البحر 🕊️💙

20 4 4
                                    


       "بعدما هدأت جميلة، بعدما قلت النوبة الحادة من البكاء على والدتها كانت تُحضر عزاءً جديداً ،دموعاً جديدة، دموع قد أخفاها البحر و طمسها الليل بسواده"

     جميلة: بعد مضي أكثر من أسبوع في الغابة و انتهاء الطعام الذي كنا قد جلبناه معنا بدأ الشعور بالجوع و العطش والكثير الكثير من التعب، استبداد المُهرب علينا و اعطائنا الكثير من الوعود التي لم نرى شيئاً منها، وفاة امي و نظراته التي أصبحت تلتهمني، خوفي على صغيرتي.
   جاء اليوم الموعود أخيراً قال لنا تجهزوا اليوم قريب الفجر سوف تأتي سفينة تقلنا إلى ألمانيا
سيكون الطريق بحراً إلى كرواتيا ثم إلى النمسا براً ثم ألمانيا.
اختي كنت شاحبة و تدعي التماسك، اخبرتها مراراً أن تحتمل المزيد بقي القليل، نظرت الي و قالت بعدما لجمتها وفاة أُمي أمام أعيننا، قالت لي بيأس :لماذا بقينا؟ لم يبقَ لنا أي أحد! لماذا لم نَمت اخبريني جميلة، ما ذنبنا لنعيش هذا كله، انا الصغيرة هُنا لماذا تعاملني الحياة كأنني كبيرة أستطيع حمل الجبال لو مهما كان وزنها!!، تخبرني وهي تبكي لم تكف عن البكاء ابداً، انظر إليها بوهن، قلة حيلة، خاطرٍ مكسور، أجبتها :للقَدرِ رأيٌ آخر روان، فكري أننا شارفنا على الوصول و البدء بحياة جديدة، احلام جديدة..
نظرت إلي و ابتسمت بوهن، لم أرى اختي في هذه الحالة من قبل، كان قلبي يعتصر ألماً.

ليلة التهريب :
الساعة الثانية ليلاً جاء قارب صغير، نحن ننظر لبعضنا مستنكيرين أدفعنا هذا الأموال الطائلة مقابل سفينه لنجد قارب؟؟
اتضح علينا جميعاً الأستياء ، فقال المهرب بتعالي : احمدوا الله اننا وجدنا هذا، اركبوا حالاً.
ركبنا وليتنا لم نفعل، وصلنا إلى منتصف الطريق كانت حركة البحر تواسينا و تساعدنا كأن البحر كان يبعث لنا رسالة أسف شديدة على فعل الحياة بنا هذه المجزرة.

بدأت السماء تتخلص من سوادها و بدأ البحر بالتخلص من هدوئه، لقد هاج الموج فجأة إننا نغرق لن يستطيع هذا القارب حملنا داخله مدة أطول , صاح أحدهم
نظرت اختي له - وهي تضحك ولأول مرة أراها تضحك بعد وفاة امي- وقفت وقالت : لربما هذا البحر يحملنا، ما بها لو قام البحر بإبتلاعنا مثلاً؟ الحياة رأت أن نبقى بلا سند بلا أم ولا أب، بدون حتى منزل يأوينا شيء عاادي، انت تعتبر ناجي من هذه الحرب على الرغم من أن جسدك مُلطخ بالندوب التي لا تساوي شيئاً أمام ندوب قلبك، اذا كان البحر يرحب بنا انا لا أجد مانع، نظرت الي وهي تبتسم إبتسامتها الجميلة وقالت لي اعتني بقلبك جميلة وقفزت للخلف، انا أقف ببلاها احاول استيعاب ما الذي يحصل هنا! قفز الشاب الذي دافعت امي عنه خلفها مباشرة و انقذها بصعوبة لٱجد المهرب بكل خبثه و قلة أدبه يقول : أهذا الوقت مناسباً
لهذه الدراما!

وسن: لم تبكِ على ردة فعل اختك؟
جميلة : هجمت على بائع البشر المنافق، صرخت بأعلى صوتي وانا أشد ياقة قميصه واقول له لقد سئمت منك و نظراتك، تباهيك، ان لم تفقد غالياً انت نحن فقدنا و الكثير حتى أن أغلبنا يجلس هُنا بدون روح، بينما انت تنظر لنا گسلع و بضاعة عليك ايصالها بأي حالة كانت نحن ننتظر بصبر على ما نراه لأننا عشنا في الحرب ما هو اسوء، اصمت لقد فاض الكيل..
اقترب مني بكل وقاحته وقام بشق عبائتي من الأمام ليجد احد الشباب ينقض عليه و ينهال عليه بالضرب وانا ارجف، قال لي من بعيد هذه رسالة تنبيه لتتعلمي كيف تصرخين علي أفهمتي؟ كوني عاقلة اتفقنا يا جميلة و بعث قبلة بالهواء
صحت بأعلى صوت بقهر :انت ساقط، رذيل، همك معروف، اشفق عليك كثيراً مازلت صغيراً على وجع الحياة حتى تنغاض من صراخ فتاةٍ تعلم انك لن تحصل حتى على خصلة شعرة منها. 
نظر الي بغيض مكبوت وصمت طال طويلاً ..

وسن: ما الذي حصل مع اختك! أتحرش بكِ بعدما حصل هذا الموقف!
جميلة : أسمعتي من قبل عن متحرش يقف لمجرد الطلب منه ذلك؟
او أنه يكف اذاه عندما يرى فريسته قوية!
اختي انقذها الشاب و قام بالتنفس الإصطناعي و انا وضعتها بحضني ترجف مع بداية الصبح و نسماته.
المفاجأة الآن عندما فجأة توقفت سفينه إلى جانب قاربنا ليتضح فيما بعد انه خصم المهرب في المهنة  و

"بدأت جميلة تشهق و انقطع نفسها كلياً، تحول إلى اللون الأزرق و تضع يديها على رقبتها و تحاول التخلص من القيد الغير موجود اصلاً،أصرخ باسمها و أحاول ان اوقضها من ذكريات الماضي التي تتحجر في حلقها و تخنقها، نختنق بذكرياتنا مع مرور الأيام، نختنق كلما زادت تلك الكلمات التي احتفظنا بها في جوفنا تلك الغصات و الدموع التي كان يُفترض ان تخرج بوقتها و كتمناها مُطولاً "

بدأ العد التنازلي من قبل الشباب المقرفين التي أشكالهم لا توحي بالخير ابداً..
10 ،9 ،8 ،7 ، 6، 5 ،4 ،
أول طلقة بقلب اختي، قفز المهرب في البحر و غاص و نحنا كُنا محط التجربة لهم بدقة تصويبهم، تجمدت مكاني، الحقد و الغيظ و قلة الحيلة أصبح ملحاً في عيني، هززت جسد اختي مراراً و تكراراً لم تستيقظ،أربعة رقمها المُفضل، خسارتي الرابعة و فقيدتي الأخيرة
كان حتى اسمها من 4 أحرف، روان، كانت رقيقة القلب، هادئة الطبع، مجروحه الفؤاد، فقيدتي التي ذهبت خلال لحظة مني، سرقها القدر مني و تركني وحيدة حتى كلماتي كلها تتكون من أربعة حروف
صرخت، صرخت كثيراً، لم أعد أفهم ما النور الذي سوف أراه بعد كل هذا الظلام و الفقد و المعاناة، ما الذي تخبئه الحياة لي، أصيب الجميع في القارب عداي لأن اختي كانت بحضني فلم تصبني الرصاصة، لمت نفسي كثيراً لربما لو كانت ممدة كانت أصابتني الطلقة وانا التي مُت، كانت المرأة التي معنا تلفظ أنفاسها الأخيرة، اقتربت منها وقلت لها اهدئي و ارجوكِ تحملي انت رفيقتي بالمأساة، بالقدر ارجوكِ ابقي لا اتحمل خسارة جديدة، تحملي ارجوكِ!

قالت وهي تجاهد للفظ الكلام كأنها اليوم تعلمت النُطق : ابنتي تسكن في ألمانيا، هذا المكتوب لها و العنوان داخل المكتوب، كنت اعرف أنني لن اصل إليها قبليها كثيراً، أخبريها أنني أحبها مهما بلغ الخصام بيننا، اخبريها انني كنت اتمنى رؤيتها و ضمها إلى صدري و شم رائحتها تلك، وانت يا جميلة اياكِ والاستسلام، ابقِ على قيد الحياة لتحيي ذكرانا دائماً، لتترحمي على أرواحنا جميعاً سوف يمحي ذكرانا البحر مثلما مسح  ذكرى غيرنا سابقاً لا أحد هُنا معفي من النسيان ..
كنت أبكي بشدة و اسمعها كثيراً، و ابكي وهي تلتقط أنفاسها قلت لها في وسط دموعي يا خالة انطقي الشهادة، نطقتها و ابتسمت ثم ماتت..
انظر للقارب أصبح مليئٌ بالدماء، انظر و ابكي و قلبي يغلي رأيت الشاب الذي دافعت عنه والدتي و انقذ اختي إصابته في يده، ذهبت اليه و ربطت له يده :همست له في اذنه سوف ننجوا أعدك بذلك تحمل ارجوك.
اخذت المكتوب من سترة الخالة ونقودي و حقيبتي، قبلت اختي كثيراً و اعتذت منها أكثر همست بأذنها ان تُقبل لي أمي والبقية، دعوت ان تجتمع أرواحهم معاً يكفي أن اجسادهم مبعثرة لتكون قطع قلبي مع بعض البعض في النعيم بإذن الله.
نزلنا إلى البحر انا و الشاب، وجدت خشبة أخبرته ان يتمسك بها و حاولت بكل قواي أن أقلب القارب و يحمل البحر بجوفه هذه الأرواح التي نازعت كثيراً لتصل ولم تصل
صاح الشاب : ما الذي تفعلينه يا مجنونه؟
قلت: أأتركهم للحيوانات لينهشوا أجسادهم ألا يكفيهم هم الحياة!؟ البحر أولى بهم قد طمس غيرهم سابقاً، ان البحر مقبرة للاجئين، الطموحين، الذين سعوا لتغيير حياتهم فكان للقدرِ رأيٌ آخر...

يتبع...

للقَدر رأيٌ آخر 💙🕊️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن