الفصل السادس

42 5 0
                                    

إنتهت مراسيم الدفن وبدأ الرجال ينسحبون واحدا تلو الآخر وهم يصافحون مراد ويعزونه في أخيه

كان ثابتا رغم العواصف التي تعصف بداخله إلا أنه أبى أن ينهار أمام الناس

صافح آخر المعزين وبعد أن ابتعدوا كليا عنه انهار على قبر أخيه و أجهش بالبكاء

اقترب منه بدر ووضع يده على كتفه المهتز من أثر البكاء وهمس بأسى "كفاك هذا الآن، أدعو له بالرحمة والمغفرة، وهي نغادر "

التفت إليه وقام من مكانه وعانقه بقوة وبدأ ينثر كلماته المنكسرة "أنا الآن لن أراه مجددا، لن أسمع صوته ولن أرى ضحكاته ولن أشتم رائحته، هو الآن لم يعد له وجود، كيف سأتحمل هذا؟كيف؟"

دمعت عينا بدر ولم يعلم كيف يواسيه كل ما فعله أنه شد عليه وطبطب على رأسه ثم قال بحنان "هيا لنعد إلى البيت "

ألقى مراد نظرة أخيرة على قبر أخيه وغادر برفقة بدر

-

في مكانها خلف الشجرة الضخمة ظلت تراقب مغادرتهما وقلبها ينبض بقوة وسرعة شديدة، بعد أن تأكدت تماما من ذهابهما خرجت و وربطت قماشا أبيضا على شاهد القبر وغادرت بخطوات متعثرة إلى أن ابتعدت عن المقبرة وتنفست الصعداء وكل ما يشغلها الآن كيف تتخلص من زوجها ليلا؟

-

وصلت باب جارتها نورة ووقفت للحظة وفكرت أنه ربما لديها شيء يفيدها الليلة فطرقت الباب بهدوء وانتظرت ثواني حتى فتح الباب لتخرج نورة وهي متفاجئة من رؤيتها لها أمام بيتها

قالت بصدمة "أهذه أنت حقا؟"ثم مدت يدها وقرصتها وصرخت زينب بألم "آ آ آ ه..ما بالك؟بالطبع هذه أنا "

ضحكت نورة بصخب وقالت وهي تشدها للداخل "آسفة يا امرأة...هذا لأني لست معتادة على زيارتك لي "  ثم أضافت بفضول "ها..خيرا  ما سبب قدومك إلي ؟"

ابتسمت زينب وقالت "وهل يجب أن يكون هناك سبب لزيارة صديقة عزيزة؟"

قطبت نورة حاجبيها وقالت بشك "هيا..إلعب غيرها، فأنت بالتأكيد لن تستغني عن روحك من أجلي، لكان زوجك حطم عنقك لو رآك هنا "

ضحكت زينب "حسنا..حسنا..كنت في المقبرة وعلمت القبر..ولكن المشكلة الآن كيف أغادر المنزل دون علم زوجي؟ هل أجد لديك حلا؟"

ابتسمت نورة بخبث وقالت وهي تتجه نحو درج وفتحته وأخرجت منه  علبة دواء  "بالتأكيد لدي الحل " مدت العلبة لزينب التي وقفت تحدق إلى العلبة بتساؤل

لتقول نورة "هذه حبوب مخدرة، ضعيها في شاي زوجك ولن يستيقظ حتى الغد ولن يشعر بأي شيء  "

ابتسمت زينب براحة وعانقت نورة بقوة وقالت " أنا حقا ممتنة لك، لن أنسى جميلك هذا أبدا "

ابتسمت نورة بخبث وقالت وهي تشد عليها "أنا لم أفعل شيء يستحق كل هذا "

وقبل أن تغادر زينب إلى بيتها أعطتها نورة بعض الأغراض من أجل الحفر وسكين ضخمة لتقطع بها اليد بسهولة، أخذتها زينب وهي ترتجف وقالت "لا أعلم حقا إن كنت أستطيع فعل ذلك "
أعطتها نورة نظرة حارقة دون قول أي شيء، وقالت زينب باستسلام "حسنا حسنا، سأحاول، وأتمنى ألا أفسد الأمر "

غادرت باتجاه بيتها وهي تطلب الله أن يخلصها من كل هذا بسرعة

-

كان في المقهى يشرب كوبا من القهوة مع أحد أصحابه حين سمع شهقة من صديقه وهو يقول "يا رجل...أسمعت عن هذا؟"

نظر إليه أحمد بتساؤل وقال "عن ماذا؟"

قال الرجل "اسمع ما كتب هنا...يقال أن هناك امرأة ذهبت إلى دجال لتسحر لزوجها..وطلب منها أن تقطع يد رجل ميت وتستعملها في طبخ الطعام لزوجها ليصبح كالحي الميت ويفعل ما تطلبه منه دون جدال، ويقال أنها ذهبت وحفرت قبر رجل مات حديثا وفعلت  ما طلبه الدجال منها ولكن السحر انقلب عليها حين أمسكها زوجها بالجرم المشهود وقد طلقها على الفور وطلب رجال الشرطة لها "

حين أكمل القراءة نظر إلى أحمد الذي بدت عليه ملامح التقزز وقال "يا رجل  ،هذا شيء مرعب جدا، كيف أمكنها فعل شيء كهذا؟"

تنهد أحمد و ارتشف من كوبه وقال "النساء..إنه سبب الهلاك "

ضحك صديقه ولم يعقب

-
عند مراد حين وصل إلى البيت بدأ أهل القرية يأتون إليه لتقديم تعازيهم، كان شاردا ومنهكا ولكنه كابر وظل وقفا يتلقى العزاء، ورغم أنه طلب من بدر أن يعود إلى عمله إلا أنه ظل واقفا معه، لأنه حتى إن عاد إلى عمله لن يركز في أي شيء، وسيبقى باله مشغولا بمراد

مر النهار بطيئا جدا على زينب التي تفكر كثيرا في ما سيحدث الليلة وعلى مراد الذي بدأ يشتاق لأخيه وبدأ يفتقد وجوده في المنزل

-

كانت في المطبخ تعد الشاي بعد أن تناول زوجها العشاء وهي ترتجف وقلبها ينبض بقوة، ماذا إن شعر بطعم الحبوب المنومة في الشاي؟بالتأكيد سيقتلها دون تردد

أخذت كوبا ووضعت به حبتين وأضافت له النعناع و تمنت أن يخفي طعم المخدر

دخلت إلى غرفة المعيشة ووضعت الكوب أمام أحمد الذي نظر إليها بحقد دون كلمة وظلت واقفة بجمود أمامه تنتظر منه أن يشرب من الكوب

وهو تعجب الأمر وقال بصوت هادئ "ماذا هناك؟لماذا ما تزالين واقفة أمامي؟"

انتفضت حين انتبهت لوقوفها وقالت بخوف "ل..لا..شيء..آسفة "

وصرخ أحمد فجأة وقال "إذا  انقلعي من أمامي الآن "

ارتجفت أكثر وهرولت  إلى غرفة نومها و هي تهمس بغل وتقبض على يدها "سوف تذوق الأمرين على يدي، فقط انتظر وسترى "

بعد مضي بعض الوقت خرجت تتسلل من غرفتها ووجدته نائما في مكانه واقتربت منه وهزته قليلا ولكن لم يحرك ساكنا

ابتسمت بسعادة وركضت إلى غرفتها وارتدت ملابس سوداء وغطت وجهها وخرجت متسللة كاللصوص نحو المقبرة

ولحسن حظها كان نور القمر كشمس النهار تماما وهذا ساعدها على الرؤية بوضوح دون الحاجة إلى اضائة ملفتة

لكونهم يعيشون في قرية صغيرة لم يكن للمقبرة بوابة أو حارس يحرسها وهذا زاد من سهولة الأمر لزينب

بعد بعض الوقت وقفت أمام القبر وهي تلهت وتنفسها صار مسموعا في هدوء المكان

يتبع

الصرخة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن