Chapter 8

420 25 13
                                    

  لا مجال للتراجع..
  كنت ادرس اشخاصا بالغين , ادرسهم مادة التاريخ..
  اليوم , علي أن أقف أمام مراهق سيغادر الدنيا , لأخبره عن التاريخ, وشيئا آخر عن المستقبل.
  وكنت أعرف أن علي أن أنقل له رساله إيجابيه ..
  على الأقل ليتقبل الموت بشجاعه ..
  تأملت في مهمتي التي تورطت فيها للتو.
  عليّ ان أجد في (بلال الحبشي) ما يجعل (بلالا النيويوركي) أقوي بواجهة السرطان .
  ليس سهلا على الاطلاق .
  لكن التراجع لم يعد خيارا, ما دمت قد قمت بارسال الرساله.

  From: bilal2001ny@hotmail.com
  To: Amjadhelwani@bilalmovie.org
  subject: لا بأس

  أهلا سيد أمجد
  شكرا لسؤالك, و لكن كيف تعتقد أن مريض سرطان الدماغ ,يشعر يا ترى؟
  لا بأس في الفكرة, يمكننا ان نتخيل معا سيناريو لفيلم عن بلال, وسأتظاهر أنا أنه نفس سيناريو الفيلم الذي سيظهر على الشاشه ..
  بانتظار ما سترسل .
  تحياتي .
  بلال .

  From: Amjadhelwani@bilalmovie.org
  To: Bilal2001ny@hotmail.com
  subject: الصخرة

  لن أبدأ من البداية كما يحدث عادة .
  بل سابدا من مشهد متقدّم , لكنه مهم, يمكننا بعدها ان نرجع بالفلاش باك, إلى البدايات .
  ولن أبدأ ببلال , بل بأسطورة إغريقيه, ربما تكون سمعت بها, كما سمعنا جميعا, وهي أسطورة لها أثرها في العقل الغربي .
  أتحدث عن سيزيف, أسطورة سيزيف , تحديدا (صخرة سيزيف) .
  ملخص القصه أن الالهة تعاقب سيزيف بأن يقوم بحمل صخر ضخم إلى قمه جبل, وقبل الوصول إلى القمة , يسقط الحجر إلى القاع , ويكون على سيزيف أن يحمل الحجر مرة أخرى , ويتكرر ما حدث معه مجددا , مرة تلو مرة ... إلى ما لا نهاية .
  عقوبه سيزيف هي, ان يستمر بأداء عمل لا معنى له , لا نتيجه له .
  إنه أن يكون كل جهدك (عبث) .. لا طائل من ورائه.
 
                                                                    ****                                     

  حسنا , هذه صخرة سيزيف, فما علاقتها ببلال الحبشي؟ ولماذا بها حكاية؟
  لأن ثمة صخرة أخرى, مختلفه تماما قي قصة بلال الحبشي.
  صخرة, مهمة, وقد تكون أول ما يذكرها أي شخص يذكر (بلال).
  صخرة صارت بمثابة ركيزة, التي تستند عليها قصه بلال الحبشي ومسيرته.
  تلك الصخرة, راسخه في عمق ذاكرة كل من يعرف بلالا الحبشي أو سمع بقصته..
  تلك الصخرة, لم تكن صخرة بلال بالضبط, كانت صخرة أميّه..!
  بكنها التصقت ببلال .
  بالضبط وضعت على صدر بلال.

                                                                  ****                                     

  المكان : مكة, مدينه في جزيرة العرب, بالضبط في الصحراء المحيطة بها .
  الزمان: القرن السادس الميلادي.
  المناسبه: عبدة الاصنام في مكة يحاربون دينا توحيديا جديدا.
  كان أميّة بن خلف, سيد بلال, يخرج بلالا في الظهيرة, عندما ترتفع الشمس, إلى بطحاء مكة, صحرائحا خارج المدينه, فيدفع ومن معه بالصخرة العظيمة ويضعها على صدر بلال, ويقول له: لا تزال هكذا, حتى تموت أو تكفر بالدين الجديد, وتعود لعبادة الأصنام .
  الصخرة على صدر بلال, تحجز عنه الهواء, يغالبها بلال لكي يأخذ النفس, وعندما يشهق ليأخذ النفس, تضغط الصخرة أكثر على صدره ..
  الصخرة على صدر بلال, وظهره يلتصق بالرمل الحار الحارق, وحوله أميّه ومن معه, يقولون له: إن ثمه خيار يمكنه أن يزيح الصخرة عن صدره, خيارا يمكنه الاستمرار بالعيش, خيارا يقوله بلسانه فحسب, وكان النبي, صاحب دعوة التوحيد, قد أجاز ذلك أصلا, قال للضعفاء, حتى للأحرار منهم, إنه يمكنهم أن يذكروه - أي النبي - بسوء, ما داموا مضطرين لذلك.
  كان بلال يعرف ذلك, يعرف أنه يمكنه أن يقول بلسانه كلمة كفر عابرة, ويقول إنه يؤمن بتلك الاصنام, ويبقيه ذلك في فئه المؤمنين بالدين الجديد, دونما مشكله أو حرج, لقد قال لهم النبيّ ذلك بوضوح.
  فلماذا يحتمل بلال ذلك العذاب, وتلك الصخرة العظيمة الجاثمة على صدره؟
  ببساطة, لأن بلالا رفض, حتى وهو في هذا الموضع, أن يعتبر نفسه ضعيفا.
  نعم, سلبوه حريته, بل لقد ولد وحريته مسلوبه.
  لكن ليس قوته.
  إذا كانت حريته قد سلبت, فهذا لن يجعله ضعيفا, يتصور أميّة بن خلف ومن معه أن الأمر سواء, أن سلب الحريه يحتّم جعل العبد ضعيفا, حتى العبيد يتوهّمون ذلك, حتى بلال ربما كان يتوهّم ذلك, يتصور أن عليه أن يكون ضعيفا لمجرد أنه كان مسلوب الحرية.
  تلك الصخرة التي وضعت على صدره, جعلته يرى نفسه على نحو مختلف..
  جعلته يكتشف ماذا فعل به الإيمان, ماذا غيّر قيه الإيمان..
  تلك الصخرة جعلته يكتشف أنه اليوم أقوى, جعلته يكتشف أن إيمانه جعل منه شخصا أقوى, أقوى حتى من بعض المؤمنين من الأحرار الذين لم يتحملوا ما تحمّل..
  كان الألم فظيعا حتما, لا يطاق, لكن الصخرة جعلته يكتشف أن طاقته على التحمل قد زادت أضعافا مضاعفة..
  الألم كبير, نعم, لكن الايمان جعل من طاقه التحمل عنده أكبر..
  كان يفترض بالصخرة أن تكسره,  لكنها جعلته يكتشف كم هو قوي, كم يمكن له أن يكون قويا..
  على الصخرة تكسرت إرادة أميّة, لا بد أنه فهم يومها أن ذلك الشيء الذي حدث في داخل بلال, كان استثنائيا ! كان حدثا خارقا للعادة..
  وعلى الصخرة, ولد بلال جديد, لقد صار حرا بطريقه ما, وحتى قبل أن يتحرر من عبوديته رسميا, فإن مروره بتلك الصخرة منتصرا, وهو يتمتم بكلمة التوحيد (أحد, أحد) كان إيذانا بحصوله على حريته, حريته التي لم يكن يقصل يبنه ويبنها إلا ساعات قليله بكل الأحوال..
 
                                                                   ****                                           

  أتخيل الصخرة, على الصدر العاري لبلال.
  والرمل الحار للصحراء المجدبة, في ظهيرة حارة, ربما كانت منتصف الصيف.
  لو أن نحاتا ما استلهم هذا المشهد, لو جعله نصبا أو تمثالا..
  لكان جديرا به أن يكون اسمه, نصب الحريه.
  نعم, صخرة بلال تلك, دخلت التاريخ, كنصب للقوة التي تأتي من الإيمان, وللحريه التي تأتي من القوة..
  
                                                                    ****                                      

  الصخرة واحدة..
  مرة مع سيزيف, مثالا للعبث واللا جدوى.
  ومرة مع بلال, مثالا للإيمان الذي يقوي الاشخاص, يحررهم من قيودهم, من ضعفهم..
  في حياة كل منا, هناك دائما هذا الخيار..
  صخرة ما, نجعلها كصخرة سيزيف, ونقضي حياتنا في العبث أو اللا جدوى..
  أو صخرة نجعلها كصخرة بلال, تجعلنا مصاعبها نكتشف قوتنا..
  دائما ثمة صخرة ما ..
  وهناك إختيار واعٍ نختاره..
  سيزيف أو بلال .

                                                                  ****                                        

----------------------------------------------------------------------------------------------
أرجو لكم قراءة ممتعه ☺☺
وآسفه جدا على التأخير 😔

 

شيفرة بلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن