"مرّ شهرين وهو لا يُريد تركَ غرفه المكتب ...يذهب إلي الشركه ويأتي مُتأخرًا ومن ثم يعزل نفسه في نفس الغرفه "
كانت ليل مُستلقيه علي الكنبه واضعه رأسها علي قدم جدها وهو يمسد علي رأسها ليُجيبها
" جربتي الحديث معه ؟"
لتُجيبه بغيظ " كُلما حاولتُ الحديث معه لا يرد علي أو ينظر لي حتي ..وعندما أعترض طريقه عند ذهابه إلي تلكَ الغُرفه اللعينه يتحول وكأنه وحش ويصرخ بي ويُرعبني ...حقًا بتّ أخاف منه ولا أعلم كيف التعامل معه "
ليرتسم علي وجه الجد إبتسامه مُرتعشه فقلبه أزداد عمرًا وأرهاقًا بعد موت حفيده ولكن هو كان أكثرهم تماسكًا ..
" أنا أقصد أنكِ حاولتِ الحديث معه بلين وعقلانيه "
لتعقد حاجبها " قُلت لكَ أنني حاولتُ التحدث معه ورفض "
"إذًا لتُجبريه علي سماعكِ وأدخلي له من ثغراته "
أعتدلت ليل وجلست بجانبه تعير كل أنتباهها لجدها " كيف؟! "
تنهد الجد " غيث من النوع الذي لا يُحب إظهار ضعفه ..في مُعظم الأحيان يُحاول كبت مشاعره فتتراكم وتزيد عن طاقه تحمله حينها يظهر عليه علي هيئه غضب ، برود ، لامبالاه .... وبالتالي يعزل نفسه كي لا يؤذي من حوله "
لتجيبه ليل بذهن شارد " ولكن برغم كُل هذا إنه يخاف علي من حوله لذلكَ يعزل نفسه كي لا يجرح الأخرين ..أي أنه يخاف علي مشاعرهم ..."
ليبتسم الجد ويومئ لها " تحليلاتكِ أوصلتكِ لهذا إذًا ليس صعب عليكِ أن توجدي ألمه وتجعليه يخرج عما بجوفه "
لتبتسم وتردف بحماس " بالتأكيد فحتي إن امتلئت الزُجاجه عاجلًا أم أجلًا سينفجر غطاء الزُجاجه مخرجًا كل ما به "
ليومئ لها مُبتسمًا" حان الوقت لأفراغ الزُجاجه "
لتقبله من خده بحماس وتذهب ركضًا
" شكرًا جدي " ليبتسم لها ومن ثم دمعت عيناه علي حفيده الذي أُقتطِف وهو في زهره شبابه****************
" كُنتَ أنتَ دائمًا السند لي ..كُنتَ لي الأخ والأب والصديق وكُل شئ بحياتي "
" أخي، لقد تخرجت وأصبحت مُهندسًا ..لن أترككَ بِحالِكَ فقد أصبحنا مُهندسين مِثل بعضنا "
"كُنت أريد أن أظل حيًا حتي تتزوج وأكون مسئولًا عن حفل زفافكَ وأقوم لكَ بتلك الفقره التي خطط لها ولكن من الجيد أنني سأذهب كي لا أراكَ تتزوج الفتاه التي لم يعشق قلبي غيرها "
"أشتقتُ لكَ أخي ، متي عُدت "
"أخي، لقد حصلتُ علي تذكرتين للشاطئ هل ستذهب معي ؟"
"كُنت تحيطني بخوفكَ من طيشي ..كُنت أنتَ الحائط الذي أميل عليه عندما أنكسر "
"أعدكَ أنني سأمُر بهذا المرض وأُشفي منه "
"لا تحزن فأنا سأكون بعالم أخر بدون حزن وألم "
أخذ جسده ينتفض من فرط إنفعاله وخياله الذي عكس علي واقعه...لينتفض في ذعر لينظر حوله ليجد نفسه في غرفه مكتبه ومستلقي علي الكنبه أخذ يلهث من شده إنفعاله وأفكاره وذكرياته التي أصبحت مرافقه الوحيد ليسمع صوت طرق علي الباب
"غيث أأنت بالداخل "
إنه صوت ليل الذي بات نادرًا ما يسمعه ..أصبح تائها لا يعلم أين هو وإلي أين يذهب لا يعرف نفسه ..قرر ألا يرد عليها بالتأكيد ستمل وستذهب حينما لن تسمع ردًا...شعر بجوفه مُتحجرًا لينهض في ثُقل ويذهب إلي زُجاجه المياه المتواجده أعلي مكتبه ليسكبها في كوب زجاجي .. لَم تكف ليل عن الطرق وهذا أزعجه فهو يشعر وكان الطرق داخل رأسه ..سقط الكوب الذي كان مُمسكًا به علي الأرض ليتهشم وتتناثر شظاياه في كُل مكان ..لتشهق ليل في فزع من أن قد أصابه مكروه لتزيد من الطرق
" غيث أأنتَ بخير ...غيث أفتح الباب "
ليزمجر غاضبًا " بخير "
هدات قليلًا لتقول بخفوت " هل من المُمكن أن نتحدث قليلًا "
شرب من الزجاجه مباشرتًا ومن ثُم ذهب وجلس مره أُخري في صمت
"علي الأقل أخرج وحدثني لا تتركني هكذا أُحدث نفسي"
كان ينظر أمامه في شرود تام في عالم أخر مشوشًا غارقًا فيه ..
جلست ليل أمام الباب وأولت ظهرها مُستنده عليه
"حسنًا يا غيث إن لَم تُريد الخروج فأنا لن أذهب حتي تخرج حتي لو بقيت في الداخل لأسبوع وها أنا سأجلس مُتربعه أمام باباكَ حتي تخرج"
صمتت قليلًا عندما لَم تجد ردًا تنهدت وقد بدئ اليأس يتسلل إلي قلبها أكملت بحزن
"الناس يأتون ويرحلون يا غيث ..الحياه سلسله من الترحيبات والوداع ...فهناك وافدون يدخلون إلي حياتنا علي غير المتوقع ويرحلون أيضًا علي غير المتوقع ودون أدني سبب ...بالتأكيد إنها حكمه من الله بأن يخرج من حياتنا ..رُبما هناكَ سبب ما خفي نحن لا نعلمه أو درس سنعلمه في المستقبل ..إعلم فقط أن كُل شخص له دور في الحياه وعند إنتهائه سيرحل ..جميعنا سنرحل يا غيث ..تقبل أن من يصل إلي حياتكَ ليس مقدرًا له أن يبقي معكَ إلي الأبد "
جذبت أذنه تلكَ الكلمات التي لكمت قلبه وأوجعته وأرجعت نبض ألمه الذي يحاول إخماده طوال تلكَ المده
وهي من ظنت أنها ستوقظ ألمه كي يخرج ما عنده لتوقظ هي ألمها لتُكمل وعيناها مليئه بالدموع
"أعلم أن فقد الأحبه صعب ..وأنا أشعر بهذا أيضًا فأنا عاشرت مُصطفي وربما أكثر منكَ حين كنت بالسفر ولكن مايُهونّ علي أنه ذهب وهو علي وجهه أبتسامه رضا ..ذهب ولَم يعد يُعاني من هذا المرض اللعين ..لا تُفكر أنه هكذا سعيد لوصولكَ لهذه الحاله لا تدع الأكتئاب يبتلعكَ ويوصلكَ لحاله لا شعور ..لا تجعله يسيطر عليكَ حارب وأعلم أن الله معكَ وأنا من بعده والعائله جميعها معكَ سنحارب معكَ ولكن لا تستسلم هكذا "
أخذ جسده ينتفض في إنفعال ليصرخ وهو يلقي زجاجه المياه بالحائط
"كُفي عن الدخول إلي رأسي "
أنتفضت في فزع وقلبها ينتفض بين أضلعها فحالته تؤلمها رغم أنه ليس أمامها فهي تخيلت شكله لتكمل وهي تشعر أنها علي الطريق الصحيح لجعله يخرج كُل الطاقه السلبيه التي برأسه
" حطم ، إكسر، أصرخ ولكن لا تظل علي تلكَ الحاله فقلبي يؤلمني عليكَ صدقني "
هدئ عندما سمع نبره صوتها المؤلمه فقد كان بمثابه أسواط تجلد قلبه ليذهب ويجلس في هدوء عِند الباب مستندًا ظهره عليه ويردف بألم
"ولكن أنا من تسبب له بكُل هذا الألم ..لو لَم أعد مره أخري كان بالتأكيد سيسعد ..لو لَم أحبكَ لكان الأن يهنأ بحياته فرحًا ..أنا أصبته بالتعاسه لذلكَ لَم يقاوم مرضه ورحل ...كُل من أحبهم ويقتربون مني تُصيبهم لعنه من الألم والحزن .."
لتجيبه بلهفه لأستجابته لها وكأنها تُنقظ غريقًا
"ماحدث قد حدث ..لِمَ تلوم نفسكَ فهذا عُمره لو لَم يرحل بهذه الطريقه فمقدر له أن يذهب بطريقه أُخري ..القلق لن يفيدكَ ..إنه يضيع وقتكَ وطاقتكَ العقليه فقط ..قلقكَ وخوفكَ لن يغير من الماضي أو المستقبل هو فقط سيؤثر علي حاضركَ ...سوف يُتعبكَ كثيرًا كُل هذا.. التسائُل والشك وجلد الذات ما هو إلا وسيله لتدمير صحتكَ العقليه ..أنظر إلي الجانب المُشرق ..إنه ذهب وهو فرح وراضي عن أيامه التي عاشها ..إحمد الله أنه أعطاكَ الحكمه والرزانه في التفكير وقدره عقلكَ علي تغلبه علي قلبكَ ..لو كُنت شخص أناني ومتهور لكُنت خسرت أخيكَ وحولت حياته لجحيم بإختيار حُبكَ عليه ولكنكَ تعاملت مع الموقف بحكمه وصبرت وتركت القدر هو من يُخطط لكَ طريقكَ دون التلاعب به ..أنت شخص عظيم يا غيث...أرح ذاتكَ وكُف عن التفكير بأشياء عقلكَ الباطن صورها لكَ لأنها ستدخلكَ في دوامه من المعارك لن يخسر فيها أحد غيركَ ........كُل شئ سيكون بخير ..صدقني.."