أننا نعود حيث الوطن ، ليست كل أرض تخطو عليها أقدامنا تكون وطن ، فالهجرة وُضعت لتلغي فكرة الوطن ، ستخبرني أن الطيور تهاجر في كل فصل وتصنع لها بيوتًا في كل جذع شجرة تقابله
ولكن هل أنت طير ، ألديك أجنحة ترفرف بها ، أم أن جلدك تغير لريش ، الحقيقة أننا كلنا طيور نرفرف من مكان لآخر ، نبحث عن ملجأ ، عن ملاذ ، عن حب يستوطن قلوبنا ليكون المكان حينها وطن
والحقيقة أن أغلبنا بلا وطن ...!
لنغلق علي أنفسنا تلك الصومعة ونبحر في رفوف التاريخ عسي أن نصل لنهاية تلك الحدود التي تعطينا سببًا للبقاء أحياء علي تلك الأرض ، مهما شعرنا بعدم الإنتماء .
أكملت الكتابة علي حاسوبها وهي تنسج بكلماتها خيوط مختلفة عن معني الوطن وعن أهميته العظمي في حياتنا ، ظلت هكذا حتي الظهيرة فهي منذ استيقظت صباحًا ولم تجده في الغرفة رغم أنها تتذكر جيدًا طلبها منه مساءًا ليبقي معها إلا أنها لم تهتم لرحيله لذا بدأت في القيام بعملها وعقلها لم يمهلها الفرصة في الإبتعاد عنه فهو بين حين وآخر يأتي علي ذكره لتنفض شعرها بجنون وكأنها تُخرجه من رأسها ، شعرت بالتعب فقررت الذهاب إلي غرفته التي يشاركه فيها آدم لتصطحبه إلى قرية شالي لمقابلة رحيم وصفا فهي طلبت منه الحضور ليساعدهما ويعالج صفا فوافق بحب دون أن يبدي أي رفض ، قررت الإتصال برحيم أولًا لتخبره بحضورهم لم يرد عليها في المرة الأولي وفي الثانية أتاها صوته الباكي وهو يخبرها بوفاة خالد ابن العم لتغلق معه سريعًا وهي تقرر الذهاب لتأدية الواجب والبقاء مع بسمة ، هي لا تعرف من خالد إلا أن اسمه تردد أمامها لتعلم أنه خطيب بسمة تلك الفتاة الصغيرة الرقيقة ، بدلت ثيابها سريعًا بأخري مناسبة للعزاء وخرجت من غرفتها تغلقها خلفها ، وصلت أمام باب غرفتهما وقبل أن تدق الباب سمعت أصواتهما العالية في الحديث ليلفت إنتباهها سماعها لإسمها يتناقل بين ألسنتهم لتقف مكانها متجمدة تستمع لباقي الحديث وعيناها ألف حكاية يسطرها الكاتب بين مشاعرها المختلفة من الصدمة للألم ثم هذا الصقيع الذي ينعكس داخل مقلتيها ، أغلقت عينيها قليلًا وهي تستعيد ثباتها ثم اقتربت من الباب بثقة وطرقت عليه بقوة كأن شيئًا لم يكن ، ثواني وفتح لها قيس الباب والذي أدهشه رؤيتها في هذا الوقت أمام بابه فهي كانت واضحة صباحًا عندما أرسلت له رسالة تخبره أنها ستبقي في غرفتها لتري ما الجديد في قصتها وبالطبع لم يفته نظرتها الباردة ليسألها بقلق : يولاندا ، خير في حاجة
صمتها الذي دام لحظات أقلقه إلا أن ردها الجاف أصابه بالذعر : اجهزو عشان رايحين بيت الشيخ صادق ، ابن اخوه وخطيب بنته استشهد ولازم نروح نعمل الواجب ، أنا مستنياكم تحت انجزوا
تحركت من أمامه بهدوء أثار ريبته ليدخل غرفته ينظر لآدم بحيرة الذي سأله : مالك يابني فيك ايه
نظر له بقلق وهو يخبره : يولاندا كانت هنا وبتقولنا نجهز عشان رايحين قرية شالي
آدم بلا مبالاة : وإذا
نفي قيس وهو يخبره : لا كان فيها حاجة مش طبيعية بالمرة ، متغيرة عن امبارح جدا
أقلق آدم بحديثه ليرد عليه : تفتكر سمعت كلامنا ولا حاجة
أصابه الشرود وهو يجيب : مش عارف، خلينا نجهز عشان نروح شالي ، هي مستنيانا تحت عشان نتحرك
أومأ له الأخير ليتحرك كلاهما في الغرفة يبدلان ثيابها ليلحقا بها في الأسفل ويتحركا قبل أن تغضب عليهما فهي مزاجية للغاية ، تتغير حالتها في لحظات
تُشعرك بالراحة والأمان لتنقلب بعدها في لحظات إلي إعصار يدمر الأخضر واليابس ، قد تراها مختلفة إلا أنها ليست بهذا القدر ، هي فقط أنثي ... كذويها
_____________
انتهت الرحلة علي ما يبدو وهبطت الطائرة في المطار تُعلن عن وصول الغائب ، العائد بعد زمن تنازل أخيرًا ونزل من برجه العالي ليستقر جوار الحبيب ، لم يندهش أبيه ما أن رآه وكأنه كان يتوقع عودته الآن ، عينيه أظهرت مدي إشتياقه ولهفته ليكون بين ذراعي أبيه في لحظات يحتضنه ويقبل يده بحب ليري تلك النظرة في عيني أبيه أخفض أنظاره أرضًا كمن سقط في الفخ ، أنقذه من تساؤلات أبيه صوت أمه وهي تهتف به فرحة بينما يداها سلكت طريقها لتضمه إليها بلهفة وهي تقبل وجهه وتهتف : زيد ، حبيبي أخيرا يا قلب أمك ، أخيرا يا حبيبي
وسط قبلاتها وفرحتها بقدومه ، ابتعد هو بخفة وهو يردف بهدوء حاول به مداراة قلقه : أخبار خالي صفوان ايه ومرات خالي وكل العيلة وو
قاطعه أبيه بحزن وهو يخبره : هيكونو عاملين ازاي يعني ربنا يصبرهم ويريح قلوبهم ، يلا بينا يا ولدي عشان نروح العزا ، أنا كنت رايح وأنا بفتح لك الباب
رد عليه بحماس : طب يلا بينا
أتاه الإعتراض من طرف والدته وهي تطلب منه الراحة قليلًا من عناء السفر والذهاب إلي سرادق العزاء ليلًا إلا أنه رفض رفضًا قاطعًا وهو يخبرها : مينفعش يا أمي لازم أكون هناك عيب اوي لما ارتاح وابن خالي عزاه منصوب
تحرك هو وأبيه إلي بيت الشيخ صادق حيث يُقام العزاء فحالة صفوان والد خالد ليست علي ما يرام لذا قرر الشيخ صادق أن يكون العزاء في منزله هو لحقت بهم أمه بعد مدة قصيرة تجتمع مع النساء ، استقبله رحيم في البداية وهو يحتضنه رغم الألم داخله من وفاة خالد ليتبعه الشيخ صادق بالإبتسام قليلًا وهو يُسلم عليه ليقبل زيد يده بإحترام ليقف عامر جوار الشيخ صادق وزيد بجوار رحيم ليسأل رحيم بهدوء : هو خالي صفوان فين انا مش شايفة يعني في العزا ، طمني هو بخير
أجابه رحيم بخفوت : للأسف لا ، خالك محجوز في المستشفي من ساعة ما سمع الخبر كنا عنده من شوية وسيبنا عزيز هناك ياخد باله منه وإحنا رجعنا هنا عشان العزا
أومأ له زيد بصمت ووقفا كلاهما يأخذان واجب العزاء ، بعد مدة انضم قيس وآدم للمُعَزين ليستقبلهما رحيم والشيخ صادق ويجلسا بالقرب منهم
بينما يولاندا دخلت عند مجلس النساء وهي ترتدي بنطال أسود يعلوه قميص أسود وتربط شعرها للخلف علي هيئة ذيل حصان ، اقتربت منها صفا وهي تشير لها أن تتبعها حيث تجلس مع باقي النسوة بعد أن حيتها بخفوت سألتها يولاندا عن بسمة لتجيبها بألم وحزن : بسمة في أوضتها من ساعة ما عرفت الخبر وهي تعبانة ومش راضية تكلم حد
أضافت يولاندا بهدوء : طب ممكن تاخديني عندها لو سمحتي يا صفا
ردت بخفوت : حاضر
غيّرت صفا طريقها للأعلي حيث غرفة بسمة تتبعها يولاندا بصمت سرعان ما كسرته يولاندا وكأنها تذكرت شيئًا ما : ااه صفا ، أنا آسفة جدا وعارفة إن الظروف متسمحش بس حبيت أعرفك إن دكتور آدم هنا ، وصل إمبارح ، أنا بس حبيت أعرفك عشان ممكن أسافر قريب ومش هبقي موجودة الفترة دي بس هو هيكون مكاني هنا تقدرو تتواصلو معاه وإن شاء الله ربنا يرزقك بالخير
شكرتها صفا بحب : أنا حقيقي مش عارفة اقولك ايه ، انتي بتساعديني من غير مقابل حتي ، ربنا يسعدك دايمًا ويفرح قلبك يا بنفسج
ابتسمت لها يولاندا بهدوء علي اسم بنفسج الذي دائمًا ما يناديها به الشيخ صادق لصعوبة نطقه حروف اسمها الغربية ، طرقت باب الغرفة فلم يأتيها رد لتفتحه صفا ويدلف كلتاهما للداخل ليجدا الغرفة مظلمة وبسمة متكورة في فراشها وضع الجنين وهي تبكي بإستمرار ، خرجت صفا من الغرفة لتبقي مع حماتها في الأسفل بينما اقتربت منها يولاندا تجلس جوارها وهي تشفق علي حال الصغيرة ثم رفعت يدها تربت ببطء علي شعرها لتنتبه لها بسمة وترفع عيناها المتورمة من البكاء والتي خالط لونها العسلي إحمرار الدم ، احتضنتها وهي تبكي بينما يولاندا تحاول أن تهدأها قليلًا لكنها أذعنت في النهاية لها وتركتها تفرغ ما بداخلها من البكاء وعندما وجدت أنها لا تتوقف بعد مدة بدأت هي بالحديث : تعرفي وأنا صغيرة أهلي اتطلقو وبالرغم من اني كنت متعلقة ببابا أوي إلا أنه سابني ومسألش فيا كأني مش موجودة حتي ، بعدها كبرت ودخلت ثانوي كان عندي صاحبة أقرب من أختي أو تقدري تقولي هي فعلا أختي ، كانت اكتر واحدة وقفت جمبي بعد موت ماما وانا لوحدي البنت دي ماتت قصادي ، كنا بنعدي الطريق وعربية خبطتنا أنا دراعي اتكسر وقعدت فترة في المستشفي لكن هي ماتت قبل ما توصل المستشفي حتي ، مامتها وقتها كانت بتلومني علي موتها كأني انا اللي قتلتها مع اني كنت معاها في الحادثة أصلا لكن هي مشافتش كدة وقتها بعدت عن الكل خفت من العلاقات ، خفت اني أقرب من حد ويموت أو يبعد عني ما عدا آدم كان بيفرض نفسه علي حياتي لحد ما بقي الشخص اللي مقدرش أستغني عنه هو أخويا اللي بجد دايمًا واقف معايا مش بيسيبني لحد ما صدفة جديدة جمعتني بفاتنة وبقيت هي كمان جزء مهم من حياتي ، بس هي كمان اتجوزت وهتبعد عني وآدم كمان متجوز بس خلاص هانت ... هانت أوي وكل حاجة هترجع لأصلها ، أنا مش عارفة ايه اللي بقوله أو حتي ليه بقول كدة بس اللي اقدر اقوله ان الدموع مش بترجع ميت لو تقدر ترجعه كانت رجعت ناس كتير اوي خليكي قوية عشان نفسك وأهلك وعشانه هو كمان هو اكيد معاكي دلوقتي وحاسس بيكي يمكن حتي شايفك دلوقتي تفتكري لو هو موجود هيعجبه اللي انتي عاملاه دا
بصوت مختنق من البكاء ونبرة متحشرجة خرج صوتها أخيرًا وهي تردف : قالي انه بيحبني وان دي احتمال تكون آخر مهمة ليه مفهمتش كلامه وقتها كان كل همي امشي بسرعة من قصاده قبل م حد يشوفنا ، احنا اه مخطوبين بس عاداتنا مش بتسمح بوقفتنا حتي مع بعض ، وقتها قالي ان ربنا بيحبه أوي عشان حطني من نصيبه ، مكنتش أعرف أن دي آخر مرة هشوفه هو كان حاسس وكان بيودعني حسيت ده في كلامه بس كدبت نفسي قلت أكيد انا غلطانة ما هو دايمًا بيروح مهمات ودي طبيعة شغله وبيرجع بالسلامة اشمعنا المرة دي يعني انا هتفائل بالخير وان شاء الله ربنا هيرجعه ... أنا حسيت بيه ، حسيت ان قلبي اتقبض وانا نايمة بس قلت لنفسي ان مش هيحصل حاجة وهيرجع مكنتش اعرف انه بيروح مني وقتها .... أنا حبيته صح ؟؟
صمتت قليلًا تلتقط أنفاسها بين شهقاتها التي لا تنتهي ودموعها التي لا تنضب ثم عادت للحديث مرة أخري : لما قالي بحبك يا بسمة من زمان أوي من وقت ما كنتي بضفاير ضحكت ، وقلت في نفسي هو أنا كنت غبية اوي كدة ازاي وان خالد طول عمره بيحبني وانا اللي مكنتش اعرف ، كنت قافلة قلبي بمفتاح ومستنية فارس أحلامي اللي هييجي بقي يخطفني ويخليني أطير فوق السحاب ، مأخدتش بالي ان الفارس دا طول عمره قدامي وانا مش شايفاه كنت ببعد عنه بإرادتي مكنتش حابة ارتباطي بيه شايفاه في صورة غير اللي انا عايزاها لحد ما قلبي دق ليه من قريب قلت بس انا كنت غلطانة هو دا اللي انا مستنياه هو الشخص اللي انا بحلم بيه حبيب ليا بس فوقت متأخر أوي حتي ملحقتش أقوله اني حبيته كمان وراح وسابني ، أنا حبيته والله حبيته وقلبي دق ليه
أجهشت بالبكاء وهي تعود لنوبة أخري مطولة من البكاء لتحتضنها يولاندا أكثر وهي تمسح علي شعرها بحنان لفترة حتي هدأت وسكن جسدها لتجد أنها غفت من التعب ، وضعت رأسها علي الوسادة ودثرتها جيدًا ثم خرجت من الغرفة ، هبطت للأسفل مرة أخري فاقتربت منها صفا ما أن رأتها لتبتسم هي لها بلطف وهي تخبرها : متقلقيش نامت ، سيبيها ترتاح شوية وهتبقي كويسة ان شاء الله
قضت مع صفا اليوم حتي منتصف النهار وهي تجلس جوارها قليلًا ثم يتحركان سويًا لتجهيز القهوة للنساء
حتي استأذنت أخيرًا للرحيل ، خرجت أمام المنزل لتجد قيس بإنتظارها خارج السيارة وآدم في داخلها نظرت له ولم تنطق بحرف لتفتح الباب لنفسها وتصعد مكانها بصمت ليرتاب هو أكثر من صمتها هذا
في الطريق رن هاتفه وكان المتصل شهاب يخبره بأنه سيأتيهم غدًا ليُفاجأ بها تخرج عن صمتها أخيرًا وهي تخبره ببرود : قوله ميجيش احنا مسافرين القاهرة بكرة
نظر كلاهما لها بصدمة علي ما تفوهت به بينما هي نظرت للنافذة بشرود وكأنها لم تلقِ لهم قنبلة موقوتة منذ لحظات ، تبادلا النظرات القلقة وتعابير وجهها المبهمة لا تدل علي شيء ، عقله يضج بالكثير من الأفكار وهو لا يقدر أن يحدد ما تفكر هي فيه هذه المرة ، يعلم انها ليست غبية وأن عقلها لا يمكن اختراقه ، أغمض عينيه لوهلة وهو يدعو الله أن يمر الأمر علي خير ، لم يختلف آدم عنه الكثير فهو يعلم صديقته جيدًا ويدرك أنها لا تفعل شيئًا بدون سبب
وأن العاصفة اقتربت وحانت لحظة النهاية أو ربما هي بداية لرحلة جديدة من يدري
________
شهاب يعلم ، شهاب يدرك أنها أخته بالفعل ، شهاب أخفي الأمر سرًا عن أبيه ، شهاب يظن أنه قادر علي إعادة الشمل مرة أخري ، شهاب مخطئ فـ نيران الشوق تحرق أبيه وهو صامت ..!
أن تحترق بـ نيران نيتك الطيبة أسوأ من أن ترتكب الجرم ، وهو حاول ووصل إلي حل إلا أنه لم يُرضِ أبيه في النهاية ، طلب منه البحث عن الأخت المختفية منذ أعوام وإرجاعها المنزل إلي حضن أبيه وشغفه بـ جمالها وإشتياقه لإحتضانها لكن الطريقة لم تكن الأفضل ربما ..!
يجلس في غرفته بعد أن حادث قيس وأخبره بـ مجريات الأمور ثم قنبلة يولاندا التي ألقتها علي مسامعه وهي تخبرهم بقدومها للقاهرة وهو يفكر أي رياح ستأتي بها هذه المرة ، تذكر ثورة أبيه ما أن أخبرته فاتنة أنه المرافق لها وليولاندا في رحلتهم في البلاد ، كان واقفًا أمام باب الغرفة متصنمًا بعد جملتها ليلتفت أبيه مصدومًا نحوه لا يصدق إخفائه الأمر عنه وقبل أن ينطق أو يبرر موقفه هاجمه أبيه بغضب ربما يراه لأول مرة في عينيه المشتعلة وهو يصرخ في وجهه : انت تعرف مكانها ومتقوليش ليه
أنا غلطت اني طلبت منك تدور علي أختك عشان تعمل كدة هي دي آخرة ثقتي فيك ليه عملت كدة وانت عارف اني نفسي أشوفها وأخدها في حضني قبل ما أموت عايز تبعدها عني تاني ليه
أنهي آخر كلماته بتعب وصوت خافت وهو يشعر بـ جسده يتهاوي ليقترب منه شهاب سريعًا ويساعده في الجلوس علي أقرب كرسي ويجلس هو أمامه علي الأرض يضم كفّي أبيه بين يديه ويخبره بكل شيء : أنا آسف يا بابا ، أنا  عارف انت مشتاق ليها قد ايه ونفسك تشوفها بس هي اتغيرت مبقتش الطفلة الجميلة اللي انتي سبتها من سنين وراجع دلوقتي تدور عليها ومستني أول ما تشوفك تحضنك وتقولك يا حبيبي يا بابا ، لكن للأسف لا يا بابا هي مش كدة دلوقتي ، كان لازم قبل ما أقولك اني وصلت ليها أعرفها الأول عشان خفت عليك منها  ، خفت تأذي مشاعرك أو تكون حياتها برا غيرتها ، قررت اني هعرفها علي اني شخص غريب وبعدين أقرب منها وواحدة واحدة أدخلها حياتنا عشانك بس هي مدتنيش الفرصة ، طلبت من قيس يساعدني وفعلا بدأنا خطتنا اننا نرجعها ليك بس وكانت أول خطوة هي رجوعها مصر ودا اللي حصل هي آه في مصر لكن بعيدة ، أنا آسف اني خبيت عليك يا بابا بس اوعدك قريب هرجعهالك من تاني بنتك اللي بتحبها
يغمض عينيه بتعب وهو يفكر في القادم وهل حقًا ستنجح خطته أم أنها فاشلة من البداية ، دخلت فاتنة الغرفة وهي تنظر له بشفقة فهو يبدو تائهًا بما فيه الكفاية حتي شعر بوجودها ليلتفت لها بإبتسامة أشعلت وجنتيها خجلًا وهي تقف بالقرب من الفراش تفرك يديها كطفل خائف من عقاب والدته بعد أن كسر أحد أكوابها لتبدأ هي الحديث : آسفة ، مكنش قصدي اعمل مشكلة بينك وبين عمي
نظر لها وللطفها هذا وهو يخبرها : حصل خير كدة كدة كان هيعرف وعز طيب مش هيزعل مني كتير أنا عارفه متقلقيش
شجعها هدوئه في تقبل الأمر أن تجلس جواره علي الفراش وتطلب منه السفر إلى الواحة لرؤية صديقتها ليخبرها : مش محتاجين نسافر في حتة يولاندا وقيس جايين القاهرة بكرة
نظرت إليه بدهشة وهي فاغرةً فاهها : إيه ، طب إزاي
رفع كتفية للأعلي وهو يخبرها بنفي : ولا اعرف انا كنت بكلم قيس وبقوله هنسافر بكرة سمعتها بتقوله أنهم هم اللي جايين وربنا يستر
ابتسمت بهدوء وهي تخبره : إن شاء الله خير ، يولاندا مفيش أطيب منها علي فكرة وجدعة فوق ما تتصور هي بس محتاجة تطلع الأفكار الغلط اللي في دماغها وتصفي قلبها وذهنها وقتها مش هتبعد عنكم أبدًا ، هي  محتاجة تحس بوجودكم جمبها الأول وبعد كدة هتلاقيها يولاندا تاني غير اللي انت شفتها
أغمض عينيه وهو يعلم السبب في هكذا أفكار برأس أخته ويتمتم : يارب عدي اللي جاي علي خير
ابتسامة شقت وجهها لا تدري لها سببًا سوي أنها تنظر له وحسب ليفتح عينيه وهو ينظر نحوها ليجدها شاردة ليقرر مناوشتها وهو يضرب يدها بخفة ، أفاقت من شرودها علي حركته لتجده يبتسم بتسلية وهو يغمز لها : ايه للدرجة دي شكلي حلو
احمرت وجنتاها خجلًا علي تلميحاته لتنظر أرضًا فيقترب منها أكثر وهو يضمها لصدره بحنان يقبل رأسها بحب وهو يهمس لها : بحبك اوي ربنا يخليكي ليا ، أنتي أجمل صدفة حصلت في حياتي
أغمضت عيناها بإستمتاع من اعترافه لها لتغفو علي صدره وقلبه يضرب تحت أذنها كعازف لاقت موسيقاه إستحسانها بشدة بينما هو شارد في القادم وما ستحمله السفن إلي مرساه هذه المرة
__________

ضلع أعوج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن