الفصل 3 بقلم "كي ميناكو"إبتسم بسخرية وهو ينظر إليها خائبة ، فقد هزمتها الحياة شر هزيمة هذه المرة أيضاً
كما هي حال الهزائم السابقة التي تعرضت لها وهي تحاول مصارعة قسوتها
نطق بتلك الكلمات التي هزت كيانها وشعرت أنها نزلت كالسم على قلبها
" هذا ماظننته ، إذاً أنتي فتاة شوراع....أنتي فتاةٌ رخيصة "
عصرت يداها واستشاطت غضباً ثم نظرت له وعيناها تتجادح ، قامت من على ذلك السرير رغم بلادة جسدها إثر ضربة السيارة ، إلا أن ماسمعته أنساها الألم ومايعنيه
فوقفت أمام ناظريه وزوبعة الحقد داخلها تحاول السيطرة عليها فلم تترك لها فجوة لتبرز وإلا لأصبحت هذه الغرفة مسرح جريمة شنعاء
أجابته بصوت غليض مصحوب بنبرة الغضب العارمة تلك
" إ سمع أيها المتعجرف لقد مللت منكم أيها الحقراء من النظرات الدنيئة التي تنظرونها لي ، أنت ضربتني بسيارتك وفوقها تأتي وتهينني لأجل عدةِ قروش
إذهب إلى الجحيم لن أدفع لك بنسا( سنتاً ) واحدا
ظنت إنها القوية صاحبه الموقف الحازم والعدائي هنا
ولكن..وبحركة خاطفة من يده أمسكها من عنقها وأطبق أصابعه تماما حتى صارت تتقطع أنفاسها شيئا فشيئا وقال بشر مخيف
" كيف تتجرئين ياحثالة الناس؟!...أنتي لاتعرفيني من أنا....أنا هيكتور بلاديمون أملك نصف شركات أمريكا ......أنتم الرعاع القذرون المفلسون العاطلون أكره رؤية وجوهكم المصطنعة للكبرياء والكرامة وأنتم أمام القروش مستعدين تقبلون الأحذية....
لو بيدي لأبدتكم جميعا عن هذه الدنيا فأنتم مشوهيها
وهنا روجينا رغم قوتها التي خارت تماما بعد أن خنقها ، إلا أنها حاولت أن تبعد يده عن عنقها ، وهي تشد بأصابعها لتفتح مجالا
فقط تحاول أخذ ولو رشفة هواء صغيرة ، ولكن دون جدوى فقد قبض على عنقها بالكامل
ثم شعر أنه سيقضي على حياتها تماما فتركها وسقطت خائرة أرضاً وهي تمسك عنقها وتحاول أخذ شهيق و زفير بكل إتساع رئتيها ، ولكنها متسعة العينين ومصدومة مما حصل للتو ، هذا الرجل...كاد أن يقتلني للتو...كاد أن يقتلني ببساطة هكذا!!
ماهذا الشر والحقد الذي يحمله هذا الرجل...هل هو من العصابات ؟!
أخذت هذه الافكار تراود روجينا وهي ملقية على ركبتيها ومازالت تتنفس بقوة وكأنها قطعت ميلاً كاملاً ركضاً دون إنقطاع تواً
وضع يديه في جيوب بنطاله والتكبر والغرور بدا على كلامه
" دعيني أخبركِ أمراً وضعيه في عقلك العديم الجدوى...أنا مليونير معروف لو أرفع عليكي قضية سأزجك في السجن لأنكِ بلهاء ...وببلاهتك كنتِ تقفين بنصف الشارع غافلة عن ماحولكِ ... وأنا أمشي في الشارع كأي إنسان يحترم القانون...وأنتي وقوفكِ خاطئ والقانون لا يحمي المغفلين "
قالت بتوتر وبعض الإرتهاب وهي مازالت على تلك والوضعيه
" وماذا تريد مني الان... "
رفعت رأسها لتنظر له بتلك النظرة الغاضبة نفسها ولكن هذه المرة فيها بعض من الوهن ، فقد حبك على قوتها تماما بوحشيته قبل قليل
" فقط أخبرني ماذا تريد ، أخبرني ودعني أذهب إلى بيتي بسلام "
ضحك ضحكة شريرة مستهزئة وقال
" بسلام ؟ إعتبري نفسك أنحس فتاةٍ في هذا العالم لأن القدر رماكِ في طريقي ... أنا أعشق النقود عشقاً جماً ، ولا أصرف نقود على من هم اقرب الناس لي ، فكيف الأن صرفت نقود على من أكره الناس لي .... أؤلئك الفاشلون المتسمون الفقراء
لقد أدخلتك في أرقى ردهةٍ في هذا المستشفى ، لو كنت أعلم أنكِ من رعاع الناس لكنت تركتي على الطريق فهذا هو مكانك الأصلي وبيتكِ السرمدي "
هنا روجينا بدأت ترتجف بالكامل بسبب غضبها من كثرة إهاناته لها ولكنها لم تنطق حرف لقد طبق الخوف منه على فكيها ولم تستطع أن تدافع عن نفسها كما تفعل عادة ...لقد تلاشت شجاعتها
أكمل الرجل قوله
" الشرطة ستأتي بعد لحضات قلت لكي لو كنتي تودين خوض الامر قانونيا فمصيرك القضبان ، لكن لو كنتي تريدين السلام كما طلبتي قبل وهلةٍ فعليكِ أن تدوّني أقوال تنازل من هذه القضية وننهيها...
يبقى دفع الفاتورة وهو الأهم هنا......ستعملين لدي لمدة شهر واحد وسيكون مرتبك الشهري هو دفع تكلفة المستشفى وينتهي كل شيء "
ثم أردف قائلاً
" والان ماهو ردكي ؟...السجن ام العمل؟
تمتمت بصوت ركيك ممشوج بالكره والحقد "
" العمل ... "
قال لها وهو يتقدم نحو باب الخروج من الغرفة
" سيترك لكِ أحد مساعديني عنوان المنزل ... تعالي غداً مع حزم أغراضك لأنكِ ستسكنين فيه خلال العمل "
أوقفته نبرة صوتها العالية منادية
" إنتظر لحضة "
توقف هو بدوره لكن لم يلتفت تماماً لها
أكملت روجينا قائلة وقد جمعت شتات شجاعتها التي تناثرت قبل لحضات ، مصدرة كلامها بتلك النبرة العالية
" ولكن إعلم أنني لن أعمل عملاً غير أخلاقي أو غير قانوني .... أفضّل أن تقتلني الأن مكان النقود التي تدينني بها بدلاً عن ذلك "
أجابها بجدية وبنبرة حادة
" كل عمل عملته في حياتي قانونياً ...
ثم التفت برأسه نحوها فقط وأكمل
" لست من هؤلاء الذين يسرقون وينهبون بحجة إطعام عوائلهم وأنفسهم الفاسدة .... "
ثم فتح الباب وخرج وهي بقت في تلك الغرفة متعجبه بجوابه فمنظره وتصرفاته توحي على أنه مجرم خطير
أوقفت حبل الأفكار عنه وبادرت بالوقوف لتعود إلى السرير فالخدوش والجروح في يديها وقدميها تزيد غيض من فيض أوجاعها....
وبعد أن أعطت إفادتها للشرطة ووقعت التنازل وبدأت بأرتداء ثيابها للخروج من المشفى وجدت رجل بلباس رسمي أسود ونظارات سوداء
تفاجأت منه قليلاً وبدون أن ينطق حرف أخرج من جيبه بطاقة وأعطاها لها وذهب
كان مدون فيها عنوان المنزل ، أمعنت النظر في البطاقة وقالت وهي تحاول إقناع نفسها
" حسنا للنظر للجانب المشرق من حدث اليوم......على الأقل حصلت على عمل "
وهي عائدة لمنزلها تجر أفكارها معها حول ماحصل وما سيحصل مستقبلاً متمتمة بينها وبين نفسها
" ربما سأكون خادمة عنده ، أطبخ أو أُنظف...لا بأس أنا أُجيد هذه الأُمور ....سأحاول أن أُثبت له جدارتي كي يستمر بأبقائي أعمل عنده .... رغم عجرفته وكرهي له إلا أنني أحتاج بجم العمل وأشعر أن هذه فرصة لي ... "
وطأت قدماها أمام شقتها وشاحت بنظرها للأعلى متمعنة بالمبنى الذي تسكن فيه وأكملت قائلة
" على الأقل سأعيش في مكان مرموق سيحول بيني وبين النحس الذي أتعايشه كل يوم في زوايا هذه الشقة الواهنة "
بتعرقلٍ في القفل فتحت بالكاد ذلك الباب العتيق الذي يدخلها لشقتها البائسة ذات الإنارة خافتة الضوء تكاد لمباته تنطفئ تدريجيا ، مع الأثاث القديم المهترئ والجدار الهش وكأنه سينهار بأي لحضة....كان ذلك المكان هو إنعكاس لبؤس حياة روجينا
لم يهمها ما فعل المدعو هيكتور بها قبل ساعات وطريقته الفظة في التعامل معها ، كانت وبكامل إرادتها الراضية تجمع ملابسها لتخرج من دهاليز هذا المكان بأي طريقة
كل مايجول بخواطرها كان وقتها
" حصلت على عمل تقريبا ، سأنتقل من هذا المسكن الذي أنزلني للحضيض...سأعيش بمكان راقي وسأنال عملاً راقٍ ... ستكون خطوتي الاولى نحو الأفضل .... سأثابر لأكون روجينا مديرة الأعمال .... وليس روجينا العاطلة ... "
ذهبت إلى ذلك المكان بعد إيضاحهة لسائق التكسي..أوصلها حيث المقصود ونزلت بخطواتها المتعثرة تجر حقيبتها المملوءة بالملابس الرثة حتى اصبحت أمام بوابة شاهقة تفصل بينها وبين مبنى وكأنه مدينة مستقلة لا متناهية البنايات
شعرت أن الكاميرا صورتها فأنفتحت تلك البوابة ببطئ حتى أتى واحد من أُؤلئك الذي يرتدون الزي الرسمي الأسود ... قال لها ببرود
" اتبعيني .... "
تبعته دون تردد ساحبة حقيبتها خلفها ...
جذب زرقة عيونها رونق المناظر وتأجج جمالها ... إنها حدائق وكأنها خيالية ، الخضرة والورود والينابيع والتماثيل ... كأنه حلم وردي من أحلام الأطفال البريئة
لم ترفع ناظريها لحضة وهي تلتفت يميناً ويساراً متعجبة بكل قطعة في تلك الحديقة الضخمة الزاهية
وصلوا لأدراج المبنى لتدخلهم فيه بعد أن قطعوا تلك الحديقة بمشوار شبه طويل لسعتها( مساحتها ) الواسعة
دخل ودخلت وراءه وليس لديها تساؤل حول العمل الذي ستعمله هنا ، فقد كانت على يقين بأنه إما خادمة مطبخ أو تنظيف ...
لم تكترث حتى ومشت تتبعه وهو يعبر رواق رواق فيهن عدد من الغرف لا تحصى ولا تعد ، مزخرفة الأبواب والسقوف متدلية منها الثريات الكريستالية ذات الطراز الملوكي القديم .. والسجاد المفروش والأثاث الفخم .... أنزل في قلبها فرحة وهي تردد قائلة في نفسها
" نعم هذا هو مكاني ، هذا هو مسكني من اليوم ... "
وبعد أن وصلوا لباب غرفة كبيرة إلتفت الرجل نحو روجينا وقال لها بنبرة البرود تلك مرةً أُخرى
" أُتركي حقيبتك هنا عندما ندخل "
أجابته فوراً
" حسنا "
تركت من يدها الحقيبة وفتح الباب ودخلت .... دخلت لمكتب ليس بمكتب إنه عرش الملك بذاته
وهي تشيح بنظرها هنا وهناك على جمال وفخامة اثاث ذلك المكتب صدت عينها عن من يجلس هناك على كرسي الملوك ، إنه هيكتور هذا ...
كان ينظر لها وهو مشبك أصابعه ، بعيونه الحادة الخضراء الفاقعة وشعره الأسود الفحمي و بجلسته المتكبرة تلك يبرز منه جمالاً مخيفاً قال وهو يقلب بأوراق أمامه وينظر لهم
" إذاً حضرتي .... أنتي روجينا أندرسون بالإطلاع على سجلك العائلي أنتي يتيمة ليس لديكِ عائلة ..... أمرٌ مثيرٌ للإشمئزاز
إسمعي عملك سيريه لك ذلك الرجل الذي أحضرك ... تعملين دون تذمر أو إنقطاع يوم واحد ... وإن لم يعجبك هاتي ما تدينين لي به وانصرفي ... "
عادت وحرقتها كلماته المهينة خاصة حين تحدث عن يتمها
فرفعت ناظريها نحوه وقالت بحده وغضب
" من سمح لك بالتحدث عن حياتي الخاصة هكذا
ولو كان عندي ذلك المبلغ اللعين هل كنت حضرت من الأصل ؟ "
وقف بغضب فور سماع جوابها الحاد ذاك وصرخ عليها
" أيتها الوقحة أنا رئيسك الأن و يجب أن أعرف من أوظف لربما تكون لكِ سوابق إجرامية ، طالما لاتملكين المال أنا أملكك أنتي تعملين لدي ، إياكي أن تتجرئي وتنظري في وجهي حتى حين تتحدثين ، وإجاباتك على كل ما أقوله تكون حاضر سيدي
هذا هو حال المرء العاطل والمفلس ، بلا كرامة وبلا عزة نفس والإذلال والإستكانه لرب عمله هو اسلوبه في العيش وكسب المال "
انعقد لسانها ، وفاضت العبارات داخلها تتردد في جوفها
" لما....لما اشعر انه محق...لهذا السبب طردت اليوم من عملي ، لأجل تمسكي بكرامتي وعزة نفسي ، لماذا أيتها الحياة ، أهذه طريقتكي في تسيير البشرية بهذا النمط لكسب لقمة العيش ، أهذه عدالتكِ ؟ "
إستسلمت للإستكانه والذل لتقول فوق إرادتها عبارة الـ " حاضر سيدي " تلك له
فهي رغم كل ما مرت به من شقاء إلا أنها لم تجعل من كرامتها تنزل يوم امام أي شخص كان
إستسلمت اليوم قائلةً في نفسها
" نعم هذه هي سياسة الحياة في العدالة بين البشر ، الفقير لا كرامه له ، علي تقبل هذا إن أرددت أن أعيش في ثناياها
ضغط زر الهاتف الذي على مكتبه لينادي الرجل الذي سيرشدها لمكان عملها بعد أن سمع منها عبارة " حاضر سيدي "
فدخل الرجل وارتجلت خارجة من مكتبه لتتبع الرجل دون الاهتمام أين ، فقد كانت وقتها تشعر بالإنهزام
بعد ان تبعته مرة أُخرى مدة شبه طويلة ليمشوا في ذلك الرواق الطويل حتى وصلوا الى باب صغير ، فتحه وأتسعت عيناها قليلا متفاجئة ، إنه يقود للأسفل ، إنه يقود للقبو
هل عملي في الأسفل ؟ هل المطابخ هناك ؟
لم تستطع نطق حرف لذلك الرجل فهو يبدو كالرجل الآلي ، وبعد أن نزلوا بضع من السلالم حتى وصلو إلى قاع القبو وهو مكان منعزل فوضوي بالأغراض القديمة ومليء بالغبار وكأنه لم يدخل له أحد منذ بنائه
لم تستطع كبح سؤالها أكثر فألتفتت عليه قائلة
" ولكن ما نوع عملي بالضبط ؟ "
فتح باب غرفة كبيرة أخرى وكانت مملوءة بالخناجر والسيوف القديمة جداً ، وقال لها
" أترين ماكِنة شحذ السكاكين هذه
ستقومين بشحذ كل يوم مجموعة من السيوف والخناجر تلك حتى تتميها كلها "، والتفت ليتركها ويقول " غير مسموح الصعود للأعلى إلا للضرورة القصوى "
تفاجأت لغرابة العمل وما الجدوى منه فأنفجرت قائلة
" ولكن ماذا يعني هذا إنها سيوف من العصور الوسطى وعددها يكفي لجيوش ، وأنا لا أُجيد الشحذ بهذه الآلة .. تبدو خطرة ... "
أجابها بتلك البرودة
" لا تسألي عن أسباب العمل فهو لا يخصك و الطريقة لتشغيل الماكنة اضغطي زر التشغيل سيدور حجر التشحيذ ضعي السيف عليه من جهة الحافة الحادة واضغطي عليه حتى يشحذ بالكامل "
ثم تركها وصعد ...
بقيت هي محتارة والمخاوف من هذا العمل باتت تروادها ، ماذا لو إنجرحت أو تأذت... ولكن توقفت لحضة لإيقاف جميع الأفكار التي أتتها لتنهيها بقولٍ حازم
" أنا لن أتراجع ، لقد خرجت للتو من بؤرة الجوع والفقر تلك ، سأثابر كما عاهدت نفسي وسأغدوا أفضل من الجميع ..."
لفت شعرها الأصفر الذهبي بربطة وباشرت بتجمع بعض السيوف لتقوم بعملية التشحيذ تلك ...
وعند هيكتور كان مساعده ذاك واقف أمامه ليسأله عنها
" هل أريتها العمل المطلوب منها "
أجابه بأحترام
" نعم سيدي وأفهمتها كل شيء "
إبتسم إبتسامة الخبث خاصتهُ وقال مخاطباً نفسه
" رويداً عليَّ يا أيتها المدعوة روجينا لأُري معنى العمل الحقيقي للفاشلين في الحياة أمثالك ... "
أنت تقرأ
روجينا|Rogina
Romanceفتاة شابة تحارب صعوبة الفقر والحياة القاسية، في احد الأيام تتورط بدين لرجلٍ صعب مغرور ومتكبر يمقت الفقراء... فهل ستنجح في التحرر مِنه؟