جواز تأنيث الفعل

173 12 7
                                    

قلعة الفرسان كبيرة متشعبة، فيها كثير من الدهاليز والقاعات والغرف التي لا تُحصى -أعتقد أنها 555 غرفة-، لكن أفضل مكان فيها هو مكتبة الفرسان بلا شك.

رحت أتجول بين الأرفف باحثة عن كتاب صرف جيد أراجع منه قبل اختبار الفرسان القادم، لكني حين وجدت الكتاب الذي أريد سمعت صوتًا ينادي: «أنت فارسة، صحيح؟»

التفتُّ فوجدت فتاة صغيرة بفستان وردي تنظر إليّ بحدة، استغربت وجودها فسألت متجاهلة سؤالها: «كيف دخلت إلى هنا؟ من أنت؟»
 

عبست وهي تلوح بورقة أمام وجهي ثم تذمرت بقولها: «ألست فارسة؟! لدي سؤال لا أجد له إجابة!»

تنهدت مستسلمة ثم حثثتُها على المتابعة، فأردفت: «في قوله تعالى: «فقد جاءكم بينة من ربكم» لم توضع تاء للفعل (جاءكم) رغم كون الفاعل -بينة- مؤنثًا! وأيضًا في قوله تعالى: «وقال نسوة في المدينة»، نسوة مؤنثة بكل ما يحمله التأنيث من معنى! لا أفهم!»

لم أتوقع أن تسأل سؤالًا في عمق الصرف، لكن كان عليّ إجابتها: «لأن الفعل هنا يا صغيرتي جائز التأنيث، أي يمكن تأنيثه ويمكن عدم تأنيثه»

حدقت بي فاغرة فاهها ثم رمشت عدة مرات متمتمة: «تأنيث؟»

يبدو أن الشرح سيطول…
جلسنا على أحد المقاعد ومعنا ورقة وقلم، ثم بدأت بالشرح:

«لنبدأ بعلامات تأنيث الفعل، الفعل الماضي يؤنث بوضع تاء ساكنة آخره، مثل: أخذَ، تُصبح: أخذتْ.

أما الفعل المضارع فيؤنث بوضع تاء مفتوحة أول الفعل، مثل: تَأخذ.
هذا مبدئيا معنى تأنيث الفعل، وبدهيًّا، يؤنث الفعل حين يكون فاعله مؤنثًا، لكن هذا لا يكون واجبًا في كل الحالات»

صبّت الصغيرة جُلّ تركيزها في الورقة التي أكتبها كي تستوعب، ثم سألت:
«حقًّا! يمكن أن يكون تأنيثه جائزًا غير لازم؟! متى يكون هذا؟ ومتى يكون واجبًا؟»

«في البداية، لنتفق على أن ما يحدد كون الفعل واجبًا أو جائزَ التأنيث هو الفاعل، ثم لنبدأ بالواجب:

يكون الفعل واجب التأنيث في حالتين:

أولًا: أن يكون الفاعل ظاهرًا، مؤنثًا حقيقيًّا، لم يُفصل بينه وبين الفعل فاصل.»

نظرت إليّ بسخرية قائلة:
«ظاهر حقيقي؟ وهل هناك مؤنث خيالي مخفي مثلًا؟»

حاولت إخفاء ضحكي حتى لا أحرجها، ثم أجبتها: «ظاهر، أي أنه ليس ضميرًا مستترًا، ومؤنث حقيقي، أي أنه يلد أو يبيض، مثلًا (سلمى) مؤنث حقيقي؛ لأنها فتاة، أما الطاولة أو الشمس فهما مؤنث مجازي.

إذن، حين يكون الفاعل مؤنثًا حقيقيًّا ظاهرًا، لم يفصل بينه وبين الفعل فاصل (كشبه جملة أو ظرف أو غيرهما) صار واجب التأنيث،كأن أقول: سافرت هند اليوم.

وصايا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن