الفصل التاسع

1.9K 59 11
                                    

كانت تنظر للكتب أمامها بشرود وتتلمسها بأصابعها بملل وهي تزفر أنفاسها بحزن فحتى الآن لم يظهر له أي أثر مع انه قد قال لها بأنهما سيلتقيان هنا ألا إذا كان لم يستطع إيجاد الوظيفة والتي تناسب مستواها ، عقدت حاجبيها بوجوم وهي تفكر لو أنها أكملت تعليمها بالجامعة لكانت حصلت على فرص أكثر بالعمل ولكن مصاريف الجامعة مرتفعة جدا وهذا سيستهلك كل مدخراتهم وأيضا لم يكن هناك أحد بعائلتها يكمل تعليمه العالي بل يتوقف ما أن تنتهي المدرسة وأقل فكل شقيقاتها الأكبر منها خرجن من المدرسة عند سن الرابعة عشر ليتزوجنا بعدها من فورهن ، تنهدت (فاتن) عند هذه النقطة وهي تفكر بكلام شقيقها عن الزواج وكل فتاة ينتهي بها المطاف بالزواج ولكنها ليست منهم فهي لا تملك أحلام كبيرة لهذا اليوم وليس كل ما تتمناه هو عريس تكمل حياتها معه وفقط بل تريد من تشعر معه بالأمان كشقيقها وتثق به أكثر من نفسها .
سمعت صوت تصفير من خلفها لتلتفت بسرعة باتجاه مصدر الصوت لتبدأ الابتسامة بالاتساع على وجهها الممتلئ وهي ترى كل أحلامها متجسدة بهذا الشخص ومن كان فارس أحلامها منذ كانت طفلة لتتابع بعدها كل اخباره وكل شيء يخصه ، كان (مؤيد) يبتسم ابتسامة جانبية وهو يصفر بهدوء لتعبس بعدها ملامحه وهو يترقع بأصابعه أمام وجهها الشارد قائلا بحيرة
"فاتنة أين ذهبتي بأفكارك انا موجود أمامك هنا"
انتفضت (فاتن) بهدوء ووجهها يتلون بإحراج ، لتقول بعدها بتذمر وهي ترجع خصلاتها للخلف بارتباك
"مرحبا ، ألم تخبرني بأننا سنلتقي على الساعة الثالثة ظهرا ، لما تأخرت على الموعد هكذا"
عقد (مؤيد) حاجبيه بتفكير لينظر للساعة بمعصمه هامسا بشك
"لقد تأخرتُ عشر دقائق فقط"
ردت عليه (فاتن) بانفعال من الإحراج والانتظار الطويل بالمكتبة وهي تتوقع قد حدث الأسوء
"ومع ذلك تأخرت كثيرا"
حك (مؤيد) شعره بهدوء وهو ينظر لها بتفكير ليقول بعدها باعتذار
"حسنا انا اعتذر ، هل هذا يرضيكِ"
تنهدت (فاتن) بخفوت وهي تعود للابتسام بإشراق لتتمتم بعدها بلهفة
"لا بأس ، هيا أخبرني هل حصلت على وظيفة لي"
عبست ملامح (مؤيد) قائلا بمزاح وهو ينظر بعيدا عنها
"الحقيقة لم أجد وظيفة تناسبك تماما فكل الوظائف هناك تحتاج لخبرة"
عبست زاوية شفتي (فاتن) بحزن وقد كانت تتوقع هذا ، لتهمس بعدها بصوت متشنج
"أجل كنتُ أعرف هذا ولكني تأملت كثيرا ، على كل حال شكرا لك على جهودك معي"
وما أن كانت على وشك الاستدارة عنه حتى امسكها (مؤيد) من كتفيها ليديرها نحوه قبل أن يضحك قائلا بتسلية
"كنتُ امزح معكِ يا فاتنة ، ولا تقلقي فقد وجدتُ لكِ الوظيفة والتي تحلمين بها وتناسبك"
فغرت (فاتن) شفتيها ببلاهة وهي لا تفهم بماذا نطق الآن ، لتهمس بعدها بعدم تصديق
"هل هذا يعني بأنه أصبح لدي وظيفة"
ردّ عليها (مؤيد) بثقة وهو يحرك رأسه بقوة
"أجل ولدي لكِ الورقة والتي ستوظفك هناك بالشركة"
اتسعت عينيّ (فاتن) البنية بلمعان الدموع وهي لا تعرف بماذا تجيب عليه ، بينما تجمد (مؤيد) بصدمة وهو ينظر للدموع المتجمعة بانحناءة عينيها الجذابة لتصبحا أكثر بروزا باستدارة وجهها الممتلئ ، ليرفع بعدها كفه لاإراديا باتجاه وجهها ليلمس دموعها المتجمدة بإبهامه وهو يقول بانبهار
"المفروض أن تكوني سعيدة بهذا الخبر وليس حزينة أم أن هذه دموع الفرح"
انتفضت (فاتن) بسرعة وهي تدفعه بعيدا عنها لتمسح بعدها دموعها بكفيها بقوة ، بينما تراجع (مؤيد) للخلف وهو يضع كفيه بجيبي بنطاله الجينز وهو يراقبها بابتسامة هادئة ، ليقول بعدها بملل وهو يبتسم بتسلية
"هل انتهيتِ من هذا قريبا أم لا تريدين سماع تفاصيل وظيفتك"
رفعت (فاتن) نظراتها بسرعة باتجاهه قبل أن تهمس بسعادة بالغة
"أجل أريد سماعها ، هيا اخبرني ، أخبرني"
ردّ عليها (مؤيد) بابتسامة متسعة
"وظيفتك هناك ستكون بسيطة جدا ستعملين بمطبخ الشركة كتحضير القهوة أو العصير وإيصالها للمدراء  ، انتِ تعرفين كيف تحضرين القهوة صحيح"
حركت (فاتن) رأسها بالإيجاب بلهفة وبريق ، ليكمل بعدها (مؤيد) كلامه وهو يخرج من جيب بنطاله الورقة ليرفعها باتجاهها قائلا
"وهذه الورقة مكتوب عليها مكان الشركة والتي ستعملين بها وتفاصيل أخرى وكل ما عليكِ فعله هو تسليم هذه الورقة لرئيس القسم بالطابق الأول وبعدها ستقولين له معلومات عن نفسكِ ولكن المهم هو أنه سيوظفك بالنهاية بالشركة"
سرقة (فاتن) بسرعة الورقة من يده وهي تنظر لها بسعادة وكأنها بارقة الأمل الأخيرة بالنسبة لها قبل أن تدسها بحضنها بسعادة طفولية ، اخفض (مؤيد) كفه وهو ينظر لها بتعجب من تصرفاتها الطفولية وهو يفكر بأنه ليس من العدل بأن تعمل طفلة مثلها بهذا السن ، ليحرك بعدها كتفيه بلا مبالاة وهو يتمتم بهدوء
"إذاً مبروك عليكِ الوظيفة وأتمنى أن تعجبكِ حقا"
نظرت له (فاتن) بابتسامة مشعة قبل أن تهمس بامتنان
"شكرا جزيلا لك ، لقد قدمت لي خدمة كبيرة ، ولا أعرف كيف أردها لك"
ردّ عليها (مؤيد) وهو يضحك بخفوت
"اتركيها للأيام فقد أحتاج منكِ خدمة وعندها يمكنك ردها لي مضاعفة"
شحبت ملامح (فاتن) وهي تفكر بالخدمة والذي سأردها له ، ليقول بعدها (مؤيد) بضحكة أعلى وهو يربت على كتفها بخفة
"ما بكِ انا امزح معكِ فقط"
زمت (فاتن) شفتيها بغيض قبل أن تدفع كفه عن كتفها قائلة بامتعاض
"توقف عن المزاح فهذا ليس مضحكا ابدا"
تجهمت ملامح (مؤيد) وهو يتمتم بتذمر
"لما الجميع ينزعج من مزاحي"
نظر بعدها باتجاه (فاتن) الحانقة وهي ما تزال تحتضن الورقة بيديها ، ليقول بعدها بحنية وهو يربت على شعرها برفق
"إذاً اتمنى لكِ التوفيق بالعمل يا فاتنة"
ردت عليه (فاتن) بهدوء
"اسمي فاتن"
ابتسم (مؤيد) بهدوء قبل أن يستدير وهو يتمتم بلا مبالاة
"ولكن فاتنة يناسبكِ أكثر شكلا وقالبا يا فاتنة"
غادر بعدها باتجاه باب المكتبة وأمام نظرات (فاتن) الجاحظة وهي تبتسم بحياء وتفكر بأن هذا أجمل غزل تتلقاه بحياتها قبل أن تسند ظهرها برف الكتب من خلفها وهي ما تزال تحتضن الورقة بيدها بسعادة لم تشعر بها سوى معه منذ أول مرة ألتقيت به لتبقى مغروزة بذكرياتها اليتيمة للأبد .
_______________________
وقفت أمام منزل عائلتها الكبير وهذه المرة مختلفة عن كل المرات السابقة والتي عادت فيها مهزومة ومتعبة لنفس المنزل وأما هذه المرة فقد عادت له وهي مملوءة بالقوة والحياة وبيدها تمسك بكل ما تتمناه بحياتها ، كان (يزن) يمسك بكفها بقوة وهو ينتظر الأسوء والموجود بهذا المنزل قبل أن يسحبها معه للداخل بصمت ، دخلوا من باب المنزل بهدوء غريب وحتى أن الحرس والمتواجدين عند البوابة كانوا قد اختفوا من المكان بأكمله ، لتصطدم بعدها نظراتهم بالجد الكبير والذي كان جالسا عند بهو المنزل الواسع بانتظارهم بكل هيبة ليقف على قدميه بهدوء وهو يتقدم باتجاههم بخطوات ثابتة صلبة ، وقف الجد مقابلا لهم مباشرة وهو يخفض نظراته بتركيز لأيديهم المتشابكة ، ليقطع بعدها الصمت الخانق صوت الجد الهادئ وهو يقول
"إذاً ما هذا الذي يحدث امامي"
قال (يزن) ببرود صلب وهو ينظر لجده بتركيز
"لقد أتيت لأخبرك بأني استعدتُ ما هو ملكي منذ سنوات ، وهذا كل شيء"
ردّ عليه الجد بصراخ مفاجئ وبكلمة واحدة حادة
"أخرس"
كانت كلمة واحدة ولكنها كانت بقوة لدرجة أصدرت صدى بالمنزل الواسع لتجذب كل أفراد العائلة والذين  بدأوا يتجمعون عند بهو المنزل الواسع ما عدا (سامي) والذي لم يكن أساساً موجودا بالمنزل بأكمله ، وحتى حضروا معهم (عمران) وابنه والذين كانوا ينظرون باستغراب لهوية الشخص والممسك بيد (زهرة) ، ألجمت الصدمة (زهرة) وهي ترتجف بخفوت لتحاول الإفلات من يده والتي كانت تشدد أكثر على كفها ، قال  (عادل) بجانب والده بعدم استيعاب وهو ينظر بحقد ل(يزن)
"ماذا يحدث هنا يا أبي ولما ابن تلك العائلة موجود بمنزلنا"
ليأتي السؤال هذه المرة من مكان آخر و(عمران) يقول بحيرة
"ما هذا الذي يحدث هنا ومن هذا الفتى"
رفع الجد الكبير بعدها كفه بصلابة ليصمت جميع من بالمكان بوجوم ، بينما كانت زوجة والدها تنظر بلا مبالاة لما يحدث حالها كحال ابنها (سليم) والذي انسحب من المكان بهدوء عائدا من حيث أتى ، عاد الجد الكبير للكلام وهو يخفض كفه بحزم
"هل تعرف ما لذي تنوي على فعله عندما تربط بين عائلتين لديهما ماضي دامي وملطخ بالعار كعائلتك وعائلتها ، صدقني هذا ليس في صالحك ولا صالحها"
تصلبت ملامح (يزن) ببرود ليقول بعدها بابتسامة باهتة
"كل هذا الكلام لا يهمني يا جدي وهذا الانتقام وكل ما فيه لم يكن يوما جزءاً من تفكيري لأني اصلا لا انتمي لأي عائلة من العائلتين ولم أكن بحياتي بأي جانب منهما ، انا كنتُ فقط أعمل معكم لفترة قصيرة وقد حان الوقت لأحصل على مكافئتي والتي وعدتني بها يا جدي"
نظرت له (زهرة) بعدم فهم وهي تحاول تفسير كلامه والذي قاله فما لذي يقصده بأنه عمل معهم لفترة ؟ بينما كانت ملامح الجد معقدة ليبتسم بعدها بجمود وهو يقول بتصلب
"صحيح أنني وعدتك بهذا ، ولكنني أخبرتك من قبل ما أن ترفضك زهرة فهذا كله سينتهي والعقد بينكما كذلك ، ولكنك حاولت المراوغة وبقيت تحاول إقناعها بأن تتقبلك رغما عنها مع العلم بأنها رفضتك وهذا احتيال على الاتفاق بيننا"
كانت كل العيون متسعة بين ذهول وحنق وكان النصيب الأكبر بالحنق والغضب هو (عادل) والذي يكاد ينفجر بأية لحظة وهم يساومون على حياة ابنته أمامه كما يريدون ، ليقول بعدها (يزن) ببساطة وهو يبتسم بتصلب 
"ولكنك أنت أيضا فعلت نفس الشيء بإقناعها برفضي وقد كنتُ انا قد تقبلت هذا الأمر ولكن أن تزوجها رغما عنها لتبعدها عني تماما وهي ما تزال متزوجة مني حتى الآن فهذا مالم اتوقعه منكم"
خرجت بعض الشهقات المصدومة بعد أن أنهى كلامه والجد ينظر له بحدة وملامح لا تعبر عن شيء ، حتى أن (عادل) كاد أن يتحرك من مكانه باتجاهه بانفعال قبل أن يرفع الجد كفه أمامه بحزم بأن يلتزم بمكانه ، ليزفر بعدها أنفاسه بكبت وهو يشعر بنفسه مقيد تماما ويفكر لو فقط يعطيه والده حق التصرف لكان أنهى كل شيء بلكم ذلك الوقح والتخلص منه نهائياً ، قال الجد بعد لحظات مشحونة بالحنق على الجميع وهو يبتسم باستفزاز
"هذا الكلام لم يعد ذو أهمية الآن لأن زهرة لم تعد زوجتك فالعقد والذي كان بينكما أنا ألغيته ومزقته بنفسي ، لذا لم يعد لديك شيء عندنا الآن"
نظرت (زهرة) لجدها بصدمة ومرارة فمتى فعل كل هذا وهي لا تعرف شيئاً مثل عندما زوجها ب(يزن) بدون أن يخبرها لتكون هي آخر من يعلم وكأن الأمر لا يعنيها ، بينما كان (عادل) ينظر لوالده بعدم تصديق وكأنها ليست ابنته من يتحكم بها وبمصيرها يفعل كل شيء من وراء ظهره بدون أن يخبره ، أبتسم (يزن) بدون أن يتأثر بكلامه وكأنه كان يتوقع هذا الكلام منه ليتمتم بعدها ببرود جليدي
"توقعت أن تقول هذا الكلام وأن تفعل مثل هذا التصرف ، لهذا سبقتك بخطوة ونسخت ورقة زواجنا لأثبتها بعدها بالمحكمة لكي لا يستطيع أي أحد إلغاءها بسهولة كما الآن"
ابتسمت (زهرة) بسعادة وهي تنظر له من بين غمامة دموعها براحة ، بينما كانت ملامح الجد منحوتة من الصخر وهو ينظر لهما بتركيز قبل أن يهمس بصوت جامد
"وماذا عن موافقة زهرة كيف أرغمتها على تقبلك وكيف احتلت عليها ، فهذا ليس بعيدا عنك بما أن والدك فعلها من قبل واحتال على ابنة شقيقي بسهولة"
قبض (عادل) على كفيه بتصلب ناري ما أن ذكر موضوع (حنان) وها هو يتكرر مع ابنته ليخدعها كما خدع والده الحقير ابنة عمه ، كان (يزن) على وشك الكلام لتسبقه (زهرة) قائلة لأول مرة وبرقة بالغة
"غير صحيح لم يرغمني بل انا التي وافقت على هذا الزواج وأريده.."
قطعت كلامها صرخة والدها وهو يقف أمامها بتصلب ليرفع كفه عاليا قائلا
"يا حقيرة"
غطت (زهرة) بسرعة خدها بكفها ولكن وقبل أن يصل الكف لها كان (يزن) قد أمسك بذراع والدها بقوة ، لترفع بعدها نظراتها الدامعة ل(يزن) بصدمة وهو يمسك بذراع والدها قبل أن ينفض والدها ذراعه عنه بقسوة ، ليقول بعدها (يزن) بشراسة وعينيه الخضراء تبرقان بقسوة
"إياك والاقتراب من زوجتي ومحاولة إيذائها مجددا حتى لو كنت والدها أو أيً من كنت لأنها من الآن أصبحت تشكل لكم خط أحمر وغير مسموح لأحد منكم بتجاوزه"
اخفضت (زهرة) كفها بارتعاش وهي تنظر بتوجس لوالدها والذي كان ينظر لهما بحقد دفين وتحديدا  باتجاهها وكأنها قد خانته بهذا التصرف ولكن ماذا تفعل مع مشاعرها والتي لا تستطيع التحكم بها وكلها موجهة نحو (يزن) منذ زمن ، بينما تراجع (عادل) بخطواته بثبات قبل أن يغادر بعيدا عنهم بصمت وزوجته تتبعه من الخلف بسرعة ، ليقول بعدها (يزن) وهو يعود لهدوئه ليركز نظراته على الجد
"هل سمعت ما قالته يا جدي ، لقد أخبرتني من قبل بأنها ما أن توافق على الزواج مني فستدعني احصل عليها ويمكنني أخذها للمكان الذي اريده ، وهكذا ستكون لعبتنا قد انتهت"
كان الجد ينظر لهما بصمت بدون أي كلام فقط ينظر لهما بنظرات جامدة غير مقروءة التعابير ولا تحمل أي مشاعر ، ليتمسك بعدها (يزن) بكف (زهرة) بتشديد قبل أن يستدير بعيدا عنهم وهو يسحبها من خلفه بهدوء ، بينما كانت (زهرة) تتبعه بابتسامة مرتجفة وهي لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها الآن إذا كان عليها أن تكون سعيدة أو حزينة ولكنها فضلت ترك دموعها لتنزل على خديها براحة ، ليتركوا من خلفهم جو من الوجوم والإحباط لينسحب بعدها (عمران) وهو يمسك بابنه والذي كان ما يزال ينظر لمكان اختفائهم بصدمة وهو لا يصدق بأنه قد خسر ذلك الحلم الجميل ببساطة فيبدو أنه لم يكن مقدر له منذ البداية ، بينما كان الجد ما يزال واقفا بشموخ وهو يفكر بما هو قادم الآن باتجاههم وأكيد لن تستطيع علاقتهما الضعيفة احتماله أمام هذا الطوفان العملاق من المشاعر .
________________________
دخل للمنزل بهدوء ليتوقف بمنتصف الطريق وهو يحيد بنظراته باتجاه بهو المنزل والذي وجد به سابقا (مايا) جالسة فيه وبجانبها (ياسر) واليوم لا أثر لهما ابدا ، حرك رأسه بلا مبالاة وهو يتجه للسلالم ليقابل ما أن وصل أعلى السلالم عند الممر زوجة والده وهي تتكلم بعصبية مع زوجها قائلة
"لما لا تسمع كلامي اقول لك لقد غادر ابني منذ وقت طويل ولم يعد حتى الآن ، وكلما حاولت الاتصال به يكون الخط مغلقا تماما"
ردّ عليها (سليمان) بنفاذ صبر وهو يحك جبهته بتعب
"وما لجديد بالموضوع"
كان (إياد) قد تحرك بعيدا عنهم ليتوقف بآخر لحظة ما أن سمع صوت (سمية) يقصف من جديد بقوة
"الجديد هو أنه بهذه المرة لم يذهب وحده بل اصطحب معه الشقراء وقد رأيتها وهي تذهب برفقته وقد كانت تبدو بكامل أناقتها ، انا قلقة من أن تسحره بجمالها وتنسيه عائلته وتأخذه مني للأبد أو قد تجعله يدخل معها بالخطيئة تلك الأجنبية"
التفت (إياد) بسرعة باتجاههما وهو ينظر إليها بتجمد وقلق يشعر به لأول مرة بدأ يسري بكل جسده ، ليقول بعدها (سليمان) بحدة وهو يرفع يده بتهديد
"توقفي عن التفوه بالحماقات يا سمية وألا تخلصت منكِ انتِ وابنك وارتحت من مشاكلكما ، ومرة أخرى إياكِ والتكلم بالسوء عن ابنة شقيقي سمعتي ، وبدل أن تقلقي على مايا من ابنك تقلقين على ذلك الصعلوك"
كانت (سمية) سترد عليه بقسوة لولا مقاطعة (سليمان) لها وهو يستدير بعيدا عنها قائلا بلا مبالاة 
"لا داعي لكل هذا القلق والذي ليس له داعي اصلا ، بالنهاية هم أولاد عم وعلى الأكيد أخذها ابنك ليتسلوا بمكان ما وسيعودون قريبا ، انتِ فقط تضخمين الأمور"
زمت (سمية) شفتيها بحنق وهي تكاد تنفجر بمكانها من الغيض ولا أحد يشعر بها ، بينما كان (سليمان) قد غادر باتجاه غرفته وهو يتجاهلها تماما ، واما (إياد) فقد أفاق من ذهوله ما أن غادر والده بعيدا عنهم ليتقدم بسرعة باتجاه زوجة والده والتي ما تزال واقفة بمنتصف الممر ، ليقول بعدها بجمود متشنج ما أن وقف أمامها مباشرة
"أخبريني خالتي متى رأيتِ ياسر يصطحب مايا معه  للخروج من المنزل"
رفعت (سمية) نظراتها له بحدة قبل أن تقول بعصبية بالغة
"ولما تسأل يا ابن سليمان ، أتريد أنت أيضا أن تعايرني بابني وأنك أفضل منه بكثير ، جميعكم مثل بعضكم قساة القلب"
تنهد (إياد) بنفاذ صبر ليقول بعدها بهدوء وروية
"لا يا خالتي ليس هذا ما أريده بل كل ما أردته هو أن أعرف متى ذهبوا وأين مكانهم الآن لأطمئن عليهم وأعيدهم للمنزل ، أليس هذا ما تريدينه ايضا"
زمت (سمية) شفتيها بتفكير فهو على حق بكلامه وهو الوحيد والذي يستطيع مساعدتها الآن ، لتتمتم بعدها بتصلب مرتبك
"حسنا سأخبرك ، ولكنك ستعدني بأنك لن تؤذيه بشيء وستعيده للمنزل سالما كما هو"
حرك (إياد) رأسه بالإيجاب وبهدوء ، لتقول بعدها (سمية) بتفكير وتذكر
"لقد خرجوا من المنزل تقريبا منذ الساعة الثامنة مساءً واعتقد بأنه ذهب لحفلة بجامعته فقد كان يتكلم عنها منذ أيام"
كان (إياد) ينظر بعيدا بشرود وهو يتذكر عندما وجدهما عند بهو المنزل وعندما همس لها (ياسر) بشيء قبل أن يغادر بعيدا عنها ، ويبدو أنه كان يتفق معها ليخرجوا سويا لحفلة بجامعته وتكون رفيقته هناك ولكن لما وافقت على كل هذا ببساطة ، تجهمت ملامح (إياد) ليتحرك بعدها من أمامها بخطوات سريعة باتجاه السلالم ، بينما لحقته (سمية) بسرعة لتقف فوق السلالم قائلة بحدة مرتفعة
"لا تنسى اعد لي ابني وأسرع قبل أن تؤخذه مني تلك الأجنبية"
كان (إياد) قد وصل لباب المنزل وهو يسمع كلامها من خلفه والذي جعله يغلي أكثر وهو يشعر بأنه على وشك قتل أحدهم وهذه أول مرة يشعر بمثل هذه المشاعر ولكنه غير مرتاح ابدا ل(ياسر) وماذا بإمكانه أن يفعل ب(مايا) وحتى لو كانت ابنة عمه هذا لا يحميها منه وهذه الفكرة وحدها تجعله يجن تماما .
________________________
كانت تنظر للحفل من حولها بعدم اهتمام هذا إذا كان يسمى حفل من الأساس فما تراه أمامها عبارة عن جنون المراهقين وكل واحد منهم يرقص مع رفيقته فوق ساحة الرقص وأعمارهم تتراوح بين السابعة عشر للخامسة والعشرين وكأنهم هكذا يحتفلون  لوصولهم للجامعة ونجاحهم بالثانوية وما فهمته بأن الجامعة لا تعرف عن كل هذا الجنون وكل هذا بالاتفاق مع مدير الصالة الرياضية ومكان الحفل فلا يسمح بمثل هذا الطيش بداخل الجامعة ، ولكن ما لا تفهمه هو كيف استطاعوا إدخال الكحول لهذا المكان وبهذه البساطة ألا إذا كانوا قد اتفقوا مع خمارة لتستطيع إيصال لهم بالخفية كل هذه الكمية من الكحول ، حانت منها التفاتة باتجاه المجنون (ياسر) والذي لم يتوقف عن الرقص والشرب بنهم وهذا دليل على انه معتاد على مثل هذه الأجواء الصاخبة والمبتذلة .
سمعت (مايا) صوت رنين هاتفها بجيب فستانها ، لتخرجه بعدها وهي تنظر للرقم فيه قبل أن تتسع عينيها الرمادية على اتساعها وهي تنظر لهوية المتصل ، نهضت بسرعة عن الكرسي لتتجه بزاوية بعيدة بالصالة الضخمة وبعيدا عن كل أصوات الضوضاء ، لتقف بعدها عند الجدار وهي تجيب على الاتصال هامسة بخفوت
"ماذا هناك سيد جوزيف ، هل حدث مكروه لأمي أو أي شيء سيء لها"
ردّ عليها من بالطرف الآخر بصوت هادئ مبتسم
"كان عليكِ أولاً أن تلقي التحية على استاذك وخاصة بأننا لم نرى بعضنا منذ أيام"
زفرت (مايا) أنفاسها بحنق قبل أن تتمتم بتصلب
"سيد جوزيف هذا الكلام ليس وقته الآن وأخبرني فورا ما هو سبب اتصالك ، هل أمي بخير"
قال (جوزيف) بتجهم وهو يحرك رأسه بيأس
"لو أنه شخصا آخر من أخبرني بمثل هذا الكلام لكنت فصلته من الجامعة بأكملها ، واطمئني والدتك بخير وحالتها ما تزال مستقرة وهي ليس سبب اتصالي بكِ"
تنهدت (مايا) براحة فمنذ سفرها بعيدا عن والدتها وهي قلقة من أن يحدث شيء سيء لها وهي بعيدة عنها فلا ينقصها المزيد من الألم ، همست بعدها وهي تعقد حاجبيها بحيرة
"إذاً ما سبب الاتصال"
ردّ عليها (جوزيف) وهو يضحك بخفوت قائلا
"لقد اتصلتُ لأطمئن على طالبتي أم قد تكون نسيتني تلك الجاحدة بعد عودتها لعائلتها"
شردت (مايا) بعينيها الدخانية بعيدا وهي تفكر بأن خيال (جوزيف) واسع جدا وهو يظنها سعيدة بين عائلتها والتي تعرفت عليها للتو واعترفت بوجودها الآن ، لطالما كان (جوزيف) يقدس العائلة وأهمية وجودها بحياة أي شخص وخاصة بأنه تربى مع عائلة احبته واعتبرته ابن لها منذ كان طفلا ، قطع عليها شرودها صوت (جوزيف) وهو يقول بابتسامة
"لم تخبريني مايا كيف هي الحياة مع عائلتك العربية وكيف البلاد هناك"
نظرت (مايا) من فورها باتجاه ساحة الرقص والتي ما يزال يحتلها (ياسر) بقوة ، لتتمتم بعدها بابتسامة غامضة
"ليست بهذا السوء"
ارتفع حاجبي (جوزيف) بتعجب من جوابها المختصر والذي لا يحدد إذا كانت رائعة أو سيئة ، ليقول بعدها بجدية وهو يعود للموضوع الأهم
"إذاً مايا هل قررتِ إكمال تعليمك عند عائلتك أم ستعودين لجامعتك قريبا"
قالت (مايا) بسرعة وبحزم
"اكيد سأعود هي فقط فترة اسبوعين لا أكثر وبعدها سأعود لإيطاليا فهناك يوجد كل شيء يخصني وحياتي أيضا"
ردّ عليها (جوزيف) بعدم تصديق قائلا بصرامة
"بعد كل هذا الوقت عند عائلتك ما زلتِ مصرة على العودة للعيش وحدك بإيطاليا ، كيف تفكرين هكذا وانتِ.."
قاطعته (مايا) بشراسة خافتة
"عذرا يا سيد جوزيف ولكني قد أخذت هذا القرار منذ زمن ويستحيل أن اتراجع به الآن ، مجيئي لهنا كان لهدف محدد وما أن احققه سأعود فورا"
تنهد (جوزيف) بحيرة من تفكيرها ليقول بعدها بهدوء
"حسنا ولكن ألن تخبريني ما هو هذا الهدف"
ابتسمت (مايا) بجمود وحقد لون عينيها لدخان معتم ، لتهمس بعدها بتصلب وهي تعود للنظر لساحة الرقص
"سأخبرك ما أن احققه قريبا"
فصلت بعدها (مايا) الخط بعد أن ودعت أستاذها وهي تنظر أمامها بجمود ، لتسير بعدها بخطوات سريعة حتى وصلت لساحة الرقص ، أمسكت (مايا) بذراع (ياسر) لتوقفه عن الحركة ليستدير بعدها باتجاهها قائلا بابتسامة جانبية 
"شقرائي تعالي وارقصي معي وارمي كل الهموم وراء ظهرك"
سحبته (مايا) بصمت باتجاه الكراسي وهو يتبعها بخطوات متعثرة دائخة ، لتجلسه بعدها فوق الكرسي قبل أن تجلس بجانبه قائلة بابتسامة صغيرة
"يكفي رقص للآن ، أريدك ان ترتح قليلا لنتكلم معا عن القليل من حياتنا ، ما رأيك بهذه الفكرة"
حرك (ياسر) رأسه ببطء وهو يتناول كأس مشروب من أمامه ، لتمسك بعدها (مايا) بالكأس وهي تضعها على الطاولة بعيدا عنه متمتمه بحزم
"توقف عن الشرب وركز معي قليلا"
ارتفع حاجبي (ياسر) قبل أن يسند مرفقيه على الطاولة قائلا بتسلية
"رائع يبدو أنكِ تستمتعين كثيرا معي ، حسنا كما تريدين فلنتكلم"
زمت (مايا) شفتيها بغضب من هذا المغفل والذي لا تعرف كيف تتصرف معه الآن ، لتقول بعدها بابتسامة هادئة وهي تضع كفها على كتفه بخفة
"أخبرني عن عائلتك هل يخفون أشياء خطيرة عنهم ومثيرة للاهتمام ، أريد أن أعرف فأنا جديدة بهذه العائلة"
عقد (ياسر) حاجبيه بتفكير وهو يضرب على جبهته بقبضته ، ليقول بعدها بتفكير مشوش
"حسنا على ما أذكر كانت أمي تخبرني عن أشياء خطيرة تعرفها عنهم وكانت تقول بأنها ستستخدمها ضدهم لو حاول زوجها تطليقها ، ومنها كانت تخص أعمال غير مشروعة وتشغيل رجال يعملون خارج البلد لأشياء غير قانونية وأيضا أراضي والتي تخص ميراث العائلة وهناك.."
قاطعته (مايا) وهي تمسك بكفه بقوة قائلة بابتسامة متسعة 
"أريدك أن تخبرني عن أراضي ميراث العائلة وما الأشياء والتي تخصها ويخفونها عن الجميع"
حرك (ياسر) رأسه باهتزاز وهو ينظر لكفها بابتسامة بلهاء ، ليحاول بعدها التذكر وهو يعود ليضرب على جبهته قبل أن يتمتم بخفوت شارد
"أجل تذكرت لقد وجدتُ مرة أوراق تخص ميراث لأراضي لا اعرف لمن ، وقد كانت الأوراق تتكلم عن نقل الأراضي جميعها لأسم سليمان وو.."
عقدت (مايا) حاجبيها وهي تشدد على كفه قائلة بإصرار
"أجل هيا أكمل وماذا"
كان (ياسر) يسند جبهته على قبضته بتفكير عميق وهو يشعر برأسه سينفجر من تأثير الكحول ، ليقول بعدها بتذكر وهو يرفع قبضته عن جبهته
"وووو عدنان وأيضا منقولة لأسم عمي عدنان ، وبطرق غير شرعية واعتقد بأنه لا أحد يعرف عن هذا الأمر ألا ناس محددين ، لستُ متأكداً تماما"
كانت (مايا) شاردة بأفكارها فهي تعرف كل هذا ولكنها كانت تريد أن تتأكد من شخص داخل العائلة ولم يخب ظنها بهذا الأبله وبوالدته فهي تعرف جيدا كيف تميز بين الأناس الطيبين من الأناس الخبيثين ، عادت (مايا) لتشدد على يده بكفيها الاثنتين وهي تهمس بخفوت
"هل يمكنك أن تخبرني عن مكان هذه الأوراق وأين تعتقد بأنهم يخفونها"
اخفض (ياسر) نظره لكفيها قائلا بابتسامة مهتزة
"بالسابق كانوا يخفون كل شيء يخصهم بالمنزل ، ولكنهم بعدها غيروا المكان وأصبح كل شيء موجود  بشركة العائلة وهناك يخفون كل أسرارهم واعتقد بأنه موجود بمكتب ابي ، ولكني لم اجرب البحث ومع ذلك فأنا متأكد بوجودها بمكتبه فهو افضل مكان يأتمن عليه بما يخصه"
ابتسمت (مايا) بسعادة ولهفة لتحقق أخيرا ما برأسها وهي تحرك رأسها بشرود وقوة ، لتنتفض بعدها وهي تبعد كفيها عن يده ما أن صدع صوت من خلفهما قائلا بتجهم
"ماذا تظنان نفسكما تفعلان هنا وبهذا المكان القذر"
استدارت (مايا) نحوه وهي تقف على قدميها أمامه ، لتتسع عينيّ (إياد) بانبهار وهو ينظر لفستانها الوردي والذي يصل لأسفل ركبتيها بقليل بدون أكمام وحزام من الجلد ملفوف حول خصرها الغض واما شعرها فقد كان منثورا حول وجه خالي من أي زينة سوى تورد خديها الطبيعي والذي يتناسب مع لون ثوبها ، وقف (ياسر) بجانبها وهو يترنح قليلا هامسا بانفعال
"ماذا تريد ، ولما تصر على ملاحقتنا بهذه الطريقة المهووسة"
ارتفع حاجبي (إياد) بدهشة ليقول بعدها بتفكير
"هل كنت تشرب الكحول"
حرك (ياسر) رأسه بقوة وباهتزاز قائلا
"أجل وماذا تستطيع أن تفعل مثلا يا دكتور"
حرك (إياد) رأسه بيأس منه ليتمتم بعدها بحزم
"هيا تعاليا معي لأوصلكما للمنزل بعيدا عن كل هذا الجنون"
تصلب (ياسر) بوقوفه فجأة ليمسك بيد (مايا) بجانبه بقوة قبل أن يتمتم بابتسامة مستفزة
"لن نذهب معك ولا يهمني كلامك ، نحن سنرحل من هنا لوحدنا و بدونك"
ردّ عليه (إياد) بشراسة وهو يقبض على يديه بتشنج لينظر لأيديهما المتشابكة باشتعال
"اتركها يا ياسر قبل أن اتهور ، وتعال معي بهدوء أفضل لك ولها"
تجهمت ملامح (ياسر) بغضب وقد عماه الحقد تماما عما يرى ، لتتدخل بعدها (مايا) لأول مرة قائلة بهدوء جليدي
"لا تتدخل فيما لا يعنيك يا إياد ، فأنت لست مسؤولاً عنا ، لذا توقف عن تأدية دور البطل فهو لا يناسبك"
تشنجت ملامح (إياد) بعدم تصديق مما يسمعه منها وهو يتلقى منها الصفعة الأقسى بحياته و الأسوء من بين كل صفعاتها السابقة ، ليسحبها بعدها (ياسر) بعيدا عن أمامه وهو يتجه بها بخطوات مترنحة لخارج الصالة ، بينما عينيّ (مايا) الباردتين متجمدتين باتجاه (إياد) والذي كان ينظر لها بالمثل حتى اختفت من أمامه نهائيا خلف تجمعات الناس ، ليزفر بعدها أنفاسه بكبت وهو يشعر بنفسه يريد أن يفرغ غضبه بأي شيء أمامه ليس للمتعة بل من أجل أن يرتاح من هذا الشعور والذي أصبح يلاحقه من جديد .
بينما كان (ياسر) ما يزال يسير بها بالطريق المظلم والمضيء بعواميد المصابيح بجانبي الشارع ، ليترنح بعدها أكثر وهو يتعرقل بالطريق وقبل أن يسقط على وجهه كان (إياد) قد أمسك بذراعه من الخلف بقوة ، نظرت (مايا) بجمود ل(إياد) وهو يمسك بشقيقه بوضع ذراعه فوق كتفيه برفق رغم ممانعة الآخر وهو يتمتم بتذمر خافت
"أتركني أستطيع السير وحدي ، اتركني"
تجاهل (إياد) كلامه وهو يسير به بعيدا قائلا بحزم صارخ وهو ينظر للخلف بحدة
"هيا تحركي واتبعيني ، لا تبقي واقفة هكذا"
أكمل (إياد) السير بتمهل باتجاه سيارته وامام نظرات (مايا) الباردة والتي كانت تبتسم بغموض بدون أي تعبير قبل أن تسير من خلفهم بخطوات هادئة .
__________________________
كان يمسك بيدها وهو يدخل بها الشقة بصمت ، ليفلتها بعدها وهو يغلق باب الشقة من خلفهما ، نظرت (زهرة) لأنحاء الشقة المظلمة نسبياً قبل أن يشعل (يزن) مفاتيح الإضاءة لتنتشر الإنارة
بكل أنحاء المكان ، شعرت بعدها بكفه تمسك بكفها قبل أن يسير بها للأريكة القريبة ، جلس (يزن) ليجلسها بجانبه وهو ما يزال يمسك بكفها ليهمس بعدها بخفوت مشتد
"هل انتِ حقا موافقة على إكمال حياتكِ معي يا زهرة بدون عائلة أو أي أحد آخر"
ابتسمت (زهرة) بارتجاف قبل أن تشدد من إمساك كفه قائلة بتشنج خافت
"أجل موافقة ، وموافقة منذ زمن"
ابتسم (يزن) بهدوء وهو يتلمس ظاهر كفها بإبهامه قبل أن يرفع يده الأخرى ليغرسها بجيب بنطاله ليخرج بعدها منها علبة صغيرة حمراء مخملية ، رفعت (زهرة) نظراتها العسلية باستغراب لما يمسك به بين يديه ، ليرفع بعدها كفها بيد ويفتح العلبة بيده الأخرى ليرفع بنفس اليد خاتم صغير محفور عليه بشكل قلب ذهبي ، ادخل (يزن) الخاتم بأصبعها النحيل بهدوء حتى تركز بالنهاية بمنتصف الأصبع عند العظمة ، ليترك بعدها كفها بهدوء وهو ينظر لمنظر الخاتم البسيط والذي أصبح ذا قيمة بأصبعها الصغير الأبيض ، أخفضت (زهرة) كفها وهي ما تزال تنظر بانبهار للخاتم بأصبعها وابتسامة صغيرة تحتل محياها ، عاد (يزن) للإمساك بكفها ليرفعه لشفتيه وهو يقبل موضع الخاتم هامسا بهدوء
"مبروك عليكِ خاتم زواجك يا زوجة يزن"
اتسعت عينيّ (زهرة) العسليتين وهي تنظر للخاتم بذهول لتقول بعدها وهي تنظر له بتفكير
"هل هذا خاتم زواجي"
ترك (يزن) كفها وهو يقول بشرود متصلب بعيدا عنها
"أعرف ما تفكرين فيه ، انتِ تريدين حفلة خطوبة وحفلة زفاف وتلك الأشياء السخيفة والتي تتمناها كل الفتيات ولكني الآن لا أستطيع تحقيقها لكِ فعملي بقسم الشرطة لم يثبت بعد والمال والذي اتقاضاه منه لا يكفي لأحقق لكِ كل هذا ، لذا عليكِ أن تنتظري حتى اترفع لأصبح ضابطا مهما بالشرطة وعندها أستطيع أن احقق لكِ كل ما تتمنينه ، والآن وكل الذي أستطيع تقديمه لكِ هو هذا الخاتم والذي يثبت بأننا متزوجين حقا"
كانت (زهرة) تنظر له بحزن وهي تتلاعب بيدها ذات الخاتم الذهبي ، لترفع بعدها ذراعيها بصمت قبل أن تعانقه عند عنقه بهدوء وارتجاف وهي تهمس بنعومة خافتة
"أخبرتك من قبل بأن كل هذا لا يهمني فوجودك معي يكفيني ، وأنا سأحافظ على هذا الخاتم بحياتي لأنه كل ما املكه منك والذي يثبت بأني زوجتك وحدك"
رفع (يزن) ذراعيه ليربت على ظهرها بهدوء وهو يقبل خصلات شعرها الكستنائية الكثيفة ليتمتم بعدها بابتسامة جانبية من بين خصلات شعرها
"وإذا عرفتُ بأنكِ خلعتي هذا الخاتم أو اضعته بأي مكان فلا تلومي سوى نفسكِ عندها"
ضحكت (زهرة) ببحة وخفوت وهي تبتلع ريقها بتشنج قائلة بسعادة بالغة
"لا تقلق فأنا اعدك بكل ما املك بأني سأحافظ عليه ، ليس خوفا من تهديدك بل لأنه الشيء الوحيد والذي يربط بيننا"
كان (يزن) يتخلل خصلات شعرها بكفه براحة وهو يستنشق عبيرها الدافئ والذي يذكره بالطفولة الضائعة والحنين لها ، مرت لحظات طويلة وهما على حالهما فكل كلام العالم لن ينفع امام هذه المشاعر الطاغية عليهما والتي تتعلق بذلك الماضي البعيد ، ابعدها (يزن) بهدوء عنه قبل أن يقف عن الأريكة بجمود ليقول بعدها بجدية خافتة
"اسمعي يا زهرة لن استطيع إكمال زواجي معكِ قبل أن نشهر زواجنا ، أقصد أمام عائلة والدي فحتى الآن لم يعرفوا أي شيء عن هذا الزواج ، ولا أريد أن يحدث بعدها أي مشاكل وسوء فهم بسبب علاقة العائلتين ، لذا سنأجل هذا الأمر لبعد ان ننتهي من كل هذا"
عقدت (زهرة) حاجبيها بوجوم هامسة بحيرة
"ولكنك كنت ستفعل هذا من قبل"
ابتسم (يزن) بغموض ما أن تذكر ما حدث قبل ساعات بهذا المكان من إعصار من العواطف الجياشة والتي أطاحت بهما معا ، ليقول بعدها بابتسامة هادئة وهو يلتفت باتجاهها بتركيز
"لم أكن لأفعل هذا ابدا ، لقد كان مجرد تحذير لكِ ودافع من أجلي أن تختاري الخيار الصائب والذي لا يدمرنا سويا"
اتسعت عينيّ (زهرة) بذهول من كلامه وهي تفكر إذا كان هذا مجرد تحذير إذاً كيف سيكون بالحقيقة ، لتخفض بعدها نظرها للأسفل وهي تتلون بالإحراج لتشعر عندها بكفه وهي تمسك بجانب وجهها هامسا بأنفاس ملتهبة
"أنتِ تثقين بكلامي أليس كذلك يا زهرة"
ردت عليه (زهرة) بدون أي تردد
"وأكثر من نفسي"
ابتسم (يزن) باتساع حتى شملت ابتسامته كل وجهه ليقترب أكثر من وجهها وهو يمس شفتيها بقبلة هادئة ، ليبتعد بعدها عنها وهو يتجه لغرفته بخطوات ثابتة كانت تضرب الأرض بقوة ، ليترك (زهرة) من خلفه وهي تنظر لأثره بابتسامة حزينة مشتاقة تعشق كل تفاصيله وهي ترفع كفها بالخاتم لتحتضنها بكفها الأخرى بقوة وراحة .
__________________________
يقود السيارة بهدوء وثبات وهو يركز نظراته بتجمد على الطريق أمامه وما يزال يصله صوت انين المرتمي بالخلف بكلمات غير مفهومة ، بينما كانت (مايا) تجلس بجانبه بصمت وهي تنظر من النافذة بجانبها بشرود تام ، تنهد (إياد) بهدوء وهو يحاول ضبط نفسه عن خنقها من كلامها السابق ووقاحتها اللامتناهية معه ولكنه تحامل على نفسه وآثر الصمت أفضل لكليهما ، ليحيد بعدها بنظراته قليلا باتجاهها وهو ينظر لشرودها الساكن والغريب بدون أن يصدر عنها اي حركة وكأنها بعالم آخر بعيدا عنهما ، صحيح بأنها دائما تكون شاردة وساكنة أغلب الوقت ولكن ليس لتلك الدرجة والتي لا يشعر بها سوى بأنفاسها الهادئة وهواء الليل يطير خصلات شعرها الذهبية والتي تكاد تضيء بعتمة الليل ، أعاد (إياد) نظراته للأمام عنوة وهو يركز على الطريق أمامه فقط ، وأما (مايا) فقد كان يدور برأسها مئات الخطط لتصل لتلك الأوراق والتي أخبرها عنها (ياسر) فما لا يعرفه أحد وحتى ذلك المغفل ووالدته بأن تلك الأراضي هي جزء من ميراث (كمال) من والدته وخالاته والذي حاول اخوته الكبار الاستيلاء عليه بطرق غير شرعية ، ولكنها لن تسمح لهذا أن يدوم اكثر فقد أتت من أجل استعادة حق والدها الضائع منذ سنوات ولن تكون ابنته إذا لم تفعلها .
أوقف (إياد) السيارة أمام المنزل بهدوء ليتقدم رجال الأمن بسرعة نحوهم ، نزلت (مايا) من السيارة بسرعة بدون أن تنتظر الأذن وهي تغلق الباب من خلفها بقوة ، بينما تجهمت ملامح (إياد) وهو ينظر لها تبتعد عنهم برقة وفستانها الوردي يتطاير من حولها بعنفوان يشاركه شعرها نفس القوة ، ليتسائل عندها كيف يمكن أن تجتمع هذه الرقة مع روحها المتجمدة والقاسية؟ هل يعقل أن هذا له علاقة بحياتها بإيطاليا ؟ لينفض بعدها كل هذا عن رأسه وهو يخرج من السيارة لينتقل لشقيقه والمرتمي بالمقاعد الخلفية ليخرجه من هناك بعد ان سلم مفاتيح السيارة لرجال الأمن ليغادر بعدها باتجاه المنزل .
كانت (مايا) قد دخلت للمنزل لتتقابل مع (سمية) وجها لوجه عند مدخل المنزل ، وما أن كانت على وشك الكلام بقسوة وملامحها حادة حتى توقفت بصدمة وهي تنظر خلف كتفها لابنها المحمول من ذراعه لتقول عندها بتأوه خافت
"ابني"
سارت بسرعة باتجاهه وهي تدفع (مايا) من كتفها بعيدا حتى كادت توقعها أرضا ، لتستقيم الأخرى بوقوفها وهي ترجع خصلات شعرها للخلف بهدوء ناظرة لزوجة عمها بشر ، بينما كانت (سمية) قد تلقفت ابنها من (إياد) لتعانقه بحزن مبالغ وهي تتمتم بأسى وقهر
"ابني حبيبي ماذا فعلوا بك ، إلهي تنقطع ايد كل واحد عمل فيك هيك وصلك له الحالة"
كانت (سمية) توزع نظراتها بحقد بين (إياد) و (مايا) وهي تشملهم بكلامها ، لتقول بعدها بلحظات بقوة وهي تشير بيدها ل(مايا) بتحذير
"اسمعي يا أجنبية ابقي بعيدة عن ابني أفضل لكِ ولا تحاولي استغلال لطفه معكِ لأفعالكِ الدنيئة فأنا أعرف جيدا بماذا تفكرين ، وإذا حاولتِ الاقتراب منه مجددا فأنا سأحيل حياتك لجحيم"
ارتفع حاجبي (مايا) الاشقرين بدهشة وهي تفكر إذا كانت جميع الأمهات تفكر بطريقتها المختلة فبدل أن تعاقبه على فعلته تلوم الجميع على أفعاله الغير مسؤولة ، وقبل أن ترد على كلامها سبقها (إياد) قائلا بهدوء وهو يقف بجانبها
"مايا ليس لها علاقة بحالته ولا أحد له علاقة فهو الذي أكثر بشرب الكحول حتى الثمالة ليصل لهذه الحالة من الإنهاك الشديد"
كانت (سمية) تنظر لهم بعدم اقتناع وهي تتمسك بذراع ابنها على كتفيها ، لتقول بعدها بسخرية وهي تنظر ل(مايا) بحقد
"اجل وهذا المتوقع من صحبة الأجانب السهر للصباح والشرب حتى الثمالة وأرى أن ابني قد بدأ يأخذ من عاداتكم تلك والتي احضرتها معكِ من الحياة الرخيصة هناك"
اتسعت عينيّ (مايا) الدخانيتين بشراسة لم تشعر بها منذ وقت طويل وتحديدا منذ أدخلت زوج والدتها للسجن ، ليتدخل بعدها (إياد) بسرعة وهو يتمتم بحزم متصلب
"يكفي جدالا عن هذا الموضوع فأنتِ تعرفين بأن ياسر يفعل مثل هذه التصرفات منذ زمن يعني هذا ليس جديدا عليه ، وبدل هذا الكلام خذي ابنك لغرفته فهو  يحتاج لقسط من الراحة الآن"
عبست ملامح (سمية) بتجهم بدون أي كلام وما أن كانت على وشك الاستدارة بابنها حتى سمعوا صوت هامس وبارد كالجليد يقول
"كل شخص مسؤول عن أفعاله ، وما زرعته بالماضي ستحصده بالمستقبل وهذه ثمار حصادكِ يا زوجة عمي"
كانت (سمية) تنظر لها بعدم استيعاب بالبداية لتتسع عينيها بعدها بشراسة ما ان فهمت كلامها ، وأما (إياد) فقد كان ينظر لها بصدمة فقد استطاعت ببضعة كلمات أصابت الهدف بنجاح ، لتغادر بعدها (مايا) بعيدا عنهم باتجاه السلالم ونظراتهم ما تزال تلاحقها بتجهم ، زمت (سمية) شفتيها بحنق وهي لا تصدق كيف تجرأت على أهانتها هكذا ، ليقطع عليها تفكيرها صوت ابنها وهو يهمس بتشنج متعب
"امي أرجوكِ خديني لغرفتي فلم اعد أتحمل الوقوف أكثر"
شهقت (سمية) بخفوت وقد نسيت موضوع ابنها تماما لتتمتم بعدها باعتذار وهي تسير به بعيدا
"أنا اعتذر يا حبيبي ، هيا بنا لأوصلك لغرفتك ، وليمت كل من يتمنى لك الأذى"
كان (إياد) ينظر لهما وهما يبتعدان من أمامه ببطء ، ليرفع بعدها نظراته باتجاه السلالم وهو يفكر ما لذي تخبئه وراء هدوئها وقسوتها الظاهرة يا ترى ؟ عليه أن يعرف الجواب وألا لن يرتاح ابدا ولن يهدأ له بال حتى يعرف .
__________________________
نظرت للورقة بيدها وللعنوان المكتوب فيها لترفع بعدها نظراتها للشركة الضخمة أمامها والمكتوب عليها بالخط الواضح (شركة البارون لإنتاج البلاستيك) ، ابتلعت ريقها برهبة وهي تعض على أصابعها بتوتر شديد وعينيها معلقة على البناء الضخم أمامها ، فهذه الشركة أمامها هي الأكبر بالبلد هذا غير اسمها والذي لديه سيط معروف بكل إنحاء البلد ، أخفضت كفها لتتنهد بعدها براحة وقوة قبل أن تتقدم باتجاه الشركة بخطوات ثابتة مرتجفة وهي تذكر نفسها بأنها تملك الورقة والتي ستوظفها بالشركة هناك كما قال (مؤيد) ، لذا لا داعي للقلق والخوف من شيء مجهول ما دام لديها الإصرار على نيل الوظيفة والورقة والتي ستجعلها تحصل على ما تريد .
دخلت للشركة لتوزع عندها نظراتها بكل إنحاء المكان الواسع والمبهر وهي تنظر لكل انواع البشر المتأنقين  متواجدين بهذا المكان ، لتتوقف نظراتها على فتاة انيقة تجلس عند طاولة الاستقبال لتتجه ناحيتها بسرعة قبل أن تقف أمامها مباشرة ، قالت (فاتن)  بارتباك وهي تنظر لوجه المرأة والمضيء بالمساحيق ككل الفتيات والموجودات بهذا المكان
"لو سمحتِ هل تعرفين أين رئيس قسم هذا الطابق"
رفعت الفتاة نظراتها باستغراب وهي تنظر لها من أسفلها لأعلاها ببرود ، لتقول بعدها وهي تدير وجهها بعيدا عنها
"انتِ اكيد مخطئة بالمكان يا فتاة فهذه المنطقة لا يسمح بدخولها سوى أناس محددين ، لذا ارجعي من حيث أتيتِ"
عبست ملامح (فاتن) بحزن لتقول بعدها بإصرار شديد وهي تضع قبضتيها على طاولة الاستقبال أمامها 
"كل الذي أريد أن اعرفه أين رئيس هذا الطابق من أجل الحصول على الوظيفة ، وإذا لم تخبريني فسأذهب للبحث وحدي"
تأففت الفتاة بنفاذ صبر لتعود للنظر باتجاه (فاتن) قائلة بملل
"حسنا سأخبركِ ولكن إذا طردتِ من المكان فلا تلومي سوى نفسكِ ، أنه متواجد بالغرفة الرابعة على الجهة اليمين من الرواق"
التفتت (فاتن) باتجاه الرواق وهي تهمس بخفوت
"شكرا"
لتغادر بعدها بسرعة حيث أخبرتها وأمام نظرات الفتاة الباردة ، وصلت (فاتن) للغرفة المطلوبة لتطرق على بابها بهدوء وهي تهز ساقيها بتوتر وعصبية ، ليسمح لها بعدها بالدخول لتفتح الباب من فورها ليطل عليها المكتب الأنيق والبسيط والذي جعلها تحدق به بانبهار لفترة ، سمعت صوت الرجل وهو يتنحنح قائلا بعملية
"بماذا اساعدك يا آنسة"
زمت (فاتن) شفتيها بإحراج وهي تنظر للرجل الجاد أمامها ، لتغلق بعدها الباب من خلفها قبل أن تتقدم باتجاهه مباشرة ، وقفت (فاتن) أمام المكتب بهدوء لتتمتم بعدها بتصلب مرتبك وهي تنظر بعيدا عنه
"أتيتُ من أجل الحصول على وظيفة بهذه الشركة ، وأخبروني أن آتي إليك أولاً"
كان الرجل ينظر لها بنظرات مدققة شملتها كلها ليقول بعدها بجدية باردة
"اعتذر يا آنسة ولكننا لا نشغل القاصرات هنا"
اتسعت عينيّ (فاتن) البنية بصدمة وهي لا تصدق ما سمعته أذنيها ، لتقول بعدها بانفعال متذمر
"أنا لست قاصر ، لقد بلغت عمر الثامنة عشر منذ أشهر يعني لست قاصر وأستطيع العمل"
حرك الرجل عينيه بعيدا عنها وهو يتمتم ببرود
"ولكن كيف سأشغلك هنا وانتِ بهذا العمر الصغير ، وأيضا العمل هنا محدد فقط للأناس المهمين وليس لكل من مالت نفسه للعمل هنا ، ويبدو عليكِ لستِ من هذا النوع من الناس"
أخفضت (فاتن) عينيها للأسفل وهي تشعر بالإهانة من كلامه وكأنه ضربها على رأسها ليجعلها تفيق من هذا الحلم وأن هذا المكان أكبر منها بكثير ، حتى أنها قد فكرت من قبل أن تهرب من هذا المكان والذي لا يليق بأشكالها ابدا ، شددت (فاتن) على حزام حقيبتها لتنتبه للورقة والتي ما تزال موجودة بكفها ، لترفع بعدها نظراتها بقوة باتجاه الرجل وهي ترفع يدها بالورقة قائلة بابتسامة واثقة
"بل أتيت إلى هنا لأعمل وستوظفني بمطبخ الشركة عندكم ، وإذا كنت لا تصدقني فيمكنك قراءة هذه الورقة"
التقط الرجل الورقة من يدها باستغراب وما أن نظر للورقة وبدأ بقراءتها حتى اتسعت عينيه بصدمة وهو ينظر للتوصية بالورقة من ناحية مدير الشركة ، ليقول بعدها بعدم تصديق وهو ينظر لها بشك
"من أين حصلتي على هذه الورقة"
ارتفع حاجبي (فاتن) بدهشة من تغير حاله هكذا وسؤاله الغريب ، لتهمس بعدها بخفوت وهي تنظر للأسفل بارتباك
"غير مهم من اين حصلت عليها فالمهم الآن هل ستوظفني بالشركة أم لا"
عاد الرجل بالنظر للورقة باستغراب ليقول بعدها بلا مبالاة وهو يتناول ورقة من بين ملفاته
"حسنا اعتبري نفسكِ حصلتِ على الوظيفة ، ولكن عليكِ اولاً ملئ هذه الاستمارة وبعدها يمكنك البدء بالعمل"
نظرت (فاتن) بعدم تصديق للورقة أمامها وهي تكاد تطير من السعادة ، لتلتقط من فورها الاستمارة من يده قبل أن تجلس على الكرسي بجانبها وهي تجيب على كل اسئلتها بسرعة ، لتضع بعدها الورقة على سطح المكتب ما أن انتهت منها قائلة بلهفة بالغة
"لقد انتهيت"
نظر الرجل للاستمارة أمامه ببرود لينزع بعدها ورقة من مفكرته وهو يكتب عليها بعض الكلمات ، ليرفع بعدها يده بالورقة اتجاهها قائلا بحزم
"خذي هذه الورقة واعطيها للسيدة عائشة الموجودة بمطبخ الشركة ويمكنك عندها أن تعملي هناك"
اخذت (فاتن) الورقة من يده وهي تبتسم باتساع هامسة بامتنان
"شكرا جزيلا لك سيدي"
غادرت بعدها لخارج المكتب بسرعة وهي تتنهد براحة وكأنها كانت تخوض اختبارا صعبا للتو وانتهت منه الآن ، لتتجه بعدها للمكان الأخير بالاختبار وهو مطبخ الشركة والموجود بنفس الطابق وكانت قد لمحته بطريقها لمكتب رئيس القسم ، دخلت لمطبخ الشركة متوسط الحجم والمتواجد به فتاة وسيدة وشاب ، لتوقف بعدها الفتاة من بينهم وهي تقول لها بإحراج
"اين هي السيدة عائشة"
نظرت لها الفتاة نظرات مستغربة قبل أن تصرخ بارتفاع افزع (فاتن) نفسها
"سيدة عائشة هناك أحد يسأل عنكِ"
تقدمت سيدة كبيرة بالسن وسمينة بعض الشيء ، لتقف أمامها وهي تقول بنظرات فاحصة
"ماذا تريدين يا فتاة ، ومن سمح لكِ بالدخول إلى هنا"
ابتلعت (فاتن) ريقها بتشنج وهي تشعر بأنها تقف أمام معلمتها وتستعد للتوبيخ منها ، قالت بعدها بتوتر وهي ترفع لها بالورقة بيدها ببطء
"أتيت لأعمل هنا ، وهذه الورقة من رئيس قسم هذا الطابق"
اخذت منها الورقة بقوة لتنظر لها بتركيز ، لتقول بعدها بحيرة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها الممتلئ
"وما لذي يجعل فتاة صغيرة مثلكِ تعمل هنا وبهذه الشركة تحديدا"
ارتفع حاجبي (فاتن) بذهول وهي لا تصدق ما يحدث أمامها والجميع ينظر لها على أنها صغيرة ، لتهمس بعدها بابتسامة صغيرة مرتبكة
"هل يمكنني البدء الآن بالعمل يا سيدة عائشة"
حركت (عائشة) رأسها بالإيجاب بهدوء قائلة بتركيز
"اذهبي وحضري قهوة بدون سكر وأخرى بسكر"
حركت (فاتن) رأسها بارتجاف لتقول بعدها السيدة (عائشة) بقوة أكبر
"هيا تحركي بسرعة"
سارت (فاتن) بعيدا عنهم باتجاه الموقد لتبدأ بتحضير القهوة بسرعة ، بينما قالت الفتاة بوجوم عابس للمرأة بجانبها
"لا أصدق كيف وافقوا على توظيفها بالشركة ببساطة وهي مجرد فتاة عادية من الطبقات الدنيا ، كان من المفروض طردها من الشركة بأكملها"
قالت (عائشة) بحزم صارم وهي ما تزال تنظر للفتاة بتركيز
"بدل هذا الكلام الفارغ اذهبي واعملي ، فالقهوة لن تذهب وحدها لأسيادها أم تريدين منا أن نطرد من العمل"
ردت عليها الفتاة بامتعاض وهي تسير بعيدا عنها
"حسنا فهمت ولكن أرجوكِ لا تصبِ جام غضبك عليّ الآن"
كانت (عائشة) تنظر لها وهي تبتعد من أمامها لتحرك بعدها رأسها بيأس قبل أن تعود لعملها أيضا .
_______________________________
اوقف السيارة أمام البوابة الخارجية للمنزل ليلتفت باتجاهها بهدوء وهو ينظر لارتجافها الواضح ، ليرفع بعدها يده ليمسك بكفها المرتجف بقوة وهو يتخلل أصابعها بتملك ، رفعت (زهرة) رأسها ببطء وهي ترجع خصلاتها بكفها الأخرى قبل أن تهمس بتشنج متوتر
"أنا قلقة من أن تسوء الأمور أكثر وتغضب عائلتك منك وعندها.."
صمتت (زهرة) وهي تبتلع ريقها بصعوبة ، ليقول بعدها (يزن) بهدوء وهو يتلاعب بالخاتم بأصبعها بشرود
"لا تهتمي لمثل هذه الأمور ، فإذا وافقوا أو لا فهذا ليس سبب مجيئنا ، نحن فقط سنشهر زواجنا أمامهم لكي لا يحاول أي أحد منهم اعتراض طريقنا بالمستقبل"
كانت (زهرة) تبتسم بارتجاف وهي تفكر هل حقا سيتقبلون موضوع علاقتهم بهذه البساطة بدون أي مشاكل ؟ كان (يزن) قد خرج من السيارة ليسحب بعدها (زهرة) من يدها وهو يخرجها من باب السيارة بجانبها ، ليسير بها باتجاه المنزل والذي يعادل ضخامة وجمال منزل عائلة (زهرة) ومنازلهم هي أكبر المنازل الموجودة بالبلد .
دخل (يزن) للمنزل بخطوات قوية متجمدة وملامحه متلبدة تماما وهو ينظر لكل زوايا المنزل والذي عاش فيه فترة طويلة والمتبقي من عمره ولكنه لم يشعر يوما بأنه بمنزله الحقيقي مع أنه كان يملك عندها كل الصلاحيات بفعل ما يشاء والتحرك كما يريد وليس كما كان بمنزل عائلة والدته ولكنه كان دائما يشعر بأن المنزل والذي لا توجد فيه والدته ليس بمنزله ابدا ولن يكون ، وقف (يزن) بمنتصف بهو المنزل ليصرخ عندها بصوت جهوري ليصل لكل أنحاء المنزل 
"يا كبار عائلة بارون ، أريد أن أخبركم بموضوع هام"
ارتجفت (زهرة) بمكانها وهي تشعر بالتصلب بكل أنحاء جسدها من هذه المواجهة والتي لم يعد هناك أي مفر منها ، خرج (سليمان) بسرعة يتبعه شقيقه (عدنان) وهما ينظران لبعضهما باستغراب قبل أن ينقلا نظرهما للواقف أمامهما بتصلب لتحيد نظراتهما للفتاة المختبئة خلفه بتوتر ، لتخرج بعدها باقي أفراد العائلة ليتجمعوا عند بهو المنزل ماعدا (مايا) والتي فضلت البقاء واقفة أعلى السلالم وهي تنظر لما يحدث بالأسفل بملل ، كان الجميع ينظر بتجهم وقلق للمواجهة والتي تحدث أمامهم مع ابن العائلة والذي خرج منها منذ أسابيع ليعود الآن بصحبة فتاة ، بينما كانت (سحر) هي الوحيدة والتي تبتسم بسعادة ما أن رأته أمامها بعد غياب طويل لتموت عندها الابتسامة بمكانها ما أن لمحت الفتاة والممسك بيدها بقوة ، تقدم (سليمان) باتجاههما وهو ينظر لهما بتركيز ليقول بعدها بابتسامة متصلبة
"أمر رائع أن تعود لعائلتك يا يزن ، ولكن ما هذا الذي أحضرته معك"
ابتسم (يزن) بالمقابل بنفس التصلب ليقول بعدها ببرود
"صدقني لو كان الأمر بيدي لكنت قطعت هذه الصلة بيننا نهائياً ، ولكن الظروف هي التي تجبرني على العودة إليكم"
تجهمت ملامح (سليمان) بعدم تعبير وهو يحيد بنظراته لشقيقه الساكن بمكانه ، ليتمتم بعدها بجدية حادة
"إذاً ما لذي احضرك إلينا ، هل لهو علاقة بهذه الفتاة"
التفت (يزن) باتجاه (زهرة) والتي كانت تنظر له بتوتر ليقول عندها ببساطة بالغة
"أجل لقد أتيتُ لأعرفكم على زوجتي واسمها هو زهرة عادل داوود"
اتسعت عينيّ (سليمان) بحدة مصدومة ليتبعه باقي أفراد العائلة وهم ينظرون للفتاة بنفس الصدمة ليس بسبب خبر زواجه المفاجئ بل بسبب اسم عائلة الفتاة ، بينما كانت (مايا) تنظر بعدم اهتمام لما يحدث أمامها وهي تفكر بأن هناك الكثير من القصص تخفيها هذه العائلة لا تعرف عنها وتبدو خطيرة كالذي فعله ابن هذه العائلة الآن ، ولم ينتبه احد للنظرات الحزينة والدامعة ل(سحر) والتي تراجعت للخلف بخطوات مرتجفة قبل أن تغادر المكان بأكمله .
قطع الصمت (سليمان) وهو يقول بتفكير حائر
"هل أنت جاد بكلامك أم أن هذه مزحة سمجة منك لتنتقم منا"
ردّ عليه (يزن) وهو يبتسم بتأكيد بارد
"بل انا جاد تماما يا كبير عائلة بارون ، وإذا لم تصدقني فيمكنك سؤال عائلة والدتي داوود وهي ستجيبك فقد حصلتُ على موافقتها قبل أن آتي إليكم"
تجهمت ملامح (سليمان) وقد اختفى الهزل عن ملامحه تماما ، ليسير بعدها بهدوء باتجاهه قبل أن يمسك بياقة قميصه فجأة وبعنف وهو يهمس بقسوة
"أيها الحقير أتعلم ما هذا الذي اقدمت عليه ، ألم تجد سوى هذه العائلة لتناسبها بعد كل شيء حدث وفعلوه بنا ، لكن اللوم لا يقع عليك بل علينا لأننا لم نعرف كيف نربيك ونضبط تصرفاتك جيدا"
شهقت (زهرة) بدون صوت وبتوجس وهي تتمسك بكفه بيديها الاثنتين ، ليرفع بعدها (يزن) كفه بهدوء ليزيل يديه عن ياقته بقوة قائلا بتجمد
"قلت هذا من قبل وسأعيد علاقة العائلتين ومشاكلهما لا تعنيني ، لأني لا انتمي لأي واحدة منهما ولا اعترف بهما اصلا ، ومجيئي إلى هنا هو بسبب الواجب والذي يلقى عليّ بإشهار زواجي أمامكم وتعريفكم بزوجتي"
مسح (سليمان) على وجهه بكفه بعصبية ليلتفت بعدها ل(عدنان) وهو يشير له بغضب قائلا بصرامة
"لا تبقى واقفا هكذا يا عدنان وافعل شيئاً بابنك وبجنونه قبل أن افتك به ، ألست أنت والده تصرف"
ارتعشت (زهرة) من صراخه بآخر كلمة قالها وهي تنظر لوالده بفضول وزوج (حنان) والذي خدعها  بالماضي باسم الحب ، تقدم (عدنان) بهدوء أمامهم حتى وقف بجانب شقيقه لتتسع عينيها العسليتين بذهول وهي تنظر للشبه الكبير بينه وبين (يزن) ليس بالملامح وبالشكل بل بالجسد والطول وقد أخذ منه نفس ضخامته وتصلب جسده ليصبح مزيج من والديه ، قال (عدنان) بهدوء لأول مرة وهو ينظر لهما بغموض
"إذاً فقد تزوجتها ، وكيف فعلت هذا وجعلت عائلتها توافق عليك"
قال (يزن) بعد لحظات وهو يبتسم بسخرية بالغة
"اكيد لم أستخدم طريقتك بالزواج منها كما فعلت مع والدتي ، فأنا لستُ أحمق لأعيد الماضي مجددا ، مرة واحدة تكفي لأعرف كم كانت خطة دنيئة ومؤلمة لكل الأطراف ، أليس كذلك يا سيد عدنان"
مرت لحظات صامتة وعينيّ (يزن) الباهتتين على والده والذي كان ينظر له بالمثل ، ليقطع الصمت بعدها الصفعة والتي أتت من (سليمان) على وجه (يزن) بقوة جعلت كل الوجوه الناظرة تشهق بصدمة من قوة الصفعة وكانت (زهرة) من بينهم وهي تنظر من غشاء الدموع لما يحدث لزوجها فاغرة شفتيها بارتعاش ، بينما كان (سليمان) يلهث بقوة ليرفع كفه مرة أخرى عاليا وهو يتمتم بوحشية
"كيف لديك الجرأة لتتكلم هكذا مع والدك يا عاق ، أهذا ما اخبروك به أن تفعله تلك العائلة الحقيرة"
امسك (يزن) بالكف قبل أن تصله مرة أخرى ، ليقول بعدها بحقد وتشديد وهو يمسك بكف عمه بقوة
"لا يا عمي لن تفعلها مرة أخرى ، فأنا أتعلم من الخطأ الأول ، ولكني اخطئتُ هذه المرة عندما لم أتعلم من خطأي الأول وعدتُ أليكم مرة أخرى ولمنزلكم الحقير"
دفع (يزن) كف (سليمان) بعيدا عنه بقوة وهو ينظر لهما بحقد يظهر عليه لأول مرة ، بينما تمالك (سليمان) نفسه قبل أن يعود للهجوم عليه وهو يمسك بياقة قميصه بقبضة ويرفع بالقبضة الأخرى عاليا أمام وجهه ليقول عندها بجمود شرس
"انا سأعلمك الأدب من الآن يا صعلوك حتى تعترف بعائلتك والتي تنتمي إليها ، فيبدو أن والدك الضعيف لم يعرف ابدا كيف يؤدبك ، وأنا اعرف الطريقة المناسبة لأعيد تأديب ولد عاق مثلك"
كان (عدنان) على وشك التدخل وهو يمسك بذراع شقيقه ليصدع عندها صوت مرتجف وصاحبته تتمسك بيديها بذراعي (سليمان) قائلة ببحة مرتجفة
"ارجوك اتركه هو لم يفعل شيئاً بل انا التي ارغمته على الزواج مني وعائلتي أيضا هي التي ارغمته"
نظر (يزن) نحوها بصدمة وهو لا يصدق ما تنطق به من أكاذيب هذه المجنونة ، بينما تصلبت ملامح (سليمان) أكثر وهو يدفعها بعيدا عنه بعنف حتى اوقعها أرضا ، ليقول بعدها بازدراء وهو ينظر لها بقسوة
"إياكِ والتدخل يا ابنة داوود الحقيرة ، وارحلي من منزلي فورا"
حاولت (زهرة) الجلوس بارتجاف وتشنج لتشعر بكف تمد باتجاهها وصاحبها يقول بلطف
"هيا تعالي لأساعدكِ على النهوض"
أفاق (يزن) من صدمته لينظر لعمه بشر وهو يرفع يده ليشير بها لوالده ولعمه وهو يشملهما بكلامه قائلا بتهديد حاد
"أسمعاني جيدا لقد تغاضيت تماما عن خطتكم الحقيرة بإيذاء أمي والانتقام منها ، ولكن إذا تجرأتم على إيذاء  زوجتي بيوم من الأيام فأنا عندها سأنسى بأن هناك رابطة دماء تجمعني بكم وعندها سأتعامل معكم بطريقة أخرى لن تعجبكم"
اتسعت عينيّ (سليمان) بشراسة وما أن كان على وشك النطق حتى تدخل (عدنان) قائلا وهو يمسك بذراعه بحزم
"يكفي هذا يا سليمان فكل ما ستقوله الآن لن يكون بفائدة"
التفت (سليمان) باتجاه شقيقه بعنف قبل أن ينقل نظراته ل(يزن) والذي كان قد ابتعد بعيدا عنهما باتجاه زوجته ليغادر بعدها (سليمان) بعيدا عن أمامهم  بتصلب ، بينما كانت (زهرة) قد وقفت على قدميها بمساعدة (مؤيد) وهي تهمس له بشكر ، ليمسك بعدها (يزن) بكفها بقوة وهو ينظر لها بجمود ، قال (مؤيد) بمرح وهو يحاول تلطيف الأجواء القاتمة
"حسنا إذاً مبارك على الزواج يا عريس مع أنني أكبر منك سنا ولكنك سبقتني بهذه وتزوجت قبلي"
حرك (يزن) رأسه بهدوء وهو يبتعد بها باتجاه باب المنزل ، ليبدأ جميع أفراد العائلة بمغادرة البهو الواسع بالتدريج ، بينما كان (إياد) ينظر أمامه بتفكير لكل هذه الأحداث والتي تحدث بالمنزل دفعة واحدة ، ليرفع بعدها رأسه فجأة ليصدم بالشخص والذي ظن بأن هذه الأمور لا تهمه ابدا ليفاجئ الآن بأنها كانت متواجدة طول الوقت ولكن بعيدا عنهم خلف الكواليس ، نظرت له (مايا) بسرعة لترتجف قليلا من هول المفاجأة وكأنها كانت طول الوقت مراقبة بدون أن تشعر ، لتتراجع بعدها بعيدا عن حاجز السلم حتى اختفت عن نظره تماما ، ولم تنتبه لابتسامة (إياد) الخفية وقد استطاع أن يجعلها ترتجف لأول مرة بحياته وتهرب من أمامه هكذا بدون أن تتحداه بعينيها كالعادة .

قلوب معلقة بالماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن