الفصل الثاني عشر

1.4K 56 14
                                    

كان يصعد درجات السلم بجمود بعد أن انتهى أخيرا من العمل ، ليصل بعدها لغرفتها وهو يقف أمامها بوجوم ويفكر بطريقة ليبدأ معها بالكلام ، ولكن عليه التكلم معها بجدية ومعرفة أين كانت بالأمس فبسبب العمل المتراكم بالأمس واليوم لم يستطع رؤيتها والتكلم معها .
رفع يده ليطرق على باب غرفتها بهدوء وبعد طرقتين اكتشف بأن الباب مفتوح وغير مغلق ، فهل من الممكن بأن تكون نسيته مفتوحا ؟ او انها معتادة على تركه موارب هكذا ، او انها قد تكون واثقة بأنه لا أحد سيتجرأ على اقتحام غرفتها فلا أسرار تخفيها بداخلها ، نفض كل هذه الأفكار عن رأسه وهو يمسك بمقبض الباب ليرفع يده الأخرى وهو يطرق بها على باب الغرفة ، ليدفع بعدها مقبض الباب بهدوء وهو يقول بصوت جهوري
"مايا هل يمكنني الدخول لغرفتك لأني سأدخل إليها الآن"
عندما لم يجد اي ردّ تابع دخوله حتى اصطدمت نظراته بالغرفة الفارغة تماما ، ليترك بعدها مقبض الباب وهو يزفر أنفاسه بحنق فأين يمكن أن تكون ذهبت ونحن بمنتصف المساء ؟ تقدم عدة خطوات لداخل الغرفة وهو يفكر أن ينتظرها هنا حتى تأتي بنفسها ليتكلم معها ، تنقل بنظره بكل إنحاء الغرفة الهادئة والتي تركت الإضاءة فيها مشتعلة لتتوقف نظراته على المكتبة الصغيرة امام النافذة المفتوحة والذي يظهر بأنها كانت جالسة امامها قبل أن تغادر الغرفة من الدفتر المفتوح فوق المكتبة ورياح النافذة تتلاعب بورقاته .
تقدم باتجاه المكتبة ليقف أمامها تماما وهو ينظر للدفتر المفتوح والمتوقف على صفحات فارغة ، ليلمح بعدها قصاصة صورة ظاهرة من بين ورقات الدفتر ، لم يستطع منع نفسه من رفع يده والتقاط الصورة ليخرجها من بين أوراق الدفتر وهو يرفعها لأمام نظره ، ليفاجئ بصورة فوتوغرافية لرجل يحمل طفلة بعمر السنتين تقريبا ، امعن النظر بالصورة اكثر وهو ينظر للطفلة الشقراء وابتسامتها المتسعة والتي تحمل كل معاني جمال الطفولة وخديها منتفخين ومتوردين جدا لدرجة يكادان ينفجران من السعادة وعينيها الدخانية والتي لم يرى بجمالهما وهما تميلان للون الفضي ولمعان البهجة ظاهر بهما وليس كعينيها المظلمة الآن ، لينتقل بعدها بنظره للرجل والذي يشبه شبها كبيرا عمه (عدنان) بوسامته الهادئة وليس كوالده والذي يختلف عنهما تماما لينظر لابتسامته المتشققة من الزوايا والتي لم تمنع بريق السعادة من الظهور بعينيه السوداوان وعلامات تعب السنين ظاهرة على وجهه واضحة فأي شخص سينظر لهذه الصورة سيجده لا يعاني من أي شيء ولكن على طبيب مثله سيلاحظ آثار التعب والخطوط على الجبين تظهر ما عاناه بحياته من إجهاد وتعب نفسي ومعنوي ومع ذلك هناك سعادة خفية تطغى على كل هذا التعب وهو يحمل ابنته الوحيدة بين يديه .
اخفض (إياد) الصورة من أمامه وهو ينظر للصفحات والتي عادت للتقلب بسبب رياح قوية حركتها لتتوقف بالنهاية على صفحة ملصقة من الجوانب فوق صفحة الدفتر ومن لونها المصفر وخطها الباهت تظهر مدى قدمها وكتابتها منذ سنوات ، وضع الصورة جانبا وهو يتنقل بنظره بالكلمات المرتبة أمامه
(إلى ابنتي الغالية بالمستقبل ......
عندما تبدأين بقراءة هذه الرسالة ستكونين دخلتي للمدرسة وتعلمتي القراءة والكتابة ، انا الآن اتخيل شكلك وانتِ بغاية الجمال فكلما كبرتي أكثر تزدادين جمالا كوالدتك الإيطالية والتي لم تؤخذي منها سوى شكلها ولكن المتأكد منه والواثق به بأنكِ اخذتي ذكاء وتفكير عائلة والدك وصلابتهم كذلك والتي ستساعدك بالمستقبل لتقاتلي بهذه الحياة لأنه فقط بس الأقوى هو الذي يبقى على قيد الحياة ، وأنا حاولت المقاتلة ولكني لم انجح بالنهاية فقد كنتُ اضعفُ بكثير من الأحيان وهذا الأمر هو الذي جعلني اطرد من عائلة والدي لأني لم اكن بمثل مستواهم فعائلة بارون فقط الأقوى يبقى فيها ، لطالما كان هناك فروق بيني وبين اشقائي الكبار ليس بالأم فقط بل بصلابتهم ومقاتلتهم ليحصلوا على أفضل تقدير وترقية من أجل رضا والدي واعماله وأنا كنت دائما الأضعف بينهم والأقل رتبة ، ولكن ما جعلني اتمرد على كل هذا هو الظلم والذي تعرضت له بحرماني من ميراث والدتي فقط لأني لا استحقه ليستولي عليه والدي ويشترط بأن أثبت نفسي لأحصل عليه وبعد مناوشات كثيرة ومشاكل صدرت عنها طردي من العائلة ، لأغترب بعيدا عن ما يسمى عائلة والذين تخلوا عني ببساطة ، ولكن صدقيني يا صغيرتي كل هذا لم يعد يهمني منذ أن دخلتي لحياتي وأصبح لها معنى وهدف اسعى إليه ، زواجي من إيميلي كان من أجل تأسيس عائلة كاملة ولكنك اصبحتِ انتِ كل عائلتي ، وسأخبرك بسر انا لا أثق بوالدتك ابدا ولكني مع ذلك سأحبها من اجلكِ لأنها هي من انجبتك وادخلتك لحياتي ، كتبت هذه الرسالة لكِ لأني أشعر بنهايتي قد اقتربت وحدسي لا يخطئ ابدا ، لذا إياكِ أن تخذليني وكوني ابنتي التي افخر بها دائما وأضع بها كل ثقتي الخالصة
والدك المحب كمال بارون.....)
انتفض (إياد) بمكانه وهو يرفع رأسه من صوت باب الغرفة وهو يفتح على أقصى اتساعه حتى صدم الجدار بجانبه بقوة ، ليلتفت بعدها باتجاهها وهو ينظر للفتاة العاصفة بكل معنى الكلمة بداية من شعرها الذهبي والمنثور بهمجية حول وجهها والذي احمر جدا من شدة الغضب وعينيها الدخانية والتي تحولت لعواصف قاتمة متصلبة وصولا لبيجامتها السوداء المخملية لتكمل صورتها العاصفة ، وما هي ألا لحظات حتى بدأت العاصفة الحقيقية وهي تتقدم باتجاهه بسرعة قبل أن تقف أمامه قائلة بعنف متجمد
"كيف تجرأت على دخول غرفتي ومنطقتي الخاصة ، لقد تجاوزت هذه المرة كل الحدود باقتحامك غرفتي"
تنفس (إياد) بهدوء وهو يهمس ببرود عكس اشتعالها أمامه
"أولاً كانت الغرفة مفتوحة وأي أحد يستطيع الدخول لها ، وأيضا فكرت أن انتظركِ هنا لأتكلم معكِ قبل أن تهربي مني مجددا"
تقدمت (مايا) باتجاهه اكثر حتى أصبحت على بعد خطوة منه وهي تهمس بتشديد
"إذا كانت الغرفة مفتوحة أو مغلقة فهذا لا يمنح أي شخص بدخولها كما يشاء فهي ليست للعامة وأنا التي ظننتُ بأنكم تحترمون الخصوصية بهذا المنزل ولكن يبدو بأنني كنت مخطئة ، والآن أخرج من غرفتي فورا"
امتقعت ملامح (إياد) بعدم رضا وهو يقول بجدية خافتة
"لقد أتيت لأتكلم معكِ ولن أخرج قبل أن أعرف أين ذهبتي بالأمس عندما استغفلتني وغادرتي المنزل وأين كنتِ الآن بمنتصف الليل ، ماذا يدور برأسكِ هذا وتخططين لفعله"
زفرت (مايا) أنفاسها بنفاذ صبر وهي تقبض على يديها بتصلب وتشعر بطاقة غضب لم تشعر بها منذ سنوات لتقول بعدها بحدة بالغة
"ليس هناك ما نتكلم عنه ، ولستُ مضطرة لتبرير أي شيء افعله بحياتي ، لذا أخرج أخر.."
قطعت كلماتها وهي تنظر بصدمة لما وراء كتفه وللدفتر والذي ما يزال مفتوحا على نفس الورقة ، لتندفع بعدها بسرعة باتجاه مكتبتها وهي تبعد (إياد) عن طريقها لتنظر لدفترها والمفتوح على صفحة رسالة والدها والتي ألصقتها فوق ورقات الدفتر لتحيد بنظراتها للصورة بجانبها ، تحركت يدها لا إراديا لتلتقط الصورة وهي تدسها بين صفحات الدفتر قبل أن تغلق الدفتر بقوة ، لتلتفت بعدها نحو (إياد) والذي ما يزال جامدا بمكانه وهو ينظر بهدوء لما يحدث أمامه قبل أن تصرخ فجأة بشراسة يراها لأول مرة عليها
"كيف تجرأت على اللعب بممتلكاتي وخصوصياتي الشخصية ، هل جننت لتفعلها أم ظننت بغباء بأنه ليس هناك أي أحد ليحاسبك على مثل هذه الأمور"
اتسعت عينيّ (إياد) بصدمة من كلامها الشرس وكأنه مذنب بجريمة قتل أمامها ، ليلاحظ بعدها تنفسها السريع وصدرها يعلو ويهبط برتابة مخيفة وشرايين عنقها بارزة بوضوح وتنبض بقوة وكأنها على وشك الانفجار ، قال (إياد) بعد لحظات بهدوء وهو يحاول تبرير موقفه بروية
"اهدئي يا مايا فقد كان الدفتر مفتوحا منذ البداية وكل الذي فعلته بأني ألقيت نظرة عليه فلم أستطع منع نفسي من النظر إليه ، واعتذر إذا كنتُ تجاوزتُ حدودي معكِ بما فعلته"
لم تهدأ (مايا) ولو قليلا بل ازدادت شراسة وهي تهجم عليه لتدفعه من صدره بقوة قائلة بقسوة
"لا أريد اعتذارك بل أريدك أن تخرج من غرفتي فورا ، أخرج"
تراجع (إياد) عدة خطوات للخلف وما أن كان على وشك الكلام حتى عادت (مايا) لتدفعه باتجاه الباب بعنف ، وما أن كانت ستعيد الكرة وتدفعه حتى أمسك (إياد) بكفيه وهو يديرها للجدار بجانب الباب ليسندها عليه قائلا بنفاذ صبر
"توقفي"
صمتت (مايا) وهي تنظر له بشراسة بدون أن تبعد عينيها الدخانية عنه والتي بهتت فجأة واختفت العواصف عنها ليحل محلها السكون والهدوء التام ، بينما كان (إياد) يتمتع بمراقبتها عن قرب وهو ينظر لشرايين عنقها والتي هدأ النبض بهما ليرفع نظره لوجهها الشاحب وقد بدأت قطرات العرق بالتجمع فوق جبينها بغزارة ، ليشعر بعدها بصدرها والذي ما يزال يتحرك بهدوء يصدم صدره برفق كرفرفة الحمامة .
رفع يده بدون أن يمنع نفسه ليتحسس النبض بعنقها المتشنج وهو يهمس بخفوت قلق
"هل تعانين من مشاكل بالتغذية"
انتفضت (مايا) من ملمس كفه لتدفعه عندها بضعف وهي تتمتم بتعب
"ابتعد عني وتوقف عن التصرف على اساس بأنك طبيبي"
ابتعد عنها (إياد) بهدوء ليس لأنها طلبت منه هذا بل خوفا عليها من موجات غضبها والتي لا تستطيع السيطرة عليها ، بينما تقدمت (مايا) بعيدا عن الجدار باتجاه سريرها لتجلس فوقه وهي تعطيه ظهرها ، لينظر (إياد) لظهرها الجامد والذي لم يخفى عليه ارتجافه وهي ما تزال تتنفس بقوة ، قال بعدها وهو يخرج من باب الغرفة بهدوء
"حسنا سأترككِ الآن لتأخذي قسطاً من الراحة وسنتكلم فيما بعد ، ولكن هذا لا يمنعني من التدخل بأمورك الخاصة إذا حاولتِ تجاوز حدودكِ المرسومة بهذا المنزل"
اغمض عينيه ما أن سمع صوت الباب من خلفه وهو يقفل بقوة رجت المكان من حوله ، ليعود ليفتح عينيه وهو يشتم نفسه لأنه لم يخنقها عندما كانت بين يديه ولكن ما منعه عنها هو شعوره بضعفها الشديد بجسدها الهش وانفاسها السريعة وكأنها حمامة محبوسة بقفصه ، ابتعد بعيدا عن غرفتها وهو يفكر بطريقة ليصل لما تخطط له فخوفها على خصوصياتها ليس بمحض الصدفة بل هناك شيء تخفيه عن الجميع وله علاقة برسالة والدها وعليه اكتشافه .
__________________________
طرقت باب غرفة المكتب بيد وباليد الأخرى تمسك بصينية القهوة ، لتدخل بعدها ما أن سمعت الأذن بالدخول بهدوء وهي تنظر للصينية بين يديها ، وصلت لسطح المكتب بسرعة لتضع كوب القهوة من فوقه بحذر مع الملعقة بداخله وهي تحرك رأسها للأسفل باحترام قائلة بخفوت
"القهوة سيدي"
وما أن استدارت بعيدا عنه حتى سمعت صوت مألوف وهو يقول من خلفها بمرح
"ألن تباركي لرئيسك الجديد لاستلامه هذا المنصب يا جاحدة"
اتسعت عينيّ (فاتن) البنية بعدم تصديق قبل أن تلتفت بسرعة لصاحب الصوت لتصدم برؤية (مؤيد) وهو جالس أمام المكتب وينظر لها باسترخاء وتمعن وهو يرتدي بدلة عمل سوداء تراها عليه لأول مرة جعلته غاية في الجمال والأناقة وكأنه خلق ليكون رجل أعمال كبير ، بينما كان (مؤيد) ينظر لها بالمقابل بابتسامة جانبية وهو يركز على ملابسها البسيطة والطفولية بنفس الوقت والتي هي عبارة عن بنطال جينز وردي قصير مع قميص ابيض مطرز على شكل ورود وخيوط وردية من جوانبه ومفرغة من الداخل على لون القميص .
تقدمت (فاتن) بسرعة باتجاهه وهي تحتضن الصينية لصدرها لتقول بعدها بابتسامة متلهفة
"هل انت تعمل هنا بالشركة ، منذ متى تعمل هنا ، وهل ستبقى تعمل هنا دائما و.."
قاطعها (مؤيد) وهو يضحك بمرح ليتمتم بعدها بتمهل
"اهدئي ، ما كل هذه الأسئلة ، أساليني سؤال واحد لأفهم"
اخفضت (فاتن) رأسها بإحراج لتهمس بعدها بهدوء
"هل أنت تعمل هنا حقا بالشركة"
ردّ عليها (مؤيد) وهو يحرك رأسه بالإيجاب
"اجل انا اعمل هنا ، وقد بدأت اليوم بهذا العمل أم لم يعجبكِ عملي بالشركة"
رفعت (فاتن) رأسها بسرعة وهي تقول بارتباك
"لا انا سعيدة جدا بعملك هنا ولكن لم اكن اتوقع بأن اجدك تعمل هنا.."
صمتت (فاتن) وهي تعض على لسانها بغباء فما لذي اصابها لتقول مثل هذا الكلام الأحمق وهو يكون ابن مدير الشركة وعمله هنا أمرا مسلما منه ولكن ما لم تتوقعه أن تجده يعمل بهذا القسم والطابق و الذي لا يعمل به ألا المراتب المنخفضة وهو اكيد ليس منهم ، قطع عليها أفكارها صوت (مؤيد) وهو يقول ببرود
"لا تهتمي لهذا واخبريني كيف ابدو بهذه الملابس"
نظرت (فاتن) باتجاهه وابتسامتها تتسع لا إراديا لتقول بعدها بانبهار
"أنها رائعة ، أقصد أنها جميلة جدا عليك وتناسبك تماما"
ابتسم (مؤيد) بهدوء وهو يرفع حاجبيه بتفكير ليهمس بعدها بمزاح
"حقا إذا كان هذا رأيكِ فستجديني دائما ارتديها بالشركة من أجل أن أحصل على مثل هذا الثناء الرائع منكِ"
زمت (فاتن) شفتيها بارتباك وهي تهمس بتلعثم
"لا انا لم اقصد هذا بكلامي فأنت رائع بكل الملابس"
تلونت (فاتن) بالإحراج وهي تنظر له يرفع حاجب واحد بشر لتخفض نظرها للأسفل ووجنتيها الممتلئتين تحمران بشدة ، لتقول بعدها بسرعة وهي تلتفت من أمامه بعيدا عنه
"إذاً سيد مؤيد انا ذاهبة ، وأي شيء تحتاجه انا سأكون بالخدمة"
وما أن كانت ستتحرك حتى عادت للتوقف ما أن تمتم (مؤيد) من خلفها بوجوم
"ولكنكِ لم تباركي لي للآن على المنصب الجديد ، ألهذه الدرجة تكرهينني ولا تتمنين لي الخير"
عبست ملامح (فاتن) بارتجاف وهي تهمس بهدوء
"مبروك سيد مؤيد وأتمنى لك كل الخير"
ليعود للكلام من خلفها وهو يقول بتصلب
"توقفي عن مناداتي بهذا اللقب وألا سأنسى بأني ساعدتك يوما"
ألجمها كلامه وهي تتنهد بهدوء لتلتفت بعدها نحوه وهي تتمتم بابتسامة صغيرة
"حاضر سيد ، أقصد مؤيد"
لتعود للالتفات مرة أخرى للأمام وهي ترجع خصلاتها الطويلة لخلف أذنيها قبل أن تسير بسرعة لخارج غرفة المكتب وهي تحتضن الصينية لصدرها وكأنها تعطيها الدعم ، لتترك من خلفها (مؤيد) وهو يبتسم بأثرها بهدوء ليعود بعدها للتصفير بمرح بنغمة مختلفة وتخص الطفلة ذات الخصلات السوداء الطويلة والتي لا نهاية لها والملتفة من حولها كالجنين منذ كانت طفلة .
___________________________
خرجت من حجرة الفصل وهي تضع حزامي الحقيبة فوق كتفيها بهدوء ، لتشعر بعدها بأحد يربت على كتفها قبل أن تسير صديقتها بجوارها قائلة بمرح
"لقد كان هذا اليوم الدراسي متعب جدا ، لا أصدق بأنه انتهى أخيرا ، لقد أصبحوا يضغطون علينا كثيرا بالآونة الأخيرة وكأننا آلات حاسبة"
ردت عليها (سحر) ببرود وهي تنظر لوقع قدميها على الأرض
"هذا لأننا متأخرين كثيرا بمعظم المواد ، ولا تنسي بأنها آخر سنة لنا بالثانوية العامة يعني اهم من كل السنوات السابقة"
ابتسمت صديقتها باتساع وتفاؤل وهي تقول ببهجة
"صحيح ذكرتني كلما أتذكر بأنها آخر سنة لنا بالمدرسة أشعر بطاقة تفاؤل كبيرة ، فبعد كل هذه المعاناة من دراسة وسهر سنحصل اخيرا على ثمار حصادنا ونصل للتعليم العالي وندرس بأفضل الجامعات والتخصص والذي نحلم به"
ابتسمت (سحر) بحزن وهي تنظر لجانب وجه صديقتها والمشتعلة حماس وتفاؤل والذي لم تشعر به بحياتها ، لتهمس بعدها بلا مبالاة وهي تعود بالنظر لخطواتها أمامها
"اجل هذا أمر رائع بالنسبة لكِ ، واما بالنسبة لي فلا أعتقد بأن هناك جامعة ستقبل بي ما أن ترى معدلاتي المنخفضة بمعظم المواد وليس هناك دراسة برأسي لأدرسها بالجامعة"
شهقت صديقتها بتمثيل وهي تلتفت باتجاهها قائلة بعنف
"ما هذا التفكير الغبي والميؤوس منه ، انتِ ابنة سليمان بارون من عائلة بارون يعني كل الجامعات ستفتح بطريقك ما أن تنتهي السنة الدراسية ، لذا لا تقللي من شأنكِ هكذا وهناك الكثير من الدراسات ستحبين دراستها بالجامعة"
زفرت (سحر) أنفاسها بإحباط وهي ما تزال مطرقة برأسها للأسفل فبدل أن يعطيها كلامها الأمل أشعرها بالإحباط أكثر من قبل وهي تذكرها بكلام والدتها بأنه لولا اسم عائلتها لما وصلت لهذه الصفوف وهذا يعني بأنها لم تنجز أي شيء بحياتها يستحق لتصل لهذه المرتبة وحتى دخولها للجامعة سيكون من وراء اسم عائلتها وليس بجهدها كباقي الطلاب والذين يدرسون معها ، تتمنى لو تجد هدف تسعى إليه بحياتها ويكون مستقبلها والذي تبني به نفسها ويتمحور حوله كل حياتها ولكنها لم تستطع إيجاده فيبدو بأن طريقها لهذا الهدف سيبقى فارغا للأبد .
وصلت مع صديقتها لبوابة المدرسة الكبيرة والعريقة والتي تدل على مرتبة المدرسة العالية الشأن والتي تكون من أفضل المدارس بالبلد شكلا وتعليما والتي لا يدخلها سوى أولاد من العائلات الكبيرة بالمجتمع  والمعروفة بالبلد ، لكزتها صديقتها بذراعها لترفع رأسها لها وهي تشير لها بعينيها بعيدا ، التفتت (سحر) إلى ما تشير له لتنظر لمجموعة من الفتيات اصغر منها سنا ومن بينهن تقف فتاة بالمقدمة ذات شعر بني طويل بينما باقي الفتيات يتبعنها بهدوء ، لتعود بنظرها لصديقتها بحيرة والتي قالت بابتسامة جانبية
"أرأيتِ لقد أتت الفتاة والتي تتحداكِ بالشعبية والشهرة بالمدرسة وكأنها حرب شرسة من العائلة الأقوى من بينكن"
عقدت (سحر) حاجبيها بتفكير وهي تهمس بخفوت
"من تقصدين بهذا الكلام"
فغرت صديقتها شفتيها بغضب قبل أن تقول بحنق
"حقا ما تقولين ، كيف لا تعرفين الفتاة والتي تكون من العائلة والتي تنافس عائلتكم منذ قرون ، ألا تعيشين هنا انتِ"
ردت عليها (سحر) ببرود وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها
"توقفي عن التكلم بالألغاز واخبريني من تلك الفتاة فهذه أول مرة أراها بالمدرسة"
عبست ملامح صديقتها وهي تبعد نظرها بعيدا عنها هامسة بملل
"أنتِ حقا حالة ميؤوسة منها ، تلك الفتاة والذي أشرت إليها تكون ابنة عائلة داوود وقد انتقلت لهذه المدرسة حديثا واغلبية الظن بأن عائلتها كانت تعيش بالخارج وبعدها عادوا ليستقروا بالبلد"
اتسعت عينيّ (سحر) السوداء بحزن وهي تلتفت باتجاه الفتاة بسرعة لتنظر لها بقتامة وحقد لا تعرف سببه فهذه الفتاة على الأكيد تكون قريبة من سرقة منها الأمل الأخير بالحياة وها هي تلاحقها بأقاربها ليدمروا المتبقي من حياتها ، زمت بعدها شفتيها بغيرة وهي تنظر للفتاة والتي جذبت كل الفتيات إليها بأول يوم لها بالمدرسة مع أنها تمتلك نفس مكانتها بالمجتمع ولكن الأمر لا يتعلق بالمكانة بل بالشخصية القوية والجذابة وهذا هو ما تمتلكه تلك الفتاة .
أدارت رأسها بعيدا عنها قائلة بلا تعبير
"ولكن كيف استطاعت الالتحاق بالمدرسة بمنتصف الفصل"
ضحكت صديقتها بسخرية وهي تتمتم باستهانة
"أنسيتِ من تكون عائلة داوود والتي توازي عائلة بارون شهرة والتي لا يصعب عليها فعل شيء أو تحقيقه ، أنتم من بين كل العائلات والتي دائما تكون كل الأبواب مفتوحة امامكم"
حركت (سحر) رأسها بهدوء وهي شاردة بالفتاة قبل أن تسمع صوت صديقتها وهي تقول بسعادة بالغة
"اسمعي لا تنسي بنهاية هذا الأسبوع هناك حفلة كبيرة ستقيمها مدرستنا بقاعة الكونتيسا المشهورة بمناسبة حصولها على مرتبة أفضل مدرسة بالبلد للمرة الخامسة ، أليس هذا رائعاً سنستمتع كثيرا فأنا لم احضر حفلة منذ زمن"
ردت عليها (سحر) وهي تحرك كتفيها ببرود
"رائع اتمنى ان تستمتعي حقا بهذه الحفلة"
تجهمت ملامح صديقتها وهي تمسك بذراعها بقوة قائلة بجمود
"ستأتين لهذه الحفلة سمعتني وألا لن أسامحك ابدا سحر بارون"
انتفضت (سحر) وهي تبعد ذراعها عنها قائلة بوجوم
"مستحيل أن آتي ، ألا تذكرين ماذا حدث بآخر مرة حضرت بها حفلة للمدرسة لقد أصبحت أضحوكتها لذا من المستحيل أن اعيدها"
وضعت صديقتها كفها على شفتيها وهي تضحك بصمت ، بينما تجاهلتها (سحر) وهي تبعد نظراتها عنها بتجهم ، لتقول بعدها صديقتها بجدية وهي تخفض كفها عن شفتيها
"اسمعي هذه المرة مختلفة فنحن لن نسمح لكِ بأن تخطئي ابدا وانا اعدكِ بهذا ، وأيضا إذا لم تحضري فستعرف المدرسة بأكملها بأنكِ هربتِ بسبب ما حدث بآخر مرة"
امتعضت ملامح (سحر) وهي تتحرك بعيدا عنها باتجاه حافلة المدرسة والتي توقفت أمامهم مباشرة وهي تتمتم بلا مبالاة
"حسنا سأحاول الحضور"
لتسمع بعدها صوت صديقتها من خلفها وهي تقول بقوة
"لن تحاولي بل ستحضرين رغما عنكِ"
تجاهلتها (سحر) وهي تسير بداخل الحافلة لتجلس بجوار النافذة بشرود ، بينما حركت صديقتها رأسها بيأس منها قبل أن تتبعها لداخل الحافلة لتجلس بجانبها بصمت وهدوء ، ارجعت (سحر) رأسها للوراء وهي تريحه بمسند الكرسي من خلفها بارتياح فهذا الوقت هو المفضل عندها بنهاية يومها الدراسي عندما يحل الهدوء بكل مكان ويصمت الجميع عن الكلام لتنظر للطريق بجانبها وهو يتحرك بسلاسة يعلن عن نهاية يومها الطويل وكم ستشتاق لهذه اللحظات بعد أن تنتهي سنتها الأخيرة بالمدرسة .
__________________________
كانت تسير بتمايل وهي تتجاوز البوابة الخارجية للمنزل لتصطدم عندها بأحدهم بقوة حتى اوقعت الكرة من يده بينما تراجعت هي للخلف عدة خطوات وهي تحاول التوازن على قدميها ، لتنظر بعدها بحدة للمزعج والذي اصطدم بها وهي تقول بتذمر
"ألا ترى أمامك يا معدوم البصيرة"
تجاهلها (سامي) وهو مشغول بالبحث عن كرته والتي طارت منه بسببها ، بينما ارجعت (فرح) خصلات شعرها البنية للخلف لتلمح عندها كرته ملقاة من بعيد ، لتسير بعدها بسرعة باتجاهها قبل أن تنحني لتلتقطها بيدها وهي تبتسم ابتسامة خبيثة ، عادت باتجاه (سامي) وهي تلوح بالكرة بيدها قائلة ببرود
"أهذا ما تبحث عنه"
رفع (سامي) رأسه بسرعة باتجاهها ليستقيم بوقوفه قبل أن يرفع كفه عاليا ليلتقط الكرة منها لتبعدها عن مسار يده لخلف ظهرها وهي ما تزال تبتسم بخبث واضح ، ليقبض بعدها على كفه بقوة وهو يتمتم بتصلب جامد
"اعطيني الكرة يا فتاة وتوقفي عن استفزازي فليس لدي الوقت لألعب معكِ"
ارتفع حاجبي (فرح) بصدمة من كلامه الغاضب والذي تسمعه لأول مرة لتقول بعدها ببراءة مصطنعة
"ما هذا الكلام الفظ وتتوقع مني أن أعطيك الكرة بعد هذا الكلام ، حسن ألفاظك أولاً وبعدها سأعطيك الكرة ، وبالمناسبة اسمي فرح"
اشتدت ملامح (سامي) صلابة وهو ينظر لها بنفاذ صبر ليتمتم بعدها بحنق
"هيا اعطيني الكرة يا فرح فأنا على عجلة من امري"
تراجعت للخلف عدة خطوات وهي تلوح بالكرة قائلة بضحكة مرحة
"لا لا تحلم قبل أن تطلبها مني بلطف"
ردّ عليها (سامي) وهو يحرك رأسه بقوة
"حسنا أنتِ من أردتِ هذا"
وقبل أن تفهم مقصده كان (سامي) يهجم عليها ليمسك بها ولكنها كانت أسرع منه بالهروب لتصل لسلم بوابة المنزل وهي تلوح بالكرة بانتصار ، ليقف (سامي) بمكانه وهو لا يصدق سرعتها بالهروب منه كالأرنب السريع مع أنه كان دائما يمتاز بالجري السريع بأي مباراة يخوضها بالمدرسة أو خارجها لتسطيع الآن قصيرة مثلها الفوز عليه ببساطة .
زفر أنفاسه بحنق من هذه الورطة والتي تسمى (فرح) فمنذ دخلت لمنزلهم وهو دائما يتأخر على مباراته بسببها هي وعائلتها ، ليقول بعدها باستسلام وهو يقف أمامها على بعد خطوات منها
"حسنا فرح انتِ تفوزين ، هيا اعطيني الكرة"
امتعضت ملامح (فرح) وهي ترجع الكرة لخلف ظهرها قائلة بتصميم
"أخبرتك ليس قبل أن تطلبها مني بلطف وأدب"
تنفس (سامي) بهدوء وهو يتمتم بشراسة خافتة
"اعطيني الكرة لو سمحتِ وتكرمتِ لأن هناك مباراة مهمة ستضيع عليّ بسببكِ وبسبب غبائك"
امتقعت ملامحها وهي تهمس باشمئزاز
"أهذا مفهوم الأدب واللطف عندك"
صرخ (سامي) فجأة بنفاذ صبر
"قلت لكِ اعطيني الكرة"
تبرمت شفتي (فرح) بعبوس وهي تخرج الكرة من خلف ظهرها لتمدها أمامه ، وما أن رفع يده ليلتقطها منها حتى افلتتها من كفها لتقع على الأرض تحتهما وقبل أن يستوعب ما فعلته كانت ترجع قدمها للخلف قبل أن تركل الكرة بقوة لتطير بعيدا عنهما ، رفع (سامي) رأسه بهلع وهو ينظر لمسار طيران الكرة قبل أن تصل لخارج أسوار المنزل ، ليعود بعدها بنظره بتجهم للفتاة الشقية والتي كانت تنظر له بعينيها العشبية والتي تلتمع ببريق التسلية والبراءة ولم ينتبه بأنه أطال النظر كثيرا بعينيها ، أفاق بعدها من ذهوله لتتحول ملامحه بلحظة للشراسة وهو يتحرك باتجاهها  هامسا
"انتِ لن تفلتي بفعلتكِ ابدا.."
ما أن وصل إليها كانت قد هربت من أمامه بسرعة وهي تصعد درجات السلم ضاحكة بصخب وهي تتمايل بصعودها كالأرنب الرشيق ، بينما كان (سامي) ما يزال ينظر لأثرها بتجهم قبل أن يجري بعيدا باتجاه مسار كرته وهو يتوعد لها بالكثير من المشاكل  .
__________________________
كانت تضم يديها معا تارة وتفلتهما لتمسح العرق عنهما بقميصها تارة أخرى ، لتنقل بعدها نظرها بعيدا عن الأوراق أمامها باتجاه جدها ووالدها والشخص الثالث والذي يكون محامي العائلة والذي يستخدمونه بأي شيء يتعلق بالأمور القانونية وجميعهم متواجدين بغرفتها بعد أن اقتحموها واجتاحوها بقوة وكأنهم يخافون هروبها من مصيرها المحتوم أو قد تغير رأيها بآخر لحظة ، عادت بنظرها للأوراق أمامها وهي تبتلع ريقها للمرة التي لا تعرف كم فهي تشعر بجفاف شديد بحلقها لا تعرف مصدره وكأنها متواجدة بسباق للجري لا يريد أن ينتهي ، شعرت بطبقة شفافة تغطي حدقتيها العسلية بدون أن تنزل أي دمعة وهي تشوش عليها الرؤية للأوراق والتي بقيت تتأملها لمدة ربع ساعة كاملة وحتى الآن لم تفهم أي شيء منها ولا من كلام المحامي سوى بأنها عليها فقط التوقيع على كل ورقة من بنودها لتبدأ قضية طلاقها من (يزن) ، ولكنها حتى الآن لا تصدق بأن الأمر بهذه البساطة وأن حياتها مع (يزن) مرهونة بتوقيع عدة ورقات لا تعبر عن علاقتها الحقيقية ب(يزن) والذي ارتبطت به لمدة خمس سنوات بدون أن تعلم بل منذ ولادتها وهي مرتبطة به ، والآن هل يظنون بأن عدة ورقات ستنهي كل ما كان بينهما بلمح البصر ؟ إذا كان هذا ما يفكرون به فهم واهمون ، فما لا يعرفونه عنها بأن علاقتها به أكبر من فكرة زواج فقط بل هي محفورة ومعلقة بقلبها منذ أن شبت عن الطوق قبل زواجها منه وبعد أن يطلقوها منه فقد أصبح منذ زمن داءها ودواءها .
قطع عليها أفكارها المشوشة صوت والدها وهو يقول بنفاذ صبر
"ما بكِ ، لا تحتاج لكل هذا التفكير ، فقط وقعيها وخلصينا"
رفع الجد رأسه لابنه وهو يحدق به بحدة قبل أن يعود بنظره لحفيدته وهو يقول بهدوء
"لا بأس إذا كنتِ لا تريدين توقيعها اليوم"
نظرت (زهرة) لجدها بارتباك لتعود للنظر للأوراق وهي ترفع كفها باتجاه القلم بجانبها بارتجاف لتلتقطه عندها بهدوء ، أمسكت ذراعها بيدها الأخرى لتخفف من ارتجافها وهي تقرب القلم باتجاه الورقة بحذر ، لتتوقف بعدها بآخر لحظة وهي ترفع رأسها للمحامي هامسة بخفوت
"هل يمكنني سؤالك بعض الأسئلة"
حرك المحامي رأسه بسرعة وهو يقول باتزان
"اجل اكيد ، تفضلي يا آنسة"
رطبت (زهرة) شفتيها بهدوء لتقول بعدها بتفكير
"هل توقيعي على هذه الأوراق سيؤثر على يزن ، أقصد هل سيؤذيه بشيء"
عقد المحامي حاجبيه بتفكير ليقول بعدها بعملية
"لا لن يؤثر عليه ما أن تصل هذه الأوراق للمحكمة باستثناء بأنه سيطالب لحضور المحكمة لاستكمال أمور الطلاق ، وبما أن زواجكما لم يعلن عنه للآن فلن يتأذى أي أحد منكما بهذه القضية"
زمت (زهرة) شفتيها بحزن لتتمتم بعدها بارتجاف
"ألا نستطيع فعل هذا بدون معرفة يزن"
حرك المحامي رأسه بالنفي وهو يقول بصرامة
"لا هذا مستحيل لأنه يملك ورقة عقد زواجك وهو الذي ثبته بالمحكمة ، يعني وجوده مهم جدا لنكمل إجراءات الطلاق معه"
عقدت (زهرة) حاجبيها بوجوم وهي تشرد بعيدا وما أن كانت ستعاود الكلام حتى قاطعها والدها بحدة خافتة
"توقفي عن هذه الأسئلة الفارغة وانجزي ما عليكِ فعله"
قال الجد بحزم وهو يستدير برأسه باتجاه ابنه
"عادل أخرج من الغرفة وانتظرني عند الباب حتى ننتهي"
ردّ عليه (عادل) بعدم اقتناع
"ولكن يا أبي.."
قاطعه الجد بصرامة أشد
"افعل ما أقوله"
حرك (عادل) عينيه بعيدا عنهم بتجهم قبل أن يخرج من الغرفة بأكملها ، رفعت (زهرة) نظرها لمكان اختفاء والدها لتحوله بعدها للأوراق أمامها قبل أن تتمتم بغموض
"فقط سؤال واحد ، هل طلاقي من يزن مضمون النتائج ولن يستطيع اي احد منعه"
حرك المحامي رأسه بالإيجاب وهو يقول بتأكيد
"اجل لا تقلقي بهذا الشأن فهناك الكثير من الأمور تدعم قضيتك منها زواجك تحت السن القانوني وبدون الأخذ بموافقتك وعدم إتمام امور الزواج الواجب على الزوج فعلها منذ خمس سنوات هذا غير عيش كل واحد منكم بمنزل بعيد عن الآخر ، ومع كل هذه الأمور فطلاقك منه سيكون امر مفروغ منه"
حركت (زهرة) رأسها بشرود وهي تقرب القلم أكثر من الورقة ، لتلمح عندها خاتم زواجها والذي ما يزال مقيد بأصبعها لترفع كفها الآخر وبدون أن تشعر غطت به الخاتم لتبدأ بعدها بتوقيع الورقة بهدوء وكأنها تكتب ورقة إعدامها والتي ستقطع بها الرابط الوحيد والذي يجمعهم معا ولكنه لن يستطيع أن يقطع الرابط والموجود بقلبها ولا هي تستطيع فعلها والذي كان يطلب السماح من (يزن) بهذه اللحظة ، رفعت كفها بالقلم وهي تدير الصفحة بيدها الأخرى لتشعر بأصابعها متعرقه ومرتجفة وهي تحاول قلب الصفحة ببطء شديد ، لترى بعدها اليد المجعدة والتي قلبت الصفحة بدلا عنها بهدوء وصاحبها يتمتم بصلابة
"هيا وقعي هنا"
حركت (زهرة) رأسها بارتباك وهي توقع فوق الأوراق الواحدة تلو الأخرى وجدها يقلب الأوراق أمامها بهدوء حتى انتهت من توقيع جميع الأوراق والتي شعرت بها بلا نهاية ، ليقف بعدها الجد بجانب المحامي وهو يقول له بقوة
"والآن هل بقي لها شيء تفعله غير التوقيع"
تناول المحامي الأوراق من أمامها وهو يتمتم بابتسامة واثقة
"لا يا سيدي فهذه الأوراق تكفي من أجل القضية والباقي سيكون مهمتي انا"
حرك الجد رأسه باتزان وهو يتجه نحو باب الغرفة ليخرج قبله وهو يلتقي ب(عادل) والذي ما يزال ينتظره بالخارج ، وما أن كان سيغادر المحامي ايضا وهو يلتقط حقيبته حتى أوقفته (زهرة) وهي تقول بهمس
"هل يمكنني أن أطلب منك شيء"
التفت المحامي باتجاهها وهو يقول بحيرة
"تفضلي"
اخفضت نظرها للقلم بيدها وهي تضمه بين كفيها معا لتهمس بعدها بنشيج خافت
"لا أريد أن تبدأ بالقضية من فورك على الأقل أنتظر حتى يعود يزن من رحلة عمله من أجل ألا يتشوش تفكيره عندما يطلبوه بالمحكمة وبعدها يمكنك البدء"
عقد المحامي حاجبيه بتفكير وما أن كان سيتكلم حتى سبقته (زهرة) قائلة بإصرار غريب
"ارجوك أفعل ما قلته لك ولا تخبر أحدا عن طلبي"
حرك المحامي رأسه بارتياب قبل أن يغادر من الغرفة بأكملها ليلحق بالجد وابنه ، لتظهر عيون خائفة من خلف الجدار تنظر من بعيد باتجاه ممر الغرفة وصاحبتهما تقول بتوجس
"هذا سيء ، عليّ أن أخبر السيد يزن بسرعة"
___________________________
كان جالس على كرسي مكتبه وهو يسند جبهته بقبضتيه ويفكر بعيدا جدا وتحديدا بتلك الفتاة والتي أخذت كل تفكيره ورسالة والدها ولا يعلم إذا كانت عادت للخروج من المنزل لوحدها بدون علم أحد ، شعر بيدين تدلكان كتفيه بنعومة وسلاسة وكم يحتاج لمثل هذا التدليك لعضلات كتفيه المتشنجة والذي اراحه كثيرا ، ليسمع بعدها صوت مغري يهمس بجانب اذنيه
"هل استمر بتدليك كتفيك أم تريدني أن ادلك أماكن أخرى"
انتفض (إياد) من صوتها وهو يستوعب ما يفعل الآن ليبعد كفيها عن كتفيه بهدوء قبل أن يتمتم بحزم
"ابتعدي من خلفي يا جنان وقفي أمام المكتب ، متى دخلتِ للمكتب ولم اشعر بكِ"
ابتعدت عنه (جنان) لتتقدم أمامه بسلاسة وتمايل قبل أن تقف أمام المكتب مباشرة ، لتضع بعدها كفيها على سطح المكتب لتقدم وجهها أمامه وهي تقول بابتسامة متراقصة 
"لقد أتيتُ الآن ولكنك لم تنتبه لدخولي بسبب شرودك ، لذا رأيتُ بأنك تحتاج لمساعدة لاستعادة نشاطك ، كيف كان المساج لكتفيك"
حرك (إياد) كتفيه وهو يشعر براحة غريبة تسري بعضلات كتفيه ، ليقول بعدها وهو يحرك رأسه ببرود
"هذا ليس مهما الآن ، وأخبريني ما سبب مجيئكِ لمكتبي بوقت استراحتي"
عضت على شفتيها بغيض من كلامه وكل ما يهمه هو العمل وسبب مجيئها إليه ولا يهمه بماذا تشعر بهذه اللحظة وهي بعيدة عنه دائما ، لتبتسم بعدها بهدوء وهي تبعد كفيها عن سطح المكتب قائلة بغموض
"لم آتي هذه المرة من أجل العمل بل أتيت لموضوع اهم من العمل"
عقد (إياد) حاجبيه بحيرة وهي يقول بتفكير
"وما هو هذا الموضوع المهم"
ضمت (جنان) كفيها معا وهي تنظر لهما لتقول بعدها بحزن مصطنع
"أنها مشكلة تتعلق بعائلتي فأنت تعلم بأن عائلتي تعيش على تقاليد واراها الزمن ولم يعد أحد يعترف بها ، والمشكلة هنا بأنهم يريدون مني الزواج من ابن عمي وأنا ارفض الزواج منه فقط لأنهم يرونا بأن الفتاة نهايتها لابن عمها"
حرك (إياد) رأسه بشرود وهو يفكر لو ينطبق هذا الكلام على عائلته فستكون نهاية (مايا) زوجة لأحد أشقائه وهو من بينهم ، أفاق من افكاره المجنونة ليقول بعدها بجدية عملية
"هذا حقا أمر مؤسف ، ولكن لم افهم بماذا أستطيع مساعدتك بهذه المشكلة"
اتسعت ابتسامة (جنان) بخبث وهي تفكر بأن حل هذه المشكلة موجود بين يديه وهو أن يتقدم لها رسميا أمام عائلتها وعندها لن تستطيع عائلتها إجبارها على الزواج من ابن عمها عندما تضعهم أمام الأمر الواقع ، ولكن بدلا من هذا الكلام قالت بهدوء وببراءة مزيفة
"أريدك أن تتكلم مع عائلتي وتحاول إقناعها بأن لا ترغمني على الزواج من شخص لا أريده وأنا متأكدة بأنهم سيصغون إليك ما أن تخبرهم"
اتسعت عينيّ (إياد) بعدم استيعاب ليتمتم بعدها باستنكار
"ما هذا الكلام الغريب والذي تقولينه يا جنان ، بأي حق سأتكلم معهم وأنا حتى لا أعرفهم ولا يوجد أي قرابة تجمعني بهم"
زمت (جنان) شفتيها وقد كانت تتوقع مثل هذا الكلام منه ، لتهمس بعدها بخفوت وهي تخفض نظرها للأسفل
"أعرف هذا جيدا ولكن ما لا تعرفه بأن عائلتي تكن لك الاحترام الشديد منذ بداية عملي معك ودائما تمتدحك بكل شيء تفعله لمرضاك فمن هو الذي لا يعرف الدكتور إياد بارون"
كان (إياد) ينظر لها بتفكير عميق ليتنهد بعدها بهدوء قائلا باستسلام
"حسنا لا بأس سأحاول التكلم مع عائلتكِ ولكن لن اضمن لكِ.."
قاطعته (جنان) وهي ترفع رأسها بسرعة قائلة بلهفة
"حقا شكرا لك دكتور إياد ، كنتُ أعلم بأنك لن تتخلى عني بهذه المشكلة"
كان (إياد) على وشك قول شيء لتسبقه (جنان) قائلة وهي تتجه لباب غرفة مكتبه بتمايل
"لا أعرف كيف ارد لك جميلك دكتور إياد ، وبالمناسبة يوم الجمعة مناسب جدا لمجيئك لمنزلي لإقناع عائلتي وانا سأكون بانتظارك لوقتها ، وداعا دكتور إياد"
أقفلت بعدها باب الغرفة من خلفها ببساطة وامام نظرات (إياد) المصدومة ليخفض بعدها نظره لسطح المكتب وهو يلعن لسانه لأنه نطق بالموافقة أمامها وجعلها تحدد الوقت واليوم والذي عليه لقاء عائلتها فيه وبدون أن يرد عليها بشيء والآن عليه التفكير بجانب مشاكله الأخرى بالورطة الجديدة والتي دخل بها بإرادته وكان دائما يلوم (مؤيد) على غباءه ليحتل هو هذه المرتبة بجدارة .
____________________________
نار هوجاء هي التي كانت تعصف بدواخله وتذيب مفاصله حد النخاع وهذه حالته منذ أن أخبرته الخادمة بكل شيء حدث بالمنزل ووجود المحامي والذي لا يدل سوى على شيء واحد وهو بدأهم بمخططهم الجديد وهو التخلص منه نهائياً بجعلها تقطع العلاقة والتي تربط بينهما ، وبما أنهم يعرفون نقطة ضعف (زهرة) جيدا والتي يضغطون بها عليها لتوافق على تنفيذ طلباتهم فأكيد ستكون فعلت ما يريدونه جميعاً ، ضرب على المقود بقوة وهو يشتم بصوت عالي من كل شيء يحدث من حوله ، وقد كان من حسن حظه بأن رحلة التدريب قد انتهت أخيرا ولم يتبقى لها سوى يوم واحد لعودتهم منها ولكنه سبقهم بالعودة ليستطيع حل مشكلته قبل أن تتفاقم أكثر وقد تقبل الضابط عودته بهدوء .
أوقف السيارة أمام البوابة الخارجية للمنزل ليخرج من فوره منها وهو يرفع الهاتف لأذنه بسرعة قائلا بصرامة
"هل استطيع الدخول الآن"
ردت عليه الخادمة بسرعة وبتأكيد
"أجل يمكنك الدخول الآن فقد ابعدتُ الحرس عن البوابة وجميع أفراد العائلة خارج المنزل حاليا وليس هناك أحد بالمنزل سواها"
أغلق (يزن) الخط ليعيد هاتفه لجيب بنطاله وهو يسير بسرعة باتجاه البوابة الداخلية للمنزل ، وما أن تجاوزها حتى التقى بالخادمة والتي كان يهاتفها قبل قليل وهي تشير له للداخل باحترام ، تجاوزها (يزن) وهو يتجه للسلالم ليصعدها بسرعة أمام نظرات الخادمة القلقة ، ليصل بالنهاية لغرفتها قبل أن يفتح بابها بهدوء وبدون أن يستأذن وهو ينظر للفتاة الساهمة بالبعيد والتي ظهرت أمامه مباشرة وهي جالسة على السرير وتحتضن ساقيها معها ، لتنتفض بعدها ما أن وقف أمامها لترفع رأسها باتجاهه بصدمة وهي تهمس بذهول مبتسم 
"يزن"
كانت ملامحه متصلبة لا تعبر عن شيء وهو يرفع يديه ليمسك بذراعيها قبل أن يرفعها عن جلوسها ليوقفها أمامه تماما كالدمية ، ارتجفت (زهرة) من هول الصدمة وهي تبتسم بهدوء حتى شملت ابتسامتها كل وجهها لتهمس بعدها بسعادة
"هل عدت من رحلة عملك ، هل كانت موفقة"
اخفض كفيه عن ذراعيها وهو يقول بابتسامة باردة
"لا لم اعد بعد ما زلت هناك"
خرجت منها ضحكة صغيرة وحزينة وهي تتمتم بخفوت شارد
"هذه الحيلة كانت تنطلي عليّ عندما كنت طفلة وليس الآن"
رفع (يزن) كفه ليمسك بذقنها وهو يعيده باتجاهه ليقول بعدها بحزم
"ولكنني أرى بأنها ما تزال تنطلي عليكِ فأنتِ لم تتغيري ابدا وهذا ما يجعل الجميع يستغلون هذه النقطة لصالحهم"
حركت (زهرة) رأسها بتشوش لتبعد كفه عن ذقنها وهي تتراجع للخلف قائلة بتوجس
"ماذا تقصد بكلامك ، وما لذي جاء بك لغرفتي"
ابتسم (يزن) بقسوة وهو يقترب منها أكثر قائلا بصلابة
"تعلمين جيدا سبب مجيئي ، لقد وعدتك من قبل أن آتي ما أن تتعقلي لتعودي معي لمنزلنا فأنا لن اتركك هنا طويلاً بضيافة عائلتك"
ردت عليه (زهرة) بسرعة وبارتباك وهي تنظر ليديها
"بخصوص هذا الموضوع فأنا قررتُ البقاء بمنزل عائلتي"
تجهمت ملامح (يزن) ليقول بعدها وهو يحرك رأسه بسخرية
"ولما تريدين البقاء ألا تكفي الفترة والتي تركتك بها أم تنتظرين حتى يتم طلاقك مني نهائياً وحينها ستتخلصين من وجودي بحياتك ، أليس هذا ما تريدينه"
فغرت (زهرة) شفتيها بارتعاش وهي تنظر له بصدمة لتهمس بعدها بصوت باهت
"كيف عرفت بهذا الأمر ، أقصد من أخبرك بهذه القصة المزيفة"
زمت شفتيها بتوتر وهي تشتم لسانها والذي فضحها لتنظر للأسفل بخزي ، بينما كان ينظر لها (يزن) بهدوء ونيران مشتعلة تحوم بداخله وهو يقول بحدة خافتة
"إذاً فهي صحيحة وقد اتفقتِ معهم لمساعدتهم للطلاق مني بدون علمي"
كانت (زهرة) تتنفس بهدوء وهي تنظر للأرض بدون إجابة ، لتشعر بعدها بيدين قويتين تكبلان ذراعيها بقسوة وهو يهزها قائلا بشراسة
"هيا تكلمي لما فعلتِ هذا ، وماذا استخدموا لإرغامك على فعل مثل هذه الخطوة المتهورة بدون أدنى تفكير"
ابتلعت (زهرة) ريقها برهبة وهي تتمتم باستنكار
"لا هم لم يفعلوا شيئاً فأنا التي أردت الطلاق"
صرخ (يزن) فجأة وهو يهزها بعنف أشد 
"كفى كذباً ، هيا أخبريني ماذا قالوا لكِ عائلة بارون عندما خطفوكِ حتى غيروا رأيكِ هكذا"
اتسعت عينيّ (زهرة) العسلية بجزع وهي تفكر بأنه يعرف كل شيء ، ولكن كيف عرف ومن اخبره ؟ لتقول بعدها بسرعة بارتجاف قلق
"كيف عرفت وماذا فعلت بهم ، هل فعلت شيئاً سيئاً مع عائلتك ، ووالدك لا ذنب له بما حدث صدقني.."
قاطعها (يزن) وهو يقول بتصلب خافت شرس
"اصمتِ واجيبِ عن السؤال ، ماذا قالوا لكِ ، تكلمي"
عضت على شفتيها بحنق وهي تدير وجهها بعيدا عنه لتنتفص بعدها ما أن زاد بصراخه
"تكلمي"
ردت عليه بانفعال شديد وهي تخفض وجهها للأسفل بارتجاف
"لقد قالوا فقط بأن ابتعد عن حياتك وألا فعلوا أشياء سيئة لك"
نفض (يزن) ذراعيها بقسوة وهو يقول بابتسامة باهتة
"وانتِ بكل بلاهة صدقتِ كلامه"
قالت (زهرة) بخفوت وهي ترفع نظرها له بحزن
"وقد قال أيضا بأنه قد يؤذي أحدا من عائلتي ويذهب أحدهم ضحية الانتقام إذا لم ابتعد عنك كما حدث مع عمتي حنان"
رفع (يزن) كفيه ليغرزهما بشعره الأسود وهو يقول بوحشية مخيفة
"الحقير إذاً فقد وصل به الأمر ليقول مثل هذا الكلام فقط من اجل إقناعك وإخراجك من حياتهم بأية طريقة ، ولكنه لن ينجح بهذا فهو لا يعرف من يكون يزن بارون والذي يكون ثمار انتقامهم"
عقدت (زهرة) حاجبيها بوجوم وهي تهمس بنشيج خافت
"ارجوك يا يزن لا تقدم على فعل شيء متهور وافعل ما أقوله لك فهذا كله لمصلحتك"
دفعها (يزن) بقبضتيه بقوة حتى اوقعها على السرير من خلفها وهو يشير لها بيده بتحذير
"توقفي عن هذا الكلام السخيف قبل أن أقدم على قتلكِ قبلهم ، واسمعي ما أقوله هل ستأتين معي بهذه الحرب أم لا"
ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وهي تستند بمرفقيها على السرير لتهمس بعدها بتوسل
"ارجوك يا يزن اسمعني.."
قاطعها بنبرة صارمة
"قلت لكِ هل ستأتين معي أم لا"
ردت عليه من فورها بحزم متشنج
"لا لستُ معك فأنا لن اقدم على فعل شيء يؤذي كلينا"
اخفض (يزن) كفه بهدوء وهو ينظر لها بتجهم ليقول بعدها وهو يحرك رأسه باتزان
"حسنا كما تشائين إذاً ابقي بمكانك وشاهدي ما سيحدث لأني لن أسمح لهم بفعل ما برأسهم وهذا الطلاق لن يحدث ولو على جثتي ، فإذا كانوا هم من عائلة داوود فأنا أيضا من عائلة بارون ، و ما يسمح لهم بفعله يسمح لي انا أيضا بفعله"
فغرت شفتيها بارتجاف وتجمد وهي ترى الإصرار الوحشي يلتمع بعينيه الخضراء والذي تراه لأول مرة وأكيد عواقبه لن تكون حميدة ، تحرك (يزن) بسرعة الفهد باتجاه باب الغرفة قبل أن توقفه (زهرة) قائلة ببحة متحشرجة
"لا تذهب ، أخبرني ماذا ستفعل"
توقف (يزن) على مضض ليتمتم بعدها بهدوء وهو يعطيها ظهره
"الحرب والتي كانت موجودة من قبل بين العائلتين انا سأعيدها"
ليغادر بعدها لخارج الغرفة وأمام نظراتها العسلية  المشوشة والغير مستوعبة ، وما هي ألا لحظات حتى قفزت بسرعة لخارج السرير لتجري لخارج غرفتها من فورها باتجاه السلالم ، وما أن لمحته من بعيد بنهاية السلالم حتى لحقته بسرعة وهي تصرخ بنشيج 
"انتظر يزن.."
قطعت كلامها ما أن تعثرت بأول عتبة لتخرج منها شهقة خافتة وهي تنظر للعالم والذي بدأ يدور من حولها بسرعة فائقة لتلمح ذكريات طفولتها من بعيد عندما كانت تدور من حول نفسها بمرح وكأنها ترقص فوق السحاب وعيونها تنظر للسماء بسعادة بالغة قبل أن تعود لعالم الواقع والذي لم يجلب لها سوى القسوة والألم وهي تتدحرج على عتبات السلم حتى آخر عتبة وبهذه اللحظة لم تعد تشعر بجسدها وأين أماكن الألم فيه فقط تشعر بالعالم يسود شيئاً فشيئاً وأحلام طفولتها تتدحرج على آخر عتبات الماضي ، شهقت الخادمة بهلع وهي تتجه بسرعة نحوها قائلة بصراخ
"تعالوا بسرعة الآنسة زهرة سقطت عن السلم"
وقف (يزن) أمامهما وهو لا يصدق ما يراه وما آلت إليه زهرته قبل أن يفيق من صدمته وهو يجثو أمامها هامسا بقلق شديد
"زهرة ، زهرة افيقي"
كانت ملامحها الشفافة هادئة تماما وهي تتنفس بنشيج واضح وبعض الدموع ما تزال عالقة برموشها البنية بدون أن تسقط ، ليخفض بعدها ذراعيه بسرعة لأسفل جسدها وهو يرفعه برفق ليشعر بأنينها المتألم ما أن رفع ساقيها معا ، سار بسرعة باتجاه باب المنزل وهو يحاول تخفيف من قبضتيه على جسدها المهتز والمرتجف بأنين خافت والذي كان يمزق نياط قلبه ، بينما كانت الخادمة تبكي من خلفهم بصمت وهي لا تعرف كيف تتصرف بمثل هذه المواقف فالذي تعرفه بأن أسياد هذا المنزل لن يجعلوا ما حدث مع ابنتهم يمر مرور الكرام .

قلوب معلقة بالماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن