الفصل الأول

3.5K 37 2
                                    


كان يقف مستندا على الباب يتأملها وهي منكبة على مكتبها... شعرها منعقد علي هيئة ضفيرة تصل الى منتصف ظهرها و ترتدي نظارة طبية تخبئ جمال عينيها ... رفعت رأسها من على الورق عندما شعرت أن أحد ما يراقبها وجدته ينظر لها بهيام فاحمر وجهها قليلا و نظرت له ... تنحنح بحرج و تقدم من مكتبها ثم مد يده ببعض الأوراق و هو يقول:
-"أنسه ديما ... السيد نبيل أرسل إليك تلك التصاميم كي تطبعيها"...
أجابته بعملية
-"حسنا سيد خالد سأنهيهم الآن..لكن لم أتعبت نفسك كان يمكن أن أذهب بنفسي ...ككل مرة"
ابتسم لها ثم جلس بهدوء أمامها و قال و هو ينظر لعينيها
- "أنسة ديما أنا أود أن اخبرك بشئ"
صمت قليلا كمن يود ترتيب كلماته فغمغمت لنفسها -"لما أشعر كأنك ستخبرني مالا يعجبني"
رفعت رأسها لتجد صديقتها ملك تراقبهما باستمتاع و هي تحاول كتم ضحكتها إنتبهت علي صوته و هو يقول
-"أنسة ديما أنا معجب بك منذ بدأتي العمل معنا و كنت أود أن أتقدم لطلب يدك و أريد معرفة رأيك"
احمر وجهها بشدة وقالت بخجل
-"عذرا سيد خالد أنا أحترمك كثيرا و لكن أنا لا أفكر حاليا في هذا الأمر"..
تنهد بضيق و سألها
-"هل لديك مشكلة معي كشخص.. هل يوجد أحد أخر"
شعرت بالضيق من أسلوبه ولكنها أجابت بتهذيب..
-"لا إطلاقا الأمر يتعلق بي فأنا حاليا أعمل على إنهاء دراساتي العليا كي أحصل على فرصة في .."
لم تكد تكمل كلامها حيث قاطعها بعجرفة قائلا
-"و لم تدرسين وأنت في النهاية ستتركي العمل أنا لا أحب أن تعمل زوجتي"
نظرت له بوجه محمر من شدة الغضب
-"عذرا سيد خالد لم أفهمك ؟.هل تريد أن تتزوج مني لتجعلني أترك العمل ؟؟"..
-"أجل و لم تعمل زوجتي و أنا قادر علي إعالتها ..غير أن والدتي إمرأة كبيرة يجب أن تجلس معها و تعمل على رعايتها"
..حسنا لقد طفح الكيل .. نهضت من علي مكتبها بحدة ووقفت أمامه لتجيبه بعصبية
-"سيد خالد طلبك مرفوض نهائيا إن كنت تبحث عن خادمة و ليس زوجة ..فتفضل بالبحث بعيدا عني"
خرج من المكتب دون أن ينطق بكلمة أخرى و لكن وملامحه كانت توحي بالغضب الشديد...بعد خروجه من المكتب ظلت ديما في مكانها و هي تتمتم ببضع كلمات غاضبة غير معروفه ..حاولت ملك كتم ضحكتها و هي تقول
-" اجلسي عزيزتي و حاولي أن تتنفسي قليلا لقد ذهب منذ برهة وأنت مازلت تشتمين ".....
-"لا تضحكي ملك و لا أريد سماع كلمة واحدة عما حدث "
لم تستطع ملك كتم ضحكتها أكثر فوضعت رأسها على المكتب و ضحكت بشدة..نظرت لها ديما ثم جمعت أشياءها و قالت بحنق
-" أنا ذاهبة أكملي عملي وإذا سأل السيد نبيل عني أخبريه أنني ذهبت للحمام ما تبقى من اليوم "
.............................................................................
خرجت من المكتب و هي تشعر بغضب يتملكها.. انتظرت الحافلة وهي تأمل أن تجد فيها مقعدا شاغر بما أنها خرجت مبكرا من العمل ولكن ككل شئ في حياتها أتت الحافلة ممتلئة كالعادة و ظلت واقفة طوال الطريق. فتحت باب المنزل ليصلها صوت والدتها -"ديما هل هذه أنت ؟"...
-"نعم أمي"..
-"جيد أنك عدت مبكرا هيا بدلي ملابسك سريعا و تعالي لتساعديني" ...
هتفت ديما بتعجب
-"فيم أساعدك أمي؟"...
قالت أمها بحماس غريب
-"إن عمتك نادية قادمة اليوم "...
-"أمي لقد وصلت للتو من العمل وأنت حتى لم تسأليني عن سبب عودتي مبكرا"..
لتهتف أمها بحنق وهي تشيح بيديها
-"أيا كان السبب هل ستساعديني أم سنقضي باقي النهار نتحدث عنك"..
صمتت ديما لوهلة كانت تأمل أن تسألها أمها عما بها أو تشعر باهتمامها ..ولكن كالعادة أمها لا تهتم سوى بواحدة فقط ..تتنهدت بتعب و قالت لها ..
-"حسنا أمي سأبدل ملابسي أولا.. ولكن لما لم تطلبي من حلا أن تساعدك هي تسهر طوال الليل و تنام بالنهار ولا تفعل شئ باسثناء تطلعها على شاشة الهاتف"..
اقتربت أمها منها و همست لها بعنف
-"حلا .. حلا اتركي الفتاة بحالها .. ألا يكفي أنها يتيمة أتريديني أن أجعلها خادمة أيضا؟.. إن كنتي لن تساعديني اذهبي من وجهي أنا لست متفرغة لتذمرك فابن عمتك سيزورنا لأول مرة منذ سنوات".
همست ديما بشرود
-"حسام؟"...
ولكن والدتها كانت قد ذهبت لتكمل عملها بالمطبخ .. اتجهت لغرفتها التي أصبحت تشارك فيها ابنة خالتها و التي تكون إبنة عمها أيضا .. نظرت باتجاه سريرها وجدتها تغط في نوم عميق
-"يا لراحة بالك سيدة حلا "
قالتها بداخلها و هي تتذكر كيف انقلبت حياتها بعد وفاة عمها و خالتها و إبنهما في حادث قبل بضع سنوات وانتقال حلا للعيش معهم ..نفضت الذكريات بعيدا فهي لديها اليوم ما يكفي ليعطيها جرعة من السعادة لكي تنسى حلا و أيضا تنسى عرض الزواج المزري الذي تلقته اليوم .. بدلت ملابسها بقميص منزلي فضفاض و مهترئ تخصصه للعمل في المنزل ثم جمعت شعرها في كومة مشدوده اعلى رأسها و اتجهت لوالدتها السيدة الخمسينية جميلة الملامح ...
-"بماذا أساعدك أمي؟"..
قالت أمها و هي تقلب الطعام ..
- "اذهبي و نظفي غرفة الجلوس ثم اجمعي الملابس الجافة من الشرفة ونظفي باقي الغرف جيدا"...
ذهبت ديما تنظف غرفة الجلوس"النظيفة بالفعل"حيث قامت والدتها بتنظيفها في الصباح ولكن أمها مهوسة بالنظافة ..ثم جمعت الملابس بدون تركيز مما جعل أحد جوارب والدها يقع في الشارع ..نظرت له بملل قائلة ..
-"حسنا سأتهم المغسلة ككل مرة فهي دوما تأكل الجوارب "
دخلت الي غرفتها بعدما أنهت ما طلبته والدتها كي تعدل مظهرها قليلا فلا يجب أن يعود حسام بعد عدة سنوات ليراها تبدو كالمتسولين..بحثت بين ملابسها لتجد فستان صيفي بلون الفستق كانت قد اشترته في تصفيات أحد المحلات الكبيرة و نفذ من تحت يد حلا حيث أنها لا تحب تلك الالوان.. لو كان أعجبها لأجبرتها أمها على إعطائه لها ..ارتدته لينسدل علي جسدها فقد كان فستان رقيق يصل لما بعد الركبة و أكمام تصل إلى المرفق و كان مزين من الصدر بورود بارزة من نفس لون الفستان...صففت ديما شعرها وجمعته في ضفيرة علي جانب عنقها ثم وضعت القليل من ملمع الشفاة الوردي وظلت تتأمل نفسها قليلا تتمنى أن تلفت نظر حسام كي يراها كإمرأه ناضجة وليست الفتاة المراهقة التي إعتاد المزاح معها ..أفاقت من شرودها علي صوت حلا و هي تسألها بينما تتثاءب ..
-"كم الساعه الآن"..
لتجيبها ديما ببرود بينما تعدل من ضفيرتها..
-"إنها الثالثة "..
قفزت حلا من فوق السرير وهي تهتف ..
-"يا إلهي لما لم يوقظني أحد حتى الأن ؟؟..لقد تأخرت ..عمتي قادمة اليوم"...
تعجبت ديما من اهتمام حلا المفاجئ بعمتها فهي لا تهتم بزيارات عمتها لهم واذا جالستهم تتحدث معهم باقتضاب ..وجدت حلا تقفز يمينا و يسارا وتعبث بملابسها قبل أن تقول لها بحماس................
-"انظري ديما أيهما أفضل الفستان الاسود أم الوردي؟"..
هتفت ديما بلا اهتمام ...
-"كلاهما جيد"...
صاحت حلا بإستنكار..
-"جيد؟ لا.. لايمكن أن يكون جيد فقط " ...
تركت ديما حائرة في تصرفاتها و اتجهت لدولابها كي تبحث عن ما هو أفضل .. لكن لم تستطع ديما منع فضولها فسألتها..
-"ألم تلاحظي أنك تبالغي قليلا حلا..إنها مجرد زيارة ؟"...
لتبتسم حلا ابتسامة ذات مغزى و هي تقول ....
-"و ما أدراكي أنها مجرد زيارة"...
لتترك ديما في حيرتها و تكمل ما تفعله ...بعد بعض الوقت دق جرس المنزل فأسرعت ديما لتفتح الباب بلهفة و بعد أن سلمت علي عمتها و ابنة عمتها ريهام انتظرت قليلا و لكنها لم تجد أحد تنهدت بيأس وكانت ستغلق الباب حين سمعت عمتها تهتف
-" لا انتظري ديما حسام بالأسفل إنه فقط يصف السيارة " ..
ابتسمت ديما بسعادة ثم سمعت صوتا يقول..
-"ديما الجميلة؟..ديما أنت مازلت رائعة كما أنت دائما "..
رفعت رأسها تتأمله ..إنه حسام أفضل شباب العائلة و الذي سافر منذ عدة سنوات كي يعمل كمهندس خارج البلاد ..لقد ازداد وسامة و اكتسب سمرة محببه أفاقت من شرودها علي صوته وهو يقول
-"ماذا ديما هل نسيتي من كان يحضر لك المقرمشات و يهرب لك الروايات البوليسية ؟" ..
ضحكت ديما وقالت برقة..
-"حسنا أنت الآن ستخبر الجميع بسري الصغير ..حمد لله علي سلامتك حسام"..
لم يجب فقد خرجت والدتها وجذبته بين أحضانها وهي تهتف بحماس..
-"حمدا لله علي سلامتك بني تفضل"..
بعد قليل تجمعو حول طاولة الطعام والذي لفت انتباه ديما هو مزاح حلا مع حسام و كأنهما أصدقاء منذ زمن بينما لم يكونا يوما مقربين هكذا .. انتهى الطعام وجلس الجميع في غرفة الجلوس ماعدا ديما و ريهام حيث كانت ديما تنظف الأطباق بينما ريهام تصنع القهوة ..مالت ريهام علي ديما و همست لها بمرح..
- "ارجو أن تكون تلك القهوة فأل جيد اليوم"..
نظرت لها ديما باستفهام ولم ترد فابتسمت ريهام و قالت لها..
-"لقد سمعت أخي يتحدث بالأمس أنه يود خطبة بنت الخال "...
ضحكت ريهام عندما لاحظت وجه ديما الذي تحول للون حبة الطماطم ..هتفت ديما
-"القهوة ستسكب علي الموقد ريهام" ..
-"تم انقاذها بنجاح من أجلك سيدة ديما "..
زفرت ديما براحة فهي ليست مستعدة للقيام بأي تنظيف آخر .. خرجت الفتاتان من المطبخ يبتسمن بسعادة وديما قلبها ينبض بعنف.. هل يمكن أن يتحقق حلمها و ترتبط بحسام... بعد تبادل الأحاديث والمزاح من الجميع تنحنح حسام ثم قال
-"خالي .. أنت تعلم أنني بعد وفاة والدي عملت بجد حتي أنهي دراستي .. و بعد سفري للخارج جمعت ثروة لا بأس بها ..و أنا أنوي أن أستقر هنا و أتزوج لذلك ..خالي أنا اتشرف بطلب يد إبنتك ........حلا".

اليتيمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن