"لا تخسر نفسك و أنت تحاول أن تحافظ على من لايهتم بفقدك"
استيقظت ديما مبكرا ونزلت تحت الماء الساخن لتنفض تعب الليلة الماضية ثم خرجت و ارتدت ملابس العمل نظرت لوجهها في المرآة فوجدت أصابع والدها قد اتخذت مزيج من الألوان و جانب شفتيها متورم قليلا ..زفرت بضيق فها هي في أول يوم للعمل في شركة كبيرة كشركة رضوان ستذهب كمن دعستها سيارة ... جففت شعرها ثم رفعته قليلا ريثما تضع بعض مساحيق التجميل الخاصة بحلا على وجهها حاولت أن تخفي تورم وجهها و كدماته بالمساحيق ثم وضعت أحمر شفاه داكن كي تخفي تورم شفتيها لم تفلح المستحضرات بتغطية الأمر تماما ولكن لا بأس ..تخلت عن ضفيرتها المعتادة ثم تركت شعرها حرا على كتفها و جعلته يغطي جانب وجهها ..انتهت مما تفعل و همت بالخروج فوجدت والدها يخرج من غرفتة ..نظرت له دون أن تتكلم ثم اتجهت ناحية الباب ووقف ترتدي حذاءها فذهب إليها والدها ووقف بجوارها ثم همس
-"ديما؟.. إبنتي ؟.. أنا .."
نظرت له ديما ثم قالت بجفاء ..
-"من اليوم ولمدة شهر سيكون علي الذهاب لشركة أخرى أعمل على تصاميم لها .. وهي تقع في مكان بعيد نسبيا ولا تذهب له حافلات و سيوصلني عمار معه من أمام مقر شركتنا ...لقد تركت لكم عنوان الشركة الجديدة أمام التلفاز كما كتبت هاتف ملك في حال إنتهى شحن هاتفي"..
قالت كلماتها ثم خرجت دون أن تسمع رد والدها الذي ظل ينظر وراءها بندم على تسرعه ..
....................................
دلفت ديما مقر الشركة واتجهت ناحية مكتبها .. فرآها خالد الذي أخذ يتأملها بحسرة من بعيد .. ولكن عندما اقتربت ورأى وجهها المزين بمبالغة ابتسم باستهزاء قائلا لها بتهكم ..
- "ماذا سيدة ديما هل قررت أن توقعي بعريس ما من شركة رضوان أم تطمحي بالزواج من السيد عاصم نفسه" ..
قالها ثم ضحك بسخرية وهو يكمل ..
-"يتوجب علي إخبارك إذن أن السيد عاصم متزوج "...
قال كلماته و هم بالذهاب ولكن أوقفه صوتها وهي تقول بسخرية مماثلة ..
-"اترك هذه التلميحات للنساء سيد خالد و خفف من جلسات النميمة مع زميلاتك فقد أثرت عليك حتى بتنا لا نفرق بينكم " ..
لم تسمع رده حيث قالت كلماتها ودخلت مكتبها لتجمع ما تبقى من أوراق قبل أن تتجه للشركة الأخرى .. ولكنه ظل ينظر في إثرها بغضب .. بعد قليل دلفت ملك المكتب تبحث عنها فوجدتها تخرج من تحت المكتب...صاحت ملك بحدة ..
-"ماذا تفعلي هنا أيتها الغبية "
رفعت ديما يدها لأعلى بينما قالت كمن يحدث طفل صغير ..
-"كنت أحضر الشاحن ملك لقد كان تحت المكتب"
هتفت ملك بغيظ أكبر ..
- " هل تريدين إصابتي بالجنون ديما ..لما أتيت للعمل أخبرتك أن ترتاحي .. عندما وصلتني رسالتك إشتعل رأسي"
قالت ديما بحزن ...
-"صدقيني ملك لو مكثت بالمنزل كان ليسوء وضعي .. أنا بخير الآن انظري إلي"..
قالتها و هي تفتح يدها لملك ...
تأملتها ملك ثم قالت بتعجب....
-"لم تضعين كل تلك الزينة على وجهك "
وقبل أن تجيبها دخل عمار وهو مبتسم وينظر لملك ..
- "صباح الخير ملك هل يمكنك أن تعطيني أوراق ديما لأخذها معي أنا ذاهب لشركة رضوان الآن"
نظرت له ملك وقد إحمر وجهها كالعادة ثم أشارت له ناحية ديما قائلة ..
- "يمكنك سؤال ديما بنفسها ها هي أمامك"
نظر عمار وراءه فتفاجأ بديما التي لوحت له بابتسامة ..
- "مرحبا عمار كيف حالك"
عقد عمار حاجبيه ثم قال ...
- "كيف حالك ديما .. هل حدث لك شئ أخر بعدما ذهبت "..
حركت رأسها بالنفي فسألته ملك بقلق..
-"ماذا حدث بالأمس" ..
تنهدت ديما قائلة ....
-"لقد رأى والدي عمار و هو يوصلني بالأمس فأساء الظن و ..."
غامت عيناها بدموع لم تهبط فأكمل عمار بضيق ..
-"ضربها والدها و كاد يضربني أنا أيضا "حاول الضحك ثم قال "و لكن سأخبرك بشئ ديما تلك الفتاة .. أختك إنها تكن لك معزة خاصة"
..تعجبت ملك قليلا ثم هتفت بغضب ..
- "الآن فهمت إنها تلك العقرباء الخبيثة مجددا"
ابتسمت ديما و قالت لها ..
-"حسنا لو ظللنا نتحدث عنها لن نعمل أنا مستعدة عمار هيا بنا"
قال عمار بحرج ..
-"هل يمكن أن تسبقيني للخارج ديما "
نظرت له بتفهم و غمزت لصديقتها ثم خرجت .. تنحنح عمار ثم اقترب من ملك قليلا وقال لها....
- "ملك .. هل .. هل رأيت هذا ال .. ".. زفر بضيق ثم أكمل .."هل رأيت هذا العريس" ..
ابتسمت ملك بخجل و همست ..
- "لقد طار "
نظر لها بعدم فهم فضحكت بخفة قائلة
-"لقد طار الطيار .. أبي تأخر في تحديد موعد معه فإتهمنا بعدم الإنضباط"
ابتسم عمار بسعادة حتى اتسعت ابتسامته ثم قال لها ..
-"لو تأخر علي والدك .. سأخيم أمام منزلكم فأنا لن أسمح بتكرار الأمر "
ثم تركها وخرج و قلبها يكاد يخرج من مكانه .
................................................
في شركة رضوان .. دلف كل من عمار و ديما إلى الشركة و استقبلهم السيد جمال مدير قسم الدعاية ليعرفهم على مكان العمل والتقنيات المستخدمة لديهم .. كانت ديما منبهرة بكل ما تراه فحجم الشركة كان أكبر من شركتهم بكثير والموظفون يرتدون ملابس لا تراها إلا في التفاز .. وكانهم خرجوا جميعا من إحدى مجلات الموضة .. وصلو إلى مكتب مساعدة السيد عاصم .. فنظرت ديما لمساعدته التي ترتدي زي كلاسيكي رائع بتنورة تصل إلى ركبتيها و ترفع شعرها في تسريحة رقيقة ...نظرت ديما لنفسها فهي تبدو بملابسها كطالبة جامعية بحذاء رياضي و بنطال من الجينز الأزرق الفاتح تعلوه كنزة صوفية سوداء .. أفاقت من تأملها للمساعدة عندما أخبرتهم أن السيد عاصم ينتظرهم في غرفة الإجتماعات..
عند دخولهم لغرفة الإجتماعات وجدو السيد عاصم برفقة إمرأة ورجل و عرفت ديما أنهم من المصممين للمشروع الرئيسي كانت المرأة تنظر لديما بإستعلاء و لكن ديما لم تبالي لها فهي لن تعمل هنا كثيرا ....تلك هي فقط فرصة جيدة تضاف لسجلها كي تعمل في مكان أفضل كان السيد عاصم طوال الإجتماع يرفض العديد من النقاط و يعترض مما جعل ديما تشعر بالضيق وكلما حاولت ديما الإعتراض ينظر لها عمار كي تصمت .. بعد الإنتهاء من الإجتماع الكارثي في نظر ديما .. خرجوا جميعا و بينما تسير هي وعمار قالت له بحنق ...
-"لما حذرتني أكثر من مرة .. هل يعجبك تدخله بعملنا .. إن كان على دراية بكل شئ لما أحضرنا إلى هنا إنه حتى لم يوافق على إجراء تعديلات على ماقدمناه مسبقا و يود أن نعيد العمل من جديد ..هل سيتحكم بنا أنا لا أستطيع العمل تحت هذا الضغط ..ياله من متعجرف متطلب " ..
زفرت بضيق و لم يكد عمار يفتح فمه ليجيبها حتى سمعوا صوتا من ورائهم ..
-"إن كنت قد إنتهيت من تذمرك فأنا أريدك في مكتبي الآن" .. وقفت ديما في مكانها بوجه محمر وفم مفتوح ...وعمار يضحك عليها سألته بصدمة ..
- "هل كان هذا ........؟"
أومأ عمار وهو يضحك دون أن يرد ..فتركته ديما و هي تزفر بعنف فالسيد المتعجرف سيسمعها محاضرة و يطردها للخارج ..
..........................
في مكتب عاصم كانت ديما تجلس أمامه بينما هو يعمل على الحاسوب .. بدأت تشعر بالملل والضيق فهي تجلس منذ قرابة النصف ساعة وهو لم يتحدث حتى الآن ... زفرت بعنف فنظر لها و كأنه تذكر وجودها الآن .. فتنحنح ثم قال
- "أنسة دينا؟"
قالت ببرود ..
-"إسمي ديما "..
أكمل بلامبالاة وهو يعتدل بمكانه ..
-" لقد رأيتك مرتين وصدقيني في كلتاهما كنت تتذمرين و هذا يعطيني إنطباع سئ لذلك أود توضيح بعض النقاط لك .. أنت هنا لأنك قدمتي تصاميم مميزة ..أي أن عملك هو سبب تواجدك هنا و المحترفون في عملهم أنستي يعملون تحت أي ضغط مع أي شخص ... و بالنسبة لآرائي التي تعتقدين أنني أفرضها عليك أود توضيح نقطة بسيطة أخرى وهي أنك هنا كي تنفذي ما أريده أنا و ليس لتعرضي مواهبك وأفكارك التي يجب أن تحتفظي بها لنفسك لأنني لا أهتم .. يمكنك الذهاب" ......
قالها و هو يتصل بمساعدته كي ترسل له بعض الملفات في حين ظلت ديما مكانها دون حراك فقال دون أن ينظر لها
- "هل هناك شئ آخر"...
وقفت ديما تستشيط غضبا ثم تمتمت باستئذان و خرجت ..
قابلها عمار فسالها عما حدث لتشير له بالصمت ... بعد إنتهاء اليوم استقلت سيارة عمار و في الطريق اتصلت بها ملك لتنفجر ديما...
- "بين كل مشاكل حياتي كان ينقصني متعجرف متسلط يخبرني بكل صلف .. أن أحتفظ بأفكاري ..هل تعلمي ملك كان معك حق عندما أخبرتني أنه يتبقى لي ظهور الزومبي كي تكتمل معاناتي في الحياة ..ها هو قد ظهر و يخبرني أنه من يدفع راتبي فعلي قبول صلفه وغروره"
كان عمار و ملك على الطرف الآخر يضحكان على ديما التي كادت تخرج دخان من أذنيها .. و بينما هي تتحدث مع ملك اتصلت والدتها بها فقالت لها ....
-"حسنا ملك اغلقي الآن سأتصل بك لاحقا"
ردت على أمها بجمود..
-"نعم أمي "
قالت أمها بحماس دون مقدمات ..
-"ديما هل يمكنك المرور على مكان ما لتحضري بعض الحلوى .. فعمتك وحسام قادمون اليوم لتحديد موعد الخطبة و أحضري أيضا.."
قاطعتها ديما بجفاف
-"لا يمكنني أمي ....."
أغلقت الهاتف و مسحت دمعة خائنة إنسابت من عينها .. لاحظ عمار جمودها فسألها بلطف ..
-"ديما هل أنت بخير "
ابتسمت ديما ابتسامة لم تصل إلى عينيها و أومات دون أن تتكلم ..
..............................................
عندما وصلت ديما المنزل وجدت والدتها غاضبة وهتفت عندما رأتها ....
-"هل أغقلتي الهاتف بوجهي ديما .. هل هكذا ربيتك "
رفعت ديما الهاتف في وجه أمها و قالت ببرود ..
-"انظري لقد انتهي شحنه وانتي تحدثيني أمي "
اغتاظت أمها من حديثها فقالت لها ..
-" ولما لم تحضري ما طلبت "
قالت ديما بنفس البرود ..
- "قلت لي هل يمكنك .. فأجبتك لا يمكنني .. أي أنني لم أستطيع لما لم ترسلي حلا "
هتفت أمها بإستنكار ..
- "إنها عروس هل تخرج العروس لتشتري الحلوى "
سئمت ديما من الكلام مع أمها فهي لن تتغير لذا قالت بتعب ..
- "أمي أنا متعبة وأريد النوم "
لتصيح أمها بعصبية ..
-" ها أنت ذا تهربين بالنوم كلما تحدثت معك "
وقفت ديما مكانها ثم استدارت وقالت بهدوء يشوبه الألم ..
-"هل لاحظتي أمي أنني كنت في المشفى بالأمس .. أو هل لاحظتي أن أبي ضربني لدرجة أن هناك خريطة مرتسمة على وجهي .. أو إنتبهتي أنني خرجت للعمل بالرغم من تعبي .. إنك حتى لم تسأليني عن حالي هل تناولت أي طعام أو تناولت دوائي ولكن لا ..أنت لا تفكرين سوى بحلا .. العروس التي لا يجب أن تخرج لتشتري الحلوى .. حسنا أمي لقد تعبت أنا لا أريد اهتمامك ولكن أيضا اعتبريني ضيفة في منزلك فابنتك هي حلا وليس أنا "
قالت كلماتها وتركتها فوقفت أمها تهمس باسمها ولكن لا مجيب ..
أنت تقرأ
اليتيمة
Randomممزقة بين الألم و العجز عن البوح.. قيود من دماء هي ما يجمعها بهم.. هل ستحافظ عليها... أم ستكسر تلك الروابط و تتخطى كل من يقف بوجهها