الفصل الثامن

239 5 0
                                    

توقفت السيارة داخل الحرم الجامعي الذى تكتسح الأشجار والنجيلة الخضراء معظم مساحته، وثبت الشقية السمراء من فوق الباب الجانبى للسيارة بخفة فى طريقة صبيانية بينما تأرجح " أمير" فى هيبة طاغية لتتسمر الأعين عليه فى إعجاب يتشابك مع الحقد الدفين، ظناً أنه أتى برفقة خطيبته أو ما شابه، هتف بها في نبرة انزعاج ملية.
      قرد كان قاعد معايا في العربية، ما تنزلى زى البنى آدمين يا مصيبة
       كل البنى آدمين بينزلوا من العربية كدا يا ميرو و بعدين تعال هنا أنت زحلقت الحراسة ليه، لو أبيه إياس عرف مش هيحصل طيب.
        كان لازم أخلص منهم يا ذكية، أنتى عارفة أنهم بيبلغوا إياس خط سيرنا بالحرف.
        عندك حق يا ميرو واللهى، أحسن يستاهلوا أنك زحلقتهم.
        بت اخلصي أنا مش فاضى خلينى ألحق البت الغلبانة اللى فى الشركة.
     يلا يا عم على مكتب العميد عدل.
      قدامى يا قدرى الأسود، واحدة أخرجها من القسم والتانية أروح
معاها الجامعة عشان فصل أسبوع، جاتكم الهم متعرفوش الواحد إلا فى المصايب.
وفى غرفة مكتب عميد كلية الآداب
     أهلاً يا أمير بيه، نورت الجامعة كلها.
إبتسامة متكلفة ارتسمت فوق ثغره قائلاً فى هدوء.
        بنورك يا سيادة العميد، الحقيقة أنا كنت جاى بخصوص موضوع الفصل أسبوع.
      الحقيقة يا أمير بيه أخت حضرتك من المشاغبين المعروفين فى الجامعة وغير جديرة بالمرة فى إحترام الجامعة، تصور حضرتك الدكتور شافها بتلعب كوتشينة فى المحاضرة ضحكت عليه المدرج كله.
تمتم فى نبرة خافتة أشبه بالهمس.
       الله يخربيتك يا وئام الكلب.
ثم تابع حديثه في نبرة عالية قائلاً فى آسف زائف.
     أنا بعتذر لحضرتك بالنيابة عن أختى، و أرجو من حضرتك تستدعى الدكتور عشان أعتذرله، بس فى الحقيقة أنا ليا رجاء عند حضرتك أتمنى إن الموضوع ما يوصلش لإياس طبعاً حضرتك عارف مشاغله كتير.
     ااه طبعاً مفهوم يا أمير بيه، وكان الله في العون.
وبعد أن أنهى المقابلة مع العميد و أعتذر للدكتور الجامعى بالنيابة عن شقيقته المشاغبة. هتفت تلك الشقية السمراء فى نبرة عالية تمتزج بالضحك.
       ميرسى يا ميرو يا حبيبى.
       وطتى صوتك يا مصيبة، بت متقوليش ميرو إلا فى البيت بس، شحت طويل عريض زيى يتقاله ميرو. يلا أنا ماشى عايزة حاجة؟!
       لأ، ميرسى يا ميرو.
كز على أسنانه فى غيظ ثم تمتم فى نفاذ صبر.
       صبرنى يا ررب.

رواية هيروين عشقك
بقلمى: سهيلة جمال (ذات الروايات)

وصلت السيارة حيث المقر الرئيسي لشركات العمرى ليتوقف وراءها أسطول السيارات السوداء، ترجل من السيارة فى ثبات ورزانة امتدت أنامله تنزع النظارة السوداء لتنطل إلى الأعين سوداويته ذات الأهداب الكثيفة، ترجلت هى أيضاً وقلبها يدق بناقوس الخطر والرهبة حليفة ملامحها الرقيقة، اضطراب ضرب معدتها إثر ذلك التوتر المكتسح كيانها، إهتز الهاتف المحمول بداخل حقيبتها السوداء يعلن عن وصول رسالة نصية جديدة لها، دست يدها فى الحقيبة مخرجة إياه، تطلعت إلى شاشة الهاتف المضاءة وقد سلطت نظرها وتركيزها عليه لتصتدم بجسده الصلد
دون انتباه منها أنه توقف أمام المصعد، ارتدت للوراء فى توازن مختل لتلحقها يده أسرة لخصرها من الخلف، نظرة تحذير مستاءة أرسلتها سوداويته إلى زورقتها، انبلع الباب الكهربائى للمصعد عن موصده، فك أسر خصرها النحيل من إحكام قبضته ثم خطا داخل المصعد فى برود معهود دون أن يعيرها أدنى انتباه، نفثت الهواء العالق فى فمها فى زفير منزعج من عنجهيته وبروده الذى فاق حد بنى الإنس، وسرعان ما اتبعته وهى تدعو ربها بداخلها أن يمر اليوم على خير، استقر المصعد عند الطابق الكائن به مكتبه، كان يستقبل ترحيبات الموظفين المارون فى طريقه فى إيماءة ثابتة خالية من أي تعبير، حانت منها نظرات منزعجة من جموده الحليف له طوال الوقت، دلف إلى غرفة مكتبه بخطوات واثقة وهى تتبعه فى خطوات مترددة، هبت واقفة تلك التي كانت تعتلى مقعدها فى أريحية تخفى المرآة الصغيرة خلف ظهرها خشية من بطش مديرها الذى يمقت هزل الموظفين أثناء ساعات العمل ولو للحظات، وسرعان ما تحولت نظراتها الخائفة إلى حقودة بمجرد أن التمحت النارية بجمالها الغربى دون استنزاف قطرة واحدة من مستحضرات التجميل التى تسرف الأخرى فى وضعها على بشرتها فى إسهاب مثير للاشمئزاز إدعت عدم الإهتمام بنظراتها وتعمدت إغاظتها بغنج مفتعل تتلاعب بخصلاتها الحمراء، دلفا إلى غرفة مكتبه الخاصة واصل خطواته إلى مقعده الوثير إلى أن اعتلاه فى هدوء بينما وقفت هى أمام مكتبه توزع النظرات الحائرة بينه وبين المقعد الآخر المقابل لمقعده على الناحية الأخرى، قطع حيرتها حينما لوى شفتيه قائلاً فى نبرة سخرية.
           هتفضلى تفكرى كتير تقعدى ولا لأ، تعالى اقعدى متخافيش مش بعض أنا.
تأففت فى ضيق وهى ترمقه بنظرات حنق فهو لم يتوانى لحظة عن إثارة
حفيظتها بحديثه اللاذع، سارت نحو المقعد المقابل له فى خطوات واثقة بفضل حذائها الرياضى الذى تتقبله قدماها بصدر رحب بعكس الحذاء الكلاسيكى الذى أقترحت عليها " سارة" ارتداؤه مع ذلك الفستان الكريمى  جلست فوقه واضعة حقيبة اليد خاصتها فوق المنضدة الصغيرة قبالتها، زاغت بزورقتها فى أرجاء الغرفة تستكشف ديكورها الفاخر لفت نظراتها الغرفة بأكملها إلى أن توقفت عليه، تأملته عينيها فى نظرات متفحصة دون ملاحظته فقد كان منكباً كالمعتاد فوق كومة الأوراق التي أمامه، يصب كامل تركيزه فى العمل وإن دق التعبير، يجاهد كى يستجمع تركيزه، استشعر نظراتها المخترقة لملامحه ليرفع رأسه مباغتة رغبة فى ضبط نظراتها إليه لتفر بنظرها فى الجهة الأخرى سريعاً كالقط توم الذى كان يتجسس على الفأر جيرى حينما أعطاه العلكة التى أخمدت صوت صفيره العالى، تصنعت قسمات وجهها عدم الإنتباه لتحديقه بها، أطلق زفيراً عميقاً من فمه ليعيد شتات تركيزه الضائع، حانت منها نظرة جانبية من طرف عينيها لتجده قد عاود النظر إلى أدنى، وضعت إحدى يديها فى كنف الأخرى ثم ضغطت بباطن كفها فوق أصابع اليد الأخرى ليتحرر صوت طرقعة أصابعها إلى مسامعه والذى بات مزعجاً له، حمحم فى خشونة تنذر ببوادر نفاذ صبره من فرط حركتها لتتوقف عن تأدية حركتها المفضلة فى تذمر من تحكمه المفرط حتى فى تلك الأشياء البسيطة، رفع سماعة الهاتف الأرضى الذى يعتلى سطح المكتب يستدعى  سكرتيرته فى لهجة آمرة حادة أثارت إعجابها وشماتتها فى الأخيرة، مرت لحظات وبعدها طرقت الباب طرقات خفيفة ثم دلفت إلى الداخل، سارت بخطوات غنج ودلال مفتعل تتمايل بجسدها ذو المنحنيات المثيرة للشهوة والتى لا تملك النارية شيئاً منها وصوت طرقعة كعبها العالى التى تتعمد إصداره وقفت أمام المكتب ثم انحنت قليلاً بجسدها فى رفق ناعم، إشرأبت بساقها للخلف قليلاً تسفر عن ساقيها الممشوقتين، ضيقت النارية عينيها التى يتراقص الغيظ بداخلهما وسرعان ما إعتلت محياها إبتسامة خبيثة أسفرت عن تفكيرها بشىء شيطانى، راقبت حركة ذات الشعر الأشقر التى اعتدلت فى وقفتها تأهباً للرحيل وحينها مددت قدمها في خفة إلى الأمام لتتعثر الأخرى بها فيختل توازنها وتسقط أرضاً على الفور، إبتسامة غبطة ملأت شدقيها من نجاح مكيدتها التمحها هو ولكنه لم ينبس ببنت شفة، أرتسمت معالم الأسف فوق قسمات وجهها.
     Oh, l'm so sorry, Are you fine?!.
  نهضت عن الأرض تعيد هدمان ملابسها، أجابتها بإبتسامة صفراء قائلة فى مضض.
          Yes, don't worry.
كان يراقب حرب كيد النساء المتبادل منذ اندلاعها دون أن ينبس ببنت شفة، ولكن ما رآه كفيلاً بأن يدرك عقله إن حقاً كيدهن عظيم جميعهن بلا استثناء، خرجت ذات الشعر الأشقر وهى تتوعد لتلك النارية برد الصاع صاعين، شعرت بوخزة تغزو عروق عنقها تقلصت ملامحها قليلاً إثر إحساسها بذلك الألم الطفيف إشرأبت برأسها إلى الوراء ومعها نفضت تلك الخصلات المتمردة فركت عنقها القشدى الطويل بأناملها الرقيقة فى رفق، وهنا أنهارت حصون مقاومته فى عدم التأمل بها وأستنزف معها آخر ذرات صبره، ربما شلالات النبيذ الأحمر هذة تسرق حواسه كلما داعبها الهواء ولكن دوماً يعود سلطان العقل لينتشله من سحرها لتعاود قسماته إدراجها إلى الصلادة والبرود المعتاد، كان تطبق جفونها فوق الزورق مستسلمة لسلطان الاسترخاء أنتفضت فزعة على إثر قبضته التى دبت فوق المكتب بقوة، نظرت إليه بملامحها المخطوفة تسترسل له النظرات المتسائلة، رفع يده  يشير نحو الأريكة الجلدية المنزوية فى الركن البعيد الهادي، اتبعت نظراتها إشارته تأملت الأريكة للحظات ثم عاودت أنظارها إليه مشيرة هى الأخرى إلى الأريكة وملامحها تلقى إستفساراً يؤكد ما يدور بمخيلتها، لم يكلف نفسه عناء الرد بل بادلها إيماءة خفيفة باردة تسفر عن أمره لها بالابتعاد عن مرمى سوداويته كى يعيد شتات تركيزه الضائع على يدها سحب نفساً عميقاً يحاول الإنسجام فى حالة من الهدوء الفاقد له بسبب فرط حركتها، مرت ساعة وهو مازال منكباً على عمله بلا توقف، شعر أن هناك خطب ما من حالة السكون الذى تداهم المكان، رفع رأسه بتجاه الأريكة ليجدها تغرق فى سبات عميق خصلاتها الحمراء تفترش حافة الأريكة فى حرية وسماء عينيها مظلمة بغيوم جفونها، سار نحوها فى خطوات مسحورة وعيناه تسابق قدميه للوصول إليها وقف على مقربة منها ومازالت عيناه تتبخثر فوق ملامحها النائمة وصل إلى مسامعه صوت همهمة وكلمات غير مفهومة تتمتم بها، انحنى بجسده نحوها قليلاً مقرباً أذنه من فمها لعله
يفسر شيئاً من كلماتها المتقطعة.
     هر كلليز، ج عا نة، يخر بيتك، ر عب، ميرو، الح قنى، ايااس.
لم يفهم شيئاً سوى أن الجوع يضرب معدتها لوهلة شعر بتأنيب ضميره ناحيتها، هو لم يقصد إذلالها أو ما شابه ولكن جديته الصارمة دفعته إلى ذلك، كم يكره أستهانة الأشخاص بالمواعيد المحددة وهكذا قدم له عقله مبرره على طبق من فضة، عبث أريج عطره الرجولى بأنفها لتعاود الهذيان بكلماتها المتقطعة.
      ريح ته، هركليز، حل ووة، الطو قق، أو ضتته.
حانت نصف إبتسامة من طرف ثغره حينما استعادت مخيلته مشهدها فى غرفته وسرعان ما تلاشت حينما عاود ذهنه استكمال ما حدث من دفشها للستار فى وجهه، فتحت عيناها فى بطء ناعس لتوضح معالم الصورة أمامها شيئاً فشيئاً، تلاقى الأزرق مع الأسود في لقاء من نظرات الهيروين، نظراته تأملت أكثر ما بداخل زورقتها وكأنه يقرأ الكثير والكثير بداخلها بينما هى جحظت عينيها فى فزع مما لمحته لتنتفض من مجلسها بلا حساب والصراخ حليف نبرتها التى اخترقت أذنه القريبة من فمها اصتدمت جبهتها برأسه استقام بوقفته وقد تملكه الغضب من عته تصرفاتها بينما هى تأوهت ممسكة برأسها ولكن ذلك الألم لم يكن كفيلاً بمنعها من الصراخ بل زاد الطاق طاقين، لم يفهم حالة الاهتياج التى داهمتها ولم يعد يحتمل صراخها الحاد الذى أصابه بصم مؤقت، كمم فمها بقبضته التى ابتلعت نصف وجهها فلم يتبين من ملامحها سوى الزورق ويده الأخرى خلف رأسها ثم هتف بها فى حدة ارتعش جسدها على إثرها.
        بس، اخرسى إيه بلاعة واتفتحت، لامتى الشركة كلها علينا.
أستشعر سكون ملامحها المتوارية خلف قبضته، أدنت ببصرها نحو يده المكممة لها في استمالة لفك أسرها، كاد أن يزيح قبضته عنها حينما أرخاها قليلاً إلا أنها شهقت فى خوف تأهباً للعودة إلى الصراخ من الجديد وعيناها تحدق وراءه، لذا أحكم قبضته ثانياً عض على شفته السفلى غيظاً منها ثم أردف فى هدوء مريب يكمن وراءه غضب مدمر.
        أنتى بتصرخى ليه دلوقتى، شايفة عفريت قدامك؟!.
هزت رأسها بالنفى وهى تصدر غمغمة غير مفهومة رغبة فى قول شيئاً عسى أن ينفعه، عاود ارتخاء قبضته عن شفتيها الكرزية فى حذر لتهتف سريعاً في خوف جلا على قسمات وجهها.
        صورصار، شايفة صورصار يا ماااامى الحقونى، بليز موته بليز إياس موته.
     بس، بقا كل الدوشة دى عشان صورصار، اومال لو كانت اناكوندا كنتى عملتى إيه؟!.
كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة فى نبرة تحدى ساخر
   يا سلام، طب طالما هى حاجة تافهة بالنسبالك موته.
أنا مش فاضى لدلع البنات دا، وبعدين أنتى عايزة إياس باشا العمرى يجرى ورا صورصار عشان يموته.
تأففت فى ضجر وهى تبتعد بمرمى نظراتها عنه، بينما هو سار نحو مكتبه ملتقطاً سترته وهاتفه المحمول ثم مر بجانبها قائلاً فى لهجة آمرة.
        يلا.
أتجه إلى الخارج دون أن ينتظر ردها، دبت قدماها فى الأرض تسفر عن غيظها المكنون منه استنشقت الهواء لتبثط ضيق صدرها ثم التقطت حقيبتها واتجهت هى أيضاً إلى الخارج.

رواية هيروين عشقك
بقلمى: سهيلة جمال (ذات الروايات)

رواية هيروين عشقك بقلمى⁦🖋️⁩ سهيلة جمال (ذات الروايات)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن