سلمى والمصحة

15 2 0
                                    

" نحن نتكأ على قلوبنا لا عمودنا الفقري لذلك كلمة قادرة على أن تطير بنا إلى سابع سماء و كلمة قادرة على إنزالنا إلى سابع أرض ، كائنات رقيقة طريقة إلقاء الكلمة و نبرة الصوت كله يؤثر فينا ولكن عندما رأينا أننا لسنا ملجأً لبعضنا و نتصيد هشاشة أطرافنا لينهش كلٌّ منا الآخر أخفينا أنفسنا ومعها اختفت إنسانيتنا "

وسن : هل تعتقدين حقاً أن كلامه صحيح ؟
صفاء : لربما ، لربما كان يمكن أن أقوم بجهدٍ أفضل ، بإسعافات أكثر , لا أعي حقاً.
أحقاً يكون للقدر رأيٌ آخر !؟ ما النور الذي أُبصره من هذه المأساة !

وسن: أولاً : تخلصي من جلد الذات أنت قمت بالكثير صدقيني ، لو كان له عمر وأنت أخطأت كان ليعيش لا إرادة تكون فوق إرادة الله ، تذكري هذا جيداً .
كلام حبيبك السيء نابع من سوءه ، هو للآن يعلم أنه قادر على أن يؤثر بك و بتفكيرك ، لا تسمحي بأن يُستَهلك قلبكِ من قِبل إنسان لم يَستهلك حاسة واحدة من حواسه من أجلك ،إياك أن تقللي من قدر نفسك ، أنت تستحقين الأفضل دائماً صفاء .
كُل نساء الأرض لها قصتها التي أدمت طرفها و قوتها ولكننا نتعامل في نهاية الأمر كفتيات نجونا وليس كضحايا .

ثانياً : للقدر رأيٌ آخر 💙
هل لك أن تتخيلي إن عاشت والدته بحسرتها به ، إنها تنتظره منذ ١٤ عاماً كيف لها أن تتعايش مع ألمها !!
الله وحده يعلم خفايا الأمور ، ألم يصبح الأب الآن يرعى الأيتام ولا يقطع وصلهم ؟
ألم يتبنى علاج الكثير من الأطفال على حسابه ؟
ألم يكن ألمه هذا شفاء للكثير من الأطفال؟؟
دائماً هناك خيط أبيض في كل صفحة سوداء ،نحن ندرك أن عطايا الله عظيمة و نقدرها أكثر بكثير عندما نفقدها.
الحقيقة المُطلقة في هذه الحياة أن حتى النهاية سوف تنتهي يوماً ما ، سوف نجتمع بكل أحبابنا يوماً ما ، أهون ما في الموت إنعدام الإحتمالات
مات وسوف نلقاه يوماً .
رحم الله أمواتنا يا صفاء ، أنظري جيداً في وجوه العابرين تستطيعين أن تخمني بأي حالة هم من ملامحهم أو لغة أجسادهم ، لكلٌّ منا قصة يا صفاء قصة صقلتنا بأبشع الصور ، ظننا مطولاً أن مزايانا هي التي تصقلنا ولكن في الحقيقة صقلتنا كلُّ المواقف السيئة ، كل الكلمات التي ما استطعنا البوح بها ، كل الأحلام التي طمحنا مطولاً و مطولاً لتحقيقها لكن عزَّ على رحم الحياة أن تنجبها إننا في نهاية المطاف وجدنا أن راحة خاطرنا من تعب الحياة أسمى من تحقيق أحلامنا التي كافحنا بها مطولاً .

" تركت صفاء مكانها غارقةٌ هي بكلماتي و الطبطبة على جرحها ، غارقةٌ أنا بقصص العابرين التي كلما حفرت بها أكثر أدرك أكثر معنى أن يجد الإنسان في نهاية يومه شخصٌ واحد على الأقل يخبره كل ما يكدر خاطره ، شخصٌ ينقذه من دوامة التفكير المستمر أو يقاسمه رغيف التفكير "

السكرتيرة : دكتورة وسن ، لقد تأخرت عن موعدك مع مريضك الذي في المصحة

وسن : كم لي أقول لك تنادين مرضاي بأسمائهم ، كُلنا نعاني ولكن هُم فضلوا المعاناة بصوت أعلى ، فضلوا الصراخ علَّ الصراخ ينقذهم ، اسمه حسام -ابتسمت -

السكرتيرة : هل غضبتي مني !؟
وسن: لا ، لكن حان وقت أن تدركي هذه الأمور ، انا سأذهب للموعد الآن ، إن جاء أي مريض للعيادة أخبريني .

" كل مرة أتذكر فيها ذلك المكان يؤلمني قلبي علينا نحن الذين نعيش تحت بند الأشخاص الطبيعيين ، كُل من يوجد في ذلك المكان هو إنسان رفض فكرة المعاناة بصمت ، قرر إعلان الألم للعلن ، صرح بأنه إنسان يحتمل لحدٍ معين الألم ، وليس مجبراً على تحمل المزيد ، نحن نقول مجانين ، مرضى وما هم سوى بشر مثلنا تماماً ، لم يحتملوا مأساتهم ، بعضهم بقي في منتصف الطريق .

★ أتذكر سلمى التي جاءت إلى هنا بعد خطبتها على حبيبها ، قيل لها أنه توفي وهي تنتظر يوم عرسها بفارغ الصبر ، صرخت كثيراً ثم استيقظت تهذي بإسمه إلى اليوم ، كنت كلما جالستُ سلمى تخبرني أنه مازال على قيد الحياة ، أقول لها أعطني دليلاً واحداً وسوف أحاول الوصول له ، لتلجمني إجابتها : قلبي مازال لليوم ينبض ، ألا ترين أن هذا أعمق من كل الأدلة ؟
بحثت عنه مطولاً و الصدمة أنني وجدته ، كان حيٌ يرزق ، ولكن كان الحادث الذي وقع قد أجلسه في كرسي متحرك ففضل أن يموت بالنسبة لحبيبته على أن تراه بهذه الحالة ،ولم أخبره أبداً أنها فضلت عدم العيش على أن تتقبل وفاته -انه سُر مريضتي مهنتي تُحكم علي -

-عندما دخلت الى المصحة -
احدى الممرضات : دكتورة وسن ، سلمى تُعاني .
ركضت إليها فوراً ،

دخلت إليها فوراً وقلت لها : ما بالك سلمى ، أخبريني

سلمى : أنت رأيت أحمد أليس كذلك؟ ، أنت لا تكذبين ، علمتي أنني لست مجنونه؟

وسن : أسألك عن نفسك سلمى دعكِ من أحمد الآن ، أحمد مات ، اليوم أحمد مات ، قلبي يعتصر ، مات أحمد .
- اقشعر بدني و لكنني أحاول الثبات -

سلمى : وسن ، أخبريني بأي وضع كان ؟ أتزوج من غيري !

وسن: لا سلمى ، فقد قدميه ، أصبح الكرسي رفيق له ، لم يرد أن يأتيك بهذه الحالة ففضل أن يموت في حياتك ، أعلم سؤالك :لا لم أخبره بأنك هنا أنت قلت للجميع أنك ستهجرين البلاد إلى بلادٍ آخر .

سلمى : يا حبيب قلبي ، يا عمري المنطفئ ، أتموت قبل أن تزورني ، أتموت يا أحمد !؟
تعلم جيداً أنك لو مُت لمات قلبي ألم يفكر بذلك مطلقاً .
وسن خذيني إليه ، خذيني إلى قبره ، أنظري ها أنا أقول لك وسن لم أعد أقول لك دكتورة ، اصبحتي صديقتي الوحيدة ، أرجوكِ .

وسن: من قال لك أنه توفي حقاً يا سلمى ! ، أقدر أنني أصبحت صديقتك و أفتخر بذلك .

سلمى : مثلما صدقتني أنه حي عندما الكل قال لي أنه مات ، صدقيني أنه توفي .

"للمرة الأولى في حياتي أردت من إحساس سلمى أن يكذب ، للمرة الأولى كنت خائفة من أن أتأكد أن قلبيهما معقود لهذه الدرجة، صدقتها أول مرة لأنها لم ترى جثته ولكن الآن ! "
ذهبت إلى منزل أحمد و طرقت الباب و كانت سلمى تنتظرني بالسيارة لأجد ......

يتبع ..

للقَدر رأيٌ آخر 💙🕊️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن