الفصل الخامس عشر

1.3K 46 8
                                    

كانت تضم كفيها الصغيرين معا امامها وعينيها العشبية تلمع ببريق الحزن والأسى وهي تتوسل بطفولية قائلة
"ارجوك يا فراس تعال معي لحفلة المدرسة فأنا لا استطيع الذهاب لوحدي بدون رفيق لأن والدي لا يسمح لي بذلك"
رفع (فراس) عينيه من فوق النظارة وهو يضغط على ازرار الحاسب من أمامه بقوة ، ليقول بعدها بلا مبالاة وهو يعود بنظره لحاسبه
"ولما تريدين مني انا تحديدا مرافقتك ، أليس من الأفضل أن تطلبي هذا من والدتك أو من عبير لمرافقتك"
ردت عليه (فرح) بتذمر وهي تسند مرفقيها على سطح المكتب أمامه
"والدتي وتعرفها جيدا لن تتحمل صحتها مثل هذا النوع من الحفلات ، واما تلك المملة عبير فهي قد رفضت الذهاب معي لأنها تقول بأن الحفلات الصاخبة للصغار ولا تروقها ابدا ، لذا لم يتبقى لي سواك يا فراس ، أرجوك أن توافق"
زفر (فراس) أنفاسه بانزعاج وهو يتمتم ببرود
"اذهبي إذاً وابحثي عن اي أقارب ليرافقوكِ لحفلتكِ المملة بعيدا عني"
تبرمت شفتيها بعبوس طفولي وهي تقول بتجهم
"ومن أين أجدهم وأنا لا اعرف أحدا بهذه البلاد ، لا يوجد لدي سوى ابنة عمي والتي لسوء الحظ ساقها مكسورة ، لما يكون كل شيء ضدي بهذه الحياة"
رفع (فراس) نظره بعيدا عن الحاسب وهو يشرد هامسا بتفكير
"وكيف حال ساقها الآن ، هل ما تزال تستخدم العكاز"
تجهمت ملامح (فرح) وهي تتمتم بحنق
"أنا اتكلم عن الحفلة وانت تسألني عن ساقها ، هل أنت معي حقا يا فراس"
عاد (فراس) لعمله وهو يعدل من النظارة فوق عينيه قائلا بجمود
"الحل الأفضل ألا تذهبي للحفلة من الأساس فأنتِ لم يمر سوى أيام على دخولكِ للمدرسة وأصبحتِ تريدين الذهاب لحفلاتهم"
انتفضت (فرح) بعيدا عن سطح المكتب وهي تقول بامتعاض وتضرب أرض الغرفة بقدمها بقوة
"لا هذا ليس عدلا ابدا ، انا محبوسة بهذا المنزل الكبير منذ وصولي لهنا ولا اخرج ألا للمدرسة ، بينما عندما كنتُ أعيش بالخارج كنتُ أخرج يوميا لأماكن كثيرة ، والآن تريدون مني أن تحرموني من طلعتي الوحيدة من هذا المنزل"
كان (فراس) يتجاهلها تماما وهو يعطي كل انتباهه لحاسبه ، ليشعر بعدها بذراعين صغيرتين تعانقين كتفيه من الخلف وهي تقبل وجنته قائلة بمرح طفولي
"ارجوك يا شقيقي الحبيب تعال معي للحفلة ولن تخسر شيئاً بل ستستمتع كثيرا بها ، أرجوك من أجل قردتك الصغيرة ، أرجوك ، أرجوك ، أرجوك"
عقد (فراس) حاجبيه بحدة وهو يبعد ذراعيها عنه قائلا بصرامة
"لن استطيع يا فرح فأنا لن أضيع وقتي من اجل حضور حفلات تافهة ، لذا انسي الموضوع تماما"
زمت (فرح) شفتيها بغيض وهي تقبض على كفيها بقوة ، لتبتسم بعدها بخبث وهي تتقدم باتجاه مكتبه قبل أن تضرب على سطح المكتب بقبضتيها بقوة وهي تجهش ببكاء مرتفع ومزعج قائلة بتقطع من بين بكاءها
"لما لا أحد يريد الذهاب معي للحفلة ، كنتُ أعلم بأنكم تكرهونني ولا أحد يطيق وجودي بهذا المنزل ، يا ليتني اختفي من الوجود نهائياً واريحكم مني.."
تنهد (فراس) بحنق وهو لا يستطيع التركيز بعمله من صوت بكاءها والذي يصم الأذان ويوقظ الموتى من قبورهم ، ليصرخ بعدها بنفاذ صبر وهو يضرب على سطح المكتب بقوة حتى كاد ان يحطمه
"اخرسي ، حسنا سأذهب معكِ للحفلة الغبية فقط اصمتِ"
صمتت بالفعل وهي تبتسم بإشراق حتى أصبحت تقفز بمكانها من السعادة وهي تقول بلهفة
"حقا انت الأفضل يا فراس ، كنتُ اعلم بأنك ستوافق بالنهاية فأنت لا تتحمل رؤية دموع شقيقتك الحبيبة"
كان (فراس) ينظر لها بتجهم وامتقاع وهو ينوي على الانقضاض عليها وخنقها من التشنجات العصبية والتي سببتها له ، بينما سارت (فرح) بسرعة باتجاه باب الغرفة وهي تقول ببهجة
"لا تنسى يا فراس بعد يومين سنذهب لحفلة المدرسة سويا"
لتخرج بعدها من الغرفة وهي تتنهد بارتياح فقد حصلت على ما تريده كعادتها ، لتسير عندها باتجاه بهو المنزل وهي تدندن بلحن اغنية غربية ، ولم تنتبه للذي كان ينزل السلالم وهو ينظر لها بحاجبين مرفوعين باستغراب من تمايلاتها وهي تتمتم مع نفسها ببهو المنزل الواسع ، ابتسم (سامي) بتسلية وهو يرفع الكرة بيده قبل أن يلقي بها عاليا لتصيب رأسها تماما ، انتفضت (فرح) وهي تستدير حول نفسها وشعرها البني يتطاير من حولها كالفراشة الصغيرة ، لترفع بعدها نظراتها بتجهم للواقف عند السلالم وهو ينفجر ضحكا ناظرا لها بتسلية .
أخفضت (فرح) نظراتها للكرة لتلتقطها بكفها وهي تلقي بها بعيدا ولكنها لم تصل لأبعد من خطوتين لتعود للسقوط للأسفل ، ليحرك بعدها (سامي) رأسه بالنفي بعبوس وهو يشير لها بكفه بإبهامه للأسفل علامة الرسوب ، زمت (فرح) شفتيها بحنق وهي تستدير بعيدا عنه وما أن كانت على وشك المغادرة حتى سمعت صوت (سامي) وهو يقول من خلفها باستفزاز
"انتظري واخبريني بماذا كنت تغردين يا عصفورة"
امتقعت ملامحها وهي لا تفهم ماذا يقصد بكلامه هذا الأحمق السخيف والذي يصر على استفزازها دائما ، لتلتفت بعدها أمام نظراته المتمعنة وهو ينظر لعينيها الخضراء والتي تلمع بشرارة الغضب تكاد تحرق الأخضر واليابس بعينيها وهي تصرخ بحدة شرسة
"من تقصد بالعصفورة يا ناقص العقل وقليل الأدب ، انشغل بلعبتك الغبية بعيدا عني"
عادت للالتفات بسرعة قبل أن تسير بخطوات صلبة وحانقة بعيدا عنه ، بينما كان هو قد نزل عن السلالم وهو ما يزال يراقب شعرها البني الفاتح وهو يلاحقها يكاد يهرب من غضبها الوحشي والذي يتناقض مع حجمها الصغير .
____________________________
كانت تنظر لوالدتها من باب غرفتها وهي تمسك بيديها الإبرة والخيط لتغزل بهما القماش أمامها وهذا ما تفعله عادة بأوقات فراغها ، ما تزال تذكر جيدا عندما كانت هذه المهنة ذات يوم مصدر رزقهم ومعاشهم الوحيد بعد هروب والدها قبل سنوات بوقتها كانت تقف عند باب غرفتها كما الآن لتشاهد والدتها وهي تعمل ليل نهار بهذا القماش الطويل والذي لا ينتهي لتستطيع إنهاءه قبل بزوغ الفجر لتكسب منه بعض القروش والتي تساعدهم على العيش للأيام المقبلة .
"إلى متى ستبقين واقفة عند الباب هكذا ، هيا ادخلي يا ابنتي"
شهقت (فاتن) بصمت وهي تفكر كيف عرفت بوجودها وهي لم ترفع نظرها عن القماش أمامها أم أنها غريزة الأم ، رفعت كفها لتمسح وجهها المحمر من البكاء وهي تتنفس بهدوء قبل أن تتقدم باتجاهها لتجلس على طرف السرير بصمت وهي تنظر لعينيّ والدتها والمركزتان على القماش امامها ، لتقول بعدها بلحظات بحنية وهي تنظر لما تفعله يديها
"إذاً ماذا هناك ، لما لم تذهبي للعمل اليوم"
ابعدت نظرها عن والدتها لتنظر لحجرها قبل أن تهمس بخفوت متشنج
"لأنني رأيتُ بأن هذا العمل لا يناسبني ، لذا قررت تركه"
حركت والدتها رأسها بهدوء وهي تتمتم برفق
"حقا وهل تركته بإرادتك أم أن هناك من ارغمكِ على تركه"
زمت (فاتن) شفتيها بارتجاف وهي تشعر بنفسها مكشوفة أمام والدتها فهي بحياتها لم تكذب عليها ولا تجيد الكذب اصلا ، لتقرر الصمت أمامها أفضل من أن يفضحها لسانها ويغضب منها (امجد) ، شعرت بحركة والدتها وهي تترك ما بين يديها لتمسك بكتفها وهي تديرها نحوها بهدوء ، وما أن استدارت (فاتن) أمامها مباشرة حتى أمسكت والدتها بوجهها وهي تقول بحزم خافت
"أخبريني يا فاتن ما لذي يحدث معكِ ولما امجد كان يتصرف بغرابة على مائدة الإفطار ، انا أشعر بشيء سيء يحدث بالمنزل ولا اعلم عنه فقلبي ينخزني بألم منذ الصباح ولا أحد منكم رحمني وأخبرني بالذي يحدث بالمنزل"
ابتلعت (فاتن) ريقها بتوتر وهي تحاول حبس دموعها وعدم هدرها أمامها بعد أن ظنت بأنها قد جفت تماما أمام ذلك الخبر لتعود لتتجدد بمقلتيها من جديد ، همست بعدها بسرعة وباهتزاز
"لا ليس هناك شيء يا امي ، كل شيء طبيعي"
ردت عليها والدتها بصرامة وهي تشدد من احتضان وجهها بكفيها
"لا لن اصدق قبل ان تنظري لعينيّ وتقولي لي حقا بأن كل شيء على ما يرام"
تنهدت (فاتن) بارتباك وهي ترفع رأسها ببطء وتوجس لتنظر لوجه والدتها الحنون والقلق والعظام النافرة عند خديها والتي تظهر عندما تشعر بالخوف الشديد ، حاولت الكلام أكثر من مرة وصوتها لم يعد يخرج من حنجرتها المتشنجة والحرقة بداخلها تكاد تشطرها لنصفين لتخرج بالنهاية شهقة متعبة وهي ترتمي بأحضان والدتها والتي تلقفتها بهلع وهي تهمس بتوجس وخوف
"بسم الله عليكِ يا صغيرتي ، من فعل بكِ هذا ، هل هو امجد من تجرأ وجعل صغيرتي تصل لهذه الحالة ، أخبريني وأنا بنفسي سأضربه وأعاقبه فهو حتى لو كان قد تجاوزني بالطول والحجم ولكنه لم يكبر على ضربي ابدا"
زادت شهقات (فاتن) مع كلماتها وهي تتشبث بملابسها أكثر وتحرك رأسها بالنفي باهتزاز ونحيب ، بينما احاطتها والدتها بذراعيها النحيلين والشرايين النابضة بهما وهي تربت على رأسها بحنان وتقول برفق حزين
"إذاً ماذا هناك يا صغيرتي ، هيا أخبريني ولا تخيفيني أكثر عليكِ فأنا لا اتحمل رؤية فتاتي القوية بهذا الشكل"
بدأت شهقات (فاتن) تخفت أكثر وأكثر حتى اختفت داخل حنجرتها وهي تتمتم بارتجاف حزين
"لما علينا تحمل هذه الحياة القاسية يا امي ، لما لا نكون من العائلات الكبيرة والتي تملك عز ونسب وجاه أكثر منا ، لو كان والدي موجودا معنا هل كانت ستكون حياتنا أفضل"
تصلبت ذراعي والدتها حول جسد ابنتها بدون أن تنطق بأي كلمة ردا على أسئلتها ، بينما ابتعدت (فاتن) عن حضن والدتها قليلا وهو تقول بأنفاس متقطعة
"امي هل كانت حياتنا ستكون أفضل لو كان والدنا موجودا معنا"
نظرت والدتها لها للحظات لتخفض ذراعيها عنها وهي تقول بوجوم حزين
"ما مناسبة هذه الأسئلة الغريبة يا فاتن"
ردت عليها (فاتن) ببحة حزينة
"أريد أن أعرف يا امي ، أرجوكِ أخبريني"
نظرت والدتها بعيدا عنها وهي تهمس بشرود بارد
"انتِ تعرفين بأن والدكِ لم يكن بالرجل المثالي فقد كان دائما يغيب عن المنزل لمدة أيام متواصلة وعندما كان يعود كان دائما يكون مهشم الوجه وممزق الملابس بسبب شجاره مع مدراء عمله وهذا غير الديون والتي كان يورطنا بها مع الناس ، جواب سؤالك هو لا كانت ستكون حياتنا كما هي فوجود والدك وعدمه كان سيكون واحد ، وهروبه لخارج البلاد بعيدا عنّا كان أفضل للجميع"
زمت (فاتن) شفتيها بقوة وألم وهي تتلقى الحقيقة الأقسى بحياتها وهو أن وجود والدها لم يكن له معنى بحياتهم ، ولكنها ما تزال تذكر بعض من حنانه معها عندما كانت بالخامسة من عمرها وبعدها كل شيء تغير جذريا للأسوء وخاصة بعد أن طرد من عمله بشركة المياه ، قالت (فاتن) بعدها بحزن وهي تعود للنحيب بصمت
"ولكنه تخلى عنا يا أمي ، ألم يفكر بنا قبل أن يهرب لخارج البلاد ، ألم يفكر بنظرات الناس نحونا قبل أن يفعل هذا وكيف سيكون حالنا بدونه"
رفعت والدتها كفيها لتمسك بوجه ابنتها وهي تمسح الدموع عنه بإبهاميها هامسة بحنان
"اعتقد بأنه فعل كل هذا من أجل سلامتكم فهو كان يعلم بأن وجوده سيسبب لنا المشاكل وخاصة بأنه كان يتفق ويعمل مع أناس أشرار وعندما بدأوا يهددون حياته قرر الهروب بعيدا عنهم ومن اجل أن يبعدهم عنا"
حركت (فاتن) رأسها بإنهاك وحزن لتتمتم بعدها بشرود
"وهل سيعود إلينا يوما ما ام أنه نسينا تماما"
ردت عليها والدتها وهي تبعد كفيها عنها بهدوء
"لا اعتقد هذا فهو يعلم جيدا بأنه لن يكون والدا صالحا لكم كما كان بالماضي فقد تغير كثيرا ومن المستحيل أن يعود إلينا كما كنا نعرفه ، قد يكون الآن وجد ذاته هناك أو انه فشل ومات بمكان بعيد منبوذ"
تنهدت (فاتن) بهدوء لتسمع صوت والدتها وهي تقول بحيرة وتفكير 
"لقد انسيتني عن ماذا كنا نتكلم بسبب مفاتحتك لهذا الموضوع القديم.."
قاطعتها (فاتن) وهي تقترب من والدتها قائلة بابتسامة حزينة
"امي هل استطيع النوم بحجركِ الآن فأنا متعبة جدا واحتاج لحنانك بهذه اللحظة"
اتسعت ابتسامة والدتها المتعبة لتضع الإبرة والقماش بعيدا قبل أن تفتح ذراعيها لها ، زحفت (فاتن) باتجاه حضنها لتريح رأسها برفق فوق ساقيها وتضم باقي جسدها بذراعيها ، بينما كانت والدتها تمسح على شعرها الناعم بحنية وبكفيها الشاحبين والمجعدين من العمل وهي تدندن بلحن قديم كانت تنشده لهم قبل النوم ، لتغلق بعدها (فاتن) جفنيها على ذكريات الطفولة البعيدة وهي تتنعم بحنان والدتها بعيدا عن الكابوس والذي كانت تعايشه قبل قليل والذي نسف حلمها البريء قبل أن يتحقق .
_____________________________
كانت تسير بحذر بممر غرفتها وهي ترتكز على عكازها تحت ذراعها فقد نصحتها الممرضة اليوم بأن تتحرك كثيرا وتحرك ساقها المصابة وألا ستتخدر وتصبح تؤلمها فيما بعد وهي لا تتحمل ألمها ابدا والذي يطرق على قدمها كالمطرقة ، لتشرد بعدها بعيدا وهي تفكر بأنه بعد ثلاثة أيام ستستطيع العودة للسير على قدميها الاثنتين معا بعد أن تزيل الممرضة الرباط عن ساقها وكم تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر لتستطيع العودة لجامعتها بدل الجلوس بغرفتها تحدق بالسقف طول اليوم ، التوت قدمها السليمة بسبب شرودها وما أن كانت ستقع على وجهها حتى شعرت بذراعين تحيطان خصرها بينما غرق وجهها بطيات صدره الصلب ، ظنت للحظة بأنها قد وقعت بأحضان (يزن) لترفع رأسها بسرعة بلهفة وتكتشف سوء توقعها ، انتفضت (زهرة) بعيدا عن (فراس) وهي تحاول التوازن على عكازها بارتباك ، بينما ابعد (فراس) ذراعيه عن خصرها بهدوء وهو يهمس بتوجس
"هل أنتِ بخير ، هل اصبتِ بأي أذى"
تراجعت (زهرة) بخطواتها وهي تهمس بابتسامة صغيرة
"لا انا بخير ، شكرا لك على المساعدة"
زفر (فراس) أنفاسه بهدوء وهو يتمتم بإحراج
"اعتذر إذا كنتُ افزعتك بظهوري المفاجئ أمامك"
زمت (زهرة) شفتيها بحياء من تصرفاتها الحمقاء والتي تظهر أمامه وتدفعه للاعتذار منها بكل مرة تصطدم به ، قالت بعدها بهدوء وبابتسامة مرتجفة
"لا داعي لتعتذر فأنا التي كنتُ شاردة الذهن ، وأرجوك توقف عن الاعتذار مني بكل مرة تراني فيها فهذا يحرجني"
ابتسم باتساع وهو يتأمل وجهها المحمر من الإحراج وبعض الهالات البنفسجية تحتل اسفل عينيها قبل أن تخفضه بعيدا عن نظراته ، ابعد (فراس) نظراته عنها وهو يقول بابتسامة جانبية
"حسنا كما تريدين يا زهوره"
اتسعت عينيها العسلية بصدمة وهي تستمع للاسم والذي لا ينطقه سوى (جاد) والذي إذا سمعه يناديها به فسيقتله اكيد ، نظرت (زهرة) بعيدا عنه وهي تريد التخلص من الإحراج والذي يسببه لها دائما لتسير باتجاه حاجز الممر والذي يطل على البهو الواسع بجانب السلالم ، وما أن وصلت إليه حتى اسندت مرفقيها على حاجزه وهي توقف عكازها بجانبها ، شعرت بوقوفه بجانبها وهو يقول بعد لحظات بهدوء
"وماذا أخبرتكِ الممرضة والتي أتت اليوم للاطمئنان عليكِ وكيف هي حالة ساقك الآن"
ردت عليه (زهرة) بخفوت وهي ترطب شفتيها بتوتر
"أخبرتني بأن كل شيء على ما يرام وبعد ثلاثة أيام يمكنني السير على ساقي كما بالسابق"
ابتسم (فراس) بسعادة وهو يقول براحة
"هذا خبر رائع ، كنتُ أعرف بأنكِ قوية وستستطيعين تجاوز هذه الأزمة بسهولة"
انتقلت راحته لها وهي تبتسم بشرود هامسة برفق
"شكرا لك ، هذا لطف منك"
قال (فراس) وهو يحيد بنظراته لجانب وجهها الشارد
"حمد لله على السلامة يا زهوره"
امتعضت ملامحها قليلا وهو ينطق بنفس الاسم ، ليقول بعدها (فراس) بابتسامة مرحة
"يبدو بأن مناداتك بهذا الاسم لم يرق إعجابك"
حركت (زهرة) رأسها بسرعة بالنفي وهي تهمس بتلعثم
"لا ليست هذه هي المشكلة ولكني لم اعتد من أحد أن يناديني بهذا الاسم سوى جاد الصغير ، ولا بأس إذا ناديتني انت أيضا بهذا الاسم فكلها توصل لنفس المعنى ، لذا لا فارق عندي"
كان (فراس) يراقبها باستمتاع وهو يسند مرفقيه على الحاجز مثلها ، ليتمتم بعدها بابتسامة غامضة
"إذاً سأناديكِ زهوره ، وبالمناسبة اسمك جميل جدا وغريب ، من الذي اختار لكِ هذا الاسم"
ابتسمت (زهرة) بحنين وهي تهمس بابتسامة متسعة وعينيها العسلية تلمع ببريق الحزن
"امي من اختارت لي هذا الاسم قبل ولادتي"
اختفت ابتسامته وهو ينظر لها بحزن فيبدو بأنه قد ذكرها بذكريات حزينة تريد نسيانها ، ليقول بعدها بسرعة وهو يحاول إخراجها من جو الحزن
"وقد أصابت حقا باختيارها فهذا الاسم يناسبكِ جدا ويجعلكِ استثنائية"
التفتت باتجاهه وهي تنظر له بشرود لتتذكر عبارة قديمة اجتاحت عقلها فجأة (لدي نوع زهرة على شكل طفلة اسمها زهرة ونوع واحد منها يكفي) ، ابتسمت بنعومة على أثر تذكر هذه العبارة وكم جعلت قلبها الصغير يغرد بتلك اللحظات ، قطع عليها ابتسامتها الشاردة صوت (فراس) وهو يقول بحيرة
"زهوره ما بكِ ، اين شردتِ"
انتفضت لتنظر له بصدمة قبل أن تقول بارتباك وهي تمسك بالعكاز بجانبها بسرعة
"لا لا شيء ، أعتقد بأنه عليّ العودة لغرفتي للراحة فقد سرت كثيرا على قدمي وهذا اتعبني"
حرك (فراس) رأسه بالإيجاب وهو يبتعد عن الحاجز قائلا بمودة
"حسنا لا بأس وحمد لله على سلامتكِ مرة أخرى يا زهوره"
حركت رأسها بهدوء وهي تستدير بعيدا عنه قبل أن تعود للالتفات برأسها نحوه لتقول بعدها بابتسامة ممتنة
"شكرا لك على هذه اللحظات وعلى كلامك اللطيف يا فراس"
ابتسم بسعادة وهو يرفع كفه ليلوح لها بلهفة هامسا بهدوء
"يسعدني مساعدتك"
عادت للالتفات للأمام قبل أن تكمل سيرها باتجاه غرفتها وهي تبتسم بسعادة على ذكريات تود لو تحفر بصندوق ذكرياتها للأبد ، بينما كان (فراس) يتنهد براحة متلهفة وهو يستمع لأسمه منها لأول مرة وهذا بحد ذاته تحسن .
_____________________________
كان يطرق على باب البيت بشرود وهو ينظر للمنزل القديم والقريب للمتهالك وهو يتذكر عندما رأى هذا المنزل لأول مرة بوقتها صدم أن هناك منازل من هذا النوع والتي لا تقارن ابدا بمنزل عائلته ، ولكنه اكتشف بكبره بأن هذه البيوت منتشرة كثيرا بهذه الأنحاء وبهذه المناطق والتي تكون فيها الأوضاع سيئة بالنسبة للماء وللكهرباء ونادرا ما يستطيع الوصول إليها عمال البناء أو الصيانة ، لذا تبقى كما هي بدون أي تغيير أو تعديل فيها .
تنهد (مؤيد) بإنهاك وهو ينظر بعيدا للظلام الممتد أمامه وهو يفكر بكل الأمور والتي أنجزها اليوم والتي أخذت منه اليوم بطوله بداية من دار النشر والذي اغلقه بالكامل بعد أن لقنهم درسا قاسيا بالأدب ليصل للحقير والذي التقط له كل هذه الصور ولكنه استطاع الهروب منه قبل أن يصل لمنزله ، والآن لم يتبقى له سوى أمر واحد عليه إنجازه ليرتاح ضميره بالكامل ولن يهدأ قبل أن ينجزه .
فُتح باب المنزل فجأة ليطل عليه شاب يبدو ببداية العشرين من العمر وأصغر منه سنا ومن عينيه المتسعتين عرف بأنه شقيقها ، قال بعدها (امجد) بحزم وهو يدور بعينيه عليه
"بماذا اساعدك يا سيد"
ردّ عليه (مؤيد) بإحراج مرتبك
"أنا أكون مؤيد بارون"
اتسعت عينيّ (امجد) أكثر وهو يستوعب من يكون ليقول بعدها بشراسة
"أنت هو.."
قاطعه (مؤيد) وهو يقول بتمهل وتروي
"انتظر قبل أن تقول اي كلمة تندم عليها ، لقد أتيتُ للصلح وأقصد بكلامي أتيتُ من أجل حل المشكلة ، فهل تسمح لي بالكلام معك على انفراد"
عقد (امجد) حاجبيه بتفكير قبل أن يبتعد عن الباب قائلا بصرامة
"اتبعني لو سمحت"
دخل (امجد) أمام نظرات (مؤيد) وهو يتنهد بارتياح فلم يضطر للقتال معه ليقنعه بنيته ، ليدخل بعدها خلفه حتى وصل به لغرفة الجلوس والتي كانت تحتوي على أريكتين فقط وطاولة صغيرة ولكنه لم ينكر جمال ترتيب وتناسق المنزل ونظافته والظاهرة بكل زواياه .
جلس (مؤيد) على الأريكة ليجلس (امجد) على الثانية والمقابلة لبعضهما ، ليقول بعدها (امجد) بتصلب وهو يكتف ذراعيه فوق صدره
"إذاً يا سيد مؤيد ما هو حلك للفضيحة والتي سببتها لشقيقتي بشركتك"
ابتسم (مؤيد) بارتباك وهو يقول بتوجس قلق
"نعم ، ولكن أولاً أخبرني كيف هي حال فاتنة"
تجهمت ملامح (امجد) وهو يقول بحدة
"أولا اسمها فاتن وثانيا هذا لا يخصك يا سيد"
ابتلع (مؤيد) ريقه بتوتر وهو يلعن لسانه المتهور والذي سيجلب له المشاكل فيبدو بأن شقيقها يمسك نفسه بشق الأنفس وليس بعيدا عنه بأن يكون يريد أن  يقطعه إربا ويرميه لكلاب الشوارع لينتقم لشقيقته ، قال بعدها بابتسامة هادئة ومتشنجة
"أنا كنتُ أقصد بكلامي بأننا لم نخطئ ابدا وكل ما قيل بالصحف خاطئ فأنا كنت اساعدها فقط لأني رأيتها متعبة ، صدقني هذه هي الحقيقة"
كان (امجد) ينظر له بجمود ليقول بعدها ببرود
"أعرف هذا فأنا أثق بشقيقتي ولكني لا أثق بنواياك ابدا"
عبست ملامح (مؤيد) وهو يشعر بصفعة غير مرئية قد طبعت على وجهه ومن يلومه وهو الذي أتى لعرين الأسد بنفسه ، قطع عليه (امجد) افكاره وهو يقول بنفاذ صبر
"إذاً يا سيد أخبرني ماذا لديك بدون لف أو دوران فقد بدأت أشعر بالملل"
زفر (مؤيد) أنفاسه بهدوء قبل أن يتمتم بجدية
"لقد فعلتُ كل ما بوسعي من اجل أن اوقف هذه الفضيحة حتى اني أغلقت دار النشر المسؤول عن هذا الخبر ولكن هذا لن يكفي فقد رأى الجميع الخبر ولن يتوقفوا عن الكلام عن هذا الموضوع وتشويه سمعة شقيقتك وخلق الأكاذيب عنها قبل أن نبرهن لهم بأنها بريئة حقا ، لذا قررتُ بأن الحل الأفضل هو أن نعقد قراننا معا"
وقف (امجد) عن المقعد بصدمة ليسبقه (مؤيد) قائلا بهدوء وتفكير
"اعلم بأنك لا تثق بي ابدا ولكن هذا كله لمصلحة شقيقتك ، وأيضا نحن لن نتزوج فورا فقط عقد قران أمام العالم من اجل أن نخرس افواه الناس والتي ستنهش عرضها بكلامهم من الذي يسوى ومن لا يسوى والذي لن يتوقف حتى نضع له حدا"
تعقدت ملامح (امجد) بتفكير وهو يعود للجلوس بمكانه بهدوء ليهمس بعدها بعدم اقتناع 
"أنا اتفهمك واعرف بأن هذا هو الحل الأفضل لها ، ولكني مع ذلك لا استطيع الوثوق بك فما لذي سيجعل ابن عائلة كبيرة مثلك يتزوج فتاة بسيطة وأقل منه بكثير بالمستوى"
كان (مؤيد) يحرك رأسه بشرود وكلامه يذكره بتفكير والده المتصلب والذي لن يقبل أن يتناسب مع أناس أقل منه بالمستوى وعلى الأكيد بأنه سيقتله ما أن يعرف بفعلته ، ولكن لما الخوف الآن وهو دائما ما كان يفعل أمورا يغضب بها والده وعكس ما يقول وهذا الذي ينوي على فعله ليس استثناءً ، فليفعل والده ما يحلو له فهذه حياته هو بالنهاية ولا أحد له دخل بها ولا حتى بموضوع اختيار شريكة حياته .
قال (مؤيد) بعدها بلحظات بابتسامة واثقة مرحة
"لا تقلق بخصوص هذا الشأن فأنا أؤمن بموضوع المساواة بين البشر وليس هناك ابيض واسود بين الناس بل هناك فقط قانون واحد وهو بأننا جميعا بشر"
ارتفع حاجبي (امجد) بعدم استيعاب للكلام الغريب والذي يقوله ، ليقول بعدها (مؤيد) بسرعة وهو يتدارك موقفه بإحراج
"أنسى ما قلته وأخبرني هل أنت موافق على اقتراحي من أجل أن أبدأ بنشر خبر عقد قراننا والذي سيحصل بهاذين اليومين"
عقد (امجد) حاجبيه قبل أن يقول بتمهل
"انتظر لحظة"
ليلتفت بعدها برأسه بعيدا وهو يصرخ مناديا
"فاتن ، تعالي إلى هنا"
كان (مؤيد) ينظر بعيدا حتى ظهرت أمامه بسرعة كالطيف وكم كانت تبدو صغيرة وناعمة أمامه وخاصة ببيجامتها بلون الخوخ والتي لونت وجنتيها المدورين بنفس لون البيجامة والتي كانت قصيرة الأكمام عند المرفقين وعند الساقين لتظهر نحافة وبياض مرفقيها وعند الساقين كذلك ، وما أن رفع نظره لعينيها حتى صدم بنظرتهما الحزينة والمصدومة نحوه ولونهما البني قد أصبح أكثر قتامة وسكونا .
قطع الصمت صوت (امجد) وهو يقول لها بهدوء
"فاتن تعالي أجلسي بجانبي فهناك ما عليكِ معرفته"
التفتت (فاتن) باتجاهه بتوتر قبل أن تجلس بجانبه وهي لا تفهم أي شيء مما يحدث أمامها فقط تتنقل بنظرها بينهم بتوجس ، ليكمل بعدها (امجد) كلامه وهو يقول بحزم خافت
"لقد قررنا من اجلي إخماد نار الفضيحة بأن نعقد قرانك مع مؤيد بارون وننشر الخبر بين الناس ، ولكني مع ذلك أريد معرفة رأيكِ هل أنتِ موافقة"
شهقت (فاتن) بدون صوت وهي تشعر بكلامه يضرب أذنيها كالصاعقة فلو كان حدث هذا الأمر قبل الفضيحة لكانت طارت من السعادة ولكن الآن وبعد هذه الفضيحة وكأنهم مرغمون على فعلها تشعر بقلبها قد تحطم لشظايا مؤلمة وحلمها الوحيد قد تحقق بأبشع صورة كانت تتخيلها ، زمت (فاتن) شفتيها بحزن وهي تنهر نفسها بعدم البكاء فوقت البكاء قد انتهى وعليها تقبل واقعها الجديد والشرخ الغائر والموجود بقلبها والذي لن يتصلح قبل أن يعود كل شيء لنصابه الصحيح .
تنهدت (فاتن) بعد لحظات بإنهاك لتهمس بعدها بكل ما تستطيع من ثبات
"إذا كان هذا سيحل المشكلة فأنا موافقة"
زفر (امجد) أنفاسه براحة وهو ينظر للأعلى ويدعوّ بداخله بكل خوف بأن يسير كل شيء على ما يرام وأن لا تتأذى شقيقته بهذا القرار والمرغم عليه ، بينما كانت نظرات (مؤيد) مسلطة بقوة على (فاتن) وهو لا يفهم صدمتها عندما اخبرها شقيقها بالقرار ، لتتسع عينيه بهلع وهو ينظر للدمعة والتي لم تستطع منعها وهي تسيل ببطء على خدها بلون الخوخ لتسقط على كفها والمستكين على ساقها ، ابعد (مؤيد) نظره عنها بحنق وهو يفكر ألهذه الدرجة لا تطيق الزواج منه ورافضة لفكرة الارتباط به ، ولكن لا بأس فهو لن يرتاح قبل أن يسعدها كما كان يفعل دائما ويشعرها بالأمان معه فقد أصبحت هذه من مسؤولياته اتجاهها .
___________________________
طرق على باب الغرفة قبل أن يدخل أليها وهو يقول بصوت جهوري مرتفع
"أبي أيمكنني الدخول لغرفتك"
ردّ عليه الصوت من الداخل قائلا ببشاشة
"هيا ادخل يا ولد ، ماذا تنتظر"
دخل (فراس) من فوره وهو يغلق باب الغرفة من خلفه قبل أن يسير باتجاه سرير والده وهو يقول بابتسامة متسعة
"صباح الخير يا سيدي وتاج راسي وشيخ القبيلة"
انزل (عمران) الكتاب من أمامه وهو ينظر لابنه من تحت عدسات نظارته الكبيرة ، ليقول بعدها بابتسامة صغيرة
"صباح النور ، ما قصة كل هذا الغزل من الصباح ، أتريد مني شيئاً"
ابتلع (فراس) ريقه بارتباك وهو يتمتم بتذمر
"ما بك يا أبي لما تشك دائما بنواياي ، لقد أردتُ فقط المجيئ للتكلم معك والتصبح بوجهك الصبوح"
ارتفع حاجبي (عمران) بشك قبل أن يعود بنظره للكتاب بلا مبالاة ، بينما جلس (فراس) على طرف السرير وهو يهمس بتفكير
"كيف العمل يسير معك بهذه البلاد يا أبي ، هل ترى بأن انتقالنا لهنا كان قرارا صحيحا"
حرك (عمران) رأسه باتزان وهو يقول بجمود
"كل شيء على ما يرام لا تقلق ، لقد كنتُ أفكر بهذا القرار منذ زمن ولكن ما كان يمنعني هو أمور مهمة تخص أعمالنا هناك وبعد أن سلمت تلك الأعمال للشخص الذي يستحق استطعتُ العودة للبلاد وأنا مرتاح البال ، ألست سعيدا بهذا القرار"
ردّ عليه (فراس) بسرعة وبابتسامة جانبية
"اجل سعيد ما دام يسعدك يا أبي ، ولكن متى سأستلم العمل هنا فقد بدأتُ أشعر بالملل من جلوسي أمام الحاسب طول الوقت لا أفعل شيئاً غيره"
ابتسم (عمران) بانشراح وهو ينظر له بهدوء قائلا بتأكيد
"لن تدوم هذه الحال طويلا فقد وجدتُ لك العمل المناسب بالشركة ، ولكن عليك الانتظار ثلاثة أيام على الأقل وبعدها سيكون مكتبك الخاص بالشركة جاهزا ويمكنك عندها البدء بالعمل"
تنهد (فراس) بهدوء وهو يبتسم بشرود بعيدا عنه ، ليقطع عليه شروده صوت (عمران) وهو يقول بجدية
"والآن هيا أخبرني حقا ماذا تريد وما هو سبب زيارتك لغرفتي بالصباح الباكر"
اخفض (فراس) نظره للأسفل وهو يزفر أنفاسه بارتباك ليتمتم بعدها بقوة
"أريد الزواج من زهرة"
اخفض (عمران) الكتاب من أمامه وهو يرفع نظارته لفوق رأسه ، ليقول بعدها بهدوء
"هل تقصد زهرة ابنة عادل"
حرك رأسه بالإيجاب وهو يهمس بخفوت
"اجل هي ، وهل هناك زهرة غيرها بالعائلة"
قال (عمران) بعد لحظات بتصلب خافت
"ولكنها متزوجة يا فراس ، يعني ليست عزباء"
شعر بكلمات والده تقسم حلمه لنصفين وتدوس عليه بقوة ليتبقى منه الرماد فقط وليس لأنها متزوجة فقط بل لأنها لم تعد امرأة عزباء كما قال والده ، ولكنه لن يستسلم فهو مصر على الحصول عليها وأياً كانت حالتها تكون .
قال (فراس) بعدها بابتسامة واثقة
"ولكن عمي وجدي كانا يجهزان لأوراق طلاقها و هذا يعني بأن الأمر لن يستغرق كثيرا قبل طلاقهما"
عقد (عمران) حاجبيه بحدة وهو يتمتم بوجوم
"أتريد الزواج من مطلقة يا فراس"
اتسعت عينيّ (فراس) بصدمة وهو يقول بعبوس
"هي ليست مطلقة يا أبي فلا أحد يعرف عن زواجها سوى العائلة وغير هذا زواجها باطل لأنه كان قبل سنوات وكانت تحت السن القانوني بوقتها"
كان والده ينظر له ببرود بدون أي تعبير على وجهه بينما كان هو على وشك الانفجار وهو ينتظر ردة فعل والده على كلامه ، ليقول بعدها بلحظات بهدوء بالغ
"ولكن هذا لا يغير طبيعة حالتها وبأنها مطلقة ، لذا أخبرني يا فراس هل تريد حقا الزواج من مطلقة"
ردّ عليه (فراس) بانفعال شديد
"اجل أريد الزواج منها"
مرت لحظات طويلة وثقيلة على كليهما قبل أن يقول (عمران) بابتسامة هادئة
"حسنا كما تريد"
نظر (فراس) نحو والده بحيرة قبل أن يقول بتوجس
"هل هذا يعني بأنك موافق على زواجي منها ، وستساعدني على تزويجي إياها كما وعدتني من قبل"
حرك رأسه بالإيجاب وهو يربت على كف ابنه الأسمر بهدوء قائلا بتأكيد
"اجل سأساعدك وسأتكلم مع والدي وعادل من اجلي أن يحجزوها لك ، فقد قلتُ لهم من قبل بأنها ستكون لك وما زلت على وعدي ذاك"
ابتسم (فراس) براحة ليمسك بكف والده وهو يقبلها باحترام قبل أن يتمتم بسعادة
"شكرا لك يا أبي ، لو تعرف مدى سعادتي بكلامك هذا والذي اراحني كثيرا ، اتمنى من الله ان يطول بعمرك ويزيد من بركاتك دائما"
ربت (عمران) على رأس ابنه بحنية قبل أن يبتعد عنه وهو يقف على قدميه قائلا بمرح
"حسنا سأتركك الآن لتكمل صباحك المشرق والرائع قبل المقاطعة ، وداعا يا زعيم"
خرج (فراس) من باب الغرفة وأمام نظرات (عمران) القلقة فقلبه غير مرتاح ابدا لتزويج ابنه من (زهرة) وليس لأنها مطلقة بل لأنها على ما يبدو متعلقة بزوجها ذاك وهو نفس الشيء ويشعر بأن ابنه قد أصبح دخيل بينهما .
____________________________
"ماذا حدث بخصوص أوراق الطلاق ، ألم ينجح المحامي بمهمته الموكلة إليه"
كان الجد يحك ذقنه بهدوء وهو يستمع لكلام (عادل) المتجهم الغاضب ، ليقول الجد بعدها بتصلب خافت
"لا لم ينجح فقد استطاع يزن الوصول له وتمزيق كل الأوراق بحوزته وغير هذا لقنه ضرباً مبرحاً قبل أن يجعله يغادر لخارج البلاد بدون رجعة"
ارتفع حاجبي (عادل) بدهشة وهو ينظر لهدوء والده المبالغ بصدمة ، ليقول بعدها بغضب وهو يحرك ساقيه بعصبية
"ولما كل هذا الهدوء بالكلام ، علينا التحرك فورا وتلقين ذلك الحقير درسا من أجل ألا يتدخل بعملنا مرة أخرى"
ردّ عليه الجد ببرود وهو يضم كفيه أمامه
"وماذا سيحدث بعدها لا شيء ، نحن نتحدث عن ابن بارون والذي أصبحتُ اعرفه ككف يدي تماما ، أنه اعند واخبث مما تتصور ويمكنه إصابة هدفه بدون أن يرف له جفن ، لذا علينا الحذر بتخطيطنا للتخلص منه وإخراجه من حياة زهرة"
قبض (عادل) على كفيه بكبت وهو يتمتم بقهر
"وما لذي سنفعله الآن ، أتريد مني أن أحضر محامي آخر"
حرك الجد رأسه بهدوء ليقول بعدها بجدية حادة
"حتى لو أحضرت أفضل محامي بالبلد فلن يستطيع المقاومة أمام بطش ابن بارون والذي سيخرج روحه ويزهقها بكل سهولة ، لذا علينا التفكير بطريقة أخرى لفعلها"
رفع (عادل) رأسه بحنق ليقول بعدها بنفاذ صبر
"وما هو الحل إذاً"
قال الجد بعد لحظات بابتسامة هادئة عكس ابنه المنفعل أمامه 
"الحل واضح وهو أن تقطع زهرة علاقتها به جديا"
ردّ عليه (عادل) بحيرة حانقة
"ألم تقطع علاقتها به وانتهينا"
قال الجد وهو يبتسم بسخرية واضحة
"أنا أقصد أن تقطع علاقتها به كلامياً وروحياً ، وأعني بكلامي أن تطلب منه بكل وضوح الطلاق وبأنها لا تريد أي علاقة تربطها به ، وهكذا سيتوقف يزن عن تدخلاته وإفساد كل خططنا دوما وسيبتعد عن طريقنا نهائياً"
عقد (عادل) حاجبيه بتفكير للحظات ليقول بعدها بتجهم
"ولكن كيف سيحدث هذا وتلك البلهاء مهووسة به ، هل نرغمها على قولها وقطع العلاقة معه"
ردّ عليه الجد بصوت قاطع
"لا بل سنجعلها تخرج منها صادقة وحقيقية"
عبست ملامح (عادل) بعدم استيعاب بما يفكر به والده من خطط لا يعرف شيئاً عنها ولا يفهمها ، ليهمس بعدها بوجوم غامض
"لو أنك لم تعقد قرانها مع ابن بارون منذ البداية لما وصلنا لهذه الحالة من التعقيد ولما كان حصل ابن بارون على كل هذه الصلاحيات للتحكم بابنتي"
مرت لحظات طويلة ومشاعر غائمة ومعتمة تحوم من حولهم ، ليقول بعدها الجد باتزان صارم
"هل تحاسبني يا ولد"
قال (عادل) وهو يزفر أنفاسه بحدة
"لم اقصد أن احاسبك ولكني لا اتحمل فكرة أن يحصل ابن بارون على ابنتي بعد كل ما فعلته عائلته بنا ، لا اتحمل بأنه نفسه من سرق والده مني حنان ليسرق ابنه الآخر ابنتي ، هذا كثير ولا يحتمل ابدا"
كان الجد ينظر بروية لابنه وصراعه مع نفسه وهو يظهر مشاعره الدفينة اتجاه ابنة عمه والتي كانت من المفروض أن تكون زوجته قبل أن تهرب بعيدا ونفقدها بعدها بسنوات وكله بسبب إهماله ناحيتها ورميها حبيسة بغرفة بعيدا عنهم وكل هذا فعله حتى يستعيد احترامه لنفسه بعد أن هدرته بغباء فعلتها ، ولكن (عادل) لم ينسى وحتى بعد زواجه لمرتين متواصلتين لم ينسى فاتنة العائلة وزهرتها ويبدو بأنه لن ينسى بحياته ابدا .
ما أن كان الجد سيتكلم حتى قاطعه صوت طرق على باب مكتبه قبل أن يتبعها دخول (عمران) لغرفة المكتب وهو يقول بصوت مبتسم
"هل استطيع التكلم معكما قليلاً"
نظرت له الوجوه باستغراب قبل أن يقطع الصمت الجد قائلا بجمود
"اجل تفضل يا عمران وقل ما لديك ، هل هي مشاكل بالعمل"
تقدم (عمران) للداخل ليجلس على المقعد المقابل ل(عادل) وهو يقول بجدية
"الموضوع هو بأنني أفكر بتزويج ابني فراس بما اننا استقررنا بالبلد أخيرا واصبح لديه بالفعل عمل بشركة العائلة"
حرك الجد رأسه بالإيجاب بدون أي كلام وهو يدقق بنظره على تفاصيل وجهه بتمعن ، ليكمل بعدها (عمران) كلامه وهو يقول بصرامة خافتة
"لذا فكرتُ بأن زهرة العائلة هي الأفضل والأنسب لأبني فراس كما قلت لكما من قبل ، فما رأيكما"
عم السكون والهدوء بأنحاء غرفة المكتب ومشاعرهما تتضارب بين الدهشة والغموض والتجهم ، ليسبقهم (عمران) بالكلام وهو يتمتم بهدوء
"أعرف بماذا تفكرون وبأنها لا تستطيع الزواج لأنها متزوجة اصلا ، ولكني قصدتُ بأنه بعد طلاقها يمكننا تزويجها لفراس فهي قد أعجبت ابني كثيرا ، وهذا إذا لم يكن لديكما مانع"
مرت عدة لحظات فبينما كان الجد ينظر له بهدوء وتفكير عميق كان (عادل) ينظر له بتجهم فهو يعرف جيدا جواب ابنته عندما عرضوا عليها الزواج منه وهي بالمقابل قد رفضته بقوة ، وما أن كان سيتكلم حتى سبقه والده قائلا بحزم وقوة
"إذا كان ابنك مصر حقا على الزواج منها فعليه أن ينتظر كثيرا فهناك أمورا كثيرة عالقة بحياة زهرة علينا التخلص منها قبل أن يحصل عليها وتصبح ملكه ، لذا عليه بالصبر وبذل الجهد وبعدها عندما يأتي الوقت المناسب ستكون له ، وهذا وعد مني"
ابتسم (عمران) باتساع وهو يحرك رأسه بسعادة ويفكر بفرحة ابنه عندما يخبره بهذا الكلام ، بينما كان (عادل) ينظر باتجاه والده بعدم استيعاب وهو يفكر كيف سيجعلها توافق وهي التي رفضته بشدة من قبل ، هل سيرغمها عليه ؟
وقف (عادل) عن مقعده وهو لم يعد يتحمل كل هذه الأجواء الخانقة والتفكير العقيم بمصير ابنته ومشاعره والتي اصبحت على حافة الانهيار ، ليقول بعدها بتصلب مجهد
"عن أذنكم"
غادر بعدها من أمامهما لخارج غرفة المكتب وأمام نظراتهما والتي كانت مستغربة من ناحية (عمران) ومتصلبة من ناحية الجد وهو يفهم جيدا كل تقلبات ابنه والذي عاش معه وأمام عينيه طيلة سنوات حياته بعكس أشقائه الآخرين والذين استقلوا عنه فهو دائما كان الأصغر من بينهم والأكثر تعلقا به .
___________________________
كان واقف أمام باب المنزل وهو يطرق الجرس بهدوء ويفكر ما لذي جاء به إلى هنا ليتذكر المصيبة والتي تورط بها بإرادته وهي التكلم مع عائلة (جنان) والتي حددت له اليوم والميعاد وهو عليه فقط التنفيذ والعمل حسب ما تريد هي وعائلتها ، تنفس بعدها بهدوء وهو يدعوّ أن تنتهي هذه الزيارة على خير وأن لا يحدث سوء تفاهم بينه وبين عائلتها فلا ينقصه المزيد من المشاكل .
فُتح الباب أخيرا لتستقبله (جنان) بكامل أناقتها والتي لا تتخلى عنها ابدا حتى بمنزلها وعملها وهو ينظر لفستانها الأبيض القصير جدا والمليء بالمجوهرات الملونة عند الصدر والتنورة وهذا مظهرها المعتاد والذي يراه كل يوم ولكن هذه المرة بدون رداء المرضى وكأنه كان يخفي شيئاً من مفاتنها وأنوثتها ، رفع نظره لعينيها العسلية المكحلة والتي كانت تنظر له بإغراء وإعجاب من بدلته الرمادية الأنيقة بدون ملابس العمل لتصل لشعره البني والمسرح للخلف بعناية وهو يمسك بيديه باقة ورود بيضاء .
رفعت (جنان) كفيها لتمسك بباقة الورود بهدوء قبل أن يقدمها لها وهي تغرقها بوجهها لتشم رائحتها بافتتان وسحر ، لتهمس بعدها وهي تحتضن الباقة لصدرها
"ذوقك جميل جدا باختيار الأزهار فهي تناسبني تماما وتلائم ثوبي ، ألا ترى ذلك"
حرك (إياد) عينيه بعيدا عنها وهو يقول بجدية
"جنان هل والدك موجود لأتكلم معه وننتهي من هذه الزيارة فأنا لا أملك الوقت بطوله ، وتعلمين بأنه علينا العودة للمشفى فهناك عمل كثير ينتظرنا هناك"
كانت (جنان) تنظر له بهدوء بدون أن تتأثر من كلامه ، لتقول بعدها ببرود وهي تتلاعب بالورود البيضاء بأصابعها
"العمل يستطيع الانتظار يا إياد ولن يهرب ، ولكن يبدو بأنك أنت من يريد الهروب ولا تريد مساعدتي بهذه المحنة وتفعل كل هذا مرغما ، وإذا كنت لا تطيق مقابلة عائلتي فسأعذرك من الآن ويمكنك الرحيل وتركي أنا لأواجه عائلتي لوحدي"
عقد (إياد) حاجبيه بامتقاع وهو يزفر أنفاسه بحدة من كل ما يحدث من حوله فهي على حق بكلامها فهو الذي تورط بهذا إذاً عليه تحمل مسؤولية أفعاله ، ليقول بعدها بابتسامة جذابة وهو يشير بيده للداخل
"لا بأس يا جنان فأنا عندما اوافق على مساعدة أحد لا اتراجع ابدا ، لذا هلا فتحتِ لي الطريق واوصلتني لوالديكِ فقد تأخرنا عليهما كثيرا"
اتسعت ابتسامة (جنان) ذات اللون الأحمر القاني حتى شملت كل وجهها لتقول بعدها بسرعة وهي تبتعد عن الباب بهدوء وتمايل
"هيا تفضل يا دكتور إياد فعائلتي بانتظارك منذ وقت طويل وهما متحمسان جدا لمقابلتك"
دخل (إياد) من خلفها وهو يتبعها بخطوات ثابتة حتى وصلت به لغرفة الضيوف المتسعة وهو يمعن النظر بالجدران المليئة باللوحات الفنية من كل الأنواع للثريا الضخمة والتي تحتل السقف بأكمله ليصل بنظره للأرائك المفخمة ورسومات الأوراق والمطرزة على قماشها ذات الطراز القديم والذي عفا عنه الزمن وبالوسط تحتلها طاولة عريضة تعلوها مزهرية عملاقة فضية اللون وعلى شكل طاووس وتُظهر شكلها مدى قدمها ، لطالما أخبرته (جنان) عن عائلتها العريقة وعن تشديدهم بموضوع التراث والاحتفاظ بكل كنوز العائلة من الأجداد بدون أن يطرأ عليها أي تغيير لتبقى للأجيال القادمة فهذا جزء من تقاليدهم ، ولكنه لم يكن يتخيل أن يرى هذا حقيقة متجسدة أمامه بكل معنى الكلمة وأن يكون هناك مثل هذا النوع من العائلات والتي تعيش على تراث الأجداد بعيدا عن التحضر .
صدح صوت الرجل المبتسم باتساع والذي وقف عن الأريكة والتي كان جالس عليها بجانب زوجته وهو يقول
"تفضل بالجلوس يا دكتور إياد بارون ، شرفت منزلنا المتواضع بمجيئك إليه وهذه فرصة ذهبية لا تعوض لاستقبالك فيها"
ابتسم (إياد) بإحراج امام الرجل المبتسم بسعادة وببشاشة بالغة ، ليتقدم بعدها أمامه قبل أن يصافح كف الرجل والذي كان يشدد على كفه بقوة وصلابة وكأنه لا ينوي تركها وهو يهمس بابتسامة قوية
"نورت المنزل بقدومك إليه ، سعادتنا لا توصف حقا بوجودك بيننا ، لقد انتظرنا هذا اليوم.."
قاطعته (جنان) وهي تقف أمامهم بحنق
"أبي اترك الرجل ليرتاح ويجلس معنا ، أرجوك"
ترك والدها كفه بارتباك ليقول بعدها بهدوء وهو يشير له بالجلوس
"هيا تفضل واجلس فأنت بمنزلك الآن"
حرك (إياد) رأسه باهتزاز وهو يجلس على الأريكة المقابلة لهما ويفكر هل هذه العائلة تستقبل جميع ضيوفها بهذه الطريقة ؟ عاد والدها للجلوس على الأريكة بجانب زوجته الحبور والتي كانت تنظر ل(إياد) بابتسامة مسحورة منذ دخوله للغرفة ، بينما كانت (جنان) مشغولة بتنسيق زهور الباقة بداخل المزهرية وهي تبتسم بنعومة ودلال ، ليقطع الصمت صوت والدتها وهي تقول لأول مرة برقة
"أنت تكون رئيس ابنتنا بالعمل صحيح وتعمل معها بنفس المشفى"
حرك (إياد) رأسه بالإيجاب وهو يتمتم بابتسامة
"اجل صحيح"
تابعت والدتها كلامها وهي تقول ببهجة بالغة
"جنان تخبرنا عنك كثيرا وعن نبلك بمساعدة جميع المرضى وعن مهارتك بأداء عملك بكل صدق ، نحن حقا سعداء لأن ابنتنا تعمل مع شخص شهم مثلك يمتلك مثل اخلاقك ، فبوقتنا هذا انعدمت الأخلاق ولم يعد هناك أحد نستطيع الوثوق به ليحمي ابنتنا من بؤر الفساد ونسلمها له ونحن مطمئنين.."
تدخلت (جنان) بإحراج بعد أن انتهت من تنسيق الزهور لتجلس على ذراع الأريكة بجانب والدتها وهي تقول بحياء
"امي توقفي عن كل هذا الكلام المحرج ، فهكذا ستثقلين على ضيفنا وتضايقيه ولم يكد يمر دقائق على وصوله"
عضت والدتها على شفتيها بإحراج وهي تربت على ساق (إياد) قائلة بابتسامة صغيرة
"اعتذر إذا كنتُ ضايقتك بكثرة كلامي ، ولكننا حقا سعداء لأنك بيننا الآن"
تنهد (إياد) بإنهاك وقد بدأ يشعر بالضغط من كل هذه الأجواء الخانقة وهما يعاملونه بلطف بالغ ولم يتسائلوا حتى الآن عن سبب مجيئه لمنزلهم ، قال والدها بعدها بحزم وهو يوجه كلامه لابنته
"جنان ماذا تنتظرين ، هيا احضري للدكتور كأس من عصير ورق الورد الخاص بنا ، فأنا متأكد بأنه سيعجبه كثيرا ويعيد له نشاطه ويعطيه الحظ الجيد بالعمل"
ردّ عليه (إياد) بسرعة وبابتسامة محرجة
"لا لا داعي لذلك فأنا لم آتي إلى هنا للضيافة ولأتعابكم معي"
قال والدها من فوره بصرامة
"هذا الكلام لا يجوز يا دكتور فأنت لا تأتي إلينا كل يوم ، لذا علينا إكرامك وتقديم الضيافة التي تناسب مقامك"
اخفض (إياد) نظراته عنهما وهو يتمنى أن تنتهي هذه الزيارة بسرعة فلم يتلقى بحياته إحراج كما يتلقى الآن ، لتنهض بعدها (جنان) عن ذراع المقعد بهدوء وهي تهمس بنعومة ما أن مرت بمحاذاة (إياد) المتجهم
"سأعود فورا ، لن أتأخر عليك"
غادرت (جنان) لخارج غرفة الضيوف بتمايل مغري وهي تطرق على أرض الغرفة بحذائها ذو الكعب العالي ليعم بعدها الهدوء والذي طال للحظات طويلة حتى أصبحت اللحظات ثقيلة على الجميع ، زفر (إياد) أنفاسه بثبات وهو يرفع رأسه باتجاههما ليتكلم عن المهم وهو يقول بجدية متشنجة
"لقد أتيتُ إليكم بسبب جنان فقد أخبرتني بأنكم ترغمونها على الزواج من ابن عمها وهذا حقكم ، ولكني ارى بأنه ليس من العدل أن ترغموها هكذا على شيء لا تريده لأنه من حقها أن تختار شريك حياتها وبهذا العصر الذي نعيشه.."
قاطعته والدتها وهي تقول بلهفة مفاجئة
"إذاً ما توقعناه صحيح وسبب مجيئك إلينا هو منع حدوث هذا الزواج"
عقد (إياد) حاجبيه بعدم فهم ليقول والدها بعدها وهو يعدل على كلام زوجته
"إذاً انت تقول بأنك ضد زواجها من ابن عمها ، وهل هذا هو سبب مجيئك إلينا"
حرك (إياد) رأسه بالإيجاب وهو يقول بتوجس
"اجل ولكني لم اقصد حقا التدخل بأموركم العائلية"
نظر الوالدين لبعضهما بغموض ليقول بعدها والدها بسرعة وبابتسامة جانبية
"حسنا انا موافق ما دام سيكون البديل أفضل منه بكثير ويستحق الحصول على ابنتي الغالية وأنا واثق بأنه سيحافظ عليها بعينيه ، وأين سنجد اصلا أفضل منه لابنتنا"
ابتسم (إياد) بارتياح لأنه اقتنع أخيرا وهو الذي ظن بأن الموضوع لن يكون بهذه السهولة والبساطة ، ولكنه لم يفهم باقي كلماته المبهمة فكل ما يهمه الآن أن يخرج من هنا فورا ، قال بعدها بابتسامة هادئة ممتنة 
"أنا سعيد لأنك اقتنعت من كلامي بهذه السرعة وتفهمت موقفي ، فقد ظننتُ بأني سأواجه بعض الصعوبات بأقناعك"
حرك والدها رأسه بالنفي وهو يقول بسعادة بالغة
"ولما الرفض فقط اعطيني الإشارة وأنا سأبدأ فورا بإجراءات الزواج ويمكننا البدء من الآن لو أردت"
ارتفع حاجبي (إياد) بحيرة ليتمتم بعدها بوجوم
"ماذا تقصد بكلامك يا عمي"
تدخلت والدتها قائلة بمحبة بالغة
"نحن نقصد بأنك متى ستتقدم لها رسميا وتقررا بعدها عقد قرانكما"
وقف (إياد) فجأة عن الأريكة بصدمة بالغة وهو يهمس بذهول
"ومن قال لكما بأني أريد الزواج من ابنتكم"
ابتعلت والدتها ريقها بذعر وهي تهمس بتلعثم
"لقد ظننا بأن هذا هو سبب مجيئك إلينا"
حرك رأسه بعدم فهم وحنق وهو يلعن نفسه للمرة الألف لأنه جاء إلى هنا ، ليقول بعدها والدها بحزم مرتبك
"وما لذي يعيب ابنتنا لترفضها هكذا"
تغضن جبينه بغضب من هذا التدخل المزعج بحياته ، ليقول بعدها بدون تفكير وبخشونة
"الموضوع لا يتعلق بها شخصياً بل لأني متزوج بالفعل من ابنة عمي"
صدرت شهقة قوية من والدتها وهي تضع كفيها على وجنتيها بارتياع ، بينما تعقدت ملامح والدها بألم وهو لا يعرف بماذا يجيب عليه بهذه اللحظة ، ليتدارك بعدها (إياد) ما فعله وهو يقول بأسف شديد
"أنا اعتذر على كلامي المفاجئ لكما وعن سوء الفهم والذي حدث الآن وشكرا لكما على حسن ضيافتكما ، والآن عذرا عليّ الرحيل من هنا"
استدار (إياد) بسرعة ليصدم بالتمثال والذي تجمد بمكانه عند باب الغرفة والذي سمع كل كلمة قالوها الآن وهي تمسك بكأس العصير بين يديها بقوة وعينيها العسلية متسعة على أقصى اتساعهما ، تحرك بعدها (إياد) أمامها بهدوء قبل أن يتمتم برفق ما أن أصبح بجانبها
"أنا اعتذر على هذا يا جنان ولكني مضطر للرحيل الآن"
غادر بعدها بعيدا عنها بدون أن ينتظر ردها وانفاسها تخرج هادئة متهدجة قبل أن تصبح سريعة وغاصبة وقد بدأت عينيها العسلية بالتحرك بين والديها بعدم تركيز بدون أي مشاعر محددة ، لترفع عندها الكأس بيدها عاليا قبل أن تلقي بها بكل قوتها وبكل ما بداخلها من قهر وغيرة لتتحطم الكأس لشظايا متناثرة أمام نظرات والديها المذعورين ، بينما كانت (جنان) الآن لم تعد تشعر بشيء مما يحدث من حولها ولم تسمع أسئلة والديها الكثيرة فقط تشعر بالغيرة تنهش احشاءها نهشا واسم واحد يدور برأسها بحقد (السارقة الشقراء) .
_____________________________
كانت تنظر للمرآة الصغيرة والتي أخرجتها من حقيبتها وهي تعدل من غرتها المقصوصة على أطراف حواجبها بأصابع يدها لتنظر بعدها لشكلها وهي تبتسم له بارتجاف فقد كانت عبارة عن صورة أخرى للفتاة العادية والتي تعرفها فقد تعمدت التأنق بشكل مبالغ به بداية من شعرها الخفيف والذي رفعته على شكل كتلة مستديرة فوق رأسها لتُنزل خصلتين ملتفتين على جانبي وجهها الأسمر والذي صبغته بكل انواع المساحيق لتصل لفستانها الأسود الامع والذي يصل لأسفل ركبتيها بقليل مع حمالات رفيعة جدا أظهرت نحافة ذراعيها السمراوين وبالنهاية ارتدت جوارب سوداء شفافة وطويلة لكي لا تبقي ساقيها مكشوفان واعتلت بقدميها حذاء أسود خفيف كأحذية الباليه ، وكل هذا تعلمته من نصائح صديقتها والتي كلمتها قبل الحفلة باستثناء ارتداء الجوارب واختيار الحذاء فقد كانا فكرتها .
تنهدت (سحر) بهدوء وهي تعيد المرآة لحقيبتها لتنظر للنافذة بجانبها بشرود وهي تفكر بالذي هي مقدمة عليه ، لتتوقف بعدها السيارة أمام بناء الكونتيسا المشهورة والتي لا تحدث بها ألا المناسبات المهمة بالبلد ، خرجت من السيارة بهدوء لتغلق الباب من خلفها وهي تنظر للمكان والذي ذهبت إليه من قبل لحفلة المدرسة السابقة والذي حدثت به فضيحتها وبعدها وعدت نفسها بأنها لن تحضر حفلات أخرى بعد الآن وها هي تعيد الكرة ولكن اكيد هذه المرة ستكون مختلفة تماما .
صعدت درجات السلم أمام المدخل بسرعة قبل أن تدخل من الباب العملاق المذهب والمفتوح لكل انواع البشر ولكل الطبقات النبيلة بالبلد ، لتوزع بعدها نظراتها بين الناس المكتظة بالقاعة حتى التقطت عينيها صديقتها والتي كانت تلوح لها من بعيد ، سارت بسرعة باتجاهها وهي تبتسم تلقائياً حتى اصطدمت بكتف احدهم والذي استدار من فوره نحوها وهو يقول بابتسامة جانبية متمعنة بكل تفاصيلها
"هل أنتِ بخير أيتها الصغيرة الجميلة"
أخفضت نظرها بعيدا عنه بحياء وهي تقول بتلعثم
"أنا اعتذر لم انتبه ، اعتذر"
ما أن كان الشاب سيتكلم حتى انسحبت بسرعة وهي تكمل سيرها باتجاه صديقتها والتي كانت تنظر لما يحدث بتركيز ، ما أن وصلت أمامها حتى امسكتها صديقتها من كتفيها وهي تنظر لها من أسفلها لأعلاها بتمعن لتقول بعدها بابتسامة ناعمة
"انتِ لستِ فقط مدهشة بل انتِ مدهشة وصاخبة حتى اني لم اعرفك عندما دخلتي من البوابة ، لقد اتبعتِ كل كلامي بالحرف الواحد باستثناء الحذاء والجوارب ، ألم يكن من الأفضل لكِ لو ارتديتِ حذاء ذو كعب عالي بدل هذا الحذاء الممل"
أخفضت (سحر) نظراتها لحذائها البسيط وهي تقول بامتعاض حزين
"تعلمين بأن مشكلتي كلها تكمن مع ذلك الحذاء فهو سبب فضيحتي بالمرة السابقة ، لذا من المستحيل أن أعود لارتدائه"
زمت صديقتها شفتيها بعدم رضا لتتمتم بعدها بلا مبالاة
"لا بأس فالمهم بأنكِ تبدين رائعة بكل الأحوال"
عبست ملامح (سحر) وهي تتمتم بحزن
"هل حقا ابدو رائعة بهذه الملابس ، ولكني أشعر بأني لستُ انا"
ردت عليها صديقتها بتجهم وملل
"هلا توقفتِ عن هذا الكلام المثير للشفقة لأنك حقا تبدين رائعة ، حتى الأعمى يستطيع رؤية هذا ، والدليل هو ذلك الشاب والذي لم يتركك بنظراته منذ قدومك للحفلة وقد رأيته وهو يتعمد الاصطدام بك ، ألم أخبرك بأن نصائحي تجيب نتيجة"
حركت (سحر) عينيها بعيدا عنها لتنظر بين الوجوه لتصطدم بنظرات مبتسمة بشكل غير مريح تنظر لها بتركيز وقد شعرت بذلك عندما اصطدمت به ، لتعيد نظراتها بسرعة لصديقتها وهي تقول بحيرة
"من يكون ذلك الشاب ، هل تعرفينه"
صفرت صديقتها بإعجاب وهي تتمتم بسعادة
"كنتُ أعلم بأنكِ عمياء ولا تدرسين بنفس المدرسة التي ادرسُ بها ، هذا الشاب هو نفسه من كنتُ أخبركِ عنه دوما والذي يكبرنا بسنتين ولكنه معيد بمدرستنا بسبب غيابه المتكرر عن المدرسة وهروبه منها ، ولكنه معشوق الفتيات بالمدرسة فغير وسامته المبهرة وجاذبيته يمتلك والده نفوذا عاليا بالبلد وبالمقابل فابنه هو وريث كل هذه السلطات ، أليس رائعا بأن تكوني واحدة من فتياته"
تغضن جبين (سحر) بعدم راحة وهي تقول بخفوت
"يبدو بأنكِ تتمنين بأن تكوني من حبيباته بالفعل"
ردت عليها صديقتها بابتسامة باردة وهي تمسك خصرها بقوة
"حسنا كنتُ أود هذا ، ولكن يبدو بأن هناك فتاة بالفعل تستحق هذا اللقب أفضل مني وقد حصلت على اهتمامه أخيراً"
رفعت (سحر) حاجبيها باستغراب وهي تهمس بعدم تصديق
"هل تقصدينني انا بكلامك"
ردت عليها صديقتها بثقة
"ومن أقصد مثلا ، هل هناك فتاة ترتدي ملابس سوداء غيرك هنا"
ابعدت (سحر) وجهها عنها بقوة وهي تتنفس بحدة قائلة
"ولكن انا.."
قاطعتها صديقتها قائلة ببأس
"بدون لكن ، انتِ لا تريدين إكمال دراستك وفاشلة بها وتقولين بأنكِ تريدين الزواج بسرعة من أجل الخروج من عائلتك ، وبالمقابل هو فاشل بالدراسة ويبحث عن فتاة يكمل معها حياته ، إذاً فأنتما مناسبين جدا لبعضكما ، وهذه فرصتك لتجربي الاحتكاك مع الجنس الآخر لأنك إذا لم تبادري فستقضين طول حياتك مجبورة على العيش مع عائلتك"
تصلبت ملامح (سحر) وهي تتلقى كل هذه الحقائق والمؤلمة على قلبها فهي حقا تريد الخروج من عائلتها والتي لم تتلقى منها سوى الإهمال والرفض وكأنها مجرد قطعة أثاث مهملة بالمنزل ، ضمت كفيها معا بارتباك وهي تنظر بعيدا عنها بحزن امتلئ بعينيها السوداء القاتمة ، لتنظر لجسد طويل جدا تشعر بأنها قد رأته من قبل وهو يعطيها ظهره .
قطع عليها شرودها صوت الموسيقى الناعمة والتي صدرت فجأة من السماعات والمعلقة على جدران القاعة ، ليلتف جميع المكتظين حول ساحة الرقص والتي احتلها بعض الطلاب مع رفيقاتهم برقصة ناعمة رقيقة .
لكزتها صديقتها بذراعها وهي تتمتم بلهفة
"انظري ، أنه قادم"
نظرت (سحر) أمامها لتفاجئ بالشاب والذي اصطدمت به يتقدم باتجاهها ، لتركز أكثر على وسامته الواضحة من عينيه الزرقاء والتي تنظر لها بتركيز مخيف لشعره الأسود الكثيف والمرتب للخلف بعناية ، ابتلعت ريقها بتوجس ما أن وقف امامها وهو لم يبعد عينيه عنها للحظة ليقول بعدها بابتسامة هادئة وهو يمد كفه باتجاهها
"هل تقبلين بهذه الرقصة الصغيرة معي"
كانت (سحر) تنظر له بانشداه وهي فاغرة شفتيها أمامه ببلاهة وتشعر بذراع صديقتها تدفعها من الخلف بقوة ، لتهمس بعدها (سحر) بابتسامة مرتجفة مذهولة
"أتريد مني حقا ان ارقص معك"
حرك الشاب رأسه بالإيجاب وبهدوء وبابتسامة ساحرة جذابة ، لتزم بعدها شفتيها بتوتر وهي ترفع كفها قبل أن تضعها بكف الشاب برفق ، ليشدد بعدها على كفها قبل أن يسحبها معه باتجاه ساحة الرقص ليتوقف أمامها مباشرة وهو يرفع كفه والممسكة بيدها عاليا ليضع كفه الآخر على خصرها برفق وهو يشير لها بعينيه الساحرتين لتضع كفها الآخر على كتفه ، رفعت كفها بارتجاف وهي تريحه على كتفه بهدوء وعينيها شاردتين بعيدا نحو صديقتها والتي كانت تلوح لها بحماس .
بدأ الشاب بالرقص وبتحريكها كما يشاء كالدمية المتصلبة بينما كانت هي تحاول مجاراة حركاته بصعوبة ، بالرغم من أنها قد أخذت دروس كثيرة بالرقص منذ صغرها ولكنها دائما ما تواجه صعوبة مع ساقيها القصيرتين والضعيفتين ومع هذا ستستمر للنهاية ولن تتراجع ابدا عما تريد الوصول إليه .
رفعت عينيها السوداء لتتجمد بمكانها بفعل قوة نظرات هذا الشاب الطويل وهو يتنقل بنظره بينها وبين من يراقصها بغموض وكأنه لا يعجبه وضعهما ، لتتذكر فجأة أين رأته وتكتشف بأنه هو نفسه من صدم سيارتها بسيارته بطريقها لمدرستها ، أخفضت عينيها  عنه وقد بدأت تشعر بانعدام الراحة لتبدأ بدفع الشاب عنها وهي تتمتم بخفوت
"هذا يكفي ، هلا توقفت عن الرقص"
انزل الشاب كفه عن خصرها بهدوء ليقول بعدها بابتسامة متسعة غامضة
"انتِ على حق هذا يكفي ، فلنذهب لمكان أفضل وأكثر عزلة لنا"
عقدت حاجبيها بحيرة وبوجوم قبل أن يسحبها بعيدا عن ساحة الرقص ، لتتنقل بعدها بنظراتها بهلع بين الناس وهي لا تستطيع أن تلمح صديقتها من بينهم ابدا ، استمر بالسير وهو يسحبها خلفه حتى وصل بها لشرفة بعيدا عن الناس ، وما أن وقف أخيرا حتى استدار باتجاهها ببطء شديد ليضع كفيه على كتفيها بقوة وهو يقول بابتسامة قوية
"هذا أفضل وهكذا لن يزعجنا أحد من البشر الفضوليين"
حركت (سحر) رأسها بعدم استيعاب وهي تحرك كتفيها بعيدا عن مرمى كفيه ، ليبعد كفيه بسرعة عنها وهو يقول بابتسامة متأسفة
"اعتذر إذا كنتُ ضايقتك ، ولكني اردتُ الكلام معكِ على انفراد لوحدنا"
ردت عليه (سحر) بإحراج متوتر
"لا بأس ، قل ما عندك"
رفع الشاب كفه ليصفف شعره للخلف وهو يقول بابتسامة متسعة ومتلهفة
"أريد منكِ أن تكوني حبيبتي ، ولستِ مثل الباقيات بل ستكونين زوجتي وهذه المكانة لم يحصل عليها أحد من قبلكِ فقد فكرتُ كثيرا بأنه قد حان الوقت المناسب لأستقر بحياتي ومع من تستحق ، لذا هل انتِ موافقة سحر بارون"
كانت تنظر له بجمود والذي كانت تريده هي وصديقتها قد تحقق وحدث ، ولكن لما تشعر بهذا الخواء اتجاه هذا الأمر وكأن شيئاً بداخلها ينبهها بشيء خاطئ يحدث هنا ، ابعدت نظرها عنه بهدوء وهي تقول بجفاء بارد
"اعتذر ولكني لا أفكر بالزواج بالوقت الحالي فأنا أريد إكمال تعليمي ، لذا وداعا وحظاً موفقاً مع غيري"
ما أن استدارت بعيدا عنه حتى شعرت بيد تمسك بذراعها العاري قبل أن يديرها ناحيته بقسوة ، ليقول بعدها بتجهم وهو يمسك بذراعيها العاريين بقوة 
"كيف تتجرأين على رفضي ، هذه فرصة العمر وانتِ تضيعينها ببساطة ، اصلا عليكِ أن تكوني ممتنة لأني فكرتُ بكِ من الأساس"
كانت (سحر) تتلوى بين ذراعيه وهي تحاول التخلص من تكبيله لتصرخ بعدها بذعر
"أتركني ، اترك ذراعي أرجوك "
سمعت صوت من خلفه وهو يقول بحزم متصلب
"ألم تسمع ما قالت ، ابتعد عنها أفضل لك"
ابتسمت بشرود وهي تتذكر نفس هذا الموقف حدث معها قبل سنتين عندما انقذها (يزن) منهم ، ولكن هذه المرة كان أحدا آخر من تدخل ، ليلتفت الشاب بعينيه الزرقاء للخلف وهو يقول بحنق
"من انت ، وماذا تريد"
تقدم (فراس) أكثر حتى وقف بجانب الشاب ليرفع يديه وهو يمسك بذراعيه ليبعدهما عن ذراعيها بهدوء وقوة ، نفض الشاب ذراعيه عنه بغضب بينما وقف (فراس) بجانب (سحر) بهدوء وهو يقول بثقة
"أنها تخصني لذا ليس لك مكان معها ، هيا ارحل من هنا فورا"
عبست ملامحه بصدمة وهو ينقل عينيه الزرقاء ل(سحر) والتي كانت تنظر للأسفل وقد ألجمتها الصدمة تماما ، ليغادر بعدها الشاب من أمامهما وهو يتمتم بعبوس متجهم
"حسنا إذاً خذها واشبع منها فلم اعد أريدها ابدا ولا ارغب بمخلفات الغير"
فغرت شفتيها بصدمة وهي لا تصدق ما تسمع قبل أن يختفي من أمامهما تماما ، عضت (سحر) على شفتيها بحزن وهي تشعر برغبة حارقة بالبكاء بشدة ، بينما كان (فراس) ينظر بتركيز لها ولشفتيها المنتفخين والمصبوغين بلون الوردي الغامق وهي تعضهما بارتباك والرياح تحرك خصلتيها المموجتين بجمال حول وجهها الأسمر والملون بكل ألوان الطيف من مساحيق التجميل .
ابعد (فراس) نظره عنها فهي أقرب للطفلة من المرأة و هذه الألوان الصاخبة لن تغير حقيقتها والتي رآها عليها من قبل ، قال بعدها بابتسامة هادئة بدون أي تعبير 
"انتبهي لنفسكِ أكثر ولا تحاولي لعب ألعاب الكبار فهذا خطير عليكِ ولا يناسبكِ ، وهذه الألوان على وجهكِ لا تناسب شخصيتكِ ابدا"
سار بعدها من أمامها وهو يخرج من الشرفة بهدوء ، بينما زمت (سحر) شفتيها بحنق وهي تلعن غباءها والذي جعلها تنسى أن تشكره بعد مساعدته النبيلة لها ، ولكن ماذا كان يقصد بآخر كلامه عن الألوان بوجهها وعن شخصيتها ، يبدو بأن صديقتها هي حلها الوحيد لتشرح لها ماذا كان يقصد بكلامه الغامض والذي جعلها تتورد من الخجل وكأنه كان يتغزل بها .

قلوب معلقة بالماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن